خلق النار
خلق النار
قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)} [الواقعة: 71 - 73].
وقال الله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)} [يس: 80].
الله تبارك وتعالى هو الواحد القهار، خلق المخلوقات وقهر بعضها ببعض، وسلط بعضها على بعض.
خلق سبحانه الجبال، وسلط عليها الحديد، فهو يقطعها ويكسرها.
وخلق النار، وسلطها على الحديد، فهي تذيبه بأمر الله.
وخلق الماء، وسلطه على النار، فهو يطفئها بأمر الله.
وخلق الرياح وسلطها على الماء، فهي تقهر الماء بأمر الله وتفرقه.
وخلق الظلمات وسلط عليها النور فهو يبددها.
والله حكيم عليم، خلق النار على ما هي عليه من الكمون والظهور، فإنها لو كانت ظاهرة أبداً كالماء والهواء كانت تحرق العالم، وتنتشر ويعظم الضرر بها والمفسدة.
ولو كانت كامنة لا تظهر أبداً لفاتت المصالح المترتبة على وجودها.
فاقتضت حكمة الله عزَّ وجلَّ، أن جعلها مخزونة في الأجسام، يخرجها الإنسان عند حاجته إليها.
وخص الله سبحانه بالنار الإنسان دون غيره، فإنه لو فقدها لتعطلت له مصالح كثيرة، من التدفئة والإنارة، وإنضاج الأطعمة، وتركيب الأدوية، وغير ذلك من المنافع التي يستفيد منها الإنسان.
والنار خلقها الله عزَّ وجلَّ تصعد إلى العلو، فلولا قدرة الله التي تمسكها لذهبت صاعدة، كما أن الجسم الثقيل لولا الممسك له لخرَّ نازلاً.
فسبحان القوي العزيز الذي أعطى الجسم الثقيل القوة التي يهبط بها إلى أسفل، وأعطى النار هذه القوة التي تصعد بها إلى أعلى.
وهذه النار العظيمة التي خلقها الله، والتي تأكل الأخضر واليابس، وتلتهم الغابات، وتذيب الحديد والمعادن، هي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قال: فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءاً، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا» متفق عليه
والله جل جلاله خلق النار وحبسها في الحطب والخشب، وفي باطن الأرض، ولو أذن الله لها أن تخرج لأهلكت ما على وجه الأرض من مخلوق، ولكن الله عزَّ وجلَّ يخرج منها بقدر، ليتذكر الناس به النار الكبرى يوم القيامة، وليستمتعوا بمنافعها، كما قال سبحانه: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)} [الواقعة: 73].
والنار التي خلقها الله سبحانه أربعة أنواع:
الأولى: نار لها إشراق وإحراق كالشمس، وكالنار المعروفة.
الثانية: نار لها إحراق بلا إشراق، وهي نار جهنم المظلمة.
الثالثة: نار لها إشراق بلا إحراق، وهي النار التي خلقها الله في الشجرة وكلّم موسى - صلى الله عليه وسلم - عندها.
الرابعة: نار ليس لها إشراق ولا إحراق، وهي النار المحبوسة في الحطب والخشب، فهي مخزونة، فإذا أشعلت صار لها إشراق وإحراق.
فسبحان الخلاق العليم الذي جعل من الشجر الأخضر ناراً يابسة ملتهبة: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)} [يس: 80].
والله رؤوف بالعباد، وهو الواحد القهار.. الذي قهر هذه النيران المخزونة في باطن الأرض.. والمودعة في باطن الأخشاب والحطب.. والمشتعلة الملتهبة في الشمس.
هذه النيران لو خرجت على الناس من ذا يقف لها؟.
ومن ذا ينجو منها لو أرسلها الله على الناس؟.
ومن ذا يطفئها لو اشتعلت في الكون؟.
وقد خلق الله النار تأكل وتذيب ما وضع فيها، ولكن زمامها بيده سبحانه، إن شاء أشعلها وأحرق بها من شاء من أعدائه.
وإن شاء جعلها تشتعل ولا تحرق، بل قلب حالها برداً وسلاماً لمن شاء من أوليائه كما قال سبحانه عن خليله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} [الأنبياء: 68 - 69].
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة.. وفي الآخرة حسنة.. وقنا عذاب النار.
{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)} [آل عمران: 192].
اللهم {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} [الفرقان: 66. 65].
مختارات