" التوبة التامة "
" التوبة التامة "
إذا كانت التوبة واجبة على كل مكلف فإنه لابد وأن تكون كاملة تعم جميع الذنوب وتستغرقها بحيث لا تدع ذنبًا إلا تناولته، ولا معصية إلا محت أثرها من القلب، كما يمحو ضوء النهار ظلام الليل؛ توبة يجمع العبد فيها كل عزمه وإرادته مبادرًا بها عازمًا على المضي فيها إلى آخر عمره، مُقلعًا عن الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود إليه، كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
توبة تبدأ بالندم، وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة، وتظل تُذكِّر القلب بعدها وتُخلَّصه من رواسب المعاصي وعكارها، وتحضه على ألا يعود إلى الذنب أبدًا، وأن تكون لله، لا حفظًا للصحة أو المال، أو حرصًا على حظ من متاع الدنيا، أو خوفًا من عقاب أحد، أو سطوة قانون، أو عدم وجود ما يعينه على المعصية؛ لكنه يهجر الذنب لأنه يُغضب الله ورسوله.
وأن تستغرق الذنوب كلها؛ فلا تصح من ذنب أصر على مثله؛ لأن قبول الله لأعمال البر من عبدٍ مقيم على المعصية غير محقق، والنفش المسوقة بلذة المعصية قلما تخلص عمل الخير، والقلب الملوث بالشهوات يستحيل أن يخلص العمل الصالح إذا كثر عليه الرَّان من تتابع الذنوب وتشبعه بها، والعبد مطالب بترك الشر كله، وتركه الشر يدفعه إلى عمل الخير من تلقاء نفسه؛ فإذا تاب العبد من الكذب فلا يصح أن يقيم على الزنا أو الكِبْرِ مثلاً؛ بل عليه إذا تاب من هذه الخصلة أن ينجرَّ إلى غيرها، حتى يقتلع جميع الجذور الشريرة من قلبه.
ثم اعلم – أرشدني الله وإياك إلى الخير – أن على كل عضو من أعضاء الإنسان توبة؛ فتوبة العين كفُّها عن النظر إلى المحارم، وتوبة اليد كفُّها عن تناول المحرَّم، وتوبة السمع كفُّه عن سماع المحرم، وتوبة الفرج كفُّه عن الزنا وهكذا.
وأن يستدرك العبد ما فاته فيؤدي كل فرض ضيَّعه ويرد إلى كل ذي حق حقه من المظالم، ويشغل البدن الذي استعمله في السُّحت والحرام بطاعة الله تعالى وامتثال أوامره والتغذي بالحلال، والبُعْدِ عن مواطن الشُبهات والحرام.
اللهم إنا نسألك توبةً صادقةً وإنابةً كاملةً وعملاً صالحًا متقبلاً يا رب العالمين.
مختارات