" إنما يعوض الله من صبر "
" إنما يعوض الله من صبر "
مما يسلي أهل المصائب: أن المصاب إذا صبر واحتسب، وركن إلى كريم، رجاء أن يخلف الله تعالى عليه، ويعوضه عن مصابه، فإن الله تعالى لا يخيبه بل يعوضه، فإنه من كل شيء عوض إلا الله تعالى فما عوض، كما قيل: من كل شيء إذا ضيعته عوض وما من الله إن ضيعته عوض
بل يعلم أن حظه من المصيبة ما يحدث له، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط، فاختر لنفسك خير الحظوظ أو شرها، فإن أحدثت له سخطًا وكفرًا كنت في ديوان الهالكين، وإن أحدثت له جزعًا وتفريطًا في ترك واجب أو فعل محرم كنت في ديوان المفرطين، وإن أحدثت له شكاية وعدم صبر ورضى كنت في ديوان المغبونين، وإن أحدثت له اعتراضًا عليه وقدحًا في حكمته ومجادلة في الأقدار، فقد قرعت باب الزندقة، وفتح لك وولجته فاحذر عذاب الله أن يحل بك، فإنه لمن خالفه بالمرصاد.
وإن أحدثت له صبرًا وثباتًا لله كنت في ديوان الصابرين، وإن أحدثت له رضى بالله ورضى عن الله وفرحًا بقضائه كنت في ديوان الراضين، وإن أحدثت له حمدًا وشكرًا كنت في ديوان الشاكرين الحامدين، وإن أحدثت له حمدًا واشتياقًا إلى لقائه كنت في ديوان المحبين المخلصين.
وفي مسند الإمام أحمد والترمذي، من حديث محمود بن لبيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» زاد الإمام أحمد: «ومن جزع فله الجزع».
فأنفع الأدوية للمصاب موافقة ربه وإلهه فيما أحبه ورضيه له، وإن خاصية المحبة وسرها موافقة المحبوب، فمن ادعى محبة محبوب ثم سخط ما يحبه وأحب ما يسخطه فقد شهد على نفسه بكذبه وأسخط عليه محبوبه.
قال أبو الدرداء رضى الله عنه: «إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن يرضى به».
وكان عمران بن حصين رضى الله عنه يقول في مرضه: «أحبه إلي أحبه إليه».
وقال بعده أبو العالية: «وهذا دواء المحبين وعلاجهم لأنفسهم، ولا يمكن كل أحد أن يتعالج به، فانظر هذه الطرائق واختر وفقنا الله وإياك لما يحب» [تسلية أهل المصائب].
مختارات