خلق النجوم
خلق النجوم
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}... [الأنعام: 97].
وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)} [الملك: 5].
خلق الله تبارك وتعالى النجوم لثلاث:
زينة للسماء.. ورجوماً للشياطين.. وعلامات يهتدى بها.
فما أعظم حكمة الرب تبارك وتعالى في خلق النجوم والكواكب، وكثرتها وعجيب خلقها، وما جعل الله فيها من النور والضوء، بحيث ترى مع بعدها المفرط، فهي منقادة بأمر ربها، جارية على سنن واحدة لا تخرج عنه.
فسبحان من خلق الكواكب والنجوم، وجعل لها البروج والمنازل، وجعل منها الثوابت والسيارة، والكبير والصغير، والقريب والبعيد، والمفرد والمجموع.
وفاوت بين ألوانها وأحجامها وحركاتها، وسيرها بقدرته:
فمنها الثابت، ومنها المتحرك، ومنها ما يسير وحده، ومنها ما يسير مع رفقته.
وسبحان من فاوت بينها، وحفظها وأبقاها، فلا تتقدم إلا بأمره، ولا تتأخر إلا بأمره، ولا تسكن ولا تحرك إلا بأمره كما قال سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)} [النحل: 12].
وخالف سبحانه بين الكواكب في الطلوع والسير والمنازل:
فبعضها يطلع، وبعضها يغيب، ومنها السائر والمتحرك، ومنها ما يسير إلا مجتمعاً كالجيش الواحد، ومنها ما يسير وحده كالقائد.
ومنها ظاهر لا يغيب أبداً، جعلها الله بمنزلة الأعلام المنصوبة التي يهتدي بها الناس في الطرق المجهولة في البر والبحر، فهم ينظرون إليها متى أرادوا، ويهتدون بها حيث شاءوا كما قال سبحانه: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} [النحل: 16].
فما أعظم هذه النجوم المنثورة في السماء، وما أحسنها وما أجملها.
والجمال في خلق هذا الكون مقصود كالكمال.
والقرآن يوجه النظر إلى جمال السموات بعد أن وجه النظر إلى كمالها كما قال سبحانه: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق: 6].
فقد زين الله السماء الدنيا بمصابيح، وهي النجوم والكواكب الظاهرة للعين، نراها حين ننظر إلى السماء.
ومشهد النجوم في السماء جميل، وهو جمال يأخذ القلوب، متجدد تتعدد ألوانه بتعدد أوقاته، ويختلف من صباح إلى مساء، ومن شروق إلى غروب، ومن الليلة القمراء، إلى الليلة الظلماء، ومن مشهد الصحو، إلى مشهد السحاب والضباب، بل إنه ليختلف من ساعة إلى ساعة، وكله جمال يأخذ الألباب.
فسبحان الجميل الذي خلق الجمال في هذا الكون العظيم.
هذه الشمس الساطعة.. وهذا القمر الساري.. وهذا الفلك الواسع.. وهذه النجوم المنتثرة.. في هذا الفضاء الواسع.. الذي لا يمل البصر امتداده.. ولا يبلغ البصر آماده.. وهذه الأجرام الهائلة التي تزين السماء.. وتجري بأمر ربها مشرقة ومغربة.
فسبحان من خلقها، وسبحان من جملها، وسبحان من سيرها.. وسبحان من أمسكها.
إن القرآن يوجه الإنسان إلى جمال السماء، وإلى جمال الكون، لأن إدراك جمال الكون، هو أقرب وسيلة لإدراك جمال خالق الوجود وعظمته: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق: 6].
فكم من نجم سابح في الفضاء؟.. وكم من كوكب ساري؟.. وكم من شهاب ثاقب؟.
وكل كوكب وكل نجم له أمر من الله في خلقه.. وأمر في بقائه.. وأمر في حركته وسكونه.
فسبحان من خلقها وأمدها بالنور، وسيرها في ملكه العظيم، وهي سامعة مطيعة منقادة لأمر ربها، لا يصطدم منها نجم بآخر، ولا يواجه كوكب آخر.
وسبحان من نوع الآيات الدالة على عظمته وقدرته، وعلى صدق رسله، وجعلها للفطر تارة، وللسمع تارة، وللبصر تارة، وجعلها آفاقية ونفسية، ومنقولة ومعقولة، ومرئية بالعيون، ومرئية بالقلوب، فاستجاب من استجاب، وأبى الظالمون إلا كفوراً: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46].
وإذا تأمل الإنسان ما في خلق هذا الكون من الآيات والعجائب.. وتدبر ما فيه من الحسن والتصريف والتدبير.. ورأى ما فيه من النعم والخيرات.. وظل معرضاً عن ربه.. ولم يخشع قلبه.. فليعلم أنه قد خسف بعقله وقلبه.. وأنه قد ركبه عدوه.. وسار به إلى النار.
فليطلب السلامة والنجاة من عدوه من ربه العزيز الرحيم.
{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)} [يوسف: 105].
مختارات