سورة الأعراف
آية
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَٰكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا۟ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓا۟ إِلَّآ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١١﴾]
ينبه تعالى بني آدم في هذا المقام على شرف أبيهم آدم، ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس، وما هو منطوٍ عليه من الحسد لهم ولأبيهم؛ ليحذروه، ولا يتبعوا طرائقه. ابن كثير:2/193.
آية
﴿ وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨﴾]
فإن قلت: أليس الله -عز وجل- يعلم مقادير أعمال العباد؟ فما الحكمة في وزنها؟ قلت: فيه حكم، منها: إظهار العدل، وأن الله -عز وجل- لا يظلم عباده... ومنها: تعريف العباد ما لهم من خير وشر، وحسنة وسيئة. القاسمي:1/297.
آية
﴿ فَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٦﴾]
اتفق أهل العلم -أهل الكتاب والسنة- على أن كل شخص سوى الرسول فإنه يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر؛ فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وهو الذي يسأل الناس عنه يوم القيامة؛ كما قال تعالى: (فلنسألن الذين أُرسِل إليهم ولنسألن المرسلين). ابن تيمية:3/137.
آية
﴿ الٓمٓصٓ ﴿١﴾ كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِي ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١﴾]
الحروف المقطعة في أوائل السور أعقبت بذكر القرآن، أو الوحي، أو ما في معنى ذلك؛ وذلك يرجح أن المقصود من هذه الحروف التهجي، إبلاغا في التحدي للعرب بالعجز عن الإتيان بمثل القرآن. ابن عاشور:8/10.
آية
﴿ ثُمَّ لَءَاتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَٰكِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٧﴾]
قال ابن عباس وعكرمة في قوله تعالى عن إبليس: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) قال: ولم يقل من فوقهم لأنه علم أن الله من فوقهم. ابن تيمية:3/140.
آية
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٢﴾]
(قال أنا خير منه): تعليلٌ علَّلَ به إبليس امتناعه من السجود، وهو يقتضي الاعتراض على الله تعالى في أمره بسجود الفاضل للمفضول على زعمه، وبهذا الاعتراض كفر إبليس؛ إذ ليس كفره كفر جحود. ابن جزي:1/297.
آية
﴿ ُ ۗ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلشَّيَٰطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٠﴾]
وفيه دليل على أن الهـدايـة بفضـل الله ومنِّه، وأن الضـلالة بخـذلانه للعبـد إذا تــولى-بجهله وظلمه- الشيطان، وتسبب لنفسه بالضلال، وأن من حسب أنه مهتد وهو ضال أنه لا عذر له. السعدي:287.
آية
﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٢٣﴾]
من أشبه آدم بالاعتراف، وسؤال المغفرة، والندم، والإقلاع إذا صدرت منه الذنوب: اجتباه الله وهداه. ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب، ولا يزال يزداد من المعاصي، فإنه لا يزداد من الله إلا بعداً. السعدي:285.
آية
﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٢٣﴾]
قال بعض الشيوخ: اثنان أذنبا ذنبا: آدم وإبليس؛ فآدم تاب فتاب الله عليه، واجتباه وهداه، وإبليس أصر واحتج بالقدر، فمن تاب من ذنبه أشبه أباه آدم، ومن أصر واحتج بالقدر أشبه إبليس. ابن تيمية:3/142.
آية
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٣﴾]
القبح والحسن في المعاني إنما يتلقى من جهة الشرع، والفاحش كذلك؛ فقوله هنا: (الْفَواحِشَ) إنما هي إشارة إلى ما نص الشرع على تحريمه في مواضع أخر؛ فكل ما حرمه الشرع فهو فاحش وإن كان العقل لا ينكره؛ كلباس الحرير والذهب للرجال ونحوه. ابن عطية:2/395.
آية
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَٰنًا وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٣﴾]
أصول المحرمات التي قال الله فيها: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) مما اتفقت عليه شرائع الأنبياء. ابن تيمية:3/157.
آية
﴿ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٢﴾]
(كذلك نفصل الآيات) أي: نوضحها ونبينها، (لقوم يعلمون): لأنهم الذين ينتفعون بما فصله الله من الآيات، ويعلمون أنها من عند الله، فيعقلونها ويفهمونها. ثم ذكر المحرمات التي حرمها الله في كل شريعة من الشرائع، فقال: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) أي: الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح لشناعتها وقبحها؛ وذلك كالزنا، واللواط، ونحوهما. السعدي:287.
آية
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ۚ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٢﴾]
دلت الآية على لباس الرفيع من الثياب، والتجمل بها في الجمع والأعياد، وعند لقاء الناس، ومزاورة الإخوان. القرطبي:9/203.
آية
﴿ ﴾ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ۚ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٢﴾]
هذا التوسيع من الله لعباده بالطيبات جعله لهم ليستعينوا به على عبادته، فلم يبحه إلا لعباده المؤمنين، ولهذا قال: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) أي: لا تبعة عليهم فيها، ومفهوم الآية أن من لم يؤمن بالله، بل استعان بها على معاصيه، فإنها غير خالصة له، ولا مباحة، بل يعاقب عليها وعلى التنعم بها، ويسأل عن النعيم يوم القيامة. السعدي:287.
آية
﴿ يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُوا۟ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ وَلَا تُسْرِفُوٓا۟ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣١﴾]
قيل: المراد به الزينة زيادة على الستر؛ كالتجمل للجمعة بأحسن الثياب، وبالسواك والطيب، (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) أي: لا تكثروا من الأكل فوق الحاجة، وقال الأطباء: إن الطب كله مجموع في هذه الآية. ابن جزي:1/300.
آية
﴿ وَقَالُوا۟ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَآ أَنْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ ۖ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٣﴾]
الذي يعمل الحسنات، إذا عملها فنفس عمله الحسنات هو من إحسان الله، وبفضله عليه بالهداية والإيمان؛ كما قال أهل الجنة: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). ابن تيمية:3/162.
آية
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٣﴾]
يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وصف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغمر وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلوها على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء خص الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة. الطبري:12/437.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَآ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٢﴾]
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي: آمنت قلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم؛ ضد أولئك الذين كفروا بآيات الله، واستكبروا عنها. وينبه تعالى على أن الإيمان والعمل به سهل؛ لأنه تعالى قال لا نكلف نفسا إلا وسعها. ابن كثير:2/205.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُوا۟ عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمِّ ٱلْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٠﴾]
ومفهوم الآية أن أرواح المؤمنين المنقادين لأمر الله المصدقين بآياته تفتح لها أبواب السماء حتى تعرج إلى الله، وتصل إلى حيث أراد الله من العالم العلوي، وتبتهج بالقرب من ربها والحظوة برضوانه. السعدي:288.
آية
﴿ قَالَ ٱدْخُلُوا۟ فِىٓ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ فِى ٱلنَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا ٱدَّارَكُوا۟ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَىٰهُمْ لِأُولَىٰهُمْ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ أَضَلُّونَا فَـَٔاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ ٱلنَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٨﴾]
فيما قص الله من محاورة قادة الأمم وأتباعهم ما فيه موعظة وتحذير لقادة المسلمين من الإيقاع بأتباعهم فيما يزج بهم في الضلالة، ويحسن لهم هواهم، وموعظة لعامتهم من الاسترسال في تأييد من يشايع هواهم، ولا يبلغهم النصيحة. ابن عاشور:8/125.
آية
﴿ وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا۟ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ۚ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٠﴾]
والأشنع على الكافرين في هذه المقالة أن يكون بعضهم يرى بعضا؛ فإنه أخزى وأنكى للنفس. ابن عطية:2/406.
آية
﴿ وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا۟ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ۚ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٠﴾]
في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال، وقد سئل ابن عباس: أي الصدقة أفضل؟ فقــال: المـــاء؛ ألـم تـروا إلـى أهـل النـار حين استغاثوا بأهل الجنة: (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله)... وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه؛ فعليه بسقي الماء، وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب، فكيف بمن سقى رجلاً مؤمناً موحداً، وأحياه؟! القرطبي:9/233.
آية
﴿ وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَىٰهُمْ قَالُوا۟ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٨﴾]
(ونادى أصحاب الأعراف رجالا) كانوا عظماء في الدنيا من أهل النار، (يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم) في الدنيا من المال والولد، (وما كنتم تستكبرون) عن الإيمان. قال الكلبي: نادوهم وهم على السور: يا وليد بن المغيرة، يا أبا جهل بن هشام، يا فلان، [وهم ينظرونهم في النار]، ثم ينظرون إلى الجنة فيرون فيها الفقراء والضعفاء ممن كانوا يستهزئون بهم؛ مثل سلمان، وصهيب، وخباب، وبلال. البغوي:2/106.
آية
﴿ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى ٱلْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّۢا بِسِيمَىٰهُمْ ۚ وَنَادَوْا۟ أَصْحَٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُو ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٦﴾]
بين أصحاب الجنة وأصحاب النار حجاب يقال له: (الأعراف) لا من الجنة ولا من النار، يشرف على الدارين، وينظر من عليه حال الفريقين، وعلى هذا الحجاب رجال يعرفون كلا من أهل الجنة والنار (بسيماهم) أي: علاماتهم التي بها يعرفون ويميزون، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم: (أن سلام عليكم) أي: يحيونهم ويسلمون عليهم، وهم إلى الآن لم يدخلوا الجنة، ولكنهم يطمعون في دخولها، ولم يجعل الله الطمع في قلوبهم إلا لما يريد بهم من كرامته. السعدي:290.
آية
﴿ وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا۟ نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌۢ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٤﴾]
وهذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع، وتوبيخ، وزيادة في الكرب. ابن عطية:2/402.
آية
﴿ وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٦﴾]
والرجاء على ثلاث درجات: الأولى: رجاء رحمة الله مع التسبب فيها بفعل طاعة وترك معصية؛ فهذا هو الرجاء المحمود، والثانية: الرجاء مع التفريط والعصيان؛ فهذا غرور، والثالثة: أن يَقوَى الرجاء حتى يبلغ الأمن؛ فهذا حرام. والناس في الرجاء على ثلاث مقامات: فمقام العامة رجاء ثواب الله، ومقام الخاصة رضوان الله، ومقام خاصة الخاصة رجاء لقاء الله حبا فيه وشوقا إليه. ابن جزي:1/360.
آية
﴿ وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٦﴾]
اعلم أن الخوف على ثلاث درجات: الأولى: أن يكون ضعيفا يخطر على القلب ولا يؤثر في الباطن ولا في الظاهر؛ فوجود هذا كالعدم، والثانية: أن يكون قويا فيوقظ العبد من الغفلة ويحمله على الاستقامة، والثالثة: أن يشتد حتى يبلغ إلى القنوط واليأس؛ وهذا لا يجوز، وخير الأمور أوسطها. والناس في الخوف على ثلاث مقامات: فخوف العامة من الذنوب، وخوف الخاصة من الخاتمة، وخوف خاصة الخاصة من السابقة، فإن الخاتمة مبنية عليها. ابن جزي:1/360.
آية
﴿ وَلَا تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٦﴾]
ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله، وعبادته، وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والدعوة إلى غير الله. ابن تيمية:3/170.
آية
﴿ ٱدْعُوا۟ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٥﴾]
يقول تعالى ذكره: ادعوا أيها الناس ربكم وحده، فأخلصوا له الدعاء، دون ما تدعون من دونه من الآلهة والأصنام، (تضرعا) يقول: تذللا واستكانة لطاعته (وخفية)... لا جهارا ومراءاة، وقلوبكم غير موقنة بوحدانيته وربوبيته؛ فعل أهل النفاق والخداع لله ولرسوله. الطبري:12/485.
آية
﴿ ٱدْعُوا۟ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٥﴾]
والشريعة مقررة أن السر فيما لم يفترض من أعمال البر أعظم أجراً من الجهر... قال الحسن بن أبي الحسن: لقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سراً فيكون جهراً أبداً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يسمع لهم صوت، إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم. القرطبي:9/244-245.
آية
﴿ وَلَقَدْ جِئْنَٰهُم بِكِتَٰبٍ فَصَّلْنَٰهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٢﴾]
(على علم) من الله بأحوال العباد في كل زمان ومكان، وما يصلح لهم وما لا يصلح، ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالأمور، فتجهله بعض الأحوال، فيحكم حكماً غير مناسب، بل تفصيل من أحاط علمه بكل شيء، ووسعت رحمته كل شيء. السعدي:291.
آية
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ فِى ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَآ ۚ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٦٤﴾]
وهذه سنة الله في عباده في الدنيا والآخرة: أن العاقبة فيها للمتقين، والظفر والغلب لهم؛ كما أهلك قوم نوح بالغرق، ونجى نوحاً وأصحابه المؤمنين. ابن كثير:2/214.
آية
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ فِى ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَوْمًا عَمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٦٤﴾]
فقدم الإنجاء للاهتمام بإنجاء المؤمنين، وتعجيلا لمسرة السامعين من المؤمنين بأن عادة الله إذا أهلك المشركين أن ينجي الرسول والمؤمنين. ابن عاشور:8/197.
آية
﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٦٢﴾]
أي: وظيفتي تبليغكم ببيان توحيده وأوامره ونواهيه، على وجه النصيحة لكم والشفقة عليكم، (وأعلم من الله ما لا تعلمون) فالذي يتعين أن تطيعوني وتنقادوا لأمري إن كنتم تعلمون. السعدي:293.
آية
﴿ قَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٦٠﴾]
(قال الملأ من قومه) أي: الجمهور، والسادة، والقادة، والكبراء منهم. (إنا لنراك في ضلال مبين) أي: في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا. وهكذا حال الفجار: إنما يرون الأبرار في ضلالة؛ كما قال تعالى: (وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون) [المطففين: 32]، (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه) [الأحقاف: 11]. ابن كثير:2/214.
آية
﴿ وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذْنِ رَبِّهِۦ ۖ وَٱلَّذِى خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٨﴾]
هذا مثال للقلوب حين ينزل عليها الوحي... فإن القلوب الطيبة حين يجيئها الوحي تقبله، وتعلمه، وتنبت بحسب طيب أصلها، وحسن عنصرها، وأما القلوب الخبيثة التي لا خير فيها، فإذا جاءها الوحي لم يجد محلا قابلا، بل يجدها غافلة معرضة، أو معارضة، فيكون كالمطر الذي يمر على السباخ والرمال والصخور، فلا يؤثر فيها شيئا. السعدي:292.
آية
﴿ ۖ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِىٓ أَرْضِ ٱللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٧٣﴾]
(بينة من ربكم) أي: آية ظاهرة؛ وهي الناقة، وأضيفت إلى الله تشريفاً لها، أو لأنه خلقها من غير فحل، وكانوا قد اقترحوا على صالح -عليه السلام- أن يخرجها لهم من صخرة، وعاهدوه أن يؤمنوا به إن فعل ذلك، فانشقت الصخرة وخرجت منها الناقة وهم ينظرون، ثم نتجت ولداً فآمن به قوم منهم، وكفر به آخرون. ابن جزي:1/360.
آية
﴿ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَٰدِلُونَنِى فِىٓ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٧١﴾]
(قَد وَقَعَ عَلَيكُم مِن رَبِّكُم رِجسٌ وَغَضَبٌ) أي: لا بد من وقوعه؛ فإنه قد انعقدت أسبابه، وحان وقت الهلاك. (أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسمَاءٍ سَمَّيتُمُوها أَنْتُم وآبَاؤُكُم) أي: كيف تجادلون على أمور لا حقائق لها، وعلى أصنام سميتموها آلهة وهي لا شيء من الإلهية فيها، ولا مثقال ذرة. السعدي:294.
آية
﴿ قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٧٠﴾]
قبحهم الله؛ جعلوا الأمر الذي هو أوجب الواجبات وأكمل الأمور، من الأمور التي لا يعارضون بها ما وجدوا عليه آباءهم، فقدموا ما عليه الآباء الضالون من الشرك وعبادة الأصنام على ما دعت إليه الرسل من توحيد الله وحده لا شريك له، وكذبوا نبيهم، وقالوا: (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين). السعدي:294.
آية
﴿ قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٧٠﴾]
قبحهم الله؛ جعلوا الأمر الذي هو أوجب الواجبات وأكمل الأمور، من الأمور التي لا يعارضون بها ما وجدوا عليه آباءهم، فقدموا ما عليه الآباء الضالون من الشرك وعبادة الأصنام على ما دعت إليه الرسل من توحيد الله وحده لا شريك له، وكذبوا نبيهم، وقالوا: (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين). السعدي:294.
آية
﴿ وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٦٩﴾]
وهذا التذكير تصريح بالنعمة، وتعريض بالنذارة والوعيد بأن قوم نوح إنما استأصلهم وأبادهم عذاب من الله على شركهم، فمن اتبعهم في صنعهم يوشك أن يحل به عذاب أيضا. ابن عاشور:8/205. وجعلكم تخلفون الأمم الهالكة الذين كذبوا الرسل، فأهلكهم الله وأبقاكم؛ لينظر كيف تعملون، واحذروا أن تقيموا على التكذيب كما أقاموا فيصيبكم ما أصابهم. السعدي:294.
آية
﴿ ۚ وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِى ٱلْخَلْقِ بَصْۜطَةً ۖ فَٱذْكُرُوٓا۟ ءَالَآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٦٩﴾]
انتقل من أمرهم بالتوحيد إلى تذكيرهم بنعمة الله عليهم التي لا ينكرون أنها من نعم الله دون غيره -لأن الخلق والأمر لله لا لغيره- تذكيرا من شأنه إيصالهم إلى إفراد الله تعالى بالعبادة. ابن عاشور:8/204.
آية
﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِۦٓ أَتَأْتُونَ ٱلْفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨٠﴾]
(أتأتون الفاحشة) أي: الخصلة التي بلغت في العظم والشناعة إلى أن استغرقت أنواع الفحش، (ما سبقكم بها من أحد من العالمين): فكونها فاحشة من أشنع الأشياء، وكونهم ابتدعوها وابتكروها، وسنوها لمن بعدهم، من أشنع ما يكون أيضا. السعدي:296.
آية
﴿ قَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا۟ لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَٰلِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِۦ ۚ قَالُوٓا۟ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِۦ مُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٧٥﴾]
عدل الملأ الذين استكبروا عن مجادلة صالح -عليه السلام- إلى اختبار تصلب الذين آمنوا به في إيمانهم، ومحاولة إلقاء الشك في نفوسهم. ولما كان خطابهم للمؤمنين مقصودا به إفساد دعوة صالح -عليه السلام- كان خطابهم بمنزلة المحاورة مع صالح -عليه السلام-... ووصفهم بالذين استكبروا هنا لتفظيع كبرهم، وتعاظمهم على عامة قومهم، واستذلالهم إياهم، وللتنبيه على أن الذين آمنوا بما جاءهم به صالح -عليه السلام- هم ضعفاء قومه. ابن عاشور:8/222.
آية
﴿ وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَٱذْكُرُوٓا۟ ءَالَآءَ ٱللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا۟ فِى ٱلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٧٤﴾]
أي: لا تخربوا الأرض بالفساد والمعاصي؛ فإن المعاصي تدع الديار العامرة بلاقع، وقد أخلت ديارهم منهم، وأبقت مساكنهم موحشة بعدهم. السعدي:295.
آية
﴿ وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨٦﴾]
أي: نَمَّاكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل، والصحة، وأنه ما ابتلاكم بوباء من أمراض من الأمراض الْمُقَلِّلَة لكم، ولا سَلَّط عليكم عدواً يجتاحكم، ولا فَرَّقَكم في الأرض، بل أنعم عليكم باجتماعكم، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل. السعدي:296.
آية
﴿ وَلَا تَقْعُدُوا۟ بِكُلِّ صِرَٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِۦ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨٦﴾]
ينهاهم شعيب- عليه السلام- عن قطع الطريق الحسي، والمعنوي بقـوله: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) أي: تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم... (وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً) أي: وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة. ابن كثير:2/222.
آية
﴿ وَلَا تَقْعُدُوا۟ بِكُلِّ صِرَٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨٦﴾]
عن ابن عباس قوله: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون): والصراط: الطريق؛ يخوِّفون الناس أن يأتوا شعيبًا...قال: كانوا يجلسون في الطريق، فيخبرون مَن أتى عليهم: أن شعيبًا -عليه السلام- كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم. الطبري:12/557.
آية
﴿ وَلَا تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨٥﴾]
(ولا تفسدوا في الأرض) أي: بالكفر والظلم، (بعد إصلاحها) أي: بعد ما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء وأتباعهم الصالحون العاملون بشرائعهم من: وضع الكيل والوزن، والحدود والأحكام. القاسمي:5/147.
آية
﴿ فَأَوْفُوا۟ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨٥﴾]
البخس: النقص، وهو يكون في السلعة بالتعييب، والتزهيد فيها، أو المخادعة عن القيمة، والاحتيال في التزيد في الكيل، والنقصان منه، وكل ذلك من أكل المال بالباطل، وذلك منهي عنه في الأمم المتقدمة والسالفة على ألسنة الرسل صلوات الله وسلامه على جميعهم. القرطبي:10/333.
آية
﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓا۟ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨٢﴾]
وقول اللوطية: (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) من جنس قوله سبحانه في أصحاب الأخدود: (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) [البروج: 8]، وهكذا المشرك؛ إنما ينقم على الموحد تجريده للتوحيد وأنه لا يشوبه بالإشراك، وهكذا المبتدع إنما ينقم على السنيّ تجريده متابعة الرسول، وأنه لم يَشُبها بآراء الرجال، ولا بشيء مما خالفها. فصبر الموحد المتبع للرسول على ما ينقمه عليه أهل الشرك والبدعة خير له وأنفع، وأسهل عليه من صبره على ما ينقمه الله ورسوله من موافقة أهل الشرك والبدعة. القاسمي:5/141.
آية
﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓا۟ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨٢﴾]
وقولهم: (إنهم أناس يتطهرون) سخرية بهم، وبتطهرهم من الفواحش، وافتخار بما كانوا فيه من القذارة؛ كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم: أبعدوا عنا هذا المتقشف، وأريحونا من هذا المتزهد. القاسمي:5/139.
آية
﴿ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا۟ وَّقَالُوا۟ قَدْ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٩٥﴾]
(ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة) أي: أبدلنا البأساء والضراء بالنعيم؛ اختباراً لهم في الحالتين، (حتى عفوا) أي: كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم، (وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء) أي: قد جرى ذلك لآبائنا، ولم يضرهم، فهو بالاتفاق لا بقصد الاختبار. ابن جزي:1/360.
آية
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّبِىٍّ إِلَّآ أَخَذْنَآ أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٩٤﴾]
وتخصيص القرى بإرسال الرسل فيها دون البوادي -كما أشارت إليه هذه الآية وغيرها من آي القرآن، وشهد به تاريخ الأديان- يُنبئ أن مراد الله تعالى من إرسال الرسل هو بث الصلاح لأصحاب الحضارة التي يتطرق إليها الخلل بسبب اجتماع الأصناف المختلفة، وأن أهل البوادي لا يخلون عن الانحياز إلى القرى والإيواء في حاجاتهم المدنية إلى القرى القريبة. ابن عاشور:9/16.
آية
﴿ قَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ لَنُخْرِجَنَّكَ يَٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَٰرِهِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨٨﴾]
إن التزام الدين عن إكراه لا يأتي بالغرض المطلوب من التدين؛ وهو تزكية النفس، وتكثير جند الحق، والصلاح المطلوب. ابن عاشور:9/7.
آية
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْأَرْضَ مِنۢ بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَٰهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٠٠﴾]
(ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون)أي: إذا نبههم الله فلم ينتبهوا، وذكرهم فلم يتذكروا، وهداهم بالآيات والعبر فلم يهتدوا؛ فإن الله تعالى يعاقبهم، ويطبع على قلوبهم، فيعلوها الران والدنس، حتى يختم عليها، فلا يدخلها حق، ولا يصل إليها خير، ولا يسمعون ما ينفعهم، وإنما يسمعون ما به تقوم الحجة عليهم. السعدي:298.
آية
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٩٦﴾]
أهل القرى لو آمنوا بقلوبهم إيماناً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهراً وباطناً بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات السماء والأرض. السعدي:298.
آية
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٩٦﴾]
وقوله: (بركات من السماء والأرض) مراد به حقيقته؛ لأن ما يناله الناس من الخيرات الدنيوية لا يعدو أن يكون ناشئا من الأرض؛ وذلك معظم المنافع، أو من السماء؛ مثل ماء المطر، وشعاع الشمس، وضوء القمر، والنجوم، والهواء والرياح الصالحة. ابن عاشور:9/22.
آية
﴿ قَالُوا۟ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ ﴿١١٥﴾ قَالَ أَلْقُوا۟ ۖ فَلَمَّآ أَلْقَوْا۟ سَحَرُوٓا۟ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١١٥﴾]
تأدبوا مع موسى -عليه السلام- فكان ذلك سبب إيمانهم. القرطبي:9/296.
آية
﴿ قَالُوا۟ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ ﴿١١٥﴾ قَالَ أَلْقُوا۟ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١١٥﴾]
قيل: الحكمة في هذا -والله أعلم- ليرى الناس صنيعَهم، ويتأملوه، فإذا فرغوا من بهرجهم ومحالهم؛ جاءهم الحق الواضح الجلي بعد التطلب له، والانتظار منهم لمجيئه، فيكون أوقع في النفوس، وكذا كان. ابن كثير:2/227.
آية
﴿ وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوٓا۟ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَٰلِبِينَ ﴿١١٣﴾ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِي ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١١٣﴾]
قال فرعون للسحرة، إذ قالوا له: إن لنا عندك ثوابًا إن نحن غلبنا موسى؟ قال: نعم، لكم ذلك، وإنكم لممن أقرِّبه وأدْنيه مني. الطبري:13/26.
آية
﴿ قَالُوٓا۟ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِى ٱلْمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ﴿١١١﴾ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١١١﴾]
والشأن أن يكون ملأ فرعون عقلاء أهل سياسة، فعلموا أن أمر دعوة موسى لا يكاد يخفى، وأن فرعون إن سجنه أو عاند تحقق الناس أن حجة موسى غلبت، فصار ذلك ذريعة للشك في دين فرعون، فرأوا أن يلاينوا موسى، وطمعوا أن يوجد في سحرة مصر من يدافع آيات موسى، فتكون الحجة عليه ظاهرة للناس. ابن عاشور:9/44.
آية
﴿ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴿١٠٧﴾ وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ﴿١٠٨﴾ قَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٠٧﴾]
(فألقى) موسى (عصاه) في الأرض (فإذا هي ثعبان مبين) أي: حية ظاهرة تسعى، وهم يشاهدونها. (ونزع يده) من جيبه (فإذا هي بيضاء للناظرين) من غير سوء، فهاتان آيتان كبيرتان دالتان على صحة ما جاء به موسى وصدقه، وأنه رسول رب العالمين، ولكن الذين لا يؤمنون لو جاءتهم كل آية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم. السعدي:1/299.
آية
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٣٠﴾]
(بالسنين) أي: بالجدب والقحط؛ تقول العرب: مستهم السنة؛ أي: جدب السنة، وشدة السنة، وقيل: أراد بالسنين: القحط سنة بعد سنة، (ونقص من الثمرات): بإتلاف الغلات بالآفات والعاهات، قال قتادة: أما السنين فلأهل البوادي، وأما نقص الثمرات فلأهل الأمصار، (لعلهم يذَّكَّرون) أي: يتعظون؛ وذلك لأن الشدة ترقق القلوب، وترغبها فيما عند الله عز وجل. البغوي: 2/139.
آية
﴿ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٢٦﴾]
اجعل لنا طاقة لتحمل ما توعدنا به فرعون، ولما كان ذلك الوعيد مما لا تطيقه النفوس؛ سألوا الله أن يجعل لنفوسهم صبرا قويا، يفوق المتعارف؛... فإن الإفراغ صب جميع ما في الإناء،... ودعوا لأنفسهم بالوفاة على الإسلام إيذانا بأنهم غير راغبين في الحياة، ولا مبالين بوعيد فرعون، وأن همتهم لا ترجو إلا النجاة في الآخرة، والفوز بما عند الله، وقد انخذل بذلك فرعون، وذهب وعيده باطلا. ابن عاشور:9/56.
آية
﴿ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى ٱلْمَدِينَةِ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٢٣﴾]
وموسى-عليه السلام- لا يعرف أحدا منهم، ولا رآه، ولا اجتمع به، وفرعون يعلم ذلك، وإنما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجهلتهم، كما قال تعالى: (فاستخف قومه فأطاعوه) [الزخرف: 54]؛ فإن قوما صدقوه في قوله: (فقال أنا ربكم الأعلى) [النازعات: 24] من أجهل خلق الله، وأضلهم. ابن كثير:2/228.
آية
﴿ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُوا۟ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلْأَرْضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا ۖ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٣٧﴾]
قد أخبر الله بأنه بارك في أرض الشام في آيات: منها قوله: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها). ابن تيمية:3/194.
آية
﴿ ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَٰهُمْ فِى ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُوا۟ عَنْهَا غَٰفِلِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٣٦﴾]
أي: أغرقناهم جزاء على تكذيبهم بالآيات، والغفلة: ذهول الذهن عن تذكر شيء... وأريد بها التغافل عن عمد؛ وهو الإعراض عن التفكر في الآيات، وإباية النظر في دلالتها على صدق موسى. ابن عاشور:9/75.
آية
﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٍ مُّفَصَّلَٰتٍ فَٱسْتَكْبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٣٣﴾]
وسمى الله هاته آيات لأنها دلائل على صدق موسى؛ لاقترانها بالتحدي، ولأنها دلائل على غضب الله عليهم. ابن عاشور:9/70.
آية
﴿ فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُوا۟ لَنَا هَٰذِهِۦ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا۟ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ ۗ أَلَآ إِنَّمَا طَٰٓئِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٣١﴾]
(ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن ما لحقهم من القحط والشدائد إنما هو من عند الله - عز وجل- بذنوبهم. القرطبي:9/308.
آية
﴿ وَلَٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٤٣﴾]
فإنه أكبر منك، وأشد خلقا، (فلما تجلى ربه للجبل) فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل فدك على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل؛ فخر صعقا. ابن كثير:2/235.
آية
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٤٢﴾]
استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون، ووصَّاه بالإصلاح وعدم الإفساد، هذا تنبيه وتذكير، وإلا فهارون-عليه السلام- نبي شريف كريم على الله، له وجاهة وجلالة. ابن كثير:2/234.
آية
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٤٢﴾]
ولما ذهب موسى إلى ميقات ربه قال لهارون موصيا له على بني إسرائيل من حرصه عليهم وشفقته: (اخلفني في قومي) أي: كن خليفتي فيهم، واعمل فيهم بما كنت أعمل، (وأصلح) أي: اتبع طريق الصلاح، (ولا تتبع سبيل المفسدين): وهم الذين يعملون بالمعاصي. السعدي:302.
آية
﴿ قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٤٠﴾]
والمراد بالعالمين: أمم عصرهم. وتفضيلهم عليهم بأنهم ذرية رسول وأنبياء، وبأن منهم رسلا وأنبياء، وبأن الله هداهم إلى التوحيد والخلاص من دين فرعون بعد أن تخبطوا فيه، وبأنه جعلهم أحرارا بعد أن كانوا عبيدا، وساقهم إلى امتلاك أرض مباركة، وأيدهم بنصره وآياته، وبعث فيهم رسولا ليقيم لهم الشريعة، وهذه الفضائل لم تجتمع لأمة غيرهم يومئذ. ابن عاشور:9/84.
آية
﴿ قَالُوا۟ يَٰمُوسَى ٱجْعَل لَّنَآ إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٣٨﴾]
وكان وصف موسى إياهم بالجهالة مؤكَّدًا؛ لما دلت عليه الجملة الاسمية من كون الجهالة صفة ثابتة فيهم، وراسخة من نفوسهم، ولولا ذلك لكان لهم في بادي النظر زاجر عن مثل هذا السؤال. ابن عاشور:9/82.
آية
﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْا۟ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا۟ يَٰمُوسَى ٱجْعَل لَّنَآ إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٣٨﴾]
(إِنَّكُم قَومٌ تَجهَلُونَ): وأي جهل أعظم من جهل من جهل ربه وخالقه، وأراد أن يسوِّي به غيره ممن لا يملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورًا؟! السعدي:302.
آية
﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَٰتِىَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٤٦﴾]
إذا كان المصحفُ الذي كُتِب فيه طاهرًا لا يمسُّه إلاّ البدن الطاهر، فالمعاني التي هي باطنُ القرآن لا يمسُّها إلاّ القلوبُ المطهرة، وأما القلوب المنجسة لا تمسُّ حقائقَه، فهذا معنىً صحيح؛ قال تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق). قال بعض السلف: أَمنَعُ قلوبَهم فهمَ القرآن. ابن تيمية:3/198.