سورة الأنعام
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا۟ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٣٧﴾]
كانوا يقتلون أولادهم بالوأد، ويذبحونهم قرباناً إلى الأصنام. وشركاؤهم هنا هم: الشياطين، أو القائمون على الأصنام. (ليردوهم) أي: ليهلكوهم، وهو من الردى بمعنى الهلاك. ابن جزي:1/287.
آية
﴿ فَقَالُوا۟ هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَآئِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ ۗ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٣٦﴾]
وسمى الشياطين شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله، فأشركوهم مع الله في وجوب طاعتهم. القرطبي:9/39.
آية
﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنۢ بَعْدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ ءَاخَرِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٣٣﴾]
فإذا عرفتم بأنكم لا بد أن تنتقلوا من هذه الدار كما انتقل غيركم، وترحلون منها وتخلونها لمن بعدكم، كما رحل عنها من قبلكم وخلوها لكم؛ فلِمَ اتخذتموها قراراً، وتوطنتم بها، ونسيتم أنها دار ممر لا دار مقر، وأن أمامكم داراً هي الدار التي جمعت كل نعيم، وسلمت من كل آفة ونقص؟! وهي الدار التي يسعى إليها الأولون والآخرون. وما أبخس حظ من رضي بالدون!! وأدنى همة من اختار صفقة المغبون!! السعدي:274.
آية
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُوا۟ ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٣٢﴾]
بحسب أعمالهم؛ لا يجعل قليل الشر منهم ككثيره، ولا التابع كالمتبوع، ولا الرئيس كالمرؤوس، كما أن أهل الثواب والجنة وإن اشتركوا في الربح، والفلاح، ودخول الجنة فإن بينهم من الفرق ما لا يعلمه إلا الله، مع أنهم كلهم قد رضوا بما آتاهم مولاهم. السعدي:274.
آية
﴿ وَلَا تُسْرِفُوٓا۟ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٤١﴾]
أي: لا تُسرِفُوا فِي الأكْلِ؛ لِمَا فيهِ مِن مَضَرَّةِ العقل والبدن؛ كقوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) [الأعراف:31]، وفي صحيحِ الْبخارِي تَعليقًا: (كُلُوا واشربوا والْبسوا وتصدّقوا من غَيْرِ إِسرافٍ ولا مخيلَة). ابن كثير:2/174.
آية
﴿ وَلَا تُسْرِفُوٓا۟ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٤١﴾]
قال الزهري: المعنى: لا تنفقوا في معصية الله تعالى، ويروى نحوه عن مجاهد؛ فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال: لو كان أبو قبيس ذهباً، فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفاً، ولو أنفق درهماً في معصية الله تعالى كان مسرفاً. الألوسي:8/392.
آية
﴿ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓا۟ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهًۢا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا۟ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا۟ وَمَا كَانُوا۟ مُهْتَدِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٤٠﴾]
كثر في القرآن استعارة الخسران لعمل الذين يعملون طلبا لمرضاة الله وثوابه فيقعون في غضبه وعقابه؛ لأنهم أتعبوا أنفسهم، فحصلوا عكس ما تعبوا لأجله. ابن عاشور:8/113.
آية
﴿ وَقَالُوا۟ مَا فِى بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلْأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٣٩﴾]
ومن آرائهم السخيفة: أنهم يجعلون بعض الأنعام ويعينونها محرما ما في بطنها على الإناث دون الذكور؛ فيقولون: (ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا) أي: حلال لهم، لا يشاركهم فيها النساء، (ومحرم على أزواجنا) أي: نسائنا؛ هذا إذا ولد حيا، وإن يكن ما [في] بطنها يولد ميتا فهم فيه شركاء؛ أي: فهو حلال للذكور والإناث. السعدي:276.
آية
﴿ وَقَالُوا۟ مَا فِى بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلْأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِي ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٣٩﴾]
وفي الآية دليل على أن العالم ينبغي له أن يتعلم قول من خالفه، وإن لم يأخذ به؛ حتى يعرف فساد قوله، ويعلم كيف يرد عليه؛ لأن الله تعالى أعلم النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه قول من خالفهم من أهل زمانهم ليعرفوا فساد قولهم. القرطبي:9/48.
آية
﴿ وَقَالُوا۟ مَا فِى بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلْأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٣٩﴾]
(إنه حكيم عليم): تعليل للوعد بالجزاء؛ فإن الحكيم العليم بما صدر عنهم لا يكاد يترك جزاءهم الذي هو من مقتضيات الحِكْمَة. الألوسي:8/389.
آية
﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٤٦﴾]
(وعلى الذين هادوا) أي: اليهود خاصة... (ببغيهم) أي: بسبب ظلمهم وهو قتلهم الأنبياء بغير حق، وأكلهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وكانوا كلما أتوا بمعصية عوقبوا بتحريم شيء مما أُحِلَّ لَهُم. الألوسي:8/405.
آية
﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٤٦﴾]
أي: ذلك التحريم عقوبة لهم. (ببغيهم) أي: بظلمهم من: قتلهم الأنبياء، وصدهم عن سبيل الله، وأخذهم الربا، واستحلال أموال الناس بالباطل. البغوي:2/75.
آية
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٤٤﴾]
من الظلم أن يقدم أحد على الإفتاء في الدين ما لم يكن قد غلب على ظنه أنه يفتي بالصواب الذي يرضي الله؛ وذلك إن كان مجتهدا فبالاستناد إلى الدليل الذي يغلب على ظنه مصادفته لمراد الله تعالى، وإن كان مقلدا فبالاستناد إلى ما يغلب على ظنه أنه مذهب إمامه الذي قلده. ابن عاشور:8/135.
آية
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٤٤﴾]
بيّن تعالى سوء مقصدهم بالافتراء؛ لأنه لو افترى أحد فرية على الله لغير معنى لكان ظلما عظيما، فكيف إذا قصد بهما إضلال أمة؟! ابن عطية:2/355.
آية
﴿ ۖ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٤٤﴾]
(أم كنتم شهداء) أي: هل شاهدتم الله قد حرم هذا؟ ولما لزمتهم الحجة أخذوا في الافتراء فقالوا: كذا أمر الله، كذا أمر الله، فقال الله تعالى: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم)؛ بين أنهم كذبوا إذ قالوا ما لم يقم عليه دليل. القرطبي:9/79.
آية
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا۟ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا۟ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٥١﴾]
وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيدا، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ فقد جاء في الصحيحين، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة). ابن كثير:2/180.
آية
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا۟ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٥١﴾]
أي: لا تقربوا الظاهر منها والخفي، أو المتعلق منها بالظاهر، والمتعلق بالقلب والباطن. والنهي عن قربان الفواحش أبلغ من النهي عن مجرد فعلها؛ فإنه يتناول النهي عن مقدماتها ووسائلها الموصلة إليها. السعدي:280.
آية
﴿ ۖ وَلَا تَقْتُلُوٓا۟ أَوْلَٰدَكُم مِّنْ إِمْلَٰقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٥١﴾]
قال في سورة الإسراء: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) [الإسراء: 31] أي: لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الآجل، ولهذا قال هناك: (نحن نرزقهم وإياكم)؛ فبدأ برزقهم للاهتمام بهم؛ أي: لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم؛ فهو على الله، وأما هنا فلما كان الفقر حاصلاً؛ قال: (نحن نرزقكم وإياهم)؛ لأنه الأهم ههنا. ابن كثير:2/180.
آية
﴿ قُلْ تَعَالَوْا۟ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا۟ بِهِۦ شَيْـًٔا ۖ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٥١﴾]
هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- بأن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله، وهكذا يجب على من بعده من العلماء أن يبلغوا الناس، ويبينوا لهم ما حرم الله عليهم مما حل. القرطبي:9/106.
آية
﴿ قُلْ تَعَالَوْا۟ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا۟ بِهِۦ شَيْـًٔا ۖ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٥١﴾]
ذكر في هذه الآيات المحرمات التي أجمعت عليها جميع الشرائع، ولم تنسخ قط في ملة، وقال ابن عباس: هي الكلمات التي أنزل الله على موسى. ابن جزي:1/291.
آية
﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٥٣﴾]
(ولا تتبعوا السبل): الطرق المختلفة في الدين من: اليهودية، والنصرانية، وغيرها من الأديان الباطلة، ويدخل فيه أيضا البدع والأهواء المضلة، وفي الحديث: أن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- خط خطا، ثم قال: (هذا سبيل الله)، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: (هذه كلها سبل؛ على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه). ابن جزي:1/292.
آية
﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٥٣﴾]
وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية، وسائر أهل الملل، وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل، والخوض في الكلام؛ هذه كلها عُرضة للزلل، ومظنة لسوء المعتقد. القرطبي:9/117.
آية
﴿ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌۢ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٦٥﴾]
ترهيب وترغيب أن حسابه وعقابه سريع فيمن عصاه، وخالف رسله، وإنه لغفور رحيم لمن والاه، واتبع رسله فيما جاؤوا به من خبر وطلب... فتارة يدعو عباده إليه بالرغبة، وصفة الجنة، والترغيب فيما لديه، وتارة يدعوهم إليه بالرهبة، وذكر النار وأنكالها وعذابها، والقيامة وأهوالها، وتارة بهما. ابن كثير:2/191.
آية
﴿ قُلْ إِنَّنِى هَدَىٰنِى رَبِّىٓ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴿١٦١﴾ قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٦١﴾]
وهذا عموم، ثم خَصَّص من ذلك أشرف العبادات فقال: (قل إن صلاتي ونسكي) أي: ذبحي؛ وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما، ودلالتهما على محبة الله تعالى، وإخلاص الدين له، والتقرب إليه بالقلب واللسان والجوارح، وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس من المال لما هو أحب إليها؛ وهو الله تعالى. السعدي:282.
آية
﴿ ۗ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٥٨﴾]
والحكمة في هذا ظاهرة، فإنه إنما كان الإيمان ينفع إذا كان إيماناً بالغيب، وكان اختياراً من العبد، فأما إذا وجدت الآياتُ صار الأمر شهادة، ولم يبق للإيمان فائدة؛ لأنه يشبه الإيمان الضروري؛ كإيمان الغريق والحريق ونحوهما ممن إذا رأى الموتَ أقلع عَمَّا هو فيه. السعدي:281.
آية
﴿ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓا۟ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿١٥٨﴾]
قال العلماء: وإنما لا ينفع نفساً إيمانها عند طلوعها من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن؛ فيصير الناس كلهم -لإيقانهم بدنو القيامة- في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت. القرطبي:9/130.