" من أسباب الفرقة "
" من أسباب الفرقة "
النمامون: الذين يفرقون بين الأحبة، نعم والله يفرقون بين الأحبة، فكم من أحبة فرق بينهم النمامون ! كم فرق النمامون بين الأحبة ! كم من أب فرقوا بينه وبين أولاده ! وكم من أم وجد وجدة فرقوا بينهم وبين أولادهم ! وكم من إخوة فرقوا بينهم ! وكم من أرحام ومؤمنين فرقوا بينهم ! وانظر إلى النميمة كيف تفعل بصاحبها وبمن نمَّ إليه، إنك تجد هذا الإنسان قبل أن تصل إليه النميمة ساكنًا، فإذا جاءه النمام أثاره، فإذا أثاره سبَّب الفتنة والوقيعة بين الناس.
النمامون: هم الذين يقطعون الصلة بين الأقرباء وبين الأرحام، يزرعون الأحقاد والضغائن من أجل أن تنبت قلوب الناس على الأحقاد والضغائن.
النمامون: أفسدوا القلوب حتى ماتت، بهم تمرض القلوب، فإذا مرضت القلوب مرضت الأبدان، وإذا مرضت القلوب ماتت، وإذا ماتت القلوب ماتت الأبدان ولو كانت تدب على وجه الأرض.
النمامون: أفسدوا الألسن بهم تمرض الألسن، فكم من إنسان أوقعوه على منخره في نار جهنم بسبب لسانه، بل وهم يقعون بألسنتهم على مناخرهم في النار لأنهم جنوا جنايات كثيرة.
النمامون: هم الذين مرَّدوا الجوارح عن طاعة الله -تعالى- والعمل الصالح، وأضاعوا العمر.
إن النمام ينشر التهاجر والتقاطع بين الناس، فلا الأعمال تعرض على الرب، ولا الدعاء يستجاب ولا السؤال يعطى، ولا الذنب يغفر.
النمامون: مفاتيح للشر، مغاليق للخير، كم من باب شر فتحوه ! وكم من باب خير أغلقوه! لذلك فالنميمة هي نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد، أما الكلام بين الناس على سبيل الإصلاح، الكلام الطيب النصح والإرشاد والتوجيه والإصلاح ليست من النميمة، ليست النميمة أن تنقل هذا الكلام الصالح الطيب، لأنه في سبيل الإصلاح وأما من نقل الكلام على سبيل الإفساد فهو النمام، لأنه أراد الإفساد بين الناس.
بل وقالوا منه كذلك كشف السر، وهتك الستر، وتُبين لنا هذه الحقيقة أن النمام كالذباب، فما هي وظيفة الذباب؟ وظيفته نقل الجراثيم من جسد إلى جسد، من أجل أن يجرثم البدن، ويجرثم المجتمع كله، وكذلك النمام من وظائفه نقل الأمراض من جسم مريض إلى جسم سليم، ويريد أن يعم هذا المرض في المجتمع كله، وإذا كنا نحارب الذباب الذي ينقل جراثيم، كانت محاربة النميمة أحق وأولى؛ لأنه ينقل الأمراض ويفتك بالأمم ويفتك بالمجتمعات.
ولخطورة النميمة حرمها الله -تبارك وتعالى- في كتابه نصًا وجعلها بين الناس محرمة إلى يوم القيامة، وحرمها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، وتوعد -تبارك وتعالى- أهل النميمة بأشد وعيد وأشد كلمة وعيد في القرآن ﴿وَيْلٌ﴾ وقد توعد الله -تعالى- النمام بويل، وأيًا كان ويل؛ هل هو واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، أو أنه هلاك أو أنه ثبور أو أنه شدة عذاب، أو ما شابه ذلك، يكفي أن هذا الويل ممن يملك العذاب، وممن يقدر على أن يفعل ما يشاء، فالإنسان قد يتوعد لكن لا يكون في استطاعته التعذيب، أما إذا قال الرب: ﴿وَيْلٌ﴾ فإنه هو الذي يقول للشيء كن فيكون.
يقول -تعالى-: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: 1]، قال ابن عباس، وابن عباس معتمد في التفسير، واعتماده في التفسير لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، ضرب على صدره لما أعدَّ له الوضوء وقال له: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» أي علمه التفسير.
فكان من أعلم الناس بالتفسير حتى أن عمر -رضي الله عنه- لما جمعه مع كبار الصحابة أشياخ بدر قالوا -وكأنهم تأذوا من جلوسه معهم-: " كيف يجلس معنا ابن عباس وهو صغير وأولادنا لا يجلسون معنا ! " فاختبرهم عمر -رضي الله عنه- وقال: " ما تقولون في قوله -تعالى-: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: 1] "، فكل أدلى بدلوه، ثم قال: " ما تقول فيه يا ابن عباس؟ " قال: " ما أعلم إلا أنها نزلت إيذانا وإخبارًا بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم " قال: " نعم، فوالله ما أعلم فيها غير ذلك "، قال: " أتمنى أن جميع الناس يعرفون من التفسير ما أعرف ".
كان ابن عمر -رضي الله عنه- مع أن ابن عمر -رضي الله عنه- أكبر من ابن عباس -رضي الله عنه- وأسبق في الإسلام منه وعنده علم غزير- إذا جاءه رجل يستفتيه في آية قال: " اذهب لذاك -أي لابن عباس- فإني ما علمت أحدًا أعلم منه بكتاب الله ".
فابن عباس الذي تربى على العلم وجلس في مجالس العلم يقول ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾: " إنهم النمامون الذين يفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت، الإنسان البريء يبغون له الإثم ".
مختارات