" استعن بالله وكن قنوعًا "
" استعن بالله وكن قنوعًا "
هناك آيتان في كتاب الله تبين للمسلم كيفية الاستعانة بالله جل وعلا.. واكتساب عونه وكفايته وعنايته.. الأولى قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فهنا جمع الله بين أمرين: الأول عبادة المسلم لربه، والثاني عونه له إذا عبده وطلب عونه.
أما الثانية فهي قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] فعون الله وكفايته لعبده تكون على قدر تحقيقه لعبوديته.. واهتمامه بأوامره ودينه.. ولهذا فإن أطيب الناس عيشًا وأحقهم بعون الله وتوفيقه من جعل همه في الله..
أيها المتعب جهدًا نفسه يطلب الدنيا حريصًا جاهدًا
لك الدنيــــا ولا أنت لهـــا فاجعل الهمين همًا واحدًا
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرر ذلك ويقول: «مَنْ جَعَلَ الهُمومَ هَمَّا واحِدًا، هَمَّ المَعادِ، كَفَاهُ اللهُ سائِرَ هُمومِه، و مَن تَشَعَّبَتْ به الهُمومُ من أحوالِ الدنيا لَمْ يُبالِ اللهُ في أيِّ أوْدِيَتِها هَلَكَ» [صحيح الجامع].
قال محمد بن سوقة: أمران لو لم نعذب إلا بهما لكنا مستحقين بهما العذاب: أحدنا يزداد في دنياه فيفرح فرحًا، ما علم الله منه قط أنه فرح بشيء قط زيد في دينه مثله، وأحدنا ينقص من دنياه فيحزن حزنًا ما علم الله منه قط أنه حزن على شيء نقصه من دينه مثله.
علام تحزن.. ودنياك كلها سجن قد حبست فيه.. تنظر متى يفرج عنك لترجع إلي بيتك الفسيح النعيم في الجنان.
اسمع إلي وصية عبد الله بن عمرو وهو يصف الدنيا يقول: إن الدنيا جنة الكافر، وسجن المؤمن.. وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح فيها.
الليـالي والحوادث تنقضـي كأضغاث أحلام ونحن رقود
وأجب من ذا أنها قدر ساعة تجد بنا سيرًا ونحن قعود
والقناعة – أخي – صخرة تتفتت عليها سائر الهموم.. وذلك لأن منشأ الهموم والأحزان في القلب.. فمتى اشتد فيه خليط الرغبات والطمع والجشع تولد فيه من الحسرة بقدر ما يخطئ من تحقيق تلك الرغبات، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الغنى غنى القلب.. وإنما الفقر فقر القلب [صحيح الترغيب والترهيب].
قال شميط بن عجلان: إنسانان معذبان في الدنيا: غني أعطي الدنيا فهو بها مشغول، وفقير زويت عنه فهو يتبعها نفسه، فنفسه تتقطع عليها حسرات.
قال الفضيل بن عياض: المؤمن في الدنيا مهموم حزين.. همه خرقة جهازه، ومن كان في الدنيا كذلك، فلا هم له إلا التزود بما ينفعه عند العود إلي وطنه فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزهم ولا يجزع من الذل عندهم.
من شاء عيشًا رحيبًا يستطب به في دينه ثم في دنياه إقبالاً
فلينظـرن إلـي مـن فوقـه ورعًــا ولينظرن إلي من دونه مالاً
وقال يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة.
وقال سلمة بن دينار: إن كان يغنيك من الدنيا ما يكفيك، فأدنى عيش من الدنيا يكفيك، وإن كان يغنيك ما يكفيك فليس شيء يكفيك.
قال عمر: الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن.
مختارات