" التشميرة الخامسة والعشرون "
" التشميرة الخامسة والعشرون "
ببشاشة وسماحة نفس.. أبشري ماذا تطلبين؟! ماذا تريدين؟! ماذا تحبين؟! وقبلات على رأسها بين حديثوآخر.. هذا حديثه وفعله مع والدته..
ألا تريدين أن تذهبي لآل فلان تسلمين عليهم؟! لا يدع والدته تطلب منه ذلك.. بل هو يعرض الأمر.. فلربما كانت محرجة من طلبه..
لرغبة في نفس والدته قرر القيام برحلة إلى القرية التي تربت ونشأت فيها والدته.. فرحت والدته وهي ترى مراتع الصبا وتجدد له الدعاء وهي تستعيد الذكريات.
بين حين وآخر يناول والدته مبلغًا من المال.. سنوات وهو يفعل ذلك.. ما نقص ماله.. وما تأثرت تجارته..
يتحين الفرص.. متى تريدين الذهاب إلى مكة؟ الجو يا أمي هذه الأيام معتدل وليس هناك زحام.. الحمد لله الأمور متيسرة والسبل متوفرة.. هيا يا أمي.
ما دخل المنزل أو أراد الخروج منه إلا قبل رأس والدته ودعا لها بطول العمر والبركة في العمل..
تعجب يومًا وهو يستمع إلى والدته تقرأ سورة الفاتحة، وانتبه على صوت في داخله يؤنبه.. أنت مدرس.. تمنح العلم للتلاميذ.. ووالدتك تخطئ في قراءة سورة الفاتحة؟!
ألزم نفسه بساعات يقضيها بجوار والدته حتى حفظت قصار السور وأجادت قراءة الفاتحة..
رحم ذلك الضعف من والدته، وتذكر كيف كانت عنايتها ورعايتها له.. وقال: بماذا أجازيك وكيف أقضي بعض حقك؟!
قال الشاب الذي لم يتجاوز العشرين من العمر.. الحمد لله لم آمر والدتي بطلب منذ أن عقلت حق الأم..
قال له من هو في سنه منذ متى عقلت حق الأم؟!
قال: منذ ثلاث سنوات استمعت إلى محاضرة عن حقوق الأم.. وبعدها عقلت الأمر وسعيت في برها.
جعلت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «... ففيهما فجاهد» أساسًا لتعاملي مع والدي.. أقدم رغباتهما وألبي طلباتهما.. وأعلم بعد ذلك وقبله أني لم ولن أوف حقوقهما.
قال لزوجته.. هذه أمي.. وأنت يا زوجتي العزيزة مثلما تحبين أمك فأنا أحب أمي ورضاي في رضاها.. أنت المرأة العاقلة.. لا تغضبيها ولا يكن في قلبك عليها شيء.. عندها تأكدي يا زوجتي.. أنه سيصفو لك قلبي.. وتهنأ بك نفسي.
لأنه الأخ الأكبر أصر وبشدة أن تبقى والدته عنده، وقال لها.. سأجعل بيتي مفتوحًا للزائرين والمسلمين.. هنا يا أمي سترين الأبناء والأحفاد فلتهنأ عينك وتقر نفسك.
يجلس مع والدته ساعة أو تزيد كل يوم.. يسمع حديثها، وتبث شكواها، وتذكره بأيامه الأولى.. وهو يستمع في دعة وحبور.. ويزيد فرحه ما يراه من سرور والدته.
ما قام أو جلس إلا دعت له.. وما غاب إلا أتبعته الدعاء بالصحة والعافية والستر.. تتلهف لعودته وتسر برؤيته.. إنه رجل عرف حق الوالدين.. ويحاول أن يجازي من أحسن إليه ولو ببعض الوفاء.
مختارات