علـو الهـدف
علـو الهـدف
فلا يحصل علو الهدف إلا بعلو الهمة، فمن كانت همته عالية، كانت أهدافه سامية وغاليه، ومن كانت همته أرضية دونية، كانت أهدافه دنيئة.
وعوامل توافر الهمة العالية عدة:
- منها: تربية الوالدين لذلك الابن على علو الهمة وسموها.
- ومنها: رعاية صاحب النبوغ بالتوجيه والتشجيع والتأييد في الحق.
- ومنها: وجود المربين الأفذاذ.
- ومنها وقبل كل شيء: قوة الإيمان بالله جل وعز، وكذلك دعاء الله واللجوء إليه والحياء فإنه لا يأتي إلا بخير، وتدبر القرآن، واستشارة أهل المشورة، فقد قال الأول:
شاور سواك إذا نابتك نائبة يومًا وإن كنت من أهل المشورات
- وكذلك من عوامل الهمة: الإخلاص لله جل وعز لقوله تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ "، وقوله: " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ".
- وكذلك: عزة نفس المؤمن التواقة إلى أعلى عليين، فالمؤمن لا ينظر للعلو بهمته في هذه الدنيا فحسب، بل تتوق الهمة لطلب الجنة، وترتقي للفردوس الأعلى فيها – جعلنا الله وإياكم من أهلها -.
- وكذلك من عوامل علو الهمة: مطالعة سير العظماء أمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصحابة رضوان الله عليهم، فقد قال المعصوم صلى الله عليه وسلم: «ولكن اسألوا الله الفردوس الأعلى». وقد قال أحد الصحابة وهو يقتل على الحق في سبيل الحق جل شأنه، قال: إني لأجد الجنة من دون أُحد.
والآخر يدخل أرض المعركة وهو يرتجز قد باع روحه لمولاه قائلاً لما ودعهُ أهله وقالوا: تعود بالسلامة فقال:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدَ
حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غزا وقد رشدَ
فهؤلاء هم أهل الهمم العالية، والطلبات الغالية، هم أهل بيعة الرضوان، وبدر وأحد، وهم خير القرون.. إي والله.. ولو ملأت دفاتري بمآثرهم لما وفيت لهم، ولما وصفت علوَّ هممهم رضوان الله عليهم، فهم الرعيل الأول.
- وكذلك من عوامل علو الهمة: استشعار مسئولية العبد بين يدي ربه جل وعز.
- وكذلك: مصاحبة أهل الههم العالية، وقديمًا قالوا: قل لي من تصاحب أقول لك من أنت، والصاحب ساحب، فلا يسحبنك نافخ الكير..
- وكذلك: التفاؤل فهو عنوان الثقة بموعود الله، فإن نصرْنا اللهَ في أنفسنا نصرنا سبحانه: }إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{ [محمد: 7].
- وكذلك: الصبر فإن الصبر عاقبته حسنة، وإنما العقبى لذي القلب الصبور، وهو شُجنة من الجهاد.
- وكذلك: لزوم الإِنصاف، فإنه ديدن أهل الهمم العالية، فلا يغمطون الناس حقهم، ولا يرفعونهم فوق قدرهم، ولكن ينزلون الناس منازلهم، وهذا منهج.
- وكذلك: صاحب الهمة العالية دائمًا متواضع كنجم لاح لناظرٍ على صفحة الماء، يقول الأول:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو بعيد
وما ازداد عبد تواضعًا إلا ازداد شرفًا ورفعة، ومحبة في قلوب الخلق.
- وكذلك: اغتنام الأوقات والفرص الحياتية، فقد لا تعود ثانية، وهذا من الفعل الحميد، والرأي السديد، والقول الأكيد..
- وكذلك: الجرأة في الحق والشجاعة على ذلكم، ولا أدلَّ على ذلك من موقف الإمام أحمد بن حنبل أثناء الفتنة، فقد جُلِدَ ظهره، وعُرِفَ أمره، وذاع شره، ولكن ثبَّـته الله: " يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ " [إبراهيم: 27]، فثبت على قول الحق، فكان بعد ذلك إمامًا لأهل السنة والجماعة، وثبت ابن تيمية وتشجع في قول الحق يوم قال لأحد السلاطين وقد خاف على ملكه من ابن تيمية، فقال رحمه الله: (والله ما ملكك وملك آبائك يساوي عندي شيئً، إني أريد جنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين)، فهل بعد هذا الصدع بالحق من مقال؟ مضرّ الله سعدك ورحمك، وغفر لك يا شيخ الإسلام، بل يُرْفَعُ أحدهم على خشبة المسنقة فيقال له: قل: لا إله إلا الله فيقول: سبحان الله من أجلها أُشنق.. فياله من ثبات، ويا لها من شجاعة ما بعدها شجاعة، أورثتها الهمة العالية.
وجماع ما سبق: أن يعقل العبد ويعي لأي شيء خُلِق، فقد قال جل وعز: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات: 56]، أي: يوحدون. فبذلك تعتلي همته ويكون ممن يسير على دروب النجاح والفلاح بإذن الله.. إن الله يحبُّ معالي الأمور وأشرفها، ويكره دنيها وسفسافها، وكان عمر بن الخطاب يقول: (لا تصغرن هممكم فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم). اهـ.
فالله الله يا طلاب الحلقات بعلو الهمة ترقى القمة..
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسامُ
فما أجود ما قاله المتبني، وأجود من ذلك ما قاله هو:
لولا المشقةُ ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدامُ قتَالُ
وبعد.. أيها المبارك.. إليك جملة من آداب طلاب الحلقات في أنفسهم، وآدابهم في درسهم، جمعتها لنفسي ولكل طالبٍ للأدب قبل العلم، عل الله جل وعز أن ينفع بها، وإلى المقصود.
مختارات