الآفة السابعة - التكبر
والآفة السابعة التي تصيب بعض العاملين وهى ذات أثر خطير في حياتهم وعليهم أن يجاهدوا أنفسهم للتطهر منها بل وأن تصير لديهم حصانة ضدها إنما هي: آفة التكبر، وحتى يكون حديثنا عن هذه الآفة واضحا محدد الأبعاد والمعالم فإننا سنتناولها على النحو التالي: أولا معنى التكبر: لغة: التكبر في اللغة هو التعظم أي إظهار العظمة قال صاحب اللسان: (والتكبر والاستكبار: التعظم ومنه قوله تعالى { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } أي: أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم) اصطلاحا: أما في اصطلاح الدعاة أو العاملين فإن التكبر هو إظهار العامل إعجابه بنفسه بصورة تجعله يحتقر الآخرين في أنفسهم وينال من ذواتهم ويترفع عن قبول الحق منهم جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدجل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال: أن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس). ثانيا: الفرق بين التكبر وبين العزة: والفرق بين التكبر والعزة واضح إذ التكبر ترفع بالباطل والعزة ترفع بالحق أو أن التكبر: كران النعمة وجحودها والترفع: اعتراف بالنعمة وتحدث بها على نحو ما تضمنه الحديث المذكور آنفا 0 ثالثا: أسباب التكبر: ولما كان التكبر شدة الإعجاب بالنفس المؤدية إلى احتقار الناس والترفع عليهم فإن أسبابه التي تؤدى عليه وبواعثه التي ينشأ منها هي بعينها: أسباب وبواعث الإعجاب بالنفس والغرور إذا أهملت ولم تعالج وهى لا تزال في مهدها أو في أوائلها ويزاد عليها: (1) مبالغة الآخرين في التواضع: فقد يكون السبب أو الباعث على التكبر: إنما هي مبالغة الآخرين في التواضع وهضم النفس ذلك بعض الناس قد تحملهم المبالغة في التواضع على ترك التجمل والزينة في اللباس ونحوه وعلى عدم المشاركة بفكر أو برأي في أي أمر من الأمور بل والعزوف عن التقدم للقيام بمسؤلية أو تحمل أمانة وقد يرى ذلك من لم يدرك الأمور على حقيقتها فيوسوس له الشيطان وتزين له نفسه أن عزوف الآخرين عن كل ما تقدم إنما هو للفقر أو لذات اليد، وإلا لما تأخروا أو توانوا لحظة،وتظل مثل هذه الوساوس وتلك التزيينات تلح عليه وتحيط به من هنا وهناك حتى ينظر إلى الآخرين نظرة ازدراء وسخرية في الوقت الذي ينظر فيه إلى نفسه نظرة إكبار وإعظام وقد لا يكتفي بذلك، بل يحاول إبراز هفي كل فرصة تتاح له أو في كل مناسبة تواتيه وهذا هو التكبر. وقد لفت القرآن الكريم والسنة النظر إلى هذه السبب أو إلى هذا الباعث من خلال دعوتهما إلى التحدث بنعمة الله تعالى إذ يقول سبحانه: { وأما بنعمة ربك فحدث }. وإذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم -: (إن الله جميل يحب الجمال) (واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتمها علينا). وعن مالك بن نضلة الجشمى قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون فقال: ألك مال؟ قال: نعم قال: من أي المال؟ قال: قد أتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق قال: فإذا أتاك اله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته) وقد فهم السلف ذلك فحرصوا على التحدث بما يفيض الله عليهم من نعم وعابوا على من يغفل هذا الأمر من حسابه قال الحسن بن على رضى الله تعالى عنهما: (إذا أصبت خيرا أو عملت خيرا فحدث به الثقة من إخوانك) وقال بكر بن عبد الله المزني: (من أعطى خيرا فلم ير عليه سمى بغيض الله معاديا لنعم الله) 2- اختلال القيم أو معايير التفاضل عند الناس: وقد يكون السبب أو الباعث على التكبر غنما هو اختلال القيم أو معايير التفاضل عند الناس، ذلك أن الجهل قد يسود في الناس إلى حد اختلال القيم أو معايير التفاضل عندهم، فتراهم يفضلون صاحب الدنيا، ويقدمونه حتى لو كان عاصياً أو بعيداً عن منهج الله، في الوقت الذي يحتقرون فيه البائس المسكين الذي أدارت الدنيا ظهرها له حتى وإن كان طائعاً ملتزماً بهدى الله، ومن يحيا في هذا الجو يتأثر به لا محالة - إلا من رحم الله - ويتجلى هذا التأثر في احتقار الآخرين و الترفع عليهم. وقد ألمح القرآن و السنة إلى هذا السبب أو إلى هذا الباعث من خلال رفض هذا المعيار، ووضع المعيار الصحيح مكانه، إذ يقول الله سبحانه وتعالى -: { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون }. { وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين، قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى، إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون }. وإذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقد مرّ عليه رجل: ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا: رأيك في هذا، نقول هو من أشرف الناس، هذا حري إن خطب أن يخطب، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع لقوله، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ومرَّ رجل آخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما تقولون في هذا؟ قالوا: نقول والله يا رسول الله، هذا من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب لم ينكح، وإن شفع لا يشفع، وإن قال لا يسمع لقوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لهذا خير من ملء الأرض مثل هذا) 3- مقارنة نعمته بنعمة الآخرين ونسيان المنعم: وقد يكون السبب في التكبر إنما هو مقارنة نعمته بنعمة الآخرين ونسيان المنعم، ذلك أن من الناس من يحبوه الله - لحكمة يعلمها - بنعم يحرم منها الآخرين، كالصحة أو الزوجة أو الولد أو المال أو الجاه أو المركز أو العلم أو حسن الحديث أو الكتابة أو التأليف أو القدرة على التأثير، أو كثرة الأنصار والأتباع... الخ، وتحت بريق وتأثير هذه النعم ينسى المنعم، ويأخذ في الموازنة أو المقارنة بين نعمته ونعمة الآخرين فيراهم دونه فيها، وحينئذٍ يحتقرهم ويزدريهم ويضع من شأنهم وهذا هو التكبر. وقد لفت القرآن الكريم النظر إلى هذا السبب، أو إلى هذا الباعث من خلال حديثه عن قصة صاحب الجنتين فقال: { واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً * كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً * وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً.... } 4- ظن دوام النعمة وعدم التحول عنها: وقد يكون السبب في التكبر إنما هو ظن دوام النعمة وعدم التحول عنها، ذلك أن بعض الناس قد تأتيه النعمة من الدنيا، وتحت تأثيرها وبريقها يظن دوامها أو عدم التحول عنها، وينتهي به هذا الظن إلى التكبر أو الترفع أو التعالي على عباد الله، كما قال صاحب الجنتين لصاحبه: {... ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة، ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلباً }، وكما قال الله عن الإنسان: {... ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة، ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى }. 5- السبق بفضيلة أو أكثر من الفضائل: وقد يكون السبب في التكبر إنما هو السبق بفضيلة أو أكثر من الفضائل، كالعلم أو الدعوة أو الجهاد أو التربية أو نحو ذلك. ذلك أن بعض الناس قد يحبوهم القدر بفضيلة السبق في بعض خصال الخير، وإذا بهم ينظرون إلى اللاحق نظرة ازدراء واحتقار، ولسان حالهم أو مقالهم ينطق في استكبار: ومن هؤلاء الذين يعملون الآن؟ لقد كانوا عدماً أو في حكم العدم يوم أن مشينا على الأشواك، وتحملنا مشاق ومتاعب الطريق، حتى عبَّدناها لهم ولغيرهم من الناس. وقد لفت المولى سبحانه إلى هذا السبب أو إلى هذا الباعث حين بين: أن السبق لا يعتبر، ولا قيمة له إلا إذا كان معه الصدق، فقال: { و السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم }. { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون..... } إلى قوله { ربنا إنك رءوف رحيم }. ولم ينظر المولى سبحانه إلى سبق هؤلاء إلا من خلال ما قدموه من الأدلة على صدقهم وثباتهم على الحق، مثل: الهجرة و النصرة واتباع سبيل المؤمنين، وحسن الصلة بالله ومعرفة الفضل لذويه... وهلم جراً. وهكذا صار مبدأ الإسلام: (ليس الفضل لمن سبق، بل لمن صدق) وصدق الله: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً } 6- الغفلة عن الآثار المترتبة على التكبر: وقد يكون السبب في التكبر، إنما هو الغفلة عن الآثار الخطيرة و العواقب المهلكة المترتبة على التكبر في الأرض بغير الحق، ذلك أن من غفل عن الآثار الضارة لعلة من العلل، أو آفة من الآفات، فإنه يصاب بها وتتمكن من نفسه، ولا يشعر بذلك إلا بعد فوات الأوان، وبعد الاستعصاء على القلع و العلاج. رابعا: مظاهر التكبر: هذا وهناك مظاهر للتكبر يعرف أو يستدل عليه بها، نذكر منها: 1- الاختيال في المشية مع لي صفحة العنق وتصعير الخد، قال تعالى { ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله }،{ والله لا يحب كل مختال فخور }، { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور. 2- الإفساد في الأرض عندما تتاح الفرصة مع رفض النصيحة، والاستنكاف عن الحق، قال تعالى:{ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث و النسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم... } 3- التقعر في الحديث، يقول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه، كما تخلل البقرة بلسانها)، (ألا أنبئكم بشراركم؟ فقال: هم الثرثارون المتشدقون....) 4- إسبال الإزار بنية الاختيال و التكبر ن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر صلى الله عليه وسلم إليه يوم القيامة) قال أبو بكر: إن أحد جانبي إزاري يسترخي، إني لأتعاهد ذلك منه، قال: لست ممن يفعله خيلاً) 5- محبة أن يسعى الناس إليه، ولا يسعى هو إليهم، وأن يمثلوا له قياماً إذا قدم أو مر بهم، وقد جاء في الحديث: (من أحب أن يمتثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) 6- محبة التقدم على الغير في المشي أو في المجلس أو في الحديث أو نحو ذلك. خامساً آثار التكبر: وللتكبر في الأرض بغير الحق آثار ضارة، وعواقب مهلكة سواء على العاملين أو على العمل الإسلامي: على العاملين: 1- الحرمان من النظر والاعتبار: أي أن الأثر الأول الذي يتركه التكبر على العاملين: إنما هو الحرمان من النظر والاعتبار، ذلك أن المتكبر - بترفعه وتعاليه على عباد الله - قد اعتدى من حيث يدرى أو لا يدرى على مقام الألوهية، ومثل هذا لابد له من عقوبات، وأول هذه العقوبات: الحرمان من النظر والاعتبار فتراه يمر على آيات الله المبثوثة في النفس وفي الكون، وهو في إعراض تام عنها { وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون }، ومن حرم النظر والاعتبار، كانت عاقبته البوار و الخسران المبين، لأنه سيبقى مقيماً على عيوبه وأخطائه، غارقاً في أوحاله، حتى تنتهي الحياة، كما عقب النبي - صلى الله عليه وسلم حين قرأ الآيات الأخيرة من سورة آل عمران { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل و النهار لآيات لأولى الألباب... } إلى قوله سبحانك فقنا عذاب النار } عقب بقوله: (ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر فيها) وقد صرح المولى - سبحانه وتعالى - بهذا الأثر في قوله:{ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق... }. 2- القلق والاضطراب النفسي: وأما الأثر الثاني الذي يتركه التكبر على العاملين، فإنما هو القلق والاضطراب النفسي، ذلك أن المتكبر يحب - إشباعاً لرغبة الترفع و التعالي أن يحنى الناس رؤوسهم له، وأن يكونوا دوماً في ركابه، ولأن أعزة الناس وكرامهم يأبون ذلك، بل ليسوا مستعدين له أصلاً، فإنه يصاب بخيبة أمل، تكون عاقبتها القلق والاضطراب النفسي، هذا فضلاً عن أن اشتغال هذا المتكبر بنفسه يجعله في إعراض تام عن معرفة الله وذكره، وذلك له عواقب أدناها في هذه الدنيا القلق و الاضطراب النفسي. وصدق الله إذ يقول: { ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى... } { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعدا... } 3- الملازمة للعيوب و النقائص: وأما الأثر الثالث الذي يتركه التكبر على العاملين، فإنما هي ملازمة العيوب و النقائص، ذلك أن التكبر لظنه أنه بلغ الكمال في كل شئ لا يفتش في نفسه، حتى يعرف أبعادها ومعالمها، فيصلح ما هو في حاجة منها إلى إصلاح، ولا يقبل كذلك نصحاً أو توجيهاً أو إرشاداً من الآخرين، ومثل هذا يبقى غارقاً في عيوبه ونقائصه، ملازماً لها إلى أن تنقضي الحياة، ويدخل النار مع الداخلين: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً} { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }4- الحرمان من الجنة: وأما الأثر الرابع الذي يتركه التكبر على العاملين، فإنما هو الحرمان من الجنة، وذلك أمر بدهى، فإن من يعتدي على مقام الألوهية، ويظل مقيماً على عيوبه ورذائله، ستنتهي به الحياة حتماً وما حصل خيراً يستحق به ثواباً أو مكافأة فيحرم الجنة مؤبداً أو مؤقتاً، وصدق الله ورسوله إذ يقول الحق في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي و العظمة إزاري من نازعني واحداً منهما ألقيته في جهنم)، وإذ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر..) (ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جوَّاظ متكبر). على العمل الإسلامي: ومن آثاره على العمل الإسلامي: 1- قلة كسب الأنصار بل و الفرقة و التمزق: ذلك أن القلوب جبلت على حب من ألان لها الجانب، وخفض لها الجناح، ونظر إليها من دون لا من علٍ، أما من ترفع عليها واحتقرها أو ازدراها ونال منها، فإنها تبغضه وتنفر منه، بل وتحاول الابتعاد عنه، وتكون العاقبة خواء ذات اليد من الأنصار من ناحية، ووقوع الفرقة و التمزق بين من هو نصير وظهير بالفعل من ناحية أخرى. ويوم ينتهي الأمر بالعمل الإسلامي إلى انعدام النصير من الخارج ووقوع الفرقة و التمزق من الداخل، فإنه يسهل ضربه، أو على الأقل إجهاضه فلا يؤتى ثمره إلا بعد تكاليف كثيرة وزمن طويل. وقد لفت القرآن الكريم النظر إلى هذا الأثر، وهو يتحدث عن المنافقين فقال:{ ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون }. وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: (وإن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد. 2- الحرمان من العون و التأييد الإلهي: ذلك أن الحق سبحانه مضت سنته أنه لا يعطى عونه وتأييده، إلا لمن هضموا نفوسهم حتى استخرجوا حظ الشيطان من نفوسهم بل حظ نفوسهم من نفوسهم، و المتكبرون قوم كبرت نفوسهم، ومن كانت هذه صفته، فلا حق له في عون أو تأييد إلهي، ولعل ذلك هو المفهوم من قوله تعالى { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة...} حيث ربط نصره لهم بحالهم التي كانوا عليها من المسكنة و التواضع وهضم النفس، وكأن هذه الحال إذا انعدمت أو غابت غاب معها العون والتأييد سادساً. علاج التكبر: هذا وعلاج التكبر - بحيث تطهر منه النفس، ولا يعود إليها مرة أخرى - إنما يكون باتباع الأساليب و الوسائل التالية: 1- تذكير النفس بالعواقب والآثار المترتبة على التكبر،سواء كانت عواقب ذاتية أو متصلة بالعمل الإسلامي، وسواء كانت دنيوية أو أخروية على النحو الذي قدمنا، فلعل هذا التذكير يحرك النفس من داخلها، ويحملها على أن تتوب، وتتدارك أمرها قبل ضياع العمر وفوات الأوان. 2- عيادة المرضى، ومشاهدة المحتضرين وأهل البلاء وتشييع الجنائز، وزيارة القبور، فلعل ذلك أيضاً يحركه من داخله، ويجعله يرجع إلى ربه بالإخبات، و التواضع. 3- الانسلاخ من صحبة المتكبرين، والارتماء في أحضان المتواضعين المخبتين، فربما تعكس هذه الصحبة بمرور الأيام شعاعها عليه، فيعود له سناؤه، وضياؤه الفطري كما كان عند ولادته. 4- مجالسة ضعاف الناس وفقرائهم، وذوى العاهات منهم، بل ومؤاكلتهم ومشاربتهم، كما كان يصنع النبي - صلى الله عليه وسلم – وصحبه الكرام، وكثير من السلف، فإن هذا مما يهذب النفس ويجعلها تقلع عن غيها، وتعود إلى رشدها. 5- التفكر في النفس، وفي الكون، بل وفي كل النعم التي تحيط به من أعلاه إلى أدناه، مَن مصدر ذلك كله؟ ومن ممسكه؟ وبأي شئ استحقه العباد؟ وكيف تكون حاله لو سلبت منه نعمة واحدة فضلاً عن باقي النعم؟؟؟ فإن ذلك التفكر لو كانت معه جدية، يحرك النفس ويجعلها تشعر بخطر ما هي فيه، إن لم تبادر بالتوبة و الرجوع إلى ربها. 6-النظر في سير وأخبار المتكبرين، كيف كانوا؟ وإلى أي شئ صاروا؟ من إبليس و النمرود إلى فرعون، إلى هامان، إلى قارون، إلى أبى جهل، إلى أبى بن خلف، إلى سائر الطغاة و الجبارين و المجرمين، في كل العصور و البيئات فإن ذلك مما يخوف النفس ويحملها على التوبة والإقلاع، خشية أن تصير إلى نفس المصير، وكتاب الله - عز وجل - وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكتب التراجم و التاريخ خير ما يعين على ذلك. 7- حضور مجالس العلم التي يقوم عليها علماء ثقات نابهون، لاسيما مجالس التذكير و التزكية، فإن هذه المجالس لا تزال بالقلوب حتى ترق وتلين وتعود إليها الحياة من جديد. 8- حمل النفس على ممارسة بعض الأعمال التي يتأفف منها كثير من الناس ممارسة ذاتية ما دامت مشروعة، كأن يقوم هذا المتكبر بشراء طعامه وشرابه وسائر ما يلزمه بنفسه، ويحرص على حمله و المشي به بين الناس، حتى لو كان له خادم، على نحو ما كان يصنع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه و السلف، فإن هذا يساعد كثيراً في تهذيب النفس وتأديبها، و الرجوع بها إلى سيرتها الأولى الفطرية، بعيداً عن أي التواء أو اعوجاج. 9- الاعتذار لمن تعالى وتطاول عليهم بسخرية أو استهزاء، بل ووضع الخد على التراب وإلصاقه به، وتمكينه من القصاص على نحو ما صنع أبو ذر مع بلال لما عاب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - تعييره بسواد أمه. 10- إظهار الآخرين بنعمة الله عليهم، وتحدثهم بها - لاسيما أمام المستكبرين - علهم يثوبون إلى رشدهم وصوابهم، ويتوبون ويرجعون إلى ربهم، قبل أن يأتيهم أمر الله. 11- التذكير دوماً بمعايير التفاضل و التقدم في الإسلام: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم، أو ليكونن أهون على الله - تعالى - من الجعلان) 12- المواظبة على الطاعات: فإنها إذا واظب عليها، وكانت متقنة لا يراد بها إلا وجه الله، طهرت النفس من كل الرذائل، بل زكتها
مختارات