" كيف تفعل إذا حل بك المرض ؟ "
" كيف تفعل إذا حل بك المرض؟ "
أخي المريض: إذا حل بك مرض في نفسك أو جسمك فقل: " إنا لله وإنا إليه راجعون "، فإنها أول عبارات الصابرين كما قال تعالى: " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " [البقرة: 155 - 157].
أولا: تذكر أنه مجرد اختبار وسينتهي:
فالمرض من مفردات البلاء في الحياة.. وهل الحياة إلا بلاء وتمحيص.. قال تعالى: " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " [الملك: 1 - 2].
قال عبد الملك بن إسحاق: " ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر كيف شكره، أو بلية لينظر كيف صبره ".
وكان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء قال: " سحابة صيف ثم تنقشع ".
فكن ـ شفاك الله ـ متذكرا لهذا المعنى.. فمرضك مجرد ابتلاء.. سيزول يوما وينتهي.. ويبقى في صحيفتك ثوابه وأجره إذا صبرت.. أو سيئاته ووزره إذا جزعت ! قال بعض الحكماء: " العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم ".
أخي المريض: ولئن استطعت التغلب على التسخط والشكوى، وواجهت مرضك بالرضا والصبر على البلوى، لأنت إذن من عجب رسول الله من أمره حيث قال: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» [رواه مسلم].
ثانيا: تذكر حسناته وثماره:
فمرضك ـ أخي ـ لو تأملت حسناته وثوابه لهانت عليك آلامه وأتعابه، ولتسليت عن همه بحسن العاقبة والتماس الأجر من الله.. وحسنات المرض إما:
* ذنب يغفر: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا هم، ولا حزن، ولا غم، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» [رواه البخاري].
وحين مرض كعب، عاده رهط من أهل دمشق، فقالوا: كيف تجدك يا أبا إسحاق؟ قال: " بخير، جسد أخذ بذنبه إن شاء ربه عذبه، وإن شاء رحمه، وإن بعثه؛ بعثه خلقا جديدا، لا ذنب له ".
وتذكر أخي أن تكفير الذنوب بالمرض خير لصاحبها من أن تبقى عليه ذنوبه، ثم تحصى عليه يوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عن ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة» [رواه الترمذي].
* حسنة تكتسب أو درجة ترفع: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه خطيئة، وكتب له حسنة ورفع له درجة» [رواه الطبراني في الأوسط].
ولأجل هذا جاءت عبارات السلف في مصيبة المرض متضمنة لتلك المعاني حتى قال سفيان: " ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة ".
ثالثا: اجعله فرصة للمحاسبة:
فالمرض أخي ابتلاء من الله لعبده، وهو وإن كان فيه خير كبير.. إلا أن عامة أسبابه الذنوب والخطايا.. فما نزل ابتلاء إلا بذنب، كما قال تعالى: " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ " [الشورى: 30]، وكما سبق في الحديث: " إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا "، فلفظ العقوبة في الحديث يدل على نتيجة الذنوب فهي التي أوجبتها وألحقتها بالعبد وإن كان الخير في تعجيلها في الدنيا وتخليصه من وبالها يوم القيامة..
وهذا كله يستدعي من المسلم أن يقف في حال مرضه وقفة محاسبة مع نفسه.. وينظر في أعماله وأفعاله.. ويفتش عن عيوبه وذنوبه.. ويجدد إيمانه بتوبة نصوح.. وعزم على طاعة الله جل وعلا وأداء حقوقه، وحقوق عباده، فمن وفق إلى ذلك فقد وفق إلى خير عظيم.
رابعا: تضرع إلى الله وحده:
فإنه سبحانه يحب الدعاء.. ويستجيبه لعبده.. لاسيما المضطر، ومن أصابه السوء، كما قال تعالى: " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ " [النمل: 62].
وأنت ـ أخي ـ في مرضك أحوج ما تكون إلى الشفاء.. وأحوج ما تكون إلى كشف الهم والبلاء، وإن من أدبك مع الله أن تظهر له وحده الاستكانة والتضرع.. والخضوع والتذلل، وأن تبث إليه حزنك وهمك وشكواك تأسيا بالأنبياء، فهذا أيوب لما أصابه المرض قال: " مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " [الأنبياء: 83].
وتذكر أن الاستكبار عن الدعاء من موجبات غضب الله، وطول البلاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لم يسأل الله غضب عليه»، وكما قال سبحانه عن يونس عليه السلام: " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ".
مختارات