" فضل الأمة وهيمنتها على سائر الأمم "
" فضل الأمة وهيمنتها على سائر الأمم "
الأمة الإسلامية هي خير الأمم جميعًا، مهما اشتد اختلاف الزمان والمكان، ومهما تقدمت البشرية أو تأخرت؛ بل هي مقياس تقدم البشرية أو تأخرها؛ ذلك أن هاتيك الأمة خُلقت لتكون لها القيادة والريادة؛ لما تملكه من اعتقاد صحيح، وتصور واضح، ونظام متكامل، ومنهج متسق؛ فهي خير أمة حقًا وصدقًا، لا مجاملة ولا محاباة، فالله يريد أن تكون القيادة على هذه البسيطة للحق والخير، لا للباطل والفساد، وهذا ما ينبغي أن تعيه الأمة الإسلامية؛ لتعرف حقيقتها وقيمتها، ومن ثم تقوم بمقتضيات هذه الخيرية، وتبعات هذه القمة السامقة؛ من صيانة الحياة من الشر والفساد، وإقامتها على المعروف الذي شرعه الله.
يقول جلَّ ثناؤه: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " [آل عمران: 110].
روى بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية: «أنتم تُتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى». حسن [رواه أحمد: (5/3)].
قال ابن كثير: وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلوات الله وسلامه عليه؛ فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل؛ فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه. اهـ.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجاء بنوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ يقول: نعم. فتُسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون ما جاءنا من نذير، فيقول: مَن شهودُك؟ فيقول محمد وأمته، فيجاء بكم فتشهدون» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا " قال: «عدلا» " تَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " [أخرجه البخاري: (7349)].
وفي هذه الآية دلالة قوية على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم؛ لأن الوسط في كلام العرب «الخيار والأجود»؛ كما يقال: قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا؛ أي خيرها، وفي التنزيل " قال أوسطهم " ؛ أي: أعدلهم وخيرهم.
وقال زهير بن أبي سُلمى: هم وسط ترضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظمِ
قال أبو جعفر الطبري: «وأرى أن الله تعالى ذكْره إنما وصفهم بأنهم «وسط»؛ لتوسطهم في الدين؛ فلا هم أهل غلوٍّ فيه غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهيب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدَّلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه؛ فوصفهم الله بذلك؛ إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها».
بيد أن هذه الخيرية لن تنال جميع أفراد الأمة، ولكن تنال من اتصف بالصفات المذكورة في الآية الكريمة؛ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله عز وجل؛ يقول القرطبي: قوله تعالى: " تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ " مدحٌ لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا على المنكر زال عنهم اسم المدح، ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سبباً لهلاكهم.
ومما يدل على فضل الأمة أيضًا ما حدق به ابن عمر عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أَجَلُكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثلُ اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلا نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرتين، فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاء، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فإنه فضلي، أعطيه من شئت»[رواه البخاري: (3459)].
مختارات