عن اللغو معرضون
والذين هم عن اللغو معرضون
قوله سبحانه “والذين هم عن اللغو معرضون” بيان لصفة ثانية من صفات هؤلاء المؤمنين..
واللغو:من اللغا وهو صوت العصافير، والمفسرون فيه على أقوال:
1- التكلم بما لا خير فيه من الأقوال والأعمال
2- الباطل
3- المعاصي
أي أن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم ينزهون أنفسهم عن الباطل والساقط من القول أو الفعل، ويعرضون عن ذلك في كل أوقاتهم لأنهم لحسن صلتهم بالله تعالى اشتغلوا بعظائم الأمور وجليلها. ومنه قوله تعالى (وإذا مروا باللغو مروا كراما) الفرقان 72
والمقصود هنا أن المسلم عنده ما يشغله عن اللغو واللهو بما تحمل من تكاليف وأعباء، ولا ينفي هذا أن يروح المسلم عن نفسه بين الحين والحين ولكن بما أحل الله،ومن نظر في مُحْكم القرآن،و صحيح السنة لن يجد ما يحظر اللهو واللعب، إلا ما صاحبه أمر محرم شرعا، أو أدّى إلى مفسدة محققة أو مرجّحة.
ومن نظر في النصوص العامة للشريعة ـ التي تنبئ عن مقاصدها الكلية ـ وجدها تبيح الطيبات، وتحرم الخبائث. والطيبات ليست أمرا خاصاً بالمأكولات، كما يتصور بعض الناس، بل منها ما يتعلق بالملبوسات والمرئيات والمسموعات والمشمومات، مما تستطيبه وتتلذذ به الحواس المختلفة من البصر والسمع والشم والذوق و اللمس وغيرها.
بل نجد في نصوص القرآن ما يدل على شرعية اللهو، كما في قوله تعالى)وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما، قل: ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة) الجمعة: 11.
فعطف التجارة على اللهو ينبئ بأنهما في المشروعية سواء، وإنما الذي ذمه الله تعالى: هو انشغالهم باللهو والتجارة عن رسول الله، وذلك حين تأتي القافلة محملة بالبضائع، وما يصحبها من الطبل والغناء واللهو، فينفضون إليها ويتركونه في المسجد قائما.
كما نجد في نصوص السنة: أن النبي أذن للحبشة أن يرقصوا بحرابهم في مسجده، وأذن لعائشة أن تنظر إليهم وهي متعلقة به، كما سمح للجاريتين أن تغنيا وتضربا بالدف في بيت عائشة، وكان موجودا،
، وذلك في يوم عيد. معللا ذلك بقوله: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة. إني أرسلت بحنفية سمحة
وكان يمزح مع زوجاته، ومع أصحابه، ولا يقول إلا حقا، وكان أصحابه على نهجه يمزحون ويتضاحكون،
وحديث حنظلة رضي الله عنه حيث يقول: (لقيني أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله يذكرنا بالنار والجنة حتى وكأنّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، قال أبوبكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلـقت أنا وأبـو بكر الصديق حتى دخلنا علـى رســول الله، قلــت: نافــق حنظــلة يا رسول الله، فقال رسول الله: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسيــنا كــثيـرًا. فقال رسول الله: والذي نفسي بيده أن لو تَدُومُون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فُرُشِكم وفي طُرِقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات).
كما أكدت السنة مبدأ الترويح في الإسلام، ومن ذلك ما ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، أن رسول الله قال له: (يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا).
و (كان أصحابه يتبادحون(يترامون) بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال) رواه البخاري في الأدب المفرد.
والإســلام حـين يــقر الجانب الترويحي في حيـــاة المسلم، فهو ينطلق من مراعاته للفـطرة البشــرية، والغرائز التي أودعها الله في النفس البشرية، ويتعامل مع واقع الإنسان وظروفه، وليس معنى ذلك الرضا بواقع الإنسان أيًا كان، بل هو يراعي طبيعة الإنسان الضعيفة، وحقيقة واقعها اليومي والحياتي الذي تعيشه.
والمنطلق الآخر الذي تنطلق منه مشروعية الترويح في الإسلام هو: شمولية هذا الدين بتشريعاته لجميع جوانب حياة الإنسان: الجسمية، والروحية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، والغريزية، فالشمول أحد خصائص هذا الدين العظيم وميزاته.
ومن هنا اعترف الإسلام، انطلاقًا من واقعيته وشموليته، بحق البدن في أخذ نصيبه من الراحة والاستجمام، كما اعترف بحق الروح في أن تنال حظها من الترويح والترفيه، ليقوي كل منهما الآخر على تحقيق العبودية لله بمعناها الشامل.
وهذا ما جعل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.. وكذا ما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه في قوله: إني لأستجم لقلبي بالشيء من اللهو، ليكون أقوى لي على الحق. وهذا يعني أن الترويح يمكن أن يكون له بعد تعبدي إذا احتسبه الإنسان قربة لله، أو ليتقوى به على الطاعة.
وعلى ذلك تصبح جميع حياة المسلم تعبدية ما دامت مقترنة بالنية الصالحة، حتى في الجماع مع الزوجة، فلقد ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (… وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أليس كان يكون عليه وزر؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال له الأجر).
الترويح في العصر النبوي:
من ذلك: أ- المسابقة بالأقدام:
وهي رياضة بدنية منشطة للجسم بشكل عام، وكان الرسول يسابق بعض أصحابه، كما سابق زوجه عائشة رضي الله عنها، ولقد كان ينظم مثل هذه المسابقة بالأقدام بين الأطفال، ففي الحديث أن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: (كان رسول الله يصف عبد الله وعبيد الله وكثيرًا من بني العباس، ثم يقول: من سبق إليّ فله كذا وكذا، قال: فيتسابقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبلهم ويلزمُهُم).
ب - الفروسية والمسابقة بالإبل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (سبّق النبي بين الخيل وأعطى السابق) رواه أحمد.
كما سابق الرسول على الإبل، فعند البخاري أن أنسًا رضي الله عنه قال: (كانت لرسول الله ناقة تسمى العَضْباء لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق على المسلمين، فلما رأى ما في وجوههم، قالوا: يا رسول الله سُبقت العضباء، قال: إن حقًا على الله أن لا يرتفع من الدنيا شيء إلا وضعه)
جـ- المصارعة:
في سنن أبي داود (أن رُكانة صارع النبي فصرعه النبي ) وكان ذلك الموقف سببًا في إسلام ركانة رضي الله عنه.
د- ألعاب الأطفال
ومنها اللعب بالبنات (العرائس) فعن عائشة أنها قالت: (كنت ألعب بالبنات عند النبي، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول اللهإذا دخل يَتَقَمَّعن منه، فيُسرِّبُهن إليّ فليعبن معي).
وعند أبي داود أن عائشة قالت: (قدم رسول الله من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة (لُعَب)، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي.. ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع، فقــال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عــليــه؟ قـالت: جنـاحــان، قال: فرس له جنــاحــان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة، قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه).
ضوابط تتعلق بالمشاركين في الترويح
من المعلوم أن معظم الأنشطة الترويحية التي يمارسها الفرد تكون بشكل جماعي، وهذا يؤكد أهمية وضع عدد من الضوابط التي تتعلق بجماعة الترويح المشاركة للفرد في الأنشطة الترويحية، ومنها:
أ- التأكد من خيرية تلك الجماعة، فالرفقة السيئة لها دورها السلبي الذي لا ينكر على الفرد، كما قال الرسول: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
ب- عدم الاختلاط بين الجنسين، عن أسامة بن زيد أن رسول الله قال: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)
ج- يجب ألا يكون الترويح في الوقت المخصص لحقوق الله، أو حقوق الناس، فلا ترويح في أوقات الصلاة مثلاً، لما فيه مــن اعتـداء عــلى حقـوق الله، لحديث ابن مسعود: (أن رجلاً سأل النبي، أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها وبر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله).
وكذلك لا ترويح في أوقات العمل، إذ فيه اعتداء على حقوق الناس.
د- عدم الإفراط في تخصيص معظم الأوقات المباحة للترويح، فالاعتدال والتوسط من خصائص هذا الدين وسمة أساسية من سماته.
هـ- مراعاة الأخلاق العامة، مثل تجنب الغضب، والكلام البذيء، والغش، ومثيرات العداوة والبغضاء، والتعدي على الآخرين.
وأخيرا:
نحن أمة جادة فيها قليل من اللهو
.ولسنا أمة لاهية فيها قليل من الجد
مختارات