تابع اسم الله الرحمن الرحيم
ثالثًا: ليس كمثله شيء في رحمته:
وذلك من عدة أوجه:
أولاً: رحمة الخلق مخلوقة فتوجد بوجودهم وتفنى بفنائهم، أما رحمة اللَّه عز وجل فإنها صفة ذاتية له لا تفنى ولا تبيد، قال تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [ الرحمن: 26، 27 ].
ثانيًا: رحمة الخلق قليلة محدودة، أما رحمة اللَّه فقد وسعت كل شيء، فكلٌ يرحم بقدر قدرته، فالناس يرحمون في حالٍ دون آخر، فيرحمون القريب دون الغريب، ويرحمون الحبيب دون العدو، أما رحمة اللَّه عز وجل فقد عمَّت الخلق جميعًا، قال تعالى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [الأعراف: 156 ].
ثالثًا: رحمة الناس تختلط باللهفة والضعف لمن يرحم، فالأم إذا مرض ولدُها تحزن، وإذا غاب عنها تقلق وإذا مات هلعت، وذلك من حبها له ورحمتها عليه، وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم، وحزن عليه، وذلك من رحمته به صلى الله عليه وسلم.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله ؟ فقال: ( يا ابن عوف، إنها رحمة ). ثم أتبعها بأخرى، فقال: ( إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون )([1]).
ولكن اللَّه جل جلاله لا يحزن ولا يتألم ولا يبكي ولا يقلق، ولا يتلهف، وهكذا ما لهذه الصفات من نقص وضعف لا يخفى على كل عاقل أن هذا لا يليق باللَّه سبحانه وبحمده. إنما يرحم من قوة، ويعفو من قدرة، ويغفر في عزَّة ولا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
رابعًا: لا تقنطوا من رحمة اللَّه:
قال تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر: 53 ]. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم المؤمن ما عند اللَّه من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند اللَّه من الرحمة ما قنط من جنته أحد )([2]).
ولذا فإن القنوط من رحمة اللَّه من علامات الكفر والضلال، وما يقنط من رحمة اللَّه عز وجل إلا رجلٌ من اثنين: ضال، أو كافر، قال تعالى: { وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ } [ الحجرات: 56 ].
وقد نصح يعقوب عليه السلام بنيه بألا ييأسوا من روح اللَّه أبدًا، وذلك في قوله تعالى: { وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [ يوسف: 87 ].
عن جندب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ( أن رجلاً قال: واللَّه لا يغفر اللَّهُ لفلان، وإن اللَّه تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرتُ لفلان وأحبطتُ عملك )([3]).
وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه وقد قال لضمضم بن جوس اليمامي: يا يمامي لا تقولنَّ لرجل: واللَّه لا يغفر اللَّه لك، أو لا يدخلك الله الجنة أبدًا. فقال له: يا أبا هريرة، إن هذه الكلمة، يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه، إذا غضب، قال أبو هريرة: فلا تقلها، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( كان في بني إسرائيل رجلان ؛ كان أحدهما مجتهدًا في العبادة، وكان الآخر مسرفًا على نفسه، فكانا متآخين، فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب، فيقول: يا هذا أقصر، فيقول: خلَّني وربي، أبعثت عليَّ رقيبًا ؟ قال: إلى أن رآه يومًا على ذنب استعظمه، فقال له: ويحك أقصر، قال: خلَّني وربِّي ابعثت عليَّ رقيبًا ؟ قال: فقال: واللَّه لا يغفر اللَّهُ لك، أو لا يدخلك اللَّه الجنة أبدًا، قال أحدهما: قال: فبعث اللَّه إليهما مَلَكًا فقبض أرواحهما واجتمعا عنده، فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: أكنت بي عالمًا ؟ أكنت على ما في يدي خازنًا ؟ اذهبوا به إلى النار. قال: فوالذي نفس أبي القاسم بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته )([4]).
خامسًا: من أسباب الحرمان من رحمة اللَّه تبارك وتعالى:
فبالرغم من سعة رحمة اللَّه وعظمتها، إلاَّ أن هناك من الناس من حرموا أنفسهم منها بذنوبهم، وسنذكر فيما يلي جانبًا منهم:
أولاً: من لا يَرحم لا يُرحم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبَّلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليٍّ وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ( من لا يَرْحَمُ، لا يُرْحَم )([5])، ولِمَ يرحم اللَّه من لم يرحم عباده الذين خلقهم بيده ونفخ فيهم من روحه ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يرحم اللَّه من لا يرحم الناس )([6]).
ثانيًا: تعذيب الناس:
فعن ابن مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفِي: ( اعْلَمْ أبا مسعود أن اللَّهَ أقدرُ عليك منك على هذا الغلام ). فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا. وفي رواية: فقلت: يا رسول اللَّه، هو حرٌ لوجه اللَّه، فقال: ( أما لو لَمْ تَفْعَل لَلَفَحَتْكَ النارُ أو لَمَسَّتْكَ النارُ )([7]).
وعن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن اللَّه يُعذِّب الذين يُعذّبون الناس في الدنيا ) ([8]).
ثالثًا: تعذيب الحيوانات:
فقد حرَّم اللَّه تعذيب الحيوان والحشرات، ويعاقب من فعل ذلك ؛ فعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( عُذِّبت امرأةٌ في هِرَّة: حبستها حتى ماتَتْ فدخَلَتْ فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خَشَاشِ الأرض )([9]).
رابعًا: الاختلاف والفرقة:
وكفى بنزع الرحمة عن المختلفين ثلاثة أمور كل منها أشد من الأخرى.
الأولى: حرمان المغفرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تُفْتَح أبوابُ الجنةِ يوم الاثنين ويوم الخميس فيُغفَرُ لكلِ عبدٍ لا يُشرك باللَّه شيئًا إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِرُوا هَذَيْنِ حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا )([10]).
الثانية: ضياع الهُدى:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حُضِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمرُ بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هَلمَّ أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده ). فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسْبُنَا كتابُ اللَّه. فاختلف أهل البيت فاختصموا. منهم من يقول: قرِّبُوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا لن تضلوا بعده. ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قوموا عنِّى ). وكان ابن عباس يقول: إن الرَّزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم([11]).
الثالثة: إخفاء ليلة القدر عن المسلمين:
عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: ( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان، فَرُفعِت... )([12]).
سادسًا: من أسباب رحمة اللَّه لخلقه:
1- طاعة اللَّه ورسوله:
فكلما كان العبدُ أكثر طاعة لله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كلما كان أكثر استحقاقًا لرحمة اللَّه عز وجل. قال تعالى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ آل عمران: 132 ]. وقال عز وجل: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الأنعام: 155 ].
2- الإحسان:
قال اللَّه تبارك وتعالى: { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف: 56 ]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن اللَّه كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة... )([13]).
3- تقوى اللَّه تبارك وتعالى:
فإن كانت رحمة اللَّه قد وسعتْ كل شيء وشملت البر والفاجر، والمسلم والكافر، فما من أحد إلا وهو يتقلب في رحمة اللَّه آناء الليل وأطراف النهار وهذا في الدنيا وتلك هي الرحمة العامة، أما الرحمة الخاصة بدخول الجنة في الآخرة فهي للمؤمنين والمتقين وحدهم. قال تعالى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف: 156 ].
4- صلة الرحم:
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( قال اللَّه: أنا اللَّه، وأنا الرحمن، خلقتُ الرَّحِمَ وشققتُ لها اسمًا من اسمي، فَمَنْ وصلها وَصلتُه، ومن قطعها بتَتُّه )([14]). وبَتَتُّه: أي قطعتُه.
فانظر أخي الكريم إلى هذه الشكوى المرة من الرحم المقطوعة إلى اللَّه، وانظر أتحب أن تكون من الواصلين للرحم أم من القاطعين.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرحم مشْجَنَةٌ من الرحمن، تقول: يا ربِّ، إني قُطِعْتُ، يا ربِّ إني ظُلمتُ، يا ربِّ إني أُسئَ إليَّ، يا ربِّ، يا ربِّ، فيُجِيبُها ربُّها عز وجل، فيقولُ: ( أما تَرْضَيْنَ أن أصِل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ )([15]). وفي رواية: ( ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك ؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذاك ). قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } [ محمد: 22 ]([16]).
5- التماس مرضاة اللَّه:
عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن العبد ليلتمسُ مرضاةَ اللَّه، ولا يزالُ بذلك، فيقول اللَّهُ عزَّ وجلَّ لجبريل: إن فلانًا عبدي يلتمس أن يرضيني، ألا وإن رحمتي عليه، فيقول جبريل: رحمة اللَّه على فلان، ويقولها حملة العرش، ويقولها من حولهم حتى يقولها أهل السماواتِ السبعِ، ثم تَهبِطُ له إلى الأرض )([17]).
6- الصبر على الابتلاء:
قال تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [ البقرة: 155- 157 ].
قال ابن كثير: { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } أي: ثناءً عليهم، وقال سعيد بن جبير: أي أمَنَة من العذاب([18]).
ومن رحمة اللَّه بمن استرجع عند المصيبة أنه يخلف له خيرًا منها. عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتني واخلف لي خيرًا منها، إلا أجره اللَّه في مصيبته وأخلف له خيرًا منها ). قالت: فلما تُوفِّيَ أبو سلمة قلتُ كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف اللَّهُ لي خيرًا منه، رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم([19]). فيا لسعادة أم سلمة، فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بصبرها.
7- رحمة الناس:
فعن عبد اللَّه بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر: ( ارحموا تُرْحَمُوا، واغفروا يَغْفِر اللَّهُ لكم )([20]).
من أسامة بن زيد رضي الله عنها أن صبيًا قد رُفع في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه تقعقع ففاضت عينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد: ما هذا يا رسول اللَّه ؟ قال: ( هذه رحمةٌ وضعها اللَّهُ في قلوب من شاء من عباده ولا يرحم اللَّه من عباده إلا الرحماء ).
وفي رواية: ( إنما يرحمُ اللَّه من عباده الرحماء )([21]).
( من رحم رُحم ومن تجاوز تجاوز اللَّهُ عنه ) والجزاء من جنس العمل.
فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حُوسِب رجلٌ ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيءٌ إلا أنه كان يخالطُ الناس، وكان موسرًا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال اللَّه عز وجل: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه )([22]).
قد يعجب المرءُ من رحمة اللَّه بعبدٍ تجاوز عن فقير فيكافؤه بالنجاة من النار والخلود في الجنة، ولكنه يكون أكثر عجبًا حين يرحم اللَّهُ امرأة من البغايا ويغفر لها من أجل شربة ماء سقتها لكلب، فما أرحم اللَّه، وما أكرمه، وما أعظمه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بينما كلب يُطَيِّفُ بَركِيَّةٍ قد كاد يقتله العطشُ إذ رأته بَغِيُّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فاستقت له به فسقته، فَغُفِر لها به )([23]).
8- من جوائز الرحمن لمن رحم إخوانَه:
فمن رحم الناس رحمه الله، ومن قضى حاجة إخوانه، قضى اللَّه حاجته، ومن أحسن إلى الناس، أحسن اللَّه إليه، والجزاء من جنس العمل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أحب الناس إلى اللَّه تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى اللَّه عزَّ وجلَّ سرور يدخله على المسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينًا أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليَّ من أن اعتكف في هذا المسجد شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تُهيأ له أثبت اللَّه قدمه يوم تزول الأقدام، وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل )([24]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته، ومن فَرَّج عن مسلم كربة، فرَّجَ اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره اللَّه يوم القيامة )([25]).
9- الجماعة رحمة:
قال تعالى: { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ }. قيل في هذه الآية المرحومون لا يختلفون.
وقد جاء في بعض الحديث: ( الجماعة رحمة والفرقة عذاب ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يد الله مع الجماعة ). ويقصد بالجماعة: أي جماعة المسلمين والرفقة الصالحة فإن لزومهم كله خير، فإنهم يذكرونك إن غفلت، ويعلمونك إن جَهلْتَ، ويُواسُونَكَ إن أُصِبْتَ. فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زينة في الرخاء، وعُدَّةٌ في البلاء، ولا تصاحب إلا الأمين ولا أمين إلا من خشي الله عز وجل، ولا تصاحب الفاجر فتتعلم من فجوره.
سابعًا: دعاء اللَّه باسميه ( الرحمن، الرحيم ):
1- دعاء الثناء والحمد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال اللَّه تعالى: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال اللَّه تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال اللَّه: أثنى عليَّ عبدى... )([26]).
2- ومن ذلك أيضًا دعاء المسألة والطلب:
قال ابن كثير: قال ابن المبارك: الرحمن إذا سُئِل أعطى، والرحيم إذا لم يُسأل يغضب، وهذا كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لم يسأل اللَّهَ يغضب عليه )([27]). وقال بعض الشعراء:
فمن عرف رحمة اللَّه تبارك وتعالى وسَعَتَها ازداد فيها طمعًا واشتد فيما عند اللَّه طلبًا وعزم في سؤال حاجته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم في المسألة، فإنه لا مُسْتَكْرهِ له ). وفي رواية: ( وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء لا مُكْرِه له )([28]).
وعن أنس بن مالك قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة: ( ما يمنعك أن تَسمعي ما أُوصيك به ! أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حيُّ يا قيومُ برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كلَّه، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين )([29]).
ومن دعاء المؤمنين ما جاء في قوله تعالى: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [ آل عمران: 8 ]. وكان من دعاء أصحاب الكهف لمَّا هجروا قومهم خوفًا منهم وهربًا من طغيانهم وظلمهم فلم يجدوا ملاذًا إلا رحمة اللَّه تعالى، قال اللَّه عز وجل: { إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } [ الكهف: 10 ].
{ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ }.
([1]) رواه البخاري، وروى بعضه مسلم.
([2]) رواه مسلم (4/2755) عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة.
([3]) صحيح أخرجه مسلم (4/137)، البر والصلة.
([4]) حسن. أخرجه أحمد (ج16/8275).
([5]) أخرجه البخاي (5997).
([6]) أخرجه البخاري (13/358) الحديث رقم (7376).
([7]) رواه مسلم.
([8]) رواه مسلم.
([9]) متفق عليه، وخشاش الأرض: هوامها، وحشراتها.
([10]) رواه مسلم، والشحناء: هي العداوة، وانْظِروا، أي: أخِّرُوا.
([11]) رواه البخاري (5669) - كتاب المرض، وكتاب العلم.
([12]) رواه البخاري.
([13]) رواه مسلم.
([14]) صحيح. أخرجه الترمذي (ج 4 /1907)، وأحمد (ج 3/1686)، وأبو داود (ج 2/1694)، والحميدي (ج 1 /65).
([15]) صحيح. أخرجه أحمد (ج19/9871)، والبخاري في الأدب المفرد (ص 36/35)، والحاكم (ج4 ص162)، وابن حبان.
([16]) صحيح. أخرجه البخاري (ج 8 / 4830)، ومسلم (ج 4- البر والصلة - 16) وغيرهما.
([17]) صحيح. أخرجه أحمد (5/279).
([18]) تفسير ابن كثير (1/188).
([19]) أخرجه مسلم (918).
([20]) أخرجه أحمد (2/165، 219)، والبخاري في الأدب المفرد (380)، وانظر الصحيحة (480).
([21]) أخرجه البخاري (1284، 5655، 6602) (6655، 7377، 7448)، ومسلم (923)، وتقعقع: أي في سكرات الموت.
([22]) صحيح. أخرجه مسلم (ج 3 - المساقاة - 30)، والبخاري في الأدب المفرد (293)، والترمذي (ج 3/1307)، وأحمد (ج 4 /118).
([23]) متفق عليه، يطيف: يدور حول ( رَكِيَّه ) وهي البئر.
([24]) صحيح. السلسلة الصحيحة رقم (906).
([25]) متفق عليه.
([26]) صحيح أخرجه مسلم (ج 1 - الصلاة - 38)، وأحمد (ج 13/7289).
([27]) رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث أبي صالح الخوزي.
([28]) أخرجه البخاري (6339، 7447).
([29]) إسناده حسن، أخرجه النسائي في ( عمل اليوم والليلة ) (570)، وابن السني في ( عمل اليوم والليلة ) (48)، والبزار (3107) ( زوائد )، والحاكم (1/545)، والبيهقي في ( الأسماء ) (ص112) من طرق عن زيد بن الحباب حدثني عثمان بن موهب الهاشمي قال: سمعت أنس بن مالك يقول فذكره. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
مختارات