سورة الأنعام
آية
﴿ فَأَهْلَكْنَٰهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنۢ بَعْدِهِمْ قَرْنًا ءَاخَرِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦﴾]
والمعنى: وسعنا عليهم النعم فكفروها، (فأهلكناهم بذنوبهم) أي: بكفرهم؛ فالذنوب سبب الانتقام، وزوال النعم، (وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) أي: أوجدنا. فليحذر هؤلاء من الإهلاك أيضا. القرطبي:8/326.
آية
﴿ أَلَمْ يَرَوْا۟ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا ٱلْأَنْهَٰرَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنۢ بَعْدِهِمْ قَرْنًا ءَاخَرِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦﴾]
فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم؛ فما أنتم بأعز على الله منهم، والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم، فأنتم أولى بالعذاب، ومعاجلة العقوبة منهم؛ لولا لطفه وإحسانه. ابن كثير:2/117.
آية
﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١﴾]
يقول: أخلصوا الحمد والشكر للذي خلقكم أيها الناس، وخلق السماوات والأرض، ولا تشركوا معه في ذلك أحدا أو شيئا؛ فإنه المستوجب عليكم الحمد بأياديه عندكم ونعمه عليكم، لا من تعبدونه من دونه، وتجعلونه له شريكا من خلقه. الطبري:11/247.
آية
﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١﴾]
قال العلماء: هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين، ومن كذب بالبعث والنشور، وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة؛ لأنها في معنى واحد من الحجة. القرطبي:8/312.
آية
﴿ قُلْ إِنِّىٓ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٤﴾]
ويجوز أن يكون الأول كناية عن الأقوى والأمكن في الإسلام؛ لأن الأول في كل عمل هو الأحرص عليه، والأعلق به؛ فالأولية تستلزم الحرص والقوة في العمل، كما حكى الله تعالى عن موسى قوله: (وأنا أول المؤمنين) [الأعراف: 143]، فإن كونه أولهم معلوم، وإنما أراد: أني الآن بعد الصعقة أقوى الناس إيمانا. ابن عاشور:7/ 158.
آية
﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٧﴾]
أشار تعالى بقوله هنا: (فهو على كل شيء قدير) بعد قوله: (وإن يمسسك بخير) إلى أن فضله وعطاءه الجزيل لا يقدر أحد على رده عمن أراده له تعالى؛ كما صرح بذلك في قوله: (وإن يردك بخير فلا راد لفضله) [يونس: 107] الآية. الشنقيطي:1/475.
آية
﴿ قُل لِّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٢﴾]
الإخبار بأن لله ما في السماوات وما في الأرض يثير سؤال سائل عن عدم تعجيل أخذهم على شركهم بمن هم ملكه؛ فالكافر يقول: لو كان ما تقولون صدقا لعجل لنا العذاب، والمؤمن يستبطئ تأخير عقابهم، فكان قوله: (كتب على نفسه الرحمة) جوابا لكلا الفريقين بأنه تفضل بالرحمة؛ فمنها: رحمة كاملة؛ وهذه رحمته بعباده الصالحين، ومنها: رحمة موقتة؛ وهي رحمة الإمهال والإملاء للعصاة والضالين. ابن عاشور:7/151.
آية
﴿ قُل لِّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٢﴾]
وهو تعالى قد بسط عليهم رحمته وإحسانه، وتغمدهم برحمته وامتنانه، وكتب على نفسه كتابا أن رحمته تغلب غضبه، وأن العطاء أحب إليه من المنع، وأن الله قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة إن لم يغلقوا عليهم أبوابها بذنوبهم، ودعاهم إليها إن لم تمنعهم من طلبها معاصيهم وعيوبهم. السعدي:251.
آية
﴿ قُل لِّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٢﴾]
هذا استعطاف منه تعالى للمتولين عنه إلى الإقبال عليه، وإخبار بأنه رحيم بالعباد لا يعجل بالعقوبة، ويقبل الإنابة والتوبة. البغوي:2/10.
آية
﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُوا۟ مِنْهُم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٠﴾]
فإن شككتم في ذلك، أو ارتبتم؛ فسيروا في الأرض، ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين؛ فلن تجدوا إلا قوما مهلكين.... وهذا السير المأمور به: سير القلوب والأبدان الذي يتولد منه الاعتبار، وأما مجرد النظر من غير اعتبار فإن ذلك لا يفيد شيئا. السعدي:251.
آية
﴿ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا۟ كُلَّ ءَايَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا۟ بِهَا ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٢٥﴾]
(وَجعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ): (أكنة) جمع كنان؛ وهو الغطاء، و(أن يفقهوه) في موضع مفعول من أجله؛ تقديره: كراهة أن يفقهوه، ومعنى الآية: أن الله حال بينهم وبين فهم القرآن إذا استمعوه، وعبر بالأكنة والوقر مبالغة. ابن جزي: 1 / 266.
آية
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٢٥﴾]
أي: ومن هؤلاء المشركين قوم يحملهم بعض الأوقات بعض الدواعي إلى الاستماع لما تقول، ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه؛ ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع، لعدم إرادتهم للخير، (وجعلنا على قلوبهم أكنة) أي: أغطية وأغشية؛ لئلا يفقهوا كلام الله، فصان كلامه عن أمثال هؤلاء. السعدي:254.
آية
﴿ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَ ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٩﴾]
أمر بتبليغ الأقرب منه مكانا ونسبا، ثم بتبليغ طائفة بعد طائفة حتى تبلغ النذارة إلى جميع أهل الأرض؛ كما قال تعالى: (وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) أي: من بلغه القرآن؛ فكل من بلغه القرآن فقد أنذره محمد صلى الله عليه وسلم. ابن تيمية:3/20.
آية
﴿ قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدَةً ۖ قُلِ ٱللَّهُ ۖ شَهِيدٌۢ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٩﴾]
وهو يشهد لي بإقراره وفعله، فيُقِرُّني على ما قلت لكم... فالله حكيم قدير، فلا يليق بحكمته وقدرته أن يُقِرَّ كاذباً عليه، زاعماً أن الله أرسله ولم يرسله، وأن الله أمره بدعوة الخلق ولم يأمره، وأن الله أباح له دماء من خالفه وأموالهم ونساءهم، وهو مع ذلك يصدقه بإقراره وبفعله، فيؤيده على ما قال بالمعجزات الباهرة والآيات الظاهرة، وينصره ويخذل من خالفه وعاداه، فأي شهادة أكبر من هذه الشهادة؟! السعدي:252-253.
آية
﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقًا فِى ٱلْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِى ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُم بِـَٔايَةٍ ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٣٥﴾]
أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يشتد حزنه عليهم إذا كانوا لا يؤمنون، كما أنه لا يستطيع هداهم. القرطبي 8/367.
آية
﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا۟ عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا۟ وَأُوذُوا۟ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِى۟ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٣٤﴾]
(وَلَقَدْ جاءَكَ مِن نَبَإِ الْمُرسَلِينَ) أي: من أخبارهم؛ ويعني بذلك صبرهم ثم نصرهم، وهذا أيضا تقوية للوعد والحض على الصبر. ابن جزي:1/266.
آية
﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٣٣﴾]
نفى عنهم التكذيب، وأثبت الجحود، ومعلوم أن التكذيب باللسان لم يكن منتفيا عنهم، فعلم أنه نفى عنهم تكذيب القلب. ابن تيمية:3/23.
آية
﴿ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ ٱلْءَاخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٣٢﴾]
ليس من اللهو واللعب ما كان من أمور الآخرة؛ فإن حقيقة اللعب: ما لا ينتفع به، واللهو: ما يلهى به، وما كان مراداً للآخرة خارج عنهما... قال ابن عباس: هذه حياة الكافر؛ لأنه يزجيها في غرور وباطل، فأما حياة المؤمن فتنطوي على أعمال صالحة، فلا تكون لهوا ولعبا. القرطبي: 8/361.
آية
﴿ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ ٱلْءَاخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٣٢﴾]
أما حقيقة الدنيا: فإنها لعب ولهو؛ لعب في الأبدان، ولهو في القلوب؛ فالقلوب لها والهة، والنفوس لها عاشقة، والهموم فيها متعلقة، والاشتغال بها كلعب الصبيان وأما الآخرة، فإنها (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) في ذاتها وصفاتها، وبقائها ودوامها، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، من نعيم القلوب والأرواح، وكثرة السرور والأفراح، ولكنها ليست لكل أحد، وإنما هي للمتقين الذين يفعلون أوامر الله، ويتركون نواهيه وزواجره السعدي:252-253.
آية
﴿ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا۟ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا۟ لَعَادُوا۟ لِمَا نُهُوا۟ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٢٨﴾]
بل ظهر لهم ما كانوا يجحدونه من الشرك، فيقولون: (والله ربنا ما كنا مشركين) [الأنعام: 23]، فينطق الله جوارحهم، فتشهد عليهم بالكفر. القرطبي: 8/354.
آية
﴿ فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُوا۟ بِمَآ أُوتُوٓا۟ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٤٤﴾]
قال الحسن البصري: من وَسَّعَ الله عليه فلم يرَ أنه يَمْكُرُ به فلا رأي له، ومن قَتَّرَ عليه فلم يرَ أنه يَنظُرُ له فلا رَأْيَ له، ثم قرأ هذه الآية. ابن كثير:2/126.
آية
﴿ فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُوا۟ بِمَآ أُوتُوٓا۟ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٤٤﴾]
فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم، (حتى إذا فرحوا بما أوتوا) معناه: بطروا، وأشروا، وأعجبوا، وظنوا أن ذلك العطاء لا يبيد، وأنه دال على رضاء الله -عز وجل- عنهم، (أخذناهم بغتة) أي: استأصلناهم، وسطونا بهم، و (بغتة) معناه: فجأة؛ وهي الأخذ على غرة. القرطبي:8/379.
آية
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُم بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴿٤٢﴾ فَلَوْلَآ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا۟ وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٤٢﴾]
(فأخذناهم بالبأساء والضراء): كان ذلك على وجه التخفيف والتأديب، (فلولا): هذا عرض وتحضيض، وفيه دليل على نفع التضرع حين الشدائد. ابن جزي:1/270.
آية
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُم بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴿٤٢﴾ فَلَوْلَآ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا۟ وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٤٢﴾]
ذم الله سبحانه حزبين:... حزب إذا نزل بهم الضر لم يدعوا الله ولم يتضرعوا إليه ولم يتوبوا إليه؛ كما قال: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون*فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون)... وحزب يتضرعون إليه في حال الضراء ويتوبون إليه، فإذا كشفها عنهم أعرضوا عنه... والممدوح: هو القسم الثالث: وهم الذين يدعونه ويتوبون إليه، ويثبتون على عبادته والتوبة إليه في حال السراء؛ فيعبدونه ويطيعونه في السراء والضراء. ابن تيمية:3/24-25.
آية
﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلْكِتَٰبِ مِن شَىْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٣٨﴾]
جميع الأشياء- صغيرها وكبيرها- مثبتة في اللوح المحفوظ على ما هي عليه، فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم، وفي هذه الآية دليل على أن الكتاب الأول قد حوى جميع الكائنات، وهذا أحد مراتب القضاء والقدر؛ فإنها أربع مراتب: علم الله الشامل لجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الموجودات، ومشيئته وقدرته النافذة العامة لكل شيء، وخلقه لجميع المخلوقات. السعدي:255.
آية
﴿ وَلَا تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَىْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٢﴾]
نزلت في ضعفاء المؤمنين؛ كبلال، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وخباب وصهيب، وأمثالهم، وكان بعض المشركين من قريش قد قالوا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا يمكننا أن نختلط مع هؤلاء لشرفنا، فلو طردتهم لاتبعناك. ابن جزي:1/271.
آية
﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَٰرَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ۗ ٱنظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٤٦﴾]
وتصريف الآيات: اختلاف أنواعها؛ بأن تأتي مرة بحجج من مشاهدات في السماوات والأرض، وأخرى بحجج من دلائل في نفوس الناس، ومرة بحجج من أحوال الأمم الخالية التي أنشأها الله. ابن عاشور:7/235.
آية
﴿ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٩﴾]
(وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) أي: من ورقة الشجر إلا يعلم متى تسقط، وأين تسقط، وكم تدور في الهواء، ولا حبة إلا يعلم متى تنبت، وكم تنبت، ومن يأكلها؟ القرطبي:8/405.
آية
﴿ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُۥ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوٓءًۢا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعْدِهِۦ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٤﴾]
وإذا جاءك المؤمنون فحَيِّهم، ورَحِّب بهم، ولقِّهِم منك تحية وسلاماً، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم من رحمة الله، وسعة جوده، وإحسانه، وحُثَّهم على كل سبب وطريق يوصل لذلك، ورَهِّبهم من الإقامة على الذنوب، وأْمُرهم بالتوبة من المعاصي لينالوا مغفرة ربهم وجوده. السعدي:258.
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوٓا۟ أَهَٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنۢ بَيْنِنَآ ۗ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٣﴾]
(وكذلك فتنا بعضهم ببعض) أي: ابتلينا الكفار بالمؤمنين؛ وذلك أن الكفار كانوا يقولون: أهؤلاء العبيد والفقراء منّ الله عليهم بالتوفيق للحق والسعادة دوننا، ونحن أشراف أغنياء، وكان هذا الكلام منهم على وجه الاستبعاد بذلك. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ): ردّ على الكفار في قولهم المتقدّم. ابن جزي:1/271.
آية
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا۟ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٨﴾]
من خاض في آيات الله تُركت مجالسته، وهُجر؛ مؤمنا كان، أو كافراً. القرطبي:8/419.
آية
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا۟ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٨﴾]
إن أنساك الشيطان النهي عن مجالستهم فلا تقعد بعد أن تذكر النهي. ابن جزي:1/274.
آية
﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُۥ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَىٰنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴿٦٣﴾ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٣﴾]
فوبخهم الله في دعائهم إياه عند الشدائد، وهم يدعون معه في حال الرخاء غيره. القرطبي:8/412.
آية
﴿ كَٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِى ٱلْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُۥٓ أَصْحَٰبٌ يَدْعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧١﴾]
(له أصحاب): وهم رفقة يدعونه إلى الهدى، أي: إلى أن يهدوه إلى الطريق، يقولون له: ائتنا، وهو قد تاه وبعد عنهم فلا يجيبهم، وهذا كله تمثيل لمن ضل في الدين عن الهدى، وهو يدعى إلى الإسلام فلا يجيب. ابن جزي:1/275.
آية
﴿ قُلْ أَنَدْعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِى ٱلْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُۥٓ أَصْحَٰبٌ يَدْعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧١﴾]
فمن الناس من يكون مع داعي الهدى في أموره كلها أو أغلبها، ومنهم من بالعكس من ذلك، ومنهم من يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان، وفي هذا الموضع تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة. السعدي:261-262.
آية
﴿ وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٠﴾]
وذكر الحياة هنا له موقع عظيم؛ وهو أن همهم من هذه الدنيا هو الحياة فيها؛ لا ما يتكسب فيها من الخيرات التي تكون بها سعادة الحياة في الآخرة؛ أي: غرتهم الحياة الدنيا فأوهمتهم أن لا حياة بعدها. ابن عاشور:7/296.
آية
﴿ وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٠﴾]
أي: لا تعلق قلبك بهم؛ فإنهم أهل تعنت إن كنت مأمورا بوعظهم... ومعنى (لعباً ولهواً) أي: استهزاء بالدين الذي دعوتهم إليه، وقيل: استهزءوا بالدين الذي هم عليه؛ فلم يعملوا به، والاستهزاء ليس مسوغا في دين. القرطبي:8/423.
آية
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨١﴾ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يَلْبِسُوٓا۟ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨١﴾]
أي كيف أخاف أمواتا وأنتم لا تخافون الله القادر على كل شيء... (فأي الفريقين أحق بالأمن) أي: من عذاب الله: الموحد أم المشرك؟ فقال الله قاضيا بينهم: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي بشرك. القرطبي:8/444.
آية
﴿ إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٩﴾]
إني وجهت وجهي في عبادتي إلى الذي خلق السماوات والأرض، الدائم الذي يبقى ولا يفنى، ويحيي ويميت، لا إلى الذي يفنى ولا يبقى، ويزول ولا يدوم، ولا يضر ولا ينفع. الطبري:11/487.
آية
﴿ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْءَافِلِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٦﴾]
أي: الذي يغيب ويختفي عَمَّن عبده؛ فإن المعبود لا بُدَّ أن يكون قائماً بمصالح من عبده، وَمُدَبِّرًا له في جميع شؤونه، فأما الذي يمضي وقتٌ كثيرٌ وهو غائبٌ فمن أين يستحق العبادة؟! وهل اتخاذه إلهاً إلا من أَسْفَهِ السَّفَهِ، وأبطل الباطل؟! السعدي:262.
آية
﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْءَافِلِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٦﴾]
... ذلك أن أصل العبادة هي المحبة، وأن الشرك فيها أصل الشرك؛ كما ذكره الله في قصة إمام الحنفاء إبراهيم الخليل؛ حيث قال: (فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين). ابن تيمية:3/34.
آية
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ ۗ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩٠﴾]
أي: امش أيها الرسول الكريم خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم؛ فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم؛ فاجتمعت لديه فضائل وخصائص فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. السعدي:264.
آية
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُۥٓ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨٤﴾]
وكان هذا مجازاة لإبراهيم- عليه السلام- حين اعتزل قومه وتركهم، ونزح عنهم، وهاجر من بلادهم ذاهباً إلى عبادة الله في الأرض، فعوضه الله -عز وجل- عن قومه وعشيرته بأولاد صالحين من صلبه على دينه؛ لتقر بهم عينه. ابن كثير:2/147.
آية
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِۦ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨٣﴾]
فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات؛ خصوصاً العالم العامل المعلم؛ فإنه يجعله الله إماماً للناس بحسب حاله؛ تُرْمَقُ أفعاله، وتقتفى آثاره، ويستضاء بنوره، ويمشى بعلمه. السعدي:263.
آية
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِۦ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨٣﴾]
فجزينا إبراهيم ﷺ على طاعته إيانا، وإخلاصه توحيد ربه، ومفارقته دين قومه المشركين بالله، بأن رفعنا درجته في عليين، وآتيناه أجره في الدنيا، ووهبنا له أولادا خصصناهم بالنبوة، وذرية شرفناهم منا بالكرامة، وفضلناهم على العالمين. الطبري:11/507.
آية
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَٰٓؤُا۟ ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩٤﴾]
الجميع عبيد لله، والله مالكهم والمستحق لعبادتهم، فشركهم في العبادة وصرفها لبعض العبيد تنزيل لهم منزلة الخالق المالك، فيوبخون يوم القيامة. السعدي:265.
آية
﴿ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِى غَمَرَٰتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓا۟ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوٓا۟ أَنفُسَكُمُ ۖ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ ءَايَٰتِهِۦ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩٣﴾]
(والملائكة باسطوا أيديهم): بالعذاب والضرب؛ يضربون وجوههم وأدبارهم، وقيل: بقبض الأرواح. (أخرجوا) أي: يقولون: أخرجوا (أنفسكم) أي: أرواحكم كرها؛ لأن نفس المؤمن تنشط للقاء ربه، ونفس الكافر تكره ذلك. والجواب محذوف؛ يعني: لو تراهم في هذه الحال لرأيت عجبا. البغوي:2/47.
آية
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ۗ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩٣﴾]
إنما كان هذا أظلم الخلق لأن فيه من الكذب، وتغيير الأديان -أصولها وفروعها- ونسبة ذلك إلى الله، ما هو من أكبر المفاسد. السعدي:265.
آية
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْءٌ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩٣﴾]
ومن هذا النمط من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن؛ فيقول: وقع في خاطري كذا، أو أخبرني قلبي بكذا، فيحكمون بما يقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم... فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، ويقولون: هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأغبياء والعامة، وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون لتلك النصوص. القرطبي:8/458.
آية
﴿ وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦٓ إِذْ قَالُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَىْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِى جَآءَ بِهِۦ مُوسَىٰ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩١﴾]
(وما قدروا الله حق قدره) أي: ما عرفوه حق معرفته في اللطف بعباده والرحمة لهم؛ إذ أنكروا بعثه للرسل، وإنزاله للكتب. والقائلون هم اليهود؛ بدليل ما بعده، وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم. ابن جزي:1/278.
آية
﴿ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩٧﴾]
أي: لأهل العلم والمعرفة؛ فإنهم الذين يوجه إليهم الخطاب، ويطلب منهم الجواب، بخلاف أهل الجهل والجفاء، المعرضين عن آيات الله وعن العلم الذي جاءت به الرسل؛ فإن البيان لا يفيدهم شيئاً، والتفصيل لا يزيل عنهم ملتبساً، والإيضاح لا يكشف لهم مشكلاً. السعدي:266.
آية
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا۟ بِهَا فِى ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩٧﴾]
ودلت هذه الآية ونحوها على مشروعية تعلم سير الكواكب ومحالها، الذي يُسَمَّى علمَ التسيير؛ فإنه لا تتم الهداية ولا تمكن إلا بذلك. السعدي:266.
آية
﴿ يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴿٩٥﴾ فَالِقُ ٱلْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَنًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَانًا ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩٥﴾]
فَبَيَّنَ تعالى قدرته على خلق الأشياء المتضادة المختلفة، الدَّالَّة على كمال عظمته. ابن كثير:2/150.
آية
﴿ وَلَا تَسُبُّوا۟ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّوا۟ ٱللَّهَ عَدْوًۢا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٠٨﴾]
وفي هذه الآية الكريمة دليل للقاعدة الشرعية؛ وهي: أن الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل إليها، وأن وسائل المحرم -ولو كانت جائزة- تكون محرمة إذا كانت تفضي إلى الشر. السعدي:269.
آية
﴿ لَّا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلْأَبْصَٰرَ ۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٠٣﴾]
نفى الإدراك الذي هو الإحاطة -كما قاله أكثر العلماء- ولم ينف مجرد الرؤية؛ لأن المعدوم لا يرى وليس في كونه لا يرى مدح؛ إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا، وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رئي؛ كما أنه لا يحاط به وإن علم؛ فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما، فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية. ابن تيمية:3/78-79.
آية
﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٠٢﴾]
وكالته تعالى على الأشياء ليست من جنس وكالة الخلق؛ فإن وكالتهم وكالة نيابة، والوكيل فيها تابع لموكله، وأما الباري تبارك وتعالى فوكالته من نفسه لنفسه، متضمنة لكمال العلم، وحسن التدبير والإحسان فيه والعدل، فلا يمكن لأحدٍ أن يستدرك على الله، ولا يرى في خلقه خللاً ولا فطوراً، ولا في تدبيره نقصاً وعيباً. السعدي:268.
آية
﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١١٦﴾]
دلت هذه الآية على أنه لا يستدل على الحق بكثرة أهله، ولا يدل قلة السالكين لأمر من الأمور أن يكون غير حق، بل الواقع بخلاف ذلك؛ فإن أهل الحق هم الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً وأجراً. السعدي:270.
آية
﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُو ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١١٦﴾]
وسبب هذه الأكثرية: أن الحق والهدى يحتاج إلى عقول سليمة، ونفوس فاضلة، وتأمل في الصالح والضار، وتقديم الحق على الهوى، والرشد على الشهوة، ومحبة الخير للناس. وهذه صفات إذا اختل واحد منها تطرق الضلال إلى النفس بمقدار ما انثلم من هذه الصفات. ابن عاشور:8/25.
آية
﴿ وَلِتَصْغَىٰٓ إِلَيْهِ أَفْـِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١١٣﴾]
أخبر أن كلام أعداء الرسل تصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة. فعلم أن مخالفة الرسل وترك الإيمان بالآخرة متلازمان؛ فمن لم يؤمن بالآخرة أصغى إلى زخرف أعدائهم فخالف الرسل كما هو موجود في أصناف الكفار والمنافقين في هذه الأمة وغيرها. ابن تيمية:3/89-90.
آية
﴿ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًا ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١١٢﴾]
يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات؛ حتى يجعلوه في أحسن صورة؛ ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلاً، والباطل حقاً. السعدي:269-270.
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًا ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١١٢﴾]
قال قتادة ومجاهد والحسن: إن من الإنس شياطين، كما أن من الجن شياطين... وقال مالك بن دينار: إن شياطين الإنس أشد علي من شياطين الجن؛ وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عياناً. البغوي:2/56.
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا۟ فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٢٣﴾]
(وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر) أي: كما جعلنا في مكة أكابرها ليمكروا فيها، جعلنا في كل قرية، وإنما ذكر الأكابر لأن غيرهم تبع لهم. ابن جزي:1/284.
آية
﴿ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ ۖ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٢١﴾]
ودلَّت هذه الآية الكريمة على أن ما يقع في القلوب من الإلهامات والكشوف التي يكثر وقوعها عند الصوفية ونحوهم، لا تدل بمجردها على أنها حق، ولا تصدق حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله، فإن شهدا لها بالقبول قبلت، وإن ناقضتهما ردت، وإن لم يعلم شيء من ذلك توقف فيها ولم تصدق ولم تكذب؛ لأن الوحي والإلهام يكون من الرحمن ويكون من الشيطان، فلا بد من التمييز بينهما والفرقان، وبعدم التفريق بين الأمرين حصل من الغلط والضلال ما لا يحصيه إلا الله. السعدي:271.
آية
﴿ وَذَرُوا۟ ظَٰهِرَ ٱلْإِثْمِ وَبَاطِنَهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا۟ يَقْتَرِفُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٢٠﴾]
ولا يتم للعبد ترك المعاصي الظاهرة والباطنة إلا بعد معرفتها والبحث عنها، فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن والعلم بذلك واجباً متعيناً على المكلف. وكثير من الناس تخفى عليه كثير من المعاصي، خصوصاً معاصي القلب؛ كالكبر، والعجب، والرياء، ونحو ذلك، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم وعدم البصيرة. السعدي:271.
آية
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَآئِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١١٩﴾]
فكل من اتبع ذوقا أو وجدا بغير هدى من الله -سواء كان ذلك عن حب أو بغض- فليس لأحد أن يتبع ما يحبه فيأمر به ويتخذه دينا، وينهى عما يبغضه ويذمه، ويتخذ ذلك دينا، إلا بهدى من الله؛ وهو شريعة الله التي جعل عليها رسوله. ومن اتبع ما يهواه حبا وبغضا بغير الشريعة فقد اتبع هواه بغير هدى من الله. ابن تيمية:3/96.
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٢٩﴾]
كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالما مثله؛ يؤزه إلى الشر، ويحثه عليه، ويزهده في الخير، وينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها. والذنب ذنب الظالم؛ فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى، (وما ربك بظلام للعبيد) [فصلت:46]. ومن ذلك: أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله وحقوق عباده. السعدي:1/273.
آية
﴿ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُۥ يَشْرَحْ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلَٰمِ ۖ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٢٥﴾]
يقول تعالى مبيناً لعباده علامة سعادة العبد وهدايته... إن من انشرح صدره للإسلام -أي: اتسع وانفسح- فاستنار بنور الإيمان، وحيي بضوء اليقين، فاطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وطوعت له نفسُه فعلَه، متلذِّذاً به غير مستثقل؛ فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومَنَّ عليه بالتوفيق، وسلوك أقوم الطريق. السعدي:272.
آية
﴿ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتِى وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا۟ شَهِدْنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا۟ كَٰفِرِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٣٠﴾]
ومعناه: قد أتاكم رسل منكم ينبهونكم على خطأ ما كنتم عليه مقيمين بالحجج البالغة، وينذرونكم وعيد الله على مقامكم على ما كنتم عليه مقيمين، فلم تقبلوا ذلك، ولم تتذكروا ولم تعتبروا. الطبري:12/120.
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا۟ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٣٧﴾]
و«الشركاء» هاهنا: الشياطين، الآمرون بذلك، المزينون له، والحاملون عليه أيضا من بني آدم الناقلين له عصرا بعد عصر؛ إذ كلهم مشتركون في قبح هذا الفعل، وتبعاته في الآخرة. ابن عطية:2/349.