" من العلاقات الشيطانية التى توقع الإنسان فى الحرام : الصحبة السيئة "
" من العلاقات الشيطانية التى توقع الإنسان فى الحرام: الصحبة السيئة "
من العلاقات الشيطانية الصحبة السيئة؛ فالشيطان يوسوس للإنسان بأن يصاحب الأشرار، ويبتعد عن الأخيار، ومن ثم تكون العلاقات السيئة مع الآخرين، فيقع الإنسان في الشر ويبتعد عن الخير؛ فالصحبة السيئة تُحسن القبيح، وتُقبح الحسن، وتجر المرء إلى الخنا والرذيلة؛ ذلك أن المرء يتأثر بعادات جليسه وأخلاقه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الرَّجلُ على دِينِ خليلِه، فلْينظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلْ» [صحيح الجامع]؛ فالصحبة السيئة تجر المرء إلى فعل القبائح، وإلى ترك الفضائل، وإن كان الإنسان قد تربى تربية حسنة في أسرته؛ خاصة إن كان الأصدقاء في مثل سنه؛ فيعمل عملهم، وإن كان في بداية الأمر يرفضه، فإذا وقع معهم في الأمور الصغيرة، تدرَّجوا به إلى فعل الكبائر؛ فيكون مثلهم، وربما أكثر.
وتلاحظ التأثرات السيئة للصحبة في الجوانب التالية:
1- تعريف الشاب أو الفتاة بأنماط من السلوك والممارسات لم يكن يعرفها في السابق؛ مما يجعله في تفكير مستمر حول ممارستها، وفي صراع نفسي بين رغبة الخير التي تربى عليها ورغبة الشر التي يراها في أقرانه.
2- التشجيع على ممارسة الفساد لكثرة مشاهدته وإلحاحِ وتهوينِ الأمر في عينيه، مثل تهوين أمر السرقة أو الزنا وغيره.
3- قد يجر ذلك إلى الممارسات غير الأخلاقية الجماعية، وهنا يتحول الشاب أو الفتاة من فاسد إلى مفسد (العفة، يحيى العقيلي).
تلك آثار الصحبة السيئة، وفي يوم القيامة يكون أثرها أسوأ وأعظم، قال تعالى: " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا " [الفرقان: 27-29].
من هذه النصوص يتبين الأثر الكبير للصحبة على المتعاقدين عليها، وتنبه الإنسان إلى أهمية الوعي عند اختيار الأصدقاء وتوجهه إلى التمسك بالصالحين الأخيار، ومجانبة الذين يشينون أنفهم ومن لزمهم، ومن الصحبة السيئة أن تكون الصداقة مدعاة للعبث والإسفاف، وفنون الهزل، وضياعاً للأوقات، فهذه الصداقة عامل هدم ووسيلة ضياع.
وهذا هو الواقع لكثير من الشباب اليوم – مع الأسف – لأن جلوسه مع صديقه ورحلاته معه أطول مما يقضيه مع الآخرين غالباً، والمسلم الواعي لأمر ربه، أسمى من أن يضيع أوقاته بالعبث واللامبالاة؛ إن حياة المسلم جد وعمل، والترويح عن النفس والتمتع بالمباح مباح، له بل مشروع إذا قصد به أن تستعيد النفس نشاطها للجد في العبادة، ولكن في حدود المعقول لا يتجاوزها إلى أن يصبح هو الأصل والجد هو الاستثناء.
ومن أمثلة الصحبة السيئة الصداقة بين الرجل والمرأة الأجنبية سواء أكانت المرأة قريبته من غير المحارم أو بنت الجيران، أو بين الزميل وزميلته في الدراسة أو التدريس أو الوظيفة؛ حيث يتزاورون في البيوت، ويسهرون معاً للمذاكرة، ويخرجان معاً للنزهة (الصداقة في الإطار الشرعي، د. عبد الرحمن الزنيدي)، إلى غيرها من الأمور، وقد يأخذها بعضٌ مقام الزوجة في الأنس والتمتع، ونحو ذلك من غير ارتباط، ولا إنجاب أولاد، أو حتى مع إنجاب أحياناً (الصداقة في الإطار الشرعي، د. عبد الرحمن الزنيدي).
ويعلل البعض هذه الصداقة بأنه حب نظيف، وصداقة بريئة، وكسر لشهوات، وأنها تكسر حدة تعلق النفس بالجنس الآخر إذا كسر الحاجز بينهما، وأن المعاشرة قبل الزواج تقي فشل الزواج بعد قيامه.
وهذا النوع من الصداقة محرم لأنها مخالفة لقوم الله تعالى: " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ " [الأحزاب:52] والمتاع (عام في جميع ما يمكن أن يطلب من المواعين، وسائر المرافق للدين والدنيا) (الجامع لأحكام القرآن)، ويقول الشوكاني: «أدب لكل مؤمن ونذير له من أن يثق بنفسه في الخلو مع من لا تحل له والمكالمة من دون حجاب لمن تحرم عليه» (فتح القدير)، ومخالفة أيضاً لقول الله تعالى: " فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا " [الأحزاب:32].
ولأن الخلوة بالأجنبية حرام، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلو أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم» [متفق عليه].
وبسبب هذه الصداقة السيئة زادت الحياة النفسية والاجتماعية تعقيداً، وزرعت الشكوك بين الأزواج، وكثرت بسببها حوادث الزنى والخيانات الزوجية والطلاق (الصداقة، الزنيدي)، وزاد الجوع الجنسي، وكثرة حالات الاغتصاب بشكل كبير؛ بعكس ما تصوره دعاة الاختلاط والصداقة الكاذبة.
ومن أمثلة الصحبة السيئة موالاة الكفار من يهود ونصارى ومحبتهم وإظهار الود لهم بالأقوال والأفعال، وقد حذرنا ربنا عز وجل من موالاة الكفار ومحبتهم بقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [المائدة:51].
ولا مراء أن هذه الصداقة التي تكون بين المسلم والكافر ستجر إلى أمور عظيمة أخرى ينساق إليها المسلم مجاراة لصديقة الكافر، وهي محرمة في الدين، وقد تكون كفراً وشركاً والعياذ بالله، قال تعالى: " وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [البقرة: 109].
ولذا يعلم أنه لا يصلح للصحبة كل إنسان، قال صلى الله عليه وسلم: «الرَّجلُ على دِينِ خليلِه، فلْينظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلْ» [صحيح الجامع]، ولا بد أن يتميز بخصال وصفات يُرغب بسببها في صحبته، وجملتها أن يكون عاقلاً حسن الخلق غير فاسق، قال تعالى: " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " [الكهف: 28].
ولا يقصد من هذا التحذير الانعزال، وترك الناس مطلقاً، والحجر على الأبناء للحفاظ على أخلاقهم وسلوكهم، فهذا مستبعد ويعد سلبية وتشاؤماً؛ إذ إن وجود المرء في بعض الأوقات مع قرناء يعد من العوامل الأساسية والهامة في التربية؛ إذ يتعلم الولد من قرنائه كيف يعامل غيره (مسؤولية الأب المسلم، عدنان باحارث)، ويتعلم الأخلاق الكريمة مثل الكرم والحلم والصبر، فهذه الصفات وغيرها لا يمكن أن يكتسبها المرء وحده؛ بل لابد من صحبة تبرز هذه الصفات، وجماعة تثري وتزيد فيها، والصحبة مهمة للإنسان لأنها تلبي ثلاث حاجات:
1- الحاجة إلى المشاركة.
2- الحاجة إلى الاحترام.
3- الحاجة إلى التَّفَهُّم والدعم من قبل رفيق حميم (المرجع في مبادئ التربية).
إن الصحبة تشبع في النفس حاجات خاصة لا تشبعها علاقاته الأسرية، إن توافر العلاقات الشخصية تولد لدى الإنسان إحساساً بالقيمة والاقتدار والقدرة الحسنة، لذا أمرنا الله بالصحبة وخاصة الصالحين، قال تعالى: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " [الكهف: 28].
فيكون القصد من التحذير هو حفظ الولد أو الأخ من قرناء السوء الذين يضرونه ويؤذونه، وفي الجانب الآخر ربطه بقرناء الخير من الصالحين الذين يمكن أن ينفعوه ويعينوه على الخير ويحضُّوه عليه (المرجع في مبادئ التربية).
مختارات