" الخشية والخوف من الله من أسباب مغفرة الذنوب "
" الخشية والخوف من الله من أسباب مغفرة الذنوب "
قال عقبة بن عمر لحذيفة: ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني سمعته يقول: «إن رجلا كان فيمن كان قبلكم، أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا، وأجازيهم فأنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة» قال: وسمعته يقول: «إن رجلا حضره الموت، فلما يئس من الحياة، أوصى أهله - إذا أنا مت، فأجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيها نارا، حتى إذا أكلت لحمي، وخلصت إلى عظمي، فامتحشت فخذوها فاطحنوها، ثم انتظروا يوما راحا: فاذروه في اليوم ففعلوا، فجمعه الله، فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له» قال عقبة بن عمرو: أنا سمعته يقول ذاك وكان نباشا.
والشرح المختصر للحديث القدسي المذكور: قوله: وخلصت إلى عظمي، أي وصلت إليه «فامتُحشت» بالبناء للفاعل، أو بالبناء للمفعول أي احترقت.
وقوله: «يوما راحا»: هو بفتح الراء ممدود، وبحاء مهملة منونة، أي كثير الريح وقوله: «فاذروه» بهمزة وصل، وبذال معجمة، أي طيروه في الريح حتى لا يجتمع.
وقوله: «ففعلوا» أي فعلوا ما أوصاهم به أبوهم. «فجمعه الله»: أي جمع ذراته وأحياه وقال له: «لم فعلت ذلك»؟ أي لم أوصيت بإحراقك وذروك في الريح؟ «قال: من خشيتك» أي فعلت ذلك وأوصيت به يا رب من خشيتك، وخوفا منك، فغفر الله له: «وكان نبَّاشا» أي كان هذا الرجل، مع أنه لم يفعل خيرا نباشا للقبور ويسرق أكفان الموتى وظاهره أن ذلك من قول عقبة، لكن أورد ابن حبان من طريق ربعي عن حذيفة قال: توفي رجل كان نباشا، فقال لولده: " أحرقوني " فهنا سؤال: هل الخوف أفضل أم الرجاء؟ فالجواب: قال بعضهم: سواء لا يفضل أحدهما على الآخر.
ويقال: ما دام الرجل صحيحا فالخوف أفضل، وما دام مريضا فالرجاء أفضل.
ويقال: الخوف للعاصي أفضل، والرجاء للمطيع أفضل.
ويقال: الخوف قبل الذنب أفضل، والرجاء بعد الذنب أفضل ويقال: الرجاء أفضل لأشياء أربعة:
أحدها: الرجاء إلى فضله، والخوف من عديه، والفضل أكرم من العدل.
والثاني: الرجاء إلى الوعد، والوعد من بحر الرحمة، والخوف من الوعيد والوعيد من بحر الغضب، ورحمته سبقت غضبه.
والثالث: الرجاء من الطاعة، والخوف من المعصية، ومن الطاعة ما يعلو على المعاصي، كالتوحيد.
والرابع: الرجاء بالرحمة، والخوف من الذنوب، والذنوب ذو نهاية، والرحمة لا نهاية لها.
ويقال الخوف أفضل منه، لأنه وعد بالخوف جنتين، ولم يعد بالرجاء إلا جنة واحدة.
وأيضا الخوف يمنع من الذنوب، وترك الذنوب أفضل من فعل الخيرات.
ويقال: من عَبدَ الله بالخوف فهو مؤمن، ومن عبد الله بالرضا فهو مرجئ ومن عبد الله بالحب فهو زنديق، ومن عبد الله بالثلاثة فهو مستقيم.
مختارات