" كـن سمحـًا "
" كـن سمحـًا "
لا شيء يمكن أن يقارن بقدرة المرء على الغفران !
وأنت إذا تأملت في عامة الهموم والأحزان وجدتها وليدة علاقات اجتماعية سلبية يكون الظلم وسوء الخلق محور سلبياتها..
فأحزان البيوت.. عامتها من خلل العشرة الزوجية.. فزوجة تشكو قسوة زوجها.. وزوج يئن تحت غطرسة زوجته.. وأبناء يتضاغون افتقارًا إلي كنف المودة وظل الحنان! وآباء يشكون من أبنائهم العقوق..
وآخر في عمله يشكو من حاسد إذا حسد.. وآخر يشكو ظالمه للصمد.. وثالث قد أخذ ماله.. ورابع قد هتك عرضه.. وخامس مكروا به فإذا هو سجين.. يسمع لأنينه الأنين.. وقائمة هذا النوع من الأحزان طويلة لكثرة ما في الظلم من ألوان! وفي كل هذه الأحوال الجالبة للحسرة والأحزان ؛ يظل علاج السماحة هو الدواء الشافي.. ينزل على الحزن والهم والغم.. فيذيبه كما يذوب الملح في الماء.
وليس هذا بدعًا من القول.. وإنما هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم أطيب الخلق.. وكان أسعد الناس حياة.. ومن أسرار سعادته وطيب نفسه أنه لم يكن ينتقم لنفسه قط.. بل كان يعفو ويصفح ويحسن إلي من أساء إليه.. ويدعو إلي مكارم الأخلاق.. وترك الغضب واجتناب الانتقام للنفس، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا».
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم» [رواه أبو داود] وقد شهد له ربه بحسن الخلق فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
فمن تأسى به في سماحته صلى الله عليه وسلم، وعفوه، وطيب خلقه فقد أخذ حظًا وافرا من السعادة وراحة البال ولتهنه السلامة.
وإذا تتبعت سير السلف رضوان الله عليهم والعلماء والحكماء وجدتهم أهل عفو وسماحة ورفق.. وهي صفات لا تجدها إلا في عاقل حكيم عالم، وهذا ابن القيم رحمه الله يصف حال شيخه ابن تيمية رحمه الله فيقول: «وما رأيت أحدًا أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله سره».
وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم.
وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له – فنهرني – وتنكر لي، واسترجع، ثم قام من فوره إلي بيت أهله فعزاهم وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلي مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسروا به ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه (مدارج السالكين).
أخي.. إنك حين تسامح الناس على أخطائهم وعداوتهم وإيذائهم لك سواء أخطئوا أم تعمدوا فإنك بذلك تكون صاحب الشخصية الفذة الحكيمة.. وليس ذلك – بأي حال – دليلاً على ضعف شخصيتك وقلة صولتك.. كيف وأنت في سماحتك مقتد بسيد ولد آدم ونبي الله سبحانه..؟؟؟
ثم إن العفو والسماحة تثمر لك أربع ثمار، لن تنالها قط بالانتقام والغضب والحقد أبدًا:
أولها: أنك تنال منزلة المتقين أهل الخلق الحسن الذين وصفهم الله بصفة الغفران وكظم الغيط، والعفو في آيات كثيرة فقال سبحانه: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} وقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133 – 134].
الثاني: إنك موعود بالنصر والعز إذا عفوت.. وفي هذا تحقيق للمقصود.. وتفويض لله جلا وعلا المتكفل بالعبادة.. فإذا كان المنتقم لنفسه يريد عزها.. فإن العز إنما يأتي بالعفو كما قال صلى الله عليه وسلم: «وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا» وقد قيل: ما انتقم عبد لنفسه إلا ذل !
الثالث: أن العفو فيه تطييب للخواطر.. وإخماد لنار العداوات فما ينال بالغضب والله جل وعلا يقول: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت: 34].
الرابع: أن العفو إذا لم يكتسب به ود العدو.. وانتهاء الظالم فأقل ثماره أنه يدفع العداوات، ويردع الأعداء عن تكرار الأذى لعلمهم بسماحة المعتدى عليه.. وأنه بعفوه يرغمهم على الانتهاء.. فإذا أظهر فربما ازداد حقدهم وإن كانوا ضعفاء.
وفي هذا يقول الشافعي رحمه الله:
لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من ظلم العداوات
أخي..
مع التسامح والعفو تذوب الأحزان..
مع التغافل عن الأخطاء وترك المحاسبة تصفو المودة وتطول..
مع الحلم ونسيان أذية الغير تزول الهموم..
كن ذكيًا عاقلاً.. لكن إذا أخطأ أحد في حقك كمن أبله..
ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي
قال الأصمعي: بلغني أن رجلاً قال لآخر: والله لو (إن) قلت واحدة لتسمعن عشرًا.
فقال الآخر: لكنك إن قلت عشرًا لم تسمع واحدة.
وشتم رجل الحسن وأربى عليه، فقال له الحسن: أما أنت فما أبقيت شيئًا، وما يعلم الله أكثر.
ولله در القائل:
وإذا مرضنا أتيناكم نعودكم وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
مختارات