سورة التوبة
آية
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦﴾]
أي: سأل جوارك؛ أي: أمانك وذمامك، فأعطه إياه ليسمع القرآن، أي: يفهم أحكامه، وأوامره، ونواهيه، فإن قبل أمراً فحسن، وإن أبى فرده إلى مأمنه. القرطبي:10/114.
آية
﴿ ۚ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِيلَهُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥﴾]
ونبه بأعلاها على أدناها؛ فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله عز وجل، وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعدٍ إلى الفقراء والمحاويج، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين، ولهذا كثيراً ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة. ابن كثير:2/321.
آية
﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥﴾]
هذه الآية دالة على أن من قال: «قد تبت»؛ أنه لا يجتزأ بقوله حتى ينضاف إلى ذلك أفعاله المحققة للتوبة؛ لأن الله -عز وجل- شرط هنا مع التوبة إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ ليتحقق بهما التوبة. القرطبي:10/114.
آية
﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١١﴾]
فعلق الأخوة في الدين على التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والمعلق بالشرط ينعدم عند عدمه، فمن لم يفعل ذلك فليس بأخ في الدين. ابن تيمية:3/311.
آية
﴿ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠﴾]
فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم هو الإيمان؛ فذبوا عن دينكم، وانصروه، واتخذوا من عاداه لكم عدواً، ومن نصره لكم ولياً، واجعلوا الحكم يدور معه وجوداً وعدماً، لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعية؛ تميلون بهما حيثما مال الهوى، وتتبعون فيهما النفس الأمارة بالسوء. السعدي:330.
آية
﴿ ٱشْتَرَوْا۟ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِهِۦٓ ۚ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩﴾]
استبدلوا بذلك (ثمنًاً قَليلاًً)، أي: شيئا حقيرا من حطام الدنيا؛ وهو أهواؤهم وشهواتهم التي اتبعوها. والجملة... مستأنفة كالتعليل لقوله تعالى: (وأكثرهم فاسقون)؛ فيه أن من فسق وتمرد كان سببه مجرد اتباع الشهوات، والركون إلى اللذات. الألوسي:5/251.
آية
﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٩﴾]
سببها أن قوماً من قريش افتخروا بسقاية الحاج، وبعمارة المسجد الحرام؛ فبين الله أن الجهاد أفضل من ذلك. ابن جزي:1/353.
آية
﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٩﴾]
يعني: الذين زعموا أنهم أهل العمارة، فسماهم الله ظالمين بشركهم، فلم تغن عنهم العمارة شيئاً. ابن كثير 2/327.
آية
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُو۟لَٰٓئِكَ أَن يَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٨﴾]
وأَمَّا من لم يؤمن بالله ولا باليوم والآخر، ولا عنده خشية لله، فهذا ليس من عمار مساجد الله، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادَّعَاه. السعدي:331.
آية
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُو۟لَٰٓئِكَ أَن يَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٨﴾]
فبين أن عمار المساجد هم الذين لا يخشون إلا الله، ومن لم يخش إلا الله فلا يرجو ويتوكل إلا عليه؛ فإن الرجاء والخوف متلازمان. والذين يحجون إلى القبور يدعون أهلها، ويتضرعون لهم، ويعبدونهم، ويخشون غير الله، ويرجون غير الله؛ كالمشركين الذين يخشون آلهتهم ويرجونها. ابن تيمية:3/327.
آية
﴿ قَٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٤﴾]
قال تعالى عزيمة على المؤمنين، وبياناً لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين). ابن كثير:2/325.
آية
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾]
قال بعضهم: لن نغلب اليوم عن قلة، فوكلوا إلى هذه الكلمة، فكان ما ذكرناه من الهزيمة في الابتداء إلى أن تراجعوا. البغوي:10/149.
آية
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾]
كانوا يومئذ [اثني] عشر ألفاً، فقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة، فأراد الله إظهار عجزهم، ففرَّ الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بقي على بغلته في نفر قليل، ثم استنصر بالله، وأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوه الكفار، وقال: (شاهت الوجوه)، ونادى بأصحابه فرجعوا إليه، وهزم الله الكفار. ابن جزي:1/354.
آية
﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾]
وخص الجهاد بالذكر من عموم ما يحبه الله منهم تنويها بشأنه، ولأن ما فيه من الخطر على النفوس، ومن إنفاق الأموال ومفارقة الإلف، جعله أقوى مظنة للتقاعس عنه، لا سيما والسورة نزلت عقب غزوة تبوك التي تخلف عنها كثير من المنافقين وبعض المسلمين. ابن عاشور:10/153.
آية
﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾]
هذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء... وعلامة ذلك: أنه إذا عرض عليه أمران: أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله دل ذلك على أنه ظالم تارك لما يجب عليه. السعدي:332.
آية
﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾]
وعيد لمن آثر أهله، أو ماله، أو مسكنه على الهجرة والجهاد. ابن جزي:1/354.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوٓا۟ ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَٰنَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّوا۟ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلْإِيمَٰنِ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٣﴾]
(لا تتخذوا آباءَكُمْ وَإِخوانكم) الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم (أولياء إن استحبوا) أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة (الكفر على الإيمان). السعدي:332.
آية
﴿ ٱتَّخَذُوٓا۟ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣١﴾]
كانوا يأخذون بأقوال أحبارهم ورهبانهم المخالفة لما هو معلوم بالضرورة أنه من الدين؛ فكانوا يعتقدون أن أحبارهم ورهبانهم يحللون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، وهذا مطرد في جميع أهل الدينين... فحصل من مجموع أقوال اليهود والنصارى أنهم جعلوا لبعض أحبارهم ورهبانهم مرتبة الربوبية في اعتقادهم، فكانت الشناعة لازمة للأمتين ولو كان من بينهم من لم يقل بمقالهم كما زعم عدي بن حاتم؛ فإن الأمة تؤاخذ بما يصدر من أفرادها إذا أقرته ولم تنكره. ابن عاشور:10/170.
آية
﴿ ٱتَّخَذُوٓا۟ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣١﴾]
روي عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك»، فطرحته، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، حتى فرغ منها، قلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟» قال: فقلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم»، قال عبد الله بن المبارك: وهل بدل الدين إلا الملوك... وأحبار سوء ورهبانها. البغوي:2/273.
آية
﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٩﴾]
أي: لا يدينون الدين الصحيح، وإن زعموا أنهم على دين فإنه دين غير الحق؛ لأنه ما بين دِينٍ مُبَدَّلٍ وهو الذي لم يشرعه الله أصلاً، وإما دين منسوخ قد شرعه الله ثم غَيَّرَه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز. السعدي:334.
آية
﴿ قَٰتِلُوا۟ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُوا۟ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَٰغِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٩﴾]
(عن يد) أي: عن قهر وذل...وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «يعطونها بأيديهم، ولا يرسلون بها على يد غيرهم»...وقيل: عن إقرار بإنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم. البغوي:2/268.
آية
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾]
تعليق للإغناء بالمشيئة؛ لأن الغنى في الدنيا ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة الله، فلهذا علَّقه الله بالمشيئة؛ فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين إلا من يحب. السعدي:333.
آية
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾]
(وإن خفتم عيلة) أي: فقراً؛ كان المشركون يجلبون الأطعمة إلى مكة، فخاف الناس قلة القوت بها إذ مُنِع المشركون منها، فوعدهم الله بأن يغنيهم من فضله، فأسلمت العرب كلها، وتمادى جلب الأطعمة إلى مكة، ثم فتح الله سائر الأمصار. ابن جزي:1/355.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾]
أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع الله آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنهم شيئاً؟! وأعمالهم ما بين محاربة لله، وصد عن سبيل الله، ونصر للباطل، ورد للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح. السعدي:333.
آية
﴿ وَقَٰتِلُوا۟ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ۚ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٦﴾]
(واعلموا أن الله مع المتقين) فلتحرصوا على استعمال تقوى الله في سركم وعلنكم، والقيام بطاعته، خصوصاً عند قتال الكفار؛ فإنه في هذه الحال ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين. السعدي:336.
آية
﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٦﴾]
هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها؛ إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم، والروم، والقبط. القرطبي:10/197.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣٤﴾ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا۟ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾]
يُقال: من أحب شيئاً وقَدَّمَه على طاعة الله عُذِّبَ به، وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عذبوا بها... هذه الأموال لما كانت أعز الأموال على أربابها كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة. ابن كثير:2/336.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۗ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾]
فإن الناس عالةٌ على العلماء، وعلى العباد، وعلى أرباب الأموال، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس. ابن كثير:2/335.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾]
والمقصود: التحذير من علماء السوء، وعباد الضلال؛ كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى. ابن كثير:2/335.
آية
﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ۖ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٠﴾]
هذا إعلام من الله -عز وجل- أنه المتكفل بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإعزاز دينه؛ أعانوه، أو لم يعينوه، وأنه قد نصره عند قلة الأولياء، وكثرة الأعداء، فكيف به اليوم وهو في كثرة من العدد والعُدد. البغوي:2/282.
آية
﴿ إِلَّا تَنفِرُوا۟ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْـًٔا ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٩﴾]
قوله تعالى: (إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما ويستبدل قوماً غيركم) قد يكون العذاب من عنده وقد يكون بأيدي العباد، فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع بينهم الفتنة كما هو الواقع؛ فإن الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وألف بينهم وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم. ابن تيمية:3/350.
آية
﴿ إِلَّا تَنفِرُوا۟ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٩﴾]
فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب؛ لما فيها من المضار الشديدة: فإن المتخلف قد عصى الله تعالى وارتكب لنهيه، ولم يساعد على نصر دين الله، ولا ذَبَّ عن كتاب الله وشرعه، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد أن يستأصلهم ويمحق دينهم، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان، بل رُبَّما فَتَّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الله. السعدي:337.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلْءَاخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْءَاخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٨﴾]
عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة؛ إذ لا تنال راحة الآخرة إلا بنصب الدنيا. القرطبي:10/208.
آية
﴿ لَوْ خَرَجُوا۟ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا۟ خِلَٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٧﴾]
(لو خرجوا) يعني: المنافقين، (فيكم) أي: معكم، (ما زادوكم إلا خبالاً) أي: فساداً وشراً، ومعنى الفساد: إيقاع الجبن والفشل بين المؤمنين بتهويل الأمور. (ولأوضعوا): أسرعوا، (خلالكم) أي: وسطكم؛ بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة، ونقل الحديث من البعض إلى البعض. البغوي:2/289.
آية
﴿ لَا يَسْتَـْٔذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ أَن يُجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٤﴾]
أخبر أن المؤمنين بالله واليوم الآخر لا يستأذنون في ترك الجهاد بأموالهم وأنفسهم؛ لأن ما معهم من الرغبة في الخير والإيمان يحملهم على الجهاد من غير أن يحثهم عليه حاث، فضلاً عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر. السعدي:338-339.
آية
﴿ ٱنفِرُوا۟ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤١﴾]
والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، كما في قوله تعالى: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله)... فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة. ابن تيمية:3/373.
آية
﴿ وَلَا يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٤﴾]
ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر، ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده. السعدي:340.
آية
﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِۦٓ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوٓا۟ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٢﴾]
(قل هَل تَرَبَّصُونَ بِنا إِلا إِحدَى الْحُسْيَينِ) أي: هل تنتظرون بنا إلا إحدى أمرين: إما الظفر والنصر، وإما الموت في سبيل الله، وكل واحد من الخصلتين حسن. (بِعَذابٍ مِن عِندِهِ): المصائب وما ينزل من السماء، أو عذاب الآخرة. (أَو بِأَيدينا) يعني: القتل. (فَتَرَبَّصُوا): تهديد. ابن جزي:1/340.
آية
﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا۟ قَدْ أَخَذْنَآ أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا۟ وَّهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٠﴾]
(إن تصبك حسنة): نصرة وغنيمة، (تسؤهم): تحزنهم؛ يعني: المنافقين، (وإن تصبك مصيبة): قتل أو هزيمة، (يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل): حذرنا.... (ويتولوا): يدبروا، (وهم فرحون): مسرورون بما نالك من المصيبة. البغوي:2/290.
آية
﴿ أَلَا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُوا۟ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٩﴾]
فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، فإن في التخلف مفسدة كبرى، وفتنة عظمى محققة؛ وهي معصية الله، ومعصية رسوله، والتجرؤ على الإثم الكبير، والوزر العظيم، وأما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة، مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير. السعدي:339.
آية
﴿ أَلَا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُوا۟ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٩﴾]
فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، فإن في التخلف مفسدة كبرى، وفتنة عظمى محققة؛ وهي معصية الله، ومعصية رسوله، والتجرؤ على الإثم الكبير، والوزر العظيم، وأما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة، مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير. السعدي:339.
آية
﴿ لَقَدِ ٱبْتَغَوُا۟ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا۟ لَكَ ٱلْأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٨﴾]
(وقلَّبوا لك الأمور) أي: أداروا الأفكار، وأعملوا الحيل في إبطال دعوتكم وخذلان دينكم، ولم يقصروا في ذلك، (حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) فبطل كيدهم، واضمحل باطلهم، فحقيق بمثل هؤلاء أن يحذِّر الله عباده المؤمنين منهم. السعدي:339.
آية
﴿ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦١﴾]
(ويقولون هو أذن) أي: يسمع كل ما يقال له ويصدّقه... (قل أذن خير لكم) أي: يسمع الخير والحق، (ويؤمن للمؤمنين) أي: يصدقهم؛ يقال: آمنت لك إذا صدقتك. ابن جزي:1/262.
آية
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِى ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنْ أُعْطُوا۟ مِنْهَا رَضُوا۟ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا۟ مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٨﴾]
فرضاهم لغير الله، وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقا برئاسة، أو بصورة، ونحو ذلك من أهواء نفسه: إن حصل له رضي، وإن لم يحصل له سخط؛ فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده فهو عبده. ابن تيمية:3/380.
آية
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٥﴾]
وهكذا كل مَن أراد استدراجه سبحانهُ؛ فإنه في الغالب يكثِّرُ أموالهم وأولادهم لنحو هذا؛ لأنهم إذا رأوا زيادتهم بها على بعض المُخلِصِين ظنوا أن ذلك إنما هو لكرامتهم، وحسن حالتهم، فيستمرون عليها حتى يموتوا، فهو سبحانهُ لم يرد بها منحتهم، بل فتنتهم ومحنتهم. البقاعي:3/334.
آية
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٥﴾]
فلا تعجبك أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم؛ فإنه لا غبطة فيها...ومن وبالها العظيم الخطر: أن قلوبهم تتعلق بها، وإراداتهم لا تتعداها؛ فتكون منتهى مطلوبهم، وغاية مرغوبهم، ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب، فيوجب ذلك أن ينتقلوا من الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون. السعدي:340.
آية
﴿ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا۟ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٥﴾]
نقل عن الشافعي أنه سئل عمن هزل بشيء من آيات الله تعالى أنه قال: هو كافر، و استدل بقول الله تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم). ابن تيمية:3/402.
آية
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا۟ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٥﴾]
دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله- صلى الله عليه و سلم- جادا أو هازلا؛ فقد كفر. ابن تيمية:3/400.
آية
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا۟ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٥﴾]
الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله، وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة. السعدي:343.
آية
﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٤﴾]
وفي هذه الآيات دليلٌ على أن من أَسَرَّ سريرة- خصوصاً السريرة التي يمكر فيها بدينه، ويستهزئ به وبآياته ورسوله- أن الله تعالى يظهرها، ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشد العقوبة. السعدي:343.
آية
﴿ وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٢﴾]
ورضوان من الله يحله على أهل الجنة، أكبر مما هم فيه من النعيم؛ فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم، ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها المحبون، فرضى رب الأرض والسماوات أكبر من نعيم الجنات. السعدي:344.
آية
﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧١﴾]
وعبّر في جانب المؤمنين والمؤمنات بأنّهم أولياء بعضٍ للإشارة إلى أنّ اللحمة الجامعة بينهم هي وَلاية الإسلام؛ فهم فيها على السواء، ليس واحد منهم مقلّداً للآخر، ولا تابعاً له على غير بصيرة؛ لما في معنى الولاية من الإشعار بالإخلاص، والتناصر، بخلاف المنافقين، فكأنّ بَعضَهم ناشئ من بعض في مذامّهم. ابن عاشور:10/262.
آية
﴿ فَٱسْتَمْتَعْتُم بِخَلَٰقِكُمْ كَمَا ٱسْتَمْتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَٰقِهِمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٩﴾]
وأما المؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما خولوا من الدنيا فإنه على وجه الاستعانة به على طاعة الله، وأما علومهم فهي علوم الرسل، وهي الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية، والمجادلة بالحق لإدحاض الباطل. السعدي:343.
آية
﴿ كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوٓا۟ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَٰلًا وَأَوْلَٰدًا فَٱسْتَمْتَعُوا۟ بِخَلَٰقِهِمْ فَٱسْتَمْتَعْتُم بِخَلَٰقِكُمْ كَمَا ٱسْتَمْتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَٰقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِى خَاضُوٓا۟ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٩﴾]
فما صَدَّ أكثرَ هذه الأمة عن فهم القرآن: ظنُّهم أنَّ الذي فيه مِن قَصَص الأوَّلِين وأخبار المُثَابين والمُعَاقَبين مِن أهل الأديان أجمعين؛ أنَّ ذلك إنما مقصوده الإخبار والقَصص فقط، كلا، وليس كذلك؛ إنما مقصودُهُ الاعتبار والتنبيه لمشاهدة متكررة في هذه الأمة من نظائر جميع أولئك الأعداد، وتلك الأحوال والآثار. البقاعي:3/347.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فِى ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٩﴾]
من أطاع الله وتطوع بخصلة من خصال الخير فإن الذي ينبغي هو: إعانته، وتنشيطه على عمله، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم، وعابوهم فيه. السعدي:346.
آية
﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُۥ بِمَآ أَخْلَفُوا۟ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا۟ يَكْذِبُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٧﴾]
وعبّر عن كذبهم بصيغة (كانوا يكذبون) لدلالة كان على أنّ الكذب كائن فيهم ومتمكّن منهم، ودلالة المضارع على تكرّره وتجدّده. ابن عاشور:10/273.
آية
﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ ءَاتَىٰنَا مِن فَضْلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضْلِهِۦ بَخِلُوا۟ بِهِۦ وَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٧٦﴾ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُۥ بِمَآ أَخْلَفُوا۟ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا۟ يَكْذِبُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٥﴾]
فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع: أن يعاهد ربه: إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلنَّ كذا وكذا، ثم لا يفي بذلك؛ فإنه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء. السعدي:345.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٣﴾]
وهذا الجهاد يدخل فيه: الجهاد باليد، والجهاد بالحجة واللسان. فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد، واللسان، والسيف، والبيان. ومن كان مذعناً للإسلام بذمة أو عهد؛ فإنه يجاهد بالحجة والبرهان، ويبين له محاسن الإسلام، ومساوئ الشرك والكفر. السعدي:344.
آية
﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٥﴾]
تدريباً لهم على الحبِّ في الله، والبُغض فيه؛ لأنه من أدقِّ أبواب الدِّين فهماً، وأجلها قَدراً، وعليه تُبتنى غالب أبوابه، ومنه تُجتنى أكثرُ ثمراته وآدابه، وذلك أنه ربما ظنَّ الناظر فيمن بُسِطت عليه الدنيا أنه من الناجين؛ فيوادُّه لحسن قوله غافلاً عن سوء فعله. البقاعي:3/371.
آية
﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُوا۟ وَهُمْ فَٰسِقُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٤﴾]
والسنة في زيارة قبور المسلمين نظير الصلاة عليهم قبل الدفن، قال الله تعالى في كتابه عن المنافقين: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) فكان دليل الخطاب أن المؤمنين يصلى عليهم. ابن تيمية:3/435.
آية
﴿ وَقَالُوا۟ لَا تَنفِرُوا۟ فِى ٱلْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا۟ يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨١﴾]
فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة، وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال، ويذهبه البكر والآصال، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره، وهو النار الحامية. السعدي:346.
آية
﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨١﴾]
هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم، وفي ضمنها وعيد. وقوله: (الْمُخَلَّفُونَ) لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه، وهذا أمكن في هذا من أن يقال: «المتخلفون». ولم يفرح إلا منافق، فخرج من ذلك: الثلاثة، وأصحاب العذر. ابن عطية: 3/65.
آية
﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓا۟ أَن يُجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨١﴾]
وهذا قدر زائد على مجرد التخلف؛ فإن هذا تخلف محرم، وزيادة رضا بفعل المعصية، وتبجح به. (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله): وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا -ولو لعذر- حزنوا على تخلفهم، وتأسفوا غاية الأسف، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل الله، وإحسانه، وبره، وامتنانه. السعدي:346.
آية
﴿ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَـْٔذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ ۚ رَضُوا۟ بِأَن يَكُونُوا۟ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٣﴾]
(فهم لا يعلمون) أي: لا علم لهم؛ فلذلك جهلوا ما في الجهاد من منافع الدارَين لهم، فلذلك رضوا بما لا يرضى به عاقل، وهو أبلغ مِن نفي الفقه في الأولى. البقاعي:3/375.
آية
﴿ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا۟ مَا يُنفِقُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٢﴾]
وهم سبعة نفر سموا بالبكائين... أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن الله قد ندبنا إلى الخروج معك؛ فاحملنا... فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله عنه في قوله تعالى: (قلت لا أجد ما أحملكم عليه) تولوا وهم يبكون. البغوي:2/315.
آية
﴿ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا۟ مَا يُنفِقُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٢﴾]
فهؤلاء لا حرج عليهم، وإذا سقط الحرج عنهم عاد الأمر إلى أصله، وهو: أن من نوى الخير، واقترن بنيته الجازمة سعيٌ فيما يقدر عليه، ثم لم يقدر؛ فإنه يُنَزَّل منزلة الفاعل التام. السعدي:348.
آية
﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا۟ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۚ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩١﴾]
(إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ) يعني: بنياتهم وأقوالهم، وإن لم يخرجوا للغزو، (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ): وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله، ورفع عنهم العقوبة، والتعنيف، واللوم. ابن جزي:1/367.
آية
﴿ وَمِنَ ٱلْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٩﴾]
(وصلوات الرسول) أي: وسبباً لدعائه عليه الصلاة والسلام؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم؛ ولذلك يُسَنُّ للمتصدَّق عليه أن يدعوَ للمتصدِّق عند أخذ صدقته. الألوسي:11/11.
آية
﴿ وَمِنَ ٱلْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٨﴾]
(ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً) أي: تثقل عليهم الزكاة والنفقة في سبيل الله ثقل المغرم الذي ليس بحق عليه. (ويتربص بكم الدوائر) أي: ينتظر بكم مصائب الدنيا. (عليهم دائرة السوء): خبر، أو دعاء. ابن جزي:1/368.
آية
﴿ ٱلْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا۟ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٧﴾]
وفي هذه الآية دليل على... فضيلة العلم، وأن فاقده أقرب إلى الشر ممن يعرفه؛ لأن الله ذم الأعراب، وأخبر أنهم أشد كفراً ونفاقاً، وذكر السبب الموجب لذلك، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله. السعدي:349.
آية
﴿ وَقُلِ ٱعْمَلُوا۟ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠٥﴾]
أمروا بالعمل عقب الإعلام بقبول توبتهم؛ لأنهم لما قُبلت توبتهم كان حقاً عليهم أن يدلوا على صدق توبتهم، وفرط رغبتهم في الارتقاء إلى مراتب الكمال؛ حتى يَلحقوا بالذين سبقوهم، فهذا هو المقصود. ابن عاشور:11/25.
آية
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠٣﴾]
استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه لمن أدى زكاته بالبركة، وأن ذلك ينبغي أن يكون جهراً؛ بحيث يسمعه المتصدق فيسكن له، ويؤخذ من المعنى: أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن بالكلام اللين، والدعاء له، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة، وسكون لقلبه. وأنه ينبغي تنشيط من أنفق نفقة وعمل عملاً صالحاً بالدعاء له والثناء، ونحو ذلك. السعدي:351.
آية
﴿ وَءَاخَرُونَ ٱعْتَرَفُوا۟ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا۟ عَمَلًا صَٰلِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠٢﴾]
فهذه الآية دلت على أن المخلط المعترف النادم، الذي لم يتب توبة نصوحاً؛ أنه تحت الخوف والرجاء، وهو إلى السلامة أقرب، وأما المخلط الذي لم يعترف ويندم على ما مضى منه، بل لا يزال مصراً على الذنوب؛ فإنه يخاف عليه أشد الخوف. السعدي:350.
آية
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا۟ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠١﴾]
ولعل تكرير عذابهم لما فيهم من الكفر المشفوع بالنفاق. القاسمي:4/193.
آية
﴿ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَٰنٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠٠﴾]
فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان، ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان... والرضى من الله صفة قديمة؛ فلا يرضى إلا عن عبد علم أنه يوافقه على موجبات الرضى، ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبدا. ابن تيمية:3/440.
آية
﴿ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَٰنٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠٠﴾]
السبق إلى الهجرة طاعة عظيمة، من حيث إن الهجرة فعل شاق على النفس، ومخالف للطبع، فمن أقدم عليه أولاً صار قدوة لغيره في هذه الطاعة. القاسمي:4/191.