شرح دعاء الوقوف على الصفا والـمروة
دُعَاءُ الوُقُوفِ عَلَى الصَّفَا والـمَرْوَةِ
(لَـمَّا دَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّفَا قَرَأ: " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ " (أبْدَأ بِـمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ) فَبَدأ بالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى البَيْتَ، فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: (لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ الـمُلْكُ ولَهُ الـحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، لَا إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ..، الحَديْثُ، وَفيهِ: فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا)
-صحابي الحديث هو جابر بن عبدالله رضى الله عنهما.
ولتمام الفائدة أذكر الحديث بطوله؛ وهو قوله رضى الله عنه: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجّاً، فَقَدِمَ المدينة بَشَرٌ كثيرٌ، كلُّهم يلتمس أن يَأْتمَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحُلَيْفَةِ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: (اغتسلي، واسْتَثْفِري بثوب وأحرمي)، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القَصْواءَ، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرتُ إلى مَدِّ بصري بين يديه، من راكب وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فَأَهَلَّ بالتوحيد: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة، لك والـمُلْكَ، لا شريك لك) وأهلَّ الناس بهذا الذي يُهِلُّونَ به، فلم يَرُدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئاً منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته، قال جابر رضى الله عنه: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرَمَل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدَّم إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: " وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فجعل المقام بينه وبين البيت، كان يقرأ في الركعتين " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " و " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: " إِنَّ الصَّفَا وَالـْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ " 3]) (أبدأ بما بدأ الله به) فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فَوَحَّدَ الله، وَكَبَّرهُ، وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انْصَبَّتْ قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: (لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة)، فقام سُراقَةَ بن مالك بن جُعْشُمٍ، فقال: يا رسول الله! أَلِعَامِنا هذا أم لأبدٍ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: (دخلت العمرة في الحج) مرتين (لا بل لأبد أبد) وقدم عليٌّ من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضى الله عنها ممن حل، ولبست ثياباً صبيغاً، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله محرشاً على فاطمة، للذي صنعت، مستفتياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال: (صدقتْ صدقتْ، ماذا قلت حين فرضت الحج؟) قال: قلت: اللهم إني أُهِلَّ بما أهل به رسولك، قال: (فإن معي الهدي فلا تحل) قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليٌّ من اليمن، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مئة، قال: فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طَلَعَتِ الشمس، وأمر بِقُبَّةٍ من شعر تُضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضُرِبَتْ له بِنَمِرَةَ، فنزل بها، حتى إذا زاغَتِ الشمس أمر بالقصواء، فَرُحِلتْ له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مُستَرْضعاً في بني سعد فقتلته هُذيل، ورِبَا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟) قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت وأدَّيت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وَيَنْكتُها إلى الناس: (اللهم اشهد، اللهم اشهد) ثلاث مرات، ثم أذّن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مَوْرِك رحله، ويقول بيده اليمنى: (أيها الناس! السَّكينَةَ السَّكِينَةَ) كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً، حتى تصعد، حتى أتى الـمُزْدَلِفةَ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر، حين تبيَّن له الصُّبح، بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن مُـحَسِّر، فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات، يُكَبِّر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى عليّاً، فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببَضْعَةٍ، فجعلت في قِدْرٍ، فطُبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلَّى بمكَّة الظهر، فأتى بني عبدالمطلب يسقون على زمزم، فقال: (انزعوا، بني عبدالمطلب! فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم)، فناولوه دلواً فشرب منه.
قوله:(واستثفري) والاستثفار هو أن تشد المرأة في وسطها شيئاً، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم، وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها.
قوله: (القصواء) اسم لناقة النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (يوم التروية) هو اليوم الثامن من ذي الحجة؛ وسمي بذلك لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بَعْدُ.
قوله: (نمرة) موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات.
قوله: (بطن الوادي) هو وادي عُرَنة؛ وهي قبيل عرفات وليست منها.
قوله: (غاب القرص) أي: قرص الشمس.
قوله: (مورك رحله) أي: الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مَلَّ من الركوب.
قوله: (ويقول بيده السكينة السكينة) أي: الزموا السكينة..؛ وهي الرفق والطمأنينة.
قوله: (المزدلفة) سُمِّيَتْ بذلك من التزلف والازدلاف؛ وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها؛ أي: مضوا إليها وتقربوا منها، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف الليل؛ أي: ساعات.
قوله: (مرت به ظُعُن يجرين) الظعن جمع ظعينة؛ وهي البعير الذي عليه امرأة، ثم سميت به المرأة.
قوله: (بطن مُحَسِّر) سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر؛ أي: أعي وكَلَّ.
مختارات