سورة آل عمران
آية
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٨﴾]
فلله رحمة قد عمت الخلق؛ برهم، وفاجرهم، سعيدهم، وشقيهم، ثم له رحمة خص بها المؤمنين خاصة؛ وهي رحمة الإيمان، ثم له رحمة خص بها المتقين؛ وهي رحمة الطاعة لله تعالى، ولله رحمة خص بها الأولياء نالوا بها الولاية، وله رحمة خص بها الأنبياء نالوا بها النبوة، وقال الراسخون في العلم: (وهب لنا من لدنك رحمة). ابن تيمية: 2/34.
آية
﴿ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧﴾]
مدحا للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر؛ لما أنهم قد تجردت عقولهم عما يغشاها من الركون إلى الاهواء الزائغة المكدرة لها، واستعدوا إلى الاهتداء إلى معالم الحق، والعروج إلى معارج الصدق. الألوسي: 3/83.
آية
﴿ ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧﴾]
بين سبحانه وتعالى أنه لا يضل بحرف المتشابه إلا ذوو الطبع العوج؛ الذين لم ترسخ أقدامهم في الدين، ولا استنارت معارفهم في العلم. البقاعي: 2/22.
آية
﴿ ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧﴾]
(زيغ) أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل. (فيتبعون ما تشابه منه) أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها؛ لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دافع لهم، وحجة عليهم، ولهذا قال الله تعالى: (ابتغاء الفتنة) أي: الإضلال لأتباعهم؛ إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم. ابن كثير: 1/336.
آية
﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٌ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٌ ۖ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧﴾]
إنما أنزل المتشابه لذلك؛ ليظهر فضل العلماء، ويزداد حرصهم على الاجتهاد فى تدبره، وتحصيل العلوم التى نيط بها استنباط ما أريد به من الأحكام الحقيقية؛ فينالوا بذلك وبإتعاب القرائح، واستخراج المقاصد الرائقة والمعاني اللايقة المدارج العالية. الألوسي: 3/83.
آية
﴿ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣﴾]
من الكتب السابقة؛ فهو المزكي لها؛ فما شهد له فهو المقبول، وما رده فهو المردود، وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون، وهي شاهدة له بالصدق، فأهل الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم إن لم يؤمنوا به؛ فإنَّ كفرهم به ينقض إيمانهم بكتبهم. السعدي: 121.
آية
﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا۟ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٥﴾]
بدأ سبحانه في هذه الآية أولا بذكر المقر وهو الجنات، ثم ثنى بذكر ما يحصل به الأنس التام؛ وهو الأزواج المطهرة، ثم ثلث بذكر ما هو الإكسير الأعظم والروح لفؤاد الواله المغرم؛ وهو رضا الله عز و جل. الألوسي: 3/101.
آية
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤﴾]
وخص هذه الأمور المذكورة؛ لأنها أعظم شهوات الدنيا، وغيرها تبع لها. السعدي: 124.
آية
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤﴾]
فبدأ بالنساء؛ لأن الفتنة بهن أشد، كما ثبت في الصحيح أنه عليه السلام قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه. ابن كثير: 1/332.
آية
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسْنُ ٱلْمَـَٔابِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤﴾]
وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تُنال إلا بترك الشهوات، وفطام النفس عنها. القرطبي: 5/43.
آية
﴿ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِۦ مَن يَشَآءُ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُو۟لِى ٱلْأَبْصَٰرِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢﴾]
لو نظر الناظر إلى مجرد الأسباب الظاهرة والعدد والعُدد لجزم بأن غلبة هذه الفئة القليلة لتلك الفئة الكثيرة من أنواع المحالات، ولكن وراء هذا السبب المشاهد بالأبصار سبب أعظم منه لا يدركه إلا أهل البصائر والإيمان بالله والتوكل على الله والثقة بكفايته؛ وهو نصره وإعزازه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين. السعدي: 123.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٠﴾]
هؤلاء الكفار قد ألهتهم أموالهم وأولادهم عن الله تعالى والنظر فيما ينبغي له إلى حيث يخيل للرائي أنهم ممن يعتقد أنها تسد مسد رحمة الله تعالى وطاعته. الألوسي: 3/93.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۦنَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢١﴾]
دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجباً في الأمم المتقدمة. القرطبي: 5/73.
آية
﴿ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَٰمُ ۗ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٩﴾]
سبب الاجتماع والألفة: جمع الدين والعمل به كله؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به باطنا وظاهرا. وسبب الفرقة: ترك حظ مما أمر العبد به، والبغي بينهم. ونتيجة الجماعة: رحمة الله، ورضوانه، وصلواته، وسعادة الدنيا والآخرة، وبياض الوجوه. ونتيجة الفرقة: عذاب الله، ولعنته، وسواد الوجوه، وبراءة الرسول ﷺ منهم. ابن تيمية:2/55
آية
﴿ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلْعِلْمِ قَآئِمًۢا بِٱلْقِسْطِ ۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨﴾]
في هذه الآية دليل على شرف العلم من وجوه كثيرة: منها: أن الله قرن شهادة العلماء بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلاً... ومنها: أنه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به؛ فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم، وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه. السعدي: 125.
آية
﴿ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلْعِلْمِ قَآئِمًۢا بِٱلْقِسْطِ ۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨﴾]
وفي هذا دليل على أن أشرف الأمور علم التوحيد؛ لأن الله شهد به بنفسه، وأشهد عليه خواص خلقه، والشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة للبصر. السعدي: 125.
آية
﴿ قُلْ إِن تُخْفُوا۟ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٩﴾]
ففيه إرشاد إلى تطهير القلوب، واستحضار علم الله كل وقت؛ فيستحي العبد من ربه أن يرى قلبه محلاً لكل فكر رديء، بل يشغل أفكاره فيما يقرب إلى الله من تدبر آية من كتاب، أو سنة من أحاديث رسول الله، أو تصور وبحث في علم ينفعه، أو تفكر في مخلوقات الله ونعمه، أو نصح لعباد الله. السعدي: 128.
آية
﴿ قُلْ إِن تُخْفُوا۟ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٩﴾]
وهذا تنبيه منه لعباده... لئلا يرتكبوا ما نهى عنه، وما يبغضه منهم؛ فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أنظر من أنظر منهم، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر. ابن كثير: 1/338.
آية
﴿ قُلْ إِن تُخْفُوا۟ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٩﴾]
وهذا من التهديد؛ إذ المهدد لا يحول بينه وبين تحقيق وعيده إلا أحد أمرين: الجهل بجريمة المجرم، أو العجز عنه، فلما أعلمهم بعموم علمه، وعموم قدرته؛ علموا أن الله لا يفلتهم من عقابه. ابن عاشور: 3/222.
آية
﴿ لَّا يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِى شَىْءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُوا۟ مِنْهُمْ تُقَىٰةً ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٨﴾]
الصحيح أن كل ما عدَّه العرف تعظيماً وحسبه المسلمون موالاة فهو منهى عنه، ولو مع أهل الذمة؛ لا سيما إذا أوقع شيئا في قلوب ضعفاء المؤمنين. الألوسي: 3/120.
آية
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٣﴾]
ما أنكرَ مُنكِرٌ حقاًً وهو يعلمه إلا سلبه الله تعالى علمه حتى يصير إنكاره له بصورة وبوصف من لم يكن قط علمه. الألوسي: 3/50.
آية
﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٧﴾]
يشعر بأنه عطاء متصل، فلا يتحدد ولا يتعدد؛ فهو رزق لا متعقب عليه. وأعظم الشكر لرزق الله سبحانه وتعالى معرفة العبد بأنه من الله تعالى. البقاعي: 2/75.
آية
﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣١﴾]
وهذا لأن الرسول هو الذي يدعو إلى ما يحبه الله، وليس شيء يحبه الله إلا والرسول يدعو إليه، وليس شيء يدعو إليه الرسول إلا والله يحبه؛ فصار محبوب الرب ومدعو الرسول متلازمين. ابن تيمية: 2/60.
آية
﴿ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٤١﴾]
(رب اجعل لي آية) أي: علامة على وجود الولد. قال: (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) أي: ينحبس لسانك عن كلامهم من غير آفة ولا سوء؛ فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز. وهذا آية عظيمة أن لا تقدر على الكلام، وفيه مناسبة عجيبة؛ وهي أنه كما يمنع نفوذ الأسباب مع وجودها، فإنه يوجدها بدون أسبابها؛ ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره. السعدي: 130.
آية
﴿ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٩﴾]
واختلفوا في أنه لم سمي يحيى؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن الله أحيا به عقر أمه، و قال قتادة: لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان، وقيل: سمي يحيى لأنه استشهد، والشهداء أحياء. البغوي: 1/348.
آية
﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٨﴾]
وجاء الطلب بلفظ الهبة؛ لأن الهبة إحسان محض ليس في مقابلة شيء، وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد لكبر سنه، ولا للوالدة لكونها عاقرة لا تلد. الألوسي: 3/144.
آية
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٥١﴾]
لا أدعوكم إلى شيء إلا كنت أول فاعل له، ولا أدعي أني إله، ولا أدعو إلى عبادة غير الله تعالى كما يدعي الدجال وغيره من الكذبة الذين تظهر الخوارق على أيديهم امتحاناًً من الله سبحانه وتعالى لعباده، فيجعلونها سبباًً للعلو في الأرض، والترفع على الناس. البقاعي: 2/94.
آية
﴿ وَأُبْرِئُ ٱلْأَكْمَهَ وَٱلْأَبْرَصَ وَأُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۖ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٤٩﴾]
قال كثير من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه... وأما عيسى- عليه السلام- فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد. ابن كثير: 2/37.
آية
﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ﴿ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٤٧﴾]
وعبر عن تكوين الله لعيسى بفعل يخلق؛ لأنه إيجاد كائن من غير الأسباب المعتادة لإيجاد مثله؛ فهو خَلقٌ أُنُفٌ غير ناشئ عن أسباب إيجاد الناس، فكان لفعل يخلق هنا موقع متعين؛ فإن الصانع إذا صنع شيئا من مواد معتادة وصنعة معتادة لا يقول: خلقت، وإنما يقول: صنعت. ابن عاشور: 3/249.
آية
﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٤٧﴾]
ومن حكمة الباري تعالى أن تدرج بأخبار العباد من الغريب إلى ما هو أغرب منه؛ فذكر وجود يحيى بن زكريا بين أبوين: أحدهما كبير، والآخر عاقر، ثم ذكر أغرب من ذلك وأعجب؛ وهو وجود عيسى- عليه السلام- من أم بلا أب؛ ليدل عباده أنه الفعال لما يريد، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. السعدي: 131.
آية
﴿ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْمُمْتَرِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٦٠﴾]
وفي هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة، وهو: أن ما قامت الأدلة على أنه حق، وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا، فلا يوجب له عجزه على حلها القدح فيما علمه؛ لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى: (فماذا بعد الحق إلا الضلال)، وبهذه القاعدة الشرعية تنحلُّ عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون، ويرتبها المنطقيون؛ إن حلها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته، ويدعو إليه. السعدي: 133.
آية
﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٥٧﴾]
دل ذلك على أنه يحصل لهم في الدنيا ثواب لأعمالهم من: الإكرام، والإعزاز، والنصر، والحياة الطيبة، وإنما توفية الأجور يوم القيامة يجدون ما قدموه من الخيرات محضراً موفراً؛ فيعطي منهم كل عامل أجر عمله، ويزيدهم من فضله وكرمه. السعدي: 132.
آية
﴿ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٥٥﴾]
هم أهل الإسلام الذين صدقوه، واتبعوا دينه في التوحيد من أمة محمد ﷺ ؛ فهم فوق الذين كفروا؛ ظاهرين، قاهرين بالعزة والمنعة والحجة. البغوي: 1/361.
آية
﴿ ا۟ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٥٥﴾]
هم أهل الإسلام الذين صدقوه، واتبعوا دينه في التوحيد من أمة محمد ﷺ ؛ فهم فوق الذين كفروا؛ ظاهرين، قاهرين بالعزة والمنعة والحجة. البغوي: 1/361.
آية
﴿ وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَقُولُوا۟ ٱشْهَدُوا۟ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٦٤﴾]
وفيه رد على الروافض الذين يقولون: يجب قبول قول الإمام دون إبانة مستند شرعي، وأنه يحل ما حرمه الله من غير أن يبين مستنداً من الشريعة. القرطبي: 5/162.
آية
﴿ قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ تَعَالَوْا۟ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍۭ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٦٤﴾]
التوحيد- وإن كان أصل الصلاح- فهو أعظم العدل. ابن تيمية: 2/80.
آية
﴿ قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ تَعَالَوْا۟ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍۭ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٦٤﴾]
ولعل الفائدة في ذلك: أنكم إذا قلتم لهم ذلك- وأنتم أهل العلم على الحقيقة- كان ذلك زيادة على إقامة الحجة عليهم، كما استشهد تعالى بأهل العلم حجة على المعاندين. السعدي: 134.
آية
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا۟ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧٥﴾]
وذلك أن اليهود قالوا: أموال العرب حلال لنا؛ لأنهم ليسوا على ديننا، ولا حرمة لهم في كتابنا، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم. البغوي: 1/371.
آية
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا۟ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧٥﴾]
(ليس) عليهم (في الأميين سبيل) أي: ليس عليهم إثم في عدم أداء أموالهم إليهم؛ لأنهم بزعمهم الفاسد، ورأيهم الكاسد قد احتقروهم غاية الاحتقار، ورأوا أنفسهم في غاية العظمة، وهم الأذلاء الأحقرون، فلم يجعلوا للأميين حرمة، وأجازوا ذلك، فجمعوا بين أكل الحرام، واعتقاد حله، وكان هذا كذبا على الله. السعدي: 135.
آية
﴿ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧٥﴾]
الأمانة عظيمة القدر في الدين، ومن عظم قدرها أنها تقوم هي والرحم على جنبتي الصراط، كما في صحيح مسلم، فلا يُمَكَّن من الجواز إلا من حفظهما. القرطبي: 5/178-179.
آية
﴿ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمً ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧٥﴾]
الآية إخبار أن أهل الكتاب على قسمين: أمين، وخائن، وذكر القنطار مثالا للكثير، فمن أداه أدى ما دونه. ابن جزي: 1/150.
آية
﴿ وَلَا تُؤْمِنُوٓا۟ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىٰٓ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ۗ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧٣﴾]
التقدير: وَلا تُؤْمِنُوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وهم المسلمون؛ أوتوا كتابا سماويا كالتوراة، ونبيا مرسلا كموسى، وبأن يحاجوكم، ويغلبوكم بالحجة يوم القيامة إلا لأتباعكم؛ وحاصله أنهم نهوهم عن إظهار هذين الأمرين المسلّمين لئلا يزدادوا تصلبا، ولمشركي العرب لئلا يبعثهم على الإسلام. الألوسي: 3/200.
آية
﴿ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧١﴾]
العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهماً، وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره؛ ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه، والمقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق، ويعلنوا به، ويميزوا الحق من الباطل. السعدي: 134-135.
آية
﴿ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّۦنَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥ ۚ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِى ۖ قَالُوٓا۟ أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَٱشْهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٨١﴾]
وروي عن غير واحد من السلف- علي وابن عباس وغيرهما- قالوا: لم يبعث الله نبيا من عهد نوح إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به، ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد -وهم أحياء- ليؤمنن به، ولينصرنه. ابن تيمية: 2/88.
آية
﴿ وَلَٰكِن كُونُوا۟ رَبَّٰنِيِّۦنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧٩﴾]
(ربانيين): قال سعيد بن جبير: العالم الذي يعمل بعلمه... وقيل: الربانيون فوق الأحبار، والأحبار: العلماء. والربانيون: الذين جمعوا مع العلم البصارة بسياسة الناس.. البغوي: 1/375.
آية
﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُۥنَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَٰبِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧٨﴾]
والتحريف قد فسر بتحريف التنزيل، وبتحريف التأويل، فأما تحريف التأويل فكثير جدا، وقد ابتليت به طوائف من هذه الأمة، وأما تحريف التنزيل فقد وقع في كثير من الناس؛ يحرفون ألفاظ الرسول، ويروون الحديث بروايات منكرة. ابن تيمية: 2/86.
آية
﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُۥنَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَٰبِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧٨﴾]
وجيء بالمضارع في هاته الأفعال: يلوون، ويقولون؛ للدلالة على تجدد ذلك، وأنه دأبهم. ابن عاشور: 3/292.
آية
﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُۥنَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَٰبِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧٨﴾]
وذلك أن المقصود من الكتاب: حفظ ألفاظه، وعدم تغييرها، وفهم المراد منها وإفهامه. وهؤلاء عكسوا القضية، وأفهموا غير المراد من الكتاب؛ إما تعريضاًً، وإما تصريحاًً. السعدي: 136.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَمَاتُوا۟ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِۦٓ ۗ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٩١﴾]
عن أبي عمران قال: سمعت أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: (يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفدي به؟ فيقول: نعم، فيقول: أردت منك أهون من ذلك وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي شيئا؛ فأبيت إلا أن تشرك بي) البغوي: 1/380.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُوا۟ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٩٠﴾]
لأن الله سبحانه وتعالى يطبع على قلوبهم؛ فلا يتوبون توبة نصوحاً يدومون عليها، ويصلحون ما فسد، أو لن توجد منهم توبة حتى يترتب عليها القبول؛ لأنهم زادوا عن أهل القسم الأول بالتمادي. البقاعي: 2/123.
آية
﴿ كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓا۟ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ ۚ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٨٦﴾]
أي: قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول، ووضح لهم الأمر، ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به من العماية؟. ابن كثير: 1/359.
آية
﴿ كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓا۟ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ ۚ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٨٦﴾]
فهؤلاء لا يوفقون للهداية؛ لأن الذي يرجى أن يهتدي هو الذي لم يعرف الحق، وهو حريص على التماسه، فهذا بالحري أن ييسر الله له أسباب الهداية، ويصونه من أسباب الغواية. السعدي: 137.
آية
﴿ فِيهِ ءَايَٰتٌۢ بَيِّنَٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنًا ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٩٧﴾]
(فيه آيات بينات): آيات البيت كثيرة: منها: الحجر الذي هو مقام إبراهيم، وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت، فكان كلما طال البناء ارتفع به الحجر في الهواء حتى أكمل البناء، وغرقت قدم إبراهيم في الحجر كأنها في طين، وذلك الأثر باق إلى اليوم. ومنها: أن الطيور لا تعلوه، ومنها: إهلاك أصحاب الفيل، ورد الجبابرة عنه، ونبع زمزم لهاجر أم إسماعيل بهمز جبريل بعقبه، وحفر عبد المطلب بعد دثورها، وأن ماءها ينفع لما شرب له، إلى غير ذلك. ابن جزي: 1/153.
آية
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٩٦﴾]
أي كثير الخير لما أنه يضاعف فيه ثواب العبادة... وقيل: لأنه يغفر فيه الذنوب لمن حجه وطاف به واعتكف عنده. و... يجوز أن تكون بركته ما ذكر في قوله تعالى: (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) [القصص: 57]، وقيل: بركته دوام العبادة فيه ولزومها. الألوسي: 4/5.
آية
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٩٦﴾]
وإنما كانت الأولية موجبة التفضيل؛ لأن مواضع العبادة لا تتفاضل من جهة العبادة -إذ هي في ذلك سواء- ولكنها تتفاضل بما يحف بذلك من طول أزمان التعبد فيها، وبنسبتها إلى بانيها، وبحسن المقصد في ذلك. ابن عاشور: 4/15.
آية
﴿ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَىٰةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا۟ بِٱلتَّوْرَىٰةِ فَٱتْلُوهَآ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٩٣﴾]
قال الزجاج: في هذه الآية أعظم دلالة لنبوة محمد نبينا ﷺ ؛ أخبرهم أنه ليس في كتابهم، وأمرهم أن يأتوا بالتوراة فأبوا؛ يعني عرفوا أنه قال ذلك بالوحي. القرطبي: 5/204-205.
آية
﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٠٧﴾]
(ففي رحمة الله) أي: الجنة؛ فهو من التعبير بالحال عن المحل...وإنما عبر عن ذلك بالرحمة إشعاراً بأن المؤمن وإن أستغرق عمره في طاعة الله فإنه لا ينال ما ينال إلا برحمته تعالى. الألوسي: 4/26.
آية
﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٠٤﴾]
الناس في تغيير المنكر والأمر بالمعروف على مراتب: ففرض العلماء فيه تنبيه الحكام والولاة، وحملهم على جادة العلم، وفرض الولاة تغييره بقوتهم وسلطانهم... وفرض سائر الناس رفعه إلى الحكام والولاة بعد النهي عنه قولا؛ وهذا في المنكر الذي له دوام، وأما إن رأى أحد نازلة بديهة من المنكر؛ كالسلب والزنى ونحوه، فيغيرها بنفسه بحسب الحال والقدرة. ابن عطية:1/486.
آية
﴿ وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٠٣﴾]
وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع؛ فإن ذلك ليس اختلافاًً؛ إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف والجمع، وأما حكم مسائل الاجتهاد فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض، ودقائق معاني الشرع، وما زالت الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متآلفون. القرطبي: 5/241.
آية
﴿ وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٠٣﴾]
(جميعاً): لا تدعوا أحداًً منكم يشذ عنها، بل كلما عثرتم على أحد فارقها -ولو قيد شبر- فردوه إليها، ولا تناظروه، ولا تهملوا أمره، ولا تغفلوا عنه؛ فيختل النظام، وتتعبوا على الدوام، بل تزالوا كالرابط ربطاًً شديداًً حزمة نبل بحبل، لا يدع واحدة منها تنفرد عن الأخرى. البقاعي: 2/131.
آية
﴿ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَأُو۟لَٰٓئِكَ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١١٥﴾]
(ويسارعون في الخيرات) أي: يبادرون إلى فعل الخيرات والطاعات خوف الفوات بالموت مثلا، أو يعملون الأعمال الصالحة راغبين فيها غير متثاقلين لعلمهم بجلالة موقعها وحسن عاقبتها. وهذه صفة جامعة لفنون الفضائل والفواضل، وفي ذكرها تعريض بتباطؤ اليهود وتثاقلهم عن ذلك. الألوسي: 4/34.
آية
﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوٓا۟ إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١١٢﴾]
ولما أخبر عنهم سبحانه وتعالى بهذا الذل أتبعه الإخبار بأنه في كل زمان وكل مكان معاملة منه لهم بضد ما أرادوا؛ فعوضهم عن الحرص على الرئاسة إلزامهم الذلة، وعن الإخلاد إلى المال إسكانهم المسكنة، وأخبر أن ذلك لهم طوق الحمامة غير مزائلهم إلى آخر الدهر، باق في أعقابهم. البقاعي: 2/136.
آية
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١١٠﴾]
فالجهاد للْكفَّار أصلح من هلاكهم بِعَذَاب سَمَاء من وُجُوه: أَحدهَا: أَن ذَلِك أعظم فِي ثَوَاب الْمُؤمنِينَ وأجرهم وعلو درجاتهم؛ لما يَفْعَلُونَهُ من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله لأن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا، وَيكون الدِّين كُله لله. الثَّانِي: أَن ذَلِك أَنْفَع للْكفَّار أَيْضاً؛ فَإِنَّهُم قد يُؤمنُونَ من الْخَوْف، وَمن أسر مِنْهُم وسيم من الصغار يسلم أَيْضا، وَهَذَا من معنى قَوْله تَعَالَى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)؛ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «وكنتم خير النَّاس للنَّاس؛ تأتون بهم فِي الأقياد والسلاسل حَتَّى تدخلوهم الْجنَّة»، فَصَارَت الأمة بذلك خير أمة أخرجت للنَّاس. ابن تيمية: 2/122.
آية
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١١٠﴾]
وأصل (المعروف) كل ما كان معروفاً فعله، جميلاً مستحسناً، غير مستقبح في أهل الإيمان بالله، وإنما سميت طاعة الله معروفا لأنه مما يعرفه أهل الإيمان، ولا يستنكرون فعله. وأصل (المنكر) ما أنكره الله، ورأوه قبيحا فعله؛ ولذلك سميت معصية الله منكرا؛ لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها، ويستعظمون ركوبها. الطبري: 7/105.
آية
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١١٠﴾]
من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤَدِّ شرط الله فيها... ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) [المائدة: 79]. ابن كثير: 1/374.
آية
﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَٰعِدَ لِلْقِتَالِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢١﴾]
أي: تُنَزِّلهم وترتبهم؛ كل في مقعده اللائق به، وفيها أعظم مدح للنبي ﷺ ؛ حيث هو الذي يباشر تدبيرهم وإقامتهم في مقاعد القتال؛ وما ذاك إلا لكمال علمه ورأيه، وسداد نظره، وعلو همته؛ حيث يباشر هذه الأمور بنفسه وشجاعته الكاملة، صلوات الله وسلامه عليه. السعدي: 145.
آية
﴿ وَإِن تَصْبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢٠﴾]
فالصبر يدخل فيه الصبر على المقدور، والتقوى يدخل فيها فعل المأمور وترك المحظور. فمن رزق هذا وهذا فقد جمع له الخير، بخلاف من عكس فلا يتقي الله، بل يترك طاعته متبعا لهواه، ويحتج بالقدر، ولا يصبر إذا ابتلي، ولا ينظر حينئذ إلى القدر، فإن هذا حال الأشقياء. ابن تيمية: 2/133.
آية
﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا۟ بِهَا ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢٠﴾]
من كانت هذه صفته من شدة العداوة والحقد والفرح بنزول الشدائد على المؤمنين؛ لم يكن أهلا لأن يتخذ بطانة، لا سيما في هذا الأمر الجسيم من الجهاد الذي هو ملاك الدنيا والآخرة. القرطبي: 5/281.
آية
﴿ هَٰٓأَنتُمْ أُو۟لَآءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا۟ عَضُّوا۟ عَلَيْكُمُ ٱلْأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا۟ بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١١٩﴾]
فالعجب من محبة المؤمنين إياهم في حال بغضهم المؤمنين. ابن عاشور: 4/65.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١١٨﴾]
أحبوا مشقتكم الشديدة وضرركم، وظهرت أمارات العداوة لكم من فلتات ألسنتهم وفحوى كلماتهم، وما تخفي صدورهم من البغضاء أكبر؛ أي أعظم مما بدا؛ لأنه كان عن فلتة، ومثله لا يكون إلا قليلا. الألوسي: 4/38.
آية
﴿ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١١٨﴾]
نهي عن استخلاص الكفار وموالاتهم، وقيل لعمر- رضي الله عنه-: «إن هنا رجلا من النصارى لا أحد أحسن خطا منه، أفلا يكتب عنك؟» قال: «إذاًً أتخذ بطانة من دون المؤمنين». (لا يألونكم خبالا) أي: لا يقصرون في إفسادكم. ابن جزي: 1/159.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأْكُلُوا۟ ٱلرِّبَوٰٓا۟ أَضْعَٰفًا مُّضَٰعَفَةً ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٣٠﴾]
اجعلوا بينكم وبين مخالفة نهيه عن الربا وقاية؛ بالإعراض عن مطلق محبة الدنيا والإقبال عليها؛ لتكونوا على رجاء من الفوز بالمطالب؛ فمن له ملك الوجود وملكه فإنه جدير بأن يعطيكم من ملكه إن اتقيتم، ويمنعكم إن تساهلتم. البقاعي: 2/152.
آية
﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلْأَمْرِ شَىْءٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢٨﴾]
وفي هذه الآية ما يدل على أن اختيار الله غالب على اختيار العباد، وأن العبد- وإن ارتفعت درجته وعلا قدره- قد يختار شيئاًً وتكون الخيرة والمصلحة في غيره، وأن الرسول ﷺ ليس له من الأمر شيء، فغيره من باب أولى؛ ففيها أعظم رد على من تعلق بالأنبياء أو غيرهم من الصالحين وغيرهم، وأن هذا شرك في العبادة، ونقص في العقل؛ يتركون مَن الأمر كله له، ويَدْعُون من لا يملك من الأمر مثقال ذرة. السعدي: 147.
آية
﴿ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢٦﴾]
فلا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب، بل الأسباب فيها طمأنينة لقلوبكم، وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من عباده؛ فإنه إن شاء نصر من معه الأسباب كما هي سنته في خلقه، وإن شاء نصر المستضعفين الأذلين؛ ليبين لعباده أن الأمر كله بيديه، ومرجع الأمور إليه. السعدي: 146.
آية
﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦ ۗ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢٦﴾]
(وما جعله الله) يعني: هذا الوعد والمدد، (إلا بشرى لكم) أي: بشارة لتستبشروا به، (ولتطمئن): ولتسكن، (قلوبكم به) فلا تجزعوا من كثرة عدوكم وقلة عددكم، (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) يعني: لا تحيلوا بالنصر على الملائكة والجند؛ فإن النصر من الله تعالى، فاستعينوا به، وتوكلوا عليه؛ لأن العز والحكم له. البغوي: 1/415.
آية
﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦ ۗ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢٦﴾]
أي: وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالها إلا بشارة لكم، وتطييباً لقلوبكم، وتطميناً، وإلا فإنما النصر من عند الله، الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم؛ كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) [محمد: 4]. ابن كثير: 1/380.
آية
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢٣﴾]
لما ذكر تعالى قصة أُحُد أتبعها بذكر قصة بدر؛ وذلك لأن المسلمين يوم بدر كانوا في غاية الضعف عدداًً وعتاداًً، والكفار كانوا في غاية الشدة والقوة، ثم إنه تعالى نصر المسلمين على الكافرين، فصار ذلك من أقوى الدلائل على أن ثمرة التوكل عليه تعالى والصبر والتقوى هو النصر والمعونة والتأييد. القاسمي: 2/402.