" فلتقر عينك "
" فلتقر عينك "
من نعم الله - عز وجل - على الرجل أن يرزقه بزوجة صالحة ويوفقه إلى امرأة حنون ولود ودود.
ومن أنصع صفاتها التي تهنأ بها نفسه وتقر برؤيتها عينه:
أولاً: طيب الكلام وانتقاؤه: فإن طيب الحديث يأسر القلوب، ويأخذ بالألباب، ومن أولى وأحق بالزوجة من ذلك؟ تأملي قول الله -عز وجل- وهو يخاطب الكفار: " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ " [آل عمران: 64]، وفي قوله تعالى: " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ " [النساء: 171]، وهذه الكلمة " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ " تطير لها قلوبهم وما ذاك إلا رغبة في إيصال الحق وسماعه إليهم، والنبي صلى الله عليه وسلم وقد جلس إليه سهيل بن عمرو في صلح الحديبية وكان حينها كافرًا، قال له صلى الله عليه وسلم: «انتهيت يا أبا الوليد» فكناه بأحب الكنى إليه وهو كافر وما ذاك إلا رغبة في دعوته.
وحق على الزوجة أن تنتقي أطايب الكلام وحلو الحديث لزوجها لتدخل السرور على قلبه وتتودد إليه.
ثانيًا: حسن استقبال الزوج: وهو أول مفتاح لدخول قلب الزوج، فتحسن اختيار اللباس والكلام وتنثر في مقدمه وردًا وحبًا، هاهي تتناول ما أثقل يده من رزق الله وتعينه على خلع ثوبه وتبث له الشوق حمدًا لله على سلامته، وترحب بقدومه وطلعته وتجلسه حيث يحب ثم هي تمسح عناء العمل وتعبه بكلمة حانية ونظرة باسمة.
ثالثًا: التبسم وطلاقة الوجه: من أسباب حصول المودة واستقرارها إطالة التبسم وطلاقة الوجه؛ لأنها دليل على الرضا والمحبة والسرور والفرح، وهذا الابتسامة الصغيرة توحي بمعان كثيرة ولفتات متتالية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [رواه مسلم].
رابعًا: إذا استقر المقام بالزوج في مكانه سارعت إليه بالأخبار المفرحة والأنباء السارة تحكي له ما جرى لها وماذا حدث لها ليكون قطعة منها يعلم ما يجري في داره، وتؤانسه بما تعلم أنه يحب من الحديث، وتشجعه إذا تحدث وتثني على عمله مع تذكيره بالله -عز وجل- واحتساب الأجر جراء ما يحدث من منغصات ومكدرات، وهذا الحديث خال من الغيبة والنميمة والبهتان والكذب، وفيه من ذكر الله والثناء عليه والحمد له ما يجعله مجلس ذكر.
خامسًا: من تمام الاستقبال تمام الزينة وجمال المظهر ليتوافق مع جمال المخبر، هاهي تستقبل الزوج في أبهى حلة وأجمل ثوب وأنصع قلب، لقد تجملت له ومن أحق بالتجمل منه؟
سادسًا: الرحمة له والشفقة عليه: هاهو قد أتى متعبًا من يومه منهكًا من عمله فترحمه وترى توالي المتاعب فتشفق عليه وتعينه لقد نمت الألفة وزرعت بيدها دوحة الحب الصادقة فلا يرى له سكن سواها.
سابعًا: المرأة تحب الالتفاتة الحنونة من زوجها: وقد يكون عكس ذلك لظروف يمر بها الزوج أو أن ذلك خللاً في بعض جوانب شخصيته، إنها تسارع إلى كظم الغيظ والمسامحة والعفو، فهي تسعى إلى أن تكون مع المحسنين الذين أثنى الله - عز وجل - " وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [آل عمران: 134].
ولهذا فصوت الشيطان يخبو وهي تسامح وتعفو فتنتهي المشاكل في مهدها، وتموت الفرقة في بدايتها وينشر الحب عبيره مرة بعد أخرى.
ثامنًا: تتفاوت مدارك الأزواج: وتتنوع ثقافاتهم وقد يكون مستوى الزوج الدراسي والتعليمي أقل من الزوجة أو تكون الزوجة ذات جاه ومال وحسب ونسب، والأصل في المسلمة التواضع ولين الجانب وعدم التكبر؛ لأن البعض منهن يترفع على الزوج وتتكبر وتفتخر، وربما جرها الأمر إلى الازدراء والكبر، وكل ذلك يولد في قلب الزوج الكره والنفرة، وربما قادته بهذا الازدراء إلى المال الحرام ليرفع من حاله أو لعلها أدخلت عقدًا نفسية عليه.
تاسعًا: المرأة المسلمة حيية مع زوجها: فإن الحياء صفة حميدة ومنقبة جميلة، كما قال صلى الله عليه وسلم عنه: «لا يأتي إلا بخير» ومن الحياء ترك القبيح والبعد عن سفاسف الأمور حديثًا وفعلاً.
عاشرًا: الزوجة الصالحة تسعى لخدمة زوجها والقيام بشئونه وقضاء حوائجه والاستعداد لقدومه وقد كان أمهات المؤمنين يخدمن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت فاطمة - رضي الله عنها - تقوم على خدمة زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا فعل الصحابيات وكرام النساء، وكما أنها تخدمه في المنزل فهو أيضًا يقوم بخدمتها خارج المنزل، من العمل لإسعادها وجلب الرزق لها، وتفقد معايشها وإدخال السرور إلى قلبها.
الحادي عشر: عدم تكليف الزوج ما لا يطيق: فإن الله -عز وجل- يقول: " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ " فيكفيها ما يكفي زوجها دون تبرم ولا تذمر ولا شكوى فإن الأرزاق بيد الله -عز وجل- والسعادة ليست بالمال وحده.
الثاني عشر: الحذر من الإسراف والتبذير: فقد انتشرت هذه الظاهرة في تغيير الدور والمنازل وفرشها وتأثيثها، مما أرهق الزوج وجعل همه الاستجابة للزوجة التي تلاحقه صباح مساء بطلبات فيها إسراف أو تبذير.
الثالث عشر: المحافظة على أسرار الزوج: فإن المنزل مملكة خاصة بالزوج وزوجته، وإفشاء الأسرار يعرض هذه المملكة إلى السقوط خاصة إذا كانت أسرار يحرص الزوج على الاحتفاظ بها لنفسه، ومن أشد الأسرار ما يقع بين الزوجين، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده، فقال: «لعل رجلاً يقول ما يفعله بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها» فأرم القوم - أي سكتوا ولم يجيبوا - فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن، وإنهم ليفعلون، قال: «فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها، والناس ينظرون» [رواه أحمد].
الرابع عشر: الزوجة الموفقة تحتفظ بمشاكلها وتحاول أن تحلها وتصلحها في داخل منزلها، لأن من المعروف أن خروج المشكلة من المنزل معناه كبرها وبقاؤها واستمرارها، وأحيانًا تولد مشاكل أخرى مضاعفة، والمرأة جزامة ندامة، بعد حين تتمنى أن لو لم تخبر والدها أو والدتها بمشكلة مرت بها.
الخامس عشر: من حسن العشرة إكرام من يحبهم الزوج، ومن أكرم عنده من والديه، والموفقة تعلم ذلك وتعلم أن في الإحسان إلى رجل مسلم كبير وامرأة مسلمة كبيرة جزاءً موفورًا في الأجر والمثوبة، كيف إذا زادت نيتها وعملت لوجه الله -عز وجل- ثم لإرضاء زوجها وإكرامه وما طرأ على المجتمع من تشويه لصورة الوالدين والنفور منهما إلا بسبب الإعلام الفاسد الذي نخر في جسد الأمة فأبعد الزوج عن أبيه، والوجه عن والدة زوجها.
السادس عشر: الإكثار من أنواع العبادة والطاعة والاستعانة بالصبر والصلاة: فإنها تؤانس الوحشة وتزيل كدر النفوس، وتقرب إلى الله عز وجل، وكلما تقربت إلى ربك -عز وجل- فأنت في خير وعافية دنيا وآخرة.
السابع عشر: مما تقر لابه نفس الزوج ويهنأ به قلبه أن يرى ثمرة فؤاده على خير حال، فإن حسن تربية الأولاد مدعاة إلى محبة الزوجة والفرح بها، والمرأة المسلمة تتعبد لله - عز وجل - بحسن تربيتها لأولادها، لإخراج جيل صالح ينفع المسلمين مما ينعكس أثر ذلك على الأب سرورًا وفرحًا.
مختارات