سورة آل عمران
آية
﴿ وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحْزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٣٩﴾]
(ولا تهنوا) أي: في جهاد أعدائكم الذين هم أعداء الله؛ فالله معكم عليهم، وإن ظهروا يوم «أحد» نوع ظهور؛ فسترون إلى من يؤول الأمر، (ولا تحزنوا) أي: على ما أصابكم منهم، ولا على غيره مما عساه ينوبكم، والحال أنكم (أنتم الأعلون) أي: في الدارين؛ (إن كنتم مؤمنين). البقاعي: 2/59.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٣٤﴾]
فالكاظم للغيظ والعافـي عن الناس قد أحسن إلى نفسه وإلى الناس؛ فإن ذلك عمل حسنة مع نفسه، ومع الناس، ومن أحسن إلى الناس فإلى نفسه... قَالَ تَعَالَى: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) [الإسراء:7]. ابن تيمية: 2/140-141.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٣٤﴾]
ولما ذكر أشق ما يترك ويبذل؛ وهو المال، أتبعه أشق ما يحبس؛ فقال: (والكاظمين) أي: الحابسين (الغيظ) عن أن ينفذوه بعد أن امتلأوا منه. البقاعي: 2/157.
آية
﴿ فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلْءَاخِرَةِ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤٨﴾]
(فآتاهم الله) المحيط علماً وقدرة (ثواب الدنيا) أي: بأن قبل دعاءهم بالنصر، والغنى بالغنائم، وغيرها، وحسن الذكر، وانشراح الصدر، وزوال شبهات الشر. ولما كان ثواب الدنيا -كيف ما كان- لا بد أن يكون بالكدر مشوباً، وبالبلاء مصحوباً -لأنها دار الأكدار- أعراه من وصف الحسن، وخص الآخرة به فقال: (وحسن ثواب الآخرة). البقاعي: 2/164.
آية
﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا۟ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِىٓ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤٧﴾]
طلبوا الغفران أولاً ليستحقوا طلب النصر على الكافرين بترجحهم بطهارتهم عن الذنوب عليهم وهم محاطون بالذنوب. وفي طلبهم النصر- مع كثرتهم المفرطة التي دل عليها ما سبق- إيذان بأنهم لا ينظرون إلى كثرتهم، ولا يعولون عليها، بل يسندون ثبات أقدامهم إلى الله تعالى، ويعتقدون أن النصر منه سبحانه وتعالى. الألوسي: 4/85.
آية
﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا۟ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِىٓ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤٧﴾]
علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان، وأن التخلي منها من أسباب النصر، فسألوا ربهم مغفرتها. السعدي: 151.
آية
﴿ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴿١٤٦﴾ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا۟ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِىٓ أَمْرِنَا ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤٦﴾]
فجمعوا بين الصبر والاستغفار، وهذا هو المأمور به في المصائب: الصبر عليها والاستغفار من الذنوب التي كانت سببها. ابن تيمية: 2/156.
آية
﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ ۚ أَفَإِي۟ن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤٤﴾]
وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم أو عن بعض لوازمه فقدُ رئيس -ولو عظم- وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين بعدةِ أناسٍ من أهل الكفاءة فيه؛ إذا فقد أحدهم قام به غيره. السعدي: 151.
آية
﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٥٢﴾]
أي: ضعفتم وتراخيتم بالميل إلى الغنيمة خلاف ما تدعو إليه الهمم العوالي... فقد كانت العرب على حال جاهليتها تفاخر بالإقبال على الطعن والضرب في مواطن الحرب، والإعراض عن الغنائم. البقاعي: 2/166.
آية
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٥٢﴾]
(وتنازعتم) وقع النزاع بين الرماة؛ فثبت بعضهم كما أمروا، ولم يثبت بعضهم، (وعصيتم) أي: خالفتم ما أمرتم به من الثبوت. وجاءت المخاطبة في هذا لجميع المؤمنين -وإن كان المخالف بعضهم- وعظا للجميع، وستراً على من فعل. ابن جزي: 1/161.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تُطِيعُوا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ فَتَنقَلِبُوا۟ خَٰسِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤٩﴾]
زجر المؤمنين عن متابعة الكفار ببيان مضارها بالنداء بوصفهم بالإيمان لتذكيرهم بحال ينافي تلك الطاعة فيكون الزجر على أكمل وجه. الألوسي:4/87.
آية
﴿ وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٥٧﴾]
(ولئن قتلتم) أيها المؤمنون في سبيل الله؛ أي: في الجهاد، أو متم حتف الأنف؛ وأنتم متلبسون به فعلا أو نية، (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) أي: الكفار من منافع الدنيا ولذاتها مدة أعمارهم؛ وهذا ترغيب للمؤمنين في الجهاد، وأنه مما يجب أن يتنافس فيه المتنافسون، وفيه تعزية لهم، وتسلية مما أصابهم في سبيل الله تعالى إثر إبطال ما عسى أن يثبطهم عن إعلاء كلمة الله تعالى. الألوسي: 4/104.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَقَالُوا۟ لِإِخْوَٰنِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ أَوْ كَانُوا۟ غُزًّى لَّوْ كَانُوا۟ عِندَنَا مَا مَاتُوا۟ وَمَا قُتِلُوا۟ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِى قُلُوبِهِمْ ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٥٦﴾]
نهى الله تعالى المؤمنين عن الكون مثل الكفار والمنافقين في هذا المعتقد الفاسد؛ الذي هو أن من سافر في تجارة ونحوها، ومن قاتل فقتل، لو قعد في بيته لعاش ولم يمت في ذلك الوقت الذي عرض فيه نفسه للسفر، أو للقتال. ابن عطية: 1/530.
آية
﴿ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلْأَمْرِ شَىْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٥٤﴾]
وهذا إنكار منهم وتكذيب بقدر الله، وتسفيه منهم لرأي رسول الله ﷺ ورأي أصحابه، وتزكية منهم لأنفسهم، فرد الله عليهم بقوله: (قل لو كنتم في بيوتكم) التي هي أبعد شيء عن مظان القتل (لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) فالأسباب -وإن عظمت- إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء. السعدي: 153.
آية
﴿ أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٦٥﴾]
وأخبر أن ما يحصل لهم من مصيبة انتصار العدو وغيرها إنما هو بذنوبهم، فقال تعالى في يوم أحد: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم). ابن تيمية: 2/167.
آية
﴿ لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٦٤﴾]
تقديم «التلاوة» لأنها من باب التمهيد، ثم «التزكية» لأنها بعده؛ وهي أول أمر يحصل منه صفة يتلبس بها المؤمنون، وهي من قبيل التخلية المقدمة على التحلية؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح. ثم «التعليم» لأنه إنما يحتاج إليه بعد الإيمان. الألوسي: 4/114.
آية
﴿ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعْدِهِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٦٠﴾]
(وإن يخذلكم) ويكلكم إلى أنفسكم (فمن ذا الذي ينصركم من بعده) فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق. وفي ضمن ذلك الأمر بالاستنصار بالله، والاعتماد عليه، والبراءة من الحول والقوة. السعدي: 154.
آية
﴿ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٥٩﴾]
التوكل هو الاعتماد على الله في تحصيل المنافع، أو حفظها بعد حصولها، وفي دفع المضرات ورفعها بعد وقوعها، وهو من أعلى المقامات لوجهين: أحدهما قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، والآخر: الضمان الذي في قوله: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). ابن جزي: 1/164.
آية
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٥٩﴾]
لعل المراد بهذه الرحمة ربطه سبحانه وتعالى على جأشه صلى الله تعالى عليه وسلم، وتخصيصه له بمكارم الأخلاق، وجعل الرفق ولين الجانب مسبباً عن ربط الجأش؛ لأن من ملك نفسه عند الغضب كان كامل الشجاعة. الألوسي: 4/105.
آية
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٦٩﴾]
(بل أحياء) إعلام بأن حال الشهداء حال الأحياء من التمتع بأرزاق الجنة، بخلاف سائر الأموات من المؤمنين؛ فإنهم لا يتمتعون بالأرزاق حتى يدخلوا الجنة يوم القيامة. ابن جزي: 1/166.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ قَالُوا۟ لِإِخْوَٰنِهِمْ وَقَعَدُوا۟ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا۟ ۗ قُلْ فَٱدْرَءُوا۟ عَنْ أَنفُسِكُمُ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٦٨﴾]
(لو أطاعونا) يريد في ألا يخرجوا إلى قريش. وقوله: (وقعدوا) أي: قالوا هذا القول وقعدوا بأنفسهم عن الجهاد، فرد الله عليهم بقوله: (قل فادرؤوا) أي: قل لهم يا محمد: إن صدقتم فادفعوا الموت عن أنفسكم. و«الدرء»: الدفع؛ بين بهذا أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن المقتول يقتل بأجله، وما علم الله وأخبر به كائن لا محالة. القرطبي: 5/405.
آية
﴿ وَمَآ أَصَٰبَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٦٦﴾]
أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان -جمع المسلمين وجمع المشركين في أحد- من القتل والهزيمة أنه بإذنه وقضائه وقدره، لا مرد له، ولا بد من وقوعه، والأمر القدري إذا نفذ لم يبق إلا التسليم له، وأنه قدَّره لحكم عظيمة، وفوائد جسيمة، وأنه ليتبين بذلك المؤمن من المنافق. السعدي: 156.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا۟ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُوا۟ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧٣﴾]
(حسبنا الله ونعم الوكيل) كلمة يدفع بها ما يخاف ويكره، وهي التي قالها إبراهيم- عليه السلام- حين ألقي في النار، ومعنى «حسبنا الله»: كافينا وحده؛ فلا نخاف غيره، ومعنى: «ونعم الوكيل»: ثناء على الله، وأنه خير من يتوكل العبد عليه، ويلجأ إليه. (فانقلبوا) أي: رجعوا بنعمة السلامة، وفضل الأجر. ابن جزي: 1/167.
آية
﴿ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧٠﴾]
من إخوانهم الذين تركوهم أحياء في الدنيا على مناهج الإيمان والجهاد؛ لعلمهم أنهم إذا استشهدوا ولحقوا بهم، ونالوا من الكرامة ما نالوا؛ فهم لذلك مستبشرون. البغوي: 1/448.
آية
﴿ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧٠﴾]
لم يفت منهم إلا حياة الكدر التي لا مطمع لأحد في بقائها -وإن طال المدى- وبقيت لهم حياة الصفاء؛ التي لا انفكاك لها، ولا آخر لنعيمها، فلا فتنة تنالهم، ولا حزن يعتريهم، ولا دهش يلم بهم في وقت الحشر، ولا غيره. البقاعي: 2/180.
آية
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٦٩﴾]
ولفظ: (عند ربهم) يقتضي علو درجتهم، وقربهم من ربهم، (يرزقون) من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه إلا من أنعم به عليهم، ومع هذا (فرحين بما آتاهم الله من فضله) أي: مغتبطين بذلك، قد قرت به عيونهم، وفرحت به نفوسهم؛ وذلك لحسنه وكثرته، وعظمته، وكمال اللذة في الوصول إليه، وعدم المنغص، فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله، فتم لهم النعيم والسرور. السعدي: 156.
آية
﴿ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧٩﴾]
(حتى يميز الخبيث من الطيب) بأن يفضح المبطل -وإن طال ستره- بتكاليف شاقة، وأحوال شديدة، لا يصبر عليها إلا المخلص من العباد، المخلصون في الاعتقاد. البقاعي: 2/187.
آية
﴿ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧٩﴾]
ما كان الله ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين، ولكنه ميز هؤلاء من هؤلاء بما ظهر في غزوة أحد من الأقوال والأفعال التي تدل على الإيمان، أو على النفاق، (وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أي: ما كان الله ليطلعكم على ما في القلوب من الإيمان والنفاق. ابن جزي: 1/168.
آية
﴿ وَلَا يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَيْـًٔا ۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِى ٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧٦﴾]
(إنهم لن يضروا الله شيئاً) تعليق نفي الضرر به تعالى تشريف للمؤمنين، وإيذان بأن مضارتهم بمنزلة مضارته سبحانه وتعالى. الألوسي: 4/133.
آية
﴿ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧٥﴾]
فالخائف من الله تعالى هو أن يخاف أن يعاقبه: إما في الدنيا، وإما في الآخرة، ولهذا قيل: ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، بل الخائف الذي يترك ما يخاف أن يُعذب عليه. القرطبي: 5/428.
آية
﴿ فَٱنقَلَبُوا۟ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُوا۟ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧٤﴾]
لما فوضوا أمورهم إليه، واعتمدوا بقلوبهم عليه؛ أعطاهم من الجزاء أربعة معان: النعمة والفضل، وصرف السوء، واتباع الرضا، فرَضَّاهم عنه، ورضي عنهم. القرطبي: 16/417.
آية
﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِىٓ أَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوٓا۟ أَذًى كَثِيرًا ۚ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨٦﴾]
أخبرهم ليوطنوا أنفسهم على احتماله، ويستعدوا للقائه، ويقابلوه بحسن الصبر والثبات؛ فإن هجوم البلاء مما يزيد في اللأواء، والاستعداد للكرب مما يهون الخطب. الألوسي: 4/147.
آية
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨٥﴾]
لما سلاه سبحانه وتعالى بالرسل - الذين لازموا الصبر والاجتهاد في الطاعة- حتى ماتوا وأممهم، وتركوا ما كان بأيديهم عاجزين عن المدافعة، ولم يبق إلا ملكه سبحانه وتعالى، وأن الفريقين ينتظرون الجزاء -فالرسل لتمام الفوز، والكفار لتمام الهلاك- أخبر أن كل نفس كذلك؛ ليجتهد الطائع، ويقتصر العاصي. البقاعي: 2/192.
آية
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨٥﴾]
يندم المغرور بالمتاع الذي غر به، فالسعيد من سعى في أن يكون موته في رضى مولاه. البقاعي: 2/193.
آية
﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا۟ وَقَتْلَهُمُ ٱلْأَنۢبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨١﴾]
كانوا راضين بما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبياء، وكانوا منهم، وعلى منهاجهم من استحلال ذلك، واستجازته؛ فأضاف -جل ثناؤه- فعل ما فعله من كانوا على منهاجه وطريقته إلى جميعهم؛ إذ كانوا أهل ملة واحدة ونحلة واحدة، وبالرضى من جميعهم. الطبري: 7/446.
آية
﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا۟ وَقَتْلَهُمُ ٱلْأَنۢبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨١﴾]
سلاه ربه في تكذيب المكذبين للرسل من قبله ليتأسى بهم؛ فموت النبي الكريم وقتله ممكن كما كان من قبله من إخوانه من الرسل. وختم بالإخبار بأنه وقع قتل كثير من الرسل، فكان ذلك محققاً؛ لأنه لا يصان من الموت خاص ولا عام. البقاعي: 2/192.
آية
﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٩١﴾]
قيل لأم الدرداء: ما كان شأن أبي الدرداء؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكر، قيل له: أترى التفكر عملا من الأعمال؟ قال: نعم، هو اليقين. ابن عاشور: 4/196.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٩١﴾]
قدم الذكر على الدوام على التفكر للتنبيه على أن العقل لا يفي بالهداية ما لم يتنور بنور ذكر الله تعالى وهدايته، فلا بد للمتفكر من الرجوع إلى الله تعالى. الألوسي: 4/159.
آية
﴿ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨٧﴾]
قال الحسن وقتادة: هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب؛ فمن علم شيئا فليُعَلِّمه، وإياكم وكتمان العلم؛ فإنه هلكة. وقال محمد بن كعب: لا يحل لعالم أن يسكت على علمه، ولا للجاهل أن يسكت على جهله؛ قال الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) الآية، وقال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل: 43]، وقال أبو هريرة: لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء، ثم تلا هذه الآية: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب). القرطبي:5/458.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱصْبِرُوا۟ وَصَابِرُوا۟ وَرَابِطُوا۟ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٠٠﴾]
ختم تعالى السورة بما تضمنته هذه الآية العاشرة من الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء والفوز بنعيم الآخرة، فحض على الصبر على الطاعات، وعن الشهوات، والصبر: الحبس. القرطبي: 5/485.
آية
﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٩٩﴾]
لما كان إيمانهم عاما حقيقيا؛ صار نافعا، فأحدث لهم خشية الله... ومن تمام خشيتهم لله أنهم (لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً)؛ فلا يقدمون الدنيا على الدين كما فعل أهل الانحراف الذين يكتمون ما أنزل الله، ويشترون به ثمنا قليلا، وأما هؤلاء فعرفوا الأمر على الحقيقة، وعلموا أن من أعظم الخسران الرضا بالدون عن الدين. السعدي: 162.
آية
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فِى ٱلْبِلَٰدِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٩٦﴾]
المغتر فارح بالشيء الذي يغتر به، فالكفار مغترون بتقلبهم، والمؤمنون مهتمون به، لكنه ربما يقع في نفس مؤمن أن هذا الإملاء للكفار إنما هو لخير لهم، فيجيء هذا جنوحاً إلى حالهم ونوعا من الاغترار؛ فلذلك حسنت (لا يَغُرَّنَّكَ)... ما من مؤمن ولا كافر إلا والموت خير له، أما الكافر فلئلا يزداد إثماً، وأما المؤمن فلأن ما عند الله خير للأبرار. ابن عطية: 1/558.
آية
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فِى ٱلْبِلَٰدِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٩٦﴾]
دليل على أن الكفار غير منعم عليهم في الدنيا؛ لأن حقيقة النعمة الخلوص من شوائب الضرر العاجلة والآجلة، ونعم الكفار مشوبة بالآلام والعقوبات، فصار كمن قدم بين يدي غيره حلاوة من عسل فيها السم، فهو وإن استلذ آكله لا يقال أنعم عليه؛ لأن فيه هلاك روحه. القرطبي: 5/481.
آية
﴿ ۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟ وَأُخْرِجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِمْ وَأُوذُوا۟ فِى سَبِيلِى وَقَٰتَلُوا۟ وَقُتِلُوا۟ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـَٔاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ث ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٩٥﴾]
(فالذين هاجروا) أي: تركوا دار الشرك، وأتوا إلى دار الإيمان، وفارقوا الأحباب والخلان والإخوان والجيران. (وأخرجوا من ديارهم) أي: ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجأوهم إلى الخروج من بين أظهرهم؛ ولهذا قال: (وأوذوا في سبيلي) أي: إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده؛ (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) [البروج: 8]. وقوله: (وقاتلوا وقتلوا): وهذا أعلى المقامات؛ أن يقاتل في سبيل الله. ابن كثير: 1/418.