" مقـدمة "
" مقـدمة "
كَثُر في زماننا هذا عقوق الآباء والأُمَّهات، وظهر من يرفع صوته على أبيه وأُمِّه، ومن ينظر إليهما شزرًا، ومن يحتقرهما ولا يراهما شيئًا، بل ومن يضربهما ويخرجهما من بيته أو بيتهما.
وقد خالف هؤلاء ما أمر الله تعالى به من برِّ الوالدين والإحسان إليهما وشكرهما واحترامهما، بل إن الله عزَّ وجلَّ قرن عبادته وحده لا شريك له بالإحسان إلى الوالدين، فقال سبحانه: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " [الإسراء: 23 – 24].
قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان في العقوق شيء أدنى من كلمة «أُفٍّ» لحرمه الله.
وكذلك فقد قرن الله تعالى شكره بشكر الوالدين فقال: " أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ " [لقمان: 14]. وقال سبحانه: " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا " [العنكبوت: 8].
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر: وقرنه بالإشراك بالله عزَّ وجلَّ، فقال عليه الصلاة والسلام: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثًا): الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور» [متفق عليه].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أُمُّك» قال: ثم من؟ قال: «أُمُّك» قال: ثم من؟ قال: «أُمُّك»: قال: ثم من؟ قال: «أبوك» [متفق عليه].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أنفُه، ثم رَغِمَ أنفُه، ثم رَغِمَ أنفُه» قيل من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما، ثم لم يدخل الجنة» [رواه مسلم] ومعني رَغِمَ أنفُه: أي لصق بالرغام وهو التراب.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل برَّ الوالدين من أسباب مغفرة الذنوب، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «هل لك من أُمٍّ؟» قال: لا، قال: «فهل لك من خالة؟» قال: نعم، قال: «فبرَّها» [رواه الترمذي وصححه الألباني] وعند الحاكم وابن حِبَّان: «هل لك والدان؟» الحديث.
مختارات