" نهاية كعب بن الأشرف "
" نهاية كعب بن الأشرف "
وكان من بني طيء ثم أحد بني نبهان؛ ولكن أمَّه من بني النَّضير هكذا ذكره ابن إسحاق قبل جلاء بني النضير، وذكره البخاريُّ والبيهقيُّ بعد قصة بني النَّضير، والصَّحيح ما ذكره ابن إسحاق فيما يأتي؛ فإنَّ بني النَّضير إنَّما كان أمرُها بعد وقعة أحد، وفي محاصرتهم حرمت الخمر.
قال البخاريُّ في صحيحه: " قَتْل كعب بن الأشرف ": حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله؟» فقال: محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: «نعم» قال: فَأْذَنْ لي أن أقول شيئاً قال: قل، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سَأَلَنا صدقة، وإنَّه قد عنَّانا، وإنِّي قد أتيتُك أستسلفك قال: وأيضا والله لتملنه. قال: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء بصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا قال: نعم ارهنوني. قلت: أيُّ شيء تريد؟ قال: ارهنوني نساءكم فقالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم فقالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق (حمل البعير) أو وسقين ! هذا عار علينا؛ ولكن نرهنك اللأمة قال سفيان: يعني السلاح فواعده أن يأتيه ليلا فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة؛ فدعاهم إلى الحصن، فنـزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ وقال غير عمرو: " قالت: أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم " قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة: إن الكريم لو دعي إلى طعنه بليل لأجاب قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلان فقال: إذا ما جاء فإني مائل بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه وقال: مرة: ثم أشمكم فنـزل إليهم متوشِّحاً وهو ينفخ منه ريح الطِّيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحا أطيب. وقال غير عمرو: " قال: عندي أعطر نساء العرب وأجمل العرب " قال عمرو: فقال: أتأذن لي أن أشمَّ رأسك؟ قال: نعم فشمَّه ثم أشم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي؟ قال: نعم فلما استمكن منه قال: دونكم فقتلوه، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه.
وقال محمد بن إسحاق: كان من حديث كعب بن الأشرف وكان رجلا من طيء ثم أحد بني نبهان وأمه من بني النضير أنه لما بلغه الخبر عن مقتل أهل بدر حين قدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قال: والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها فلما تيقن عدو الله الخبر خرج إلى مكة فنـزل على المطلب بن أبي وداعة بن صبيرة السهمي وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف فأنـزلته وأكرمته وجعل يحرض على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار ويندب من قتل من المشركين يوم بدر.
وقال موسى بن عقبة: وكان كعب بن الأشرف أحد بني النضير أو فيهم؛ آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء وركب إلى قريش فاستغواهم، وقال له أبو سفيان وهو بمكة: أناشدك، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه ! وأيُّنا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق؛ إنا نطعم الجزور الكوماء، ونسقي اللبن على الماء، ونطعم ما هبت الشمال فقال له كعب بن الأشرف: أنتم أهدى منهم سبيلا قال: فأنـزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا " [النساء: 51-52]، وما بعدها.
قال موسى ومحمد بن إسحاق: وقدم للمدينة يعلن بالعداوة ويحرض الناس على الحرب ولم يخرج من مكة، حتى أجمع أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يشبِّب بأم الفضل بنت الحارث وبغيرها من نساء المسلمين. قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة: «من لابن الأشرف؟» فقال له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل: أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله قال: «فافعل إن قدرت على ذلك»، قال: فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق نفسه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له: «لم تركت الطعام والشراب؟» فقال: يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفي لك به أم لا قال: «إنما عليك الجهد» قال: يا رسول الله، إنه لابد لنا أن نقول، قال: «فقولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك» قال: فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بني عبد الأشهل، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وقش أحد بني عبد الأشهل والحارث بن أوس بن معاذ أحد بني عبد الأشهل، وأبو عبس بن جبر أخو بني حارثة، قال: فقدموا بين أيديهم إلى عدو الله كعب سلكان بن سلامة أبا نائلة، فجاءه فتحدَّث معه ساعة فتناشدا شعرا– وكان أبو نائلة يقول الشعر- ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني، قال أفعل.
قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبيل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا فقال كعب: أنا ابن الأشرف، أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر يصير إلى ما أقول. فقال له سلكان: إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك تحسن في ذلك؟ قال: ترهنوني أبناءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحابا لي على مثل رأي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاؤوا بها فقال: إن في الحلقة لوفاء قال: فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: فحدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال: «انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم».
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وهو في ليلة مقمرة، فانطلقوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: أنت امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينـزلون في هذه الساعة، قال: إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر قال: يقول لها كعب: لو دعي الفتى لطعنه أجاب فنـزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قالوا: هل لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه؟ قال: إن شئتم فخرجوا فمشوا ساعة، ثم إنَّ أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده فقال: ما رأيتُ كالليلة طيباً أعطر قط. ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها، فأخذ بفودي رأسه ثم قال: اضربوا عدوَّ الله ! فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا (نصل طويل) في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار، قال: فوضعته في ثُنته ثم تحاملتُ عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله، وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح في رجله أو في رأسه؛ أصابه بعض سيوفنا قال: فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه، فجئنا به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم آخرَ اللَّيل وهو قائم يصلي، فسلَّمنا عليه، فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرح صاحبنا، ورجعنا إلى أهلنا، فأصبحنا وقد خافت يهود بوقعتنا بعدوِّ الله، فليس بها يهوديٌّ إلا وهو خائف على نفسه.
مختارات