" عناية السلف بالتربية "
" عناية السلف بالتربية "
يحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء يسأله: كيف تكون التربية؟ فسأله العالم كم عمر ابنك الآن؟ فقال أربعة أشهر، فقال العالم لقد فاتتك التربية؛ لأن التربية يُبدأ بها منذ اختيار الزوجة، ومن هنا نعلم أن التربية لا تبدأ مع ولادة الطفل، أو بعد مضي سنوات من عمره الأول، بل نلاحظ هنا أن التربية تسبق الإقدام على الزواج، وذلك بالتروي في اختيار الزوجة الصالحة؛ لأنها هي المدرسة الأولى للطفل في حمله، وبعد ولادته، والأم هي الفاعل الأساسي في العملية التربوية، وهي المربي الأسبق قبل الأب؛ وذلك لالتصاقها بالطفل، ولأن الطفل قطعة منها، ولأن عاطفة الأم أقوى من عاطفة الأب والأم المسلمة هي نواة البيت المسلم؛ لأنها تعيش مع الابن أكثر سنوات حياته أهميةً، وهي مرحلة ما قبل المدرسة التي تحدد شخصية الطفل، وهي مرحلة الأساس في حياته، وكلما دعمت بالرعاية والإشراف والتوجيه، كان ذلك أثبت للطفل أمام الهزات المستقبلية التي ستعترض الطفل في مستقبل أيامه.
وكلما أخذت التربية منا جهدًا أكبر أثمرت هذه التربية ثمرة أطيب، فمن يرد إنشاء بيت محكم فليتقن التأسيس؛ ليكون ذلك أقوى له وأشد صلابة في مواجهة دواعي السقوط والانهيار، وهكذا تجب العناية بتأسيس الأبناء.
وهنا إشارة إلى أن التربية الإسلامية، التي عليها الأساس القوي، هي تربية الروح، فتنمية فطرة الطفل السليمة على الخير، وربط صلتها بالله تعالى بالذكر والدعاء في كل حين، وفي كل عمل، وبيان نعمة الله على هذا الطفل في خلقه، ومأكله، ومشربه، ولبسه، ذلك مطلب أهم من العناية بالأكل، والشرب، واللباس، مجردة من استشعار فضل الله فيها، فهذه الحاجات الظاهرية من السهولة إصلاحها، ومتابعتها، وتحقيقها للطفل، إذن فالمهم الاعتراف والإقرار، والحمد والشكر للذي هيأها وأنعم بها علينا.
من ثمار التربية الحسنة:
يذكر أن طفلة في السنة الخامسة الابتدائية، كانت تؤدي سنة الضحى قبل ذهابها إلى المدرسة، وفي اليوم الذي يضيق فيه الوقت، ولا تتمكن من أداء السنة في البيت قبل الخروج، تقول: أشعر بضيق ينتابني في المدرسة في ذلك اليوم عندما أتذكر أني خرجت قبل أداء هذه السنة.
إن الطفل في هذه السن كالورقة البيضاء، مستعد لأن يُكتب فيه أي شيء، من خير، أو شر، لذا يجب على المربين أن يهتموا كثيرًا بالتربية في هذه المرحلة، وينبغي الاهتمام أكثر من جانب الأمهات، فعليهن منح الطفل ما يحتاجه من حب وحنان، وهذا ضروري؛ لتعليم الطفل محبة الآخرين، والمحبة غريزة طبيعية في كل طفل، ولذا ينبغي صرفها في البداية إلى محبة الله سبحانه وتعالى، ثم إلى محبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم الوالدين، والأقربين، وعامة المسلمين.
فمثلاً إذا أهدى للطفل قطعة من الحلوى، أو لعبة، أو غيرها، فسنجد أن هذا الطفل يحب من أهدى له، فما بالكم إذا ذُكِّر الطفل بنعم الله عليه من المآكل، والمشارب، والملابس، والصحة والعافية بين فترة وأخرى؟ ولفت انتباهه إلى أن هذا من رزق الله، فبإذن الله تعالى ستنغرس في قلب هذا الطفل محبة الله سبحانه وتعالى.
دخل الأب يومًا إلى المنزل، وقد أحضر معه أنواعًا من الفاكهة، فجلست الطفلة ذات الأربع سنوات تنظر إلى هذه النعم، بينما الأم والأب منشغلان في حديث ما، فإذا بالطفلة تقطع حديثهما قائلة: أنا أحب ربي! وعندما سئلت لماذا؟ قالت: انظروا ماذا أعطانا، تشير إلى الفاكهة، فقد يغفل الوالدان والطفل يُذَكِّرهما بنعم الله عليهم.
التربية الروحية الإيمانية للطفل:
ينبغي لطفل الثالثة من العمر أن يرى أمه وأباه وهما يصليان، وينبغي أن يسمعهما يتلوان القرآن.
إن استماع الطفل للقرآن الكريم والأذكار اليومية، من والديه وإخوانه، وتكرار هذا السماع يغذي روحه، ويحيي قلبه كما يحيي المطر الأرض المجدبة، فإن سماع الطفل لوالديه، وهما يذكران الله تعالى ومشاهدته لهما في عبادتهما، لذلك أثر في أفعاله، وأقواله، ومن الأمثلة على ذلك القصة الآتية مع هذه الطفلة:
انتهت الأم من الوضوء، وإذا بطفلتها البالغة من العمر ثلاث سنوات، تغسل وجهها، ويديها مقتدية بأمها، وترفع أصبعها السبابة قائلة: لا إله إلا الله، فهذا يدل على أن الطفلة لاحظت من والديها أن هناك ذكرًا مخصصًا يقال بعد الوضوء.
وقصة أخرى:
أدت إحدى الأمهات سنة الوضوء – في أحد الأيام – وقامت لإكمال عملها في المنزل وقد اعتادت طفلتها أن ترى والدتها بعد الصلاة تجلس في مصلاها حتى تنهي أذكار ما بعد الصلاة، ولكن الطفلة لاحظت على والدتها النهوض من المصلى بعد أداء السنة مباشرة، فقالت لها: لماذا قمت من مصلاك قبل أن تقولي: استغفر الله؟ هذا الموقف يدل على شدة مراقبة الأطفال لوالديهم.
مختارات