القاعدة العاشرة: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) - 2
الحمد لله، وبعد:
فهذه أحرف ممتدة بالقاعدة القرآنية السابقة، التي دل عليها قوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36].
و قد ذكرتُ سلفا، موضعَ ورود هذه القاعدة، وسِرَّ تقديم الذكر على الأنثى في الآية، كما أشرتُ إلى نماذج تطبيقية من القرآن الكريم على هذه القاعدة، كما أشرتُ إلى شيء من الحكم في التفريق بين المرأة والرجل في مسألة الميراث والشهادة، وفي هذا المسطور نستكمل ما بقي من إشارات تتعلق بيان هذه القاعدة التي كثر الأخذ والرد فيها في زماننا هذا، فنقول:
لقد حكم الله العليم الخبير بأن الذكر ليس كالأنثى، لذا فعلى المؤمن أن يحذر من كلمة راجت على كثير من الكتاب والمثقفين، وهي كلمة " المساواة " في مقام الحديث عن موضوع المرأة، وهي كلمةٌ لم ترد في القرآن بهذا المعنى الذي يورده أولئك الكتاب، كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}، وكقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}، وكقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} والصواب ـ كما قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين: فيما سمعته منه ـ أن يعبر عن ذلك بـالعدل؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعدل وَالْأِحْسَانِ}، ولم يقل: يأمر بالمساواة! لأن في كلمة المساواة إجمالاً ولبساً بخلاف العدل، فإنها كلمة واضحة بينه صريحة في أن المراد أن يعطى كل ذي حق حقه. انتهى.
ولكي يتضح كلام شيخنا، أوضح ذلك:
فإن دلالة العدل تقتضي أن يتولى الرجل ما يناسبه من أعمال، وأن تتولى المرأة ما يناسبها من أعمال، بينما كلمة مساواة: تعني أن يعمل كلٌ من الجنسين في أعمال الآخر!
ومدلول كلمة العدل: أن تعمل المرأة عدداً من الساعات يناسب بدنها وتكوينها الجسمي والنفسي، بينما مقتضى المساواة: أن تعمل المرأة نفس ساعات الرجل، مهما اختلفت طبيعتهما!
وهذا كلّه عين المضادة للفطرة التي فطر الله عليها كلاً من الرجل والمرأة!
ولهذا لما أصرت بعض المجتمعات الغربية على هذه المصادمة للفطرة، وبدأت تساوي المرأة بالرجل في كل شيء ذاقت ويلاتها ونتائجها المرة، حتى صرخ العقلاء منهم ـ رجالاً ونساء ـ وكتبَوا الكتب والرسائل التي تحذر مجتمعاتهم من الاستمرار وراء هذه المصادمة، ومن ذلك:
1 ـ ما قالته أفيسون زعيمة حركة كل نساء العالم تقول: '' هناك بعض النساء حطمن حياتهن الزوجية عن طريق إصرارهن على المساواة بالرجل، إن الرجل هو السيد المطاع، ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة ''.ا.هـ.
2 ـ وهذه هيلين أندلين وهي خبيرة في شؤون الأسرة الأمريكية تقول: ''إن فكرة المساواة - التماثل- بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية، وإنها ألحقت أضراراً جسمية بالمرأة والأسرة والمجتمع''. أ.هـ.
3 ـ أما رئيسة الجمعية النسائية الفرنسية رينيه ماري فتقول: ''إن المطالبة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة تصل بهما إلى مرحلة الضياع، حيث لا يحصل أحد من الطرفين على حقوقه''. أ.هـ.، ولو رجعنا إلى لغة الأرقام التي أجريت في بلاد الغرب لطال بنا المقام.
وهذه كلمات قالتها امرأة من أشهر دعاة الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة في منطقة الخليج(1):
(سأعترف اليوم بأنني أقف في كثير من الأشياء ضد ما يسمى بـ (حرية المرأة) تلك الحرية التي تكون على حساب أنوثتها، على حساب كرامتها، وعلى حساب بيتها وأولادها، سأقول: إنني لن أحمّل نفسي– كما تفعل كثيرات – مشقة رفع شعار المساواة بينها وبين الرجل، نعم أنا امرأة!
ثم تقول: (هل يعني هذا أن أنظر إلى البيت – الذي هو جنة المرأة – على أنه السجن المؤبد، وأن الأولاد ما هم إلا حبل من مسد يشد على عنقي؟ وأن الزوج ما هو إلا السجان القاهر الذي يكبّل قدمي خشية أن تسبقه خطوتي؟ لا، أنا أنثى وأعتز بأنوثتي، وأنا امرأة أعتز بما وهبني الله، وأنا ربة بيت، ولا بأس بعد ذلك أن أكون عاملة أخدم خارج البيت نطاق الأسرة، ولكن– ويا رب أشهد!: بيتي أولاً، ثم بيتي، ثم بيتي، ثم العالم الآخر) انتهى.
وبعد هذا كله: فماذا يقال عمن سوّى بين الذكر والأنثى، والذي خلقهما يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}؟.
وإنك لا تتعجب أن يقع الرد لهذا الحكم القدري من كفار! أو ملاحدة! وإنما تستغرب أن يقع هذا من بعض المنتسبين لهذا الدين، والذين يصرحون في مقالاتهم وكتاباتهم بأن هذا الحكم كان في فترة نزول الوحي يوم كانت المرأة جاهلة لم تتعلم! أما اليوم فقد تعلمت المرأة، وحصلت على أعلى الشهادات! ـ نعوذ بالله من الخذلان ـ!.
وهذا الكلام خطير جداً؛ قد يكون ردّةً عن الدين؛ لأنه ردٌّ على الله تعالى، فإنه هو الذي قدر هذا الحكم، وهو الذي يعلم ما ستؤول إليه المرأة إلى يوم القيامة.
ثم إن التاريخ والواقع يكذب هذه المقولة من جهتين:
الأولى: أن تكوين المرأة النفسي والبدني (الفسيولوجي) لم يتغير منذ خلق الله تعالى أمنا حواء من ضلع أبينا آدم، وإلى أن يرث الله ومن عليها! ولم يربط الله تعالى ذلك بعلمٍ تتعلمه، أو بشهادة تحصل عليها.
والجهة الثانية لبيان خطأ هذه المقولة:
أن هذا الحكم يدخل فيه أمهات المؤمنين ـ رضوان الله عليهن ـ وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهن ـ بلا ريب ـ أعلم نساء هذه الأمة، وأتقاهن، ومع ذلك لم تتعرض واحدهن منهن على هذه الأحكام الشرعية التي سمعنها مباشرة من زوجهن رسولِ الله ج، بل قابلن ذلك بالانقياد والتسليم، والرضى والقبول، وجرى على هذا الهدي من سار على نهجهن من نساء المؤمنين إلى يومنا هذا.
ولعلي أختم هذه القاعدة بهذه القصة الطريفة ـ التي سمعتها من أحد الباحثين، وهو يتكلم عن زيف الدعوى التي تطالب بفتح الباب للنساء لكي يمارسن الرياضة كما يمارسها الرجال ـ يقول هذا الباحث وفقه الله:
إن أحد العدائين الغربيين المشهورين تعرف إلى امرأة تمارس نفس رياضة العدو، فرغب أن يتزوجها، وتمّ له ما أراد، لكن لم يمض سوى شهرين على زواجهما حتى انتهى الزواج إلى طلاق! فسئل هذا العدّاء: لماذا طلقتها بهذه السرعة؟! فقال: لقد تزوجت رجلاً ولم أتزوج امرأة!! في إشارة منه إلى القسوة في التمارين ـ التي تتطلبها رياضة العدو ـ أفقدتها أنوثتها، فأصبحت في جسم يضاهي أجسام الرجال.
وصدق الله العظيم، العليم الخبير: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}، فهل من مُدّكر.
_______________
(1) هي الكاتبة ليلى العثمان، ينظر: رسائل إلى حواء 3/85.
مختارات