تدبــــر - المجموعة التاسعة عشر
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) } يمكن للإنسان أن يتاجر بالدين، يمكن أن يستخدم القرآن لمصالحه، ويمكن أن يستخدم العلوم الدينية لمصالحه، ولكن هذا الإنسان هو أشقى الناس. إذا لعب الإنسان بدين الله يفرمه الله فرماً، فهذا الدين دين الله عزَّ وجل لا تقربه بسوء، فإذا أراد الإنسان أن يتاجر به، أو أن يُضِل الناس، فالله كبير وعقابه أليم وشديد. ادعى شخص من الباكستان النبوَّة، وقال: " خاتم الأنبياء ليس معناه أنه آخر الأنبياء، أي أن كلامه يصدِّق من يأتي بعده "، وادَّعى أنه نبي، وكانت هناك جائحة كبيرة جداً من مرض الكوليرا بالباكستان، وزعم أنه لن يُصَاب بالكوليرا لأنه نبي، فالذي حدث أنه أُصيب بالكوليرا ومات داخل المرحاض، أي أن الله عزَّ وجل فضحه
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) } هناك طُرْفَة، أحد سماسرة البيوت دخل وصلَّى العشاء باتجاه الشمال، ليوهمهم أن هذا البيت اتجاهه قبلي، فمن أجل أن يبيع البيت باع دينه، من أجل أن يبيع هذا البيت باع دينه كلَّه، وهذا يحدث كل يوم، طبعاً هذا مثل حاد، يمكن لإنسان أن يحلف يمين كذب، أو أن يشهد شهادة زور، ممكن لمصلحة مُعَيَّنة أن يستعصي في بيت قد استأجره، ويقول لك: أنا القانون معي، أي أنه باع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) } بالمناسبة: أحياناً يفتي الإنسان فتوى فيأخذ ثمنها باهظاً، ولكنها فتوى باطلة، لذلك أخطر إنسان هو الذي يُفتي بخلاف ما يعلم، الذي يُفتي وهو لا يعلم مُحاسَب، أما الذي يُفتي بخلاف ما يعلم هذا اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً، أنت تفاجأ أن لكل معصية فتوى، الآن في العالَم الإسلامي أيّ معصية لها فتوى كاملة، فلا توجد مشكلة، ولكن لم يبق شيء في الدين، إذا كان الربا مسموحاً، فتوى رسميَّة، إذا كان هذا مسموحاً، وهذا مسموح، فما الذي بقى محرَّماً
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) } العمليَّة عمليَّة تزوير، الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمورٌ مشتبهات، يأتي المنافق ويجمع شيئاً من الحق وشيئاً من الباطل كيف؟ يقول لك: يا أخي الله عزَّ وجل قال: ﴿ لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ﴾. (سورة آل عمران: آية " 130 ") معنى هذا ـ حسب مفهومه ـ إذا أخذ الإنسان أضعافاً قليلة فهو ليس مؤاخذاً
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ (44) } هذا أخطر شيء بالدعوة، وأخطر شيء يصيب أهل الدين الازدواجيَّة، أي هناك نصوص وهناك طقوس وعبادات، أما المعاملة فهي شيءٌ آخر، عندما تنفصل المعاملة عن العبادة انتهى الدين، يوجد في الدين عبادة تعامليَّة، وعبادة شعائريَّة، وهما متكاملتان، والعبادة الشعائريَّة لا قيمة لها إلا بالتعامليَّة، فإذا ألغينا التعامليَّة ألغينا الدين كلَّه
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) } يتعلم الناس بعيونهم لا بآذانهم، ولغة العمل أبلغ من لغة القول، والذي يشدُّ الناس إلى الدين المُثُل العُليا، أما الكلام فلا يؤثِّر، الكلام لا يُحرِّك ساكناً، جاء الأنبياء بالكلمة فقط، ولكن بالكلمة التي يؤكِّدها الواقع، فلو سألتني: ما سر نجاح دعوة الأنبياء، وإخفاق دعوة الدعاة في أيامنا؟ لأنه لا توجد عند النبي ازدواجيَّة أبداً، فالذي قاله فعله، والذي فعله قاله، فالانسجام تام بين أقواله وأفعاله، ينبغي على المؤمن أن تكون سريرته كعلانيَّته، وظاهره كباطنه، وما في قلبه على لسانه
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) } الإنسان له علاقتان ؛ علاقةٌ مع الخلق، وعلاقةٌ مع الحق، العلاقة مع الحق الاتصال به عن طريق الاستقامة على أمره، وعلاقته مع الخلق الإحسان إليهم، فإذا أردت أن تجمع الدين كلَّه ففي كلمتين: اتصالٌ بالخالق وإحسانٌ إلى المخلوق، وإن أردت أن تبحث عن علاقةٍ بينهما، فهناك علاقة ترابطيَّة بينهما، فكل اتصالٍ بالخالق يعينك على أن تُحْسِنْ إلى المخلوق، إنك بهذا الاتصال تشتقُّ من كمال الله، وكل إحسانٍ إلى المخلوق يعينك على الاتصال بالخالق
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ (43) } هي الدين كلُّه، أي أحسنوا إلى المخلوقات واتصلوا بي، أو اتصلوا بي كي تُحْسِنوا إلى المخلوقات، والإحسان إلى الخلق ثمن الجنَّة وهي السعادة الأبديَّة، نحن مخلوقون لدار إكرام ثمنها الإحسان للخلق، فلذلك حينما تؤمن بالآخرة لك ميزان آخر، ميزان آخر بخلاف موازين الدنيا، مثلاً إذا أُتيح لك مغنم كبير ولم تأخذه يتهمك أهل الدنيا بالجنون، أما أهل الإيمان فيضعون الدنيا تحت أقدامهم ابتغاء مرضاة ربِّهم، ولله حكمةٌ بالغة حينما يضع المؤمن بين خيارين صَعبين، إما الدنيا وإما الآخرة
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) } أي أنك ينبغي أن تكون ضمن جماعة، لأن الجماعة رحمة والفرقة عذاب هناك منافسة ضمن الجماعة، وهناك تصحيح مسار دائماً ضمن الجماعة، وهناك رغبة بالتفوُّق، هل سمعت بكل حياتك مسابقة بلا جماعة، هل يمكن لإنسان أن يركض وحده ويقول لك: أنا كنت الأول، على من فزت بالأول؟
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) } يتوهم الإنسان بالعُزلة أوهاماً مضحكة، يبني قصوراً من الأوهام، ولكنه يتحجم عندما يقيم مع الآخرين، وهذا التحجيم صحِّي، قد تتوهِّم أنك أكبر مؤمن، فعندما تجلس مع مؤمن أكبر منك ترى أن عملك لا شيء أمام عمله، إخلاصك أقل من إخلاصه، طموحك أقل من طموحه، تتحجَّم، فهذا التحجيم ضروري جداً للإنسان، هذا التحجيم منطلق العطاء، منطلق التفوّق، أما لو أنك توهَّمت أنك في مستوى رفيع جداً، وأنت بعيد عن المجتمع هذا الوهم غير صحيح، هذا يُقْعِدُكَ عن طلب العُلا
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ (44) } أن تأمر الناس بالبر قضيَّة لا تكلِّف شيئاً، وسهلة جداً، لاحظ الناس إذا أصيب إنسان بمصيبة كل من حوله يقولون له: بسيطة، لا توجد مشكلة، طوِّل بالك، سهل عليك أن تُصَبِّره، ولكن لو وقعت معك هذه المصيبة قد تفعل أكثر مما فعل، فالتصبير سهل، والكلام سهل، أما أن تكون في مستوى كلامك هذا الشيء الذي يجعلك بطلاً
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ (44) } يروى أن عالِماً جليلاً كان له تلميذ، وهذا التلميذ له عبد، هذا العبد عندما رأى سيِّده يحترم شيخه احتراماً لا حدود له رجاه أن يعطي إشارةً لتلميذه أن يُعْتِقه، فقال له الشيخ: " إن شاء الله أفعل هذا "، مضى شهر، وشهران، وثلاثة أشهر ولا توجد هناك أي حركة، من شدَّة ما رأى محبّة هذا التلميذ لشيخه، اعتقد العبد أن الشيخ لو أعطاه إشارة أن أعتق هذا العبد يعتقه على الفور، والشيخ وعده لكن لم يحصل شيء، ثم زاره مرَّةً ثانية وذكَّره فقال له الشيخ: " إن شاء الله أفعل هذا "، ولم يحدث شيء خلال أشهر، ثم زاره مرَّةً ثالثة، وقد مضى على طلبه سنة، فقال له: " أفعل هذا إن شاء الله "، بعد أيَّام استدعاه سيِده وأعتقه تنفيذاً لتوجيه شيخه، فلمَّا التقى العبد بالشيخ قال له: " يا سيدي كلمةٌ منك تدعو سيدي إلى إعتاقي فلماذا تأخَّرت كل هذه المدَّة؟ " قال له: " يا بني حمَّلتنا فوق ما نطيق، لقد وفَّرت من مصروف البيت مالاً أعتقت به عبداً، ثم أمرت سيدك أن يعتقك "، أي أنا ما أمرته أن يعتقك إلا بعد أن كنت قدوةًُ له. لو أن الدعاة لا يتكلَّمون كلمة واحدة إلا وطبَّقوها لكنَّا في حالٍ آخر غير هذا الحال
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ (45) } الإنسان المتفلِّت يُطلق بصره في الحرام، ماله حرام، عمله سيِّئ، فإذا وقف ليصلي تجد أنه محجوب عن الله عزَّ وجل، فصلاته حركات ليس لها معنى بالنسبة له، أحياناً تجد صلاة سريعة جداً غير معقولة إطلاقاً، فالصلاة السريعة أو الصلاة التي لا يوجد فيها خشوع سببها الحجاب، فإذا صلى الإنسان ولم يشعر بشيء، قرأ القرآن ولـم يشعر بشيء، ذكر الله ولم يشعر بشيء، فعنده مشكلة كبيرة جداً
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) } الصلاة كبيرة، كبيرة على المنافق: كبيرة عليه، يصعب عليه أن يصلي، قد يمضي ساعات طويلة في كلام فارغ أما أن يصلي التراويح فهي صعبة عليه، لا يحتمل، أنا والله أعرف أناساً في التراويح كأنهم في جنَّة، في جنَّة من جنَّات القُرب، واقف يستمع إلى القرآن الكريم وكأن الله يحدِّثنا، قال: " إن أردت أن تحدِّث الله فادعه، وإن أردت أن يحدِّثك الله فاقرأ القرآن "، أنت حينما تقرأ القرآن أو تستمع إليه تشعر وكأن الله يحَدِّثك، فالتراويح فيها راحة للنفس، والفرق بين صلاة المنافق وصلاة المؤمن أن صلاة المنافق أرحنا منها، والمؤمن أرحنا بها، هذا هو الفرق بين (من) وبين (الباء)، المنافق يقول: أرحنا منها، والمؤمن يقول: أرحنا بها
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ (46) } كل عمل يعمله يتصوَّر أنه واقفٌ بين يدي الله عزَّ وجل، لماذا فعلت كذا؟ لماذا أعطيت ظلماً؟ لماذا منعت؟ لماذا غدرت؟ لماذا كذبت؟ لماذا احتلت؟ لماذا اغتصبت هذا البيت؟ لماذا لم تنصح فلاناً؟ أما إذا كان كل يومه أخطاء ومعاصي وآثاماً فأي صلاة هذه؟! نقول له: صل، ولكن استقم من أجل أن تتصل بالله عزَّ وجل
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) } المفتاح الدقيق للآية أن تؤمن بالآخرة، أن تؤمن أنه لا بد أن تقف بين يدي الله عزَّ وجل ليسألك: لـماذا فعلت هذا؟ دخلت زوجة سـيدنا عمر بن عبد العزيز عليه وهو يبكي في مصلاَّه، فقالت له: " ما يبكيك؟ قال لها: " دعيني وشأني "، ألحَّت عليه ما يبكيك؟ فلمَّا ألحَّت عليه قال: " يا فلانة إني نـظرت إلى الفقير البائس، والشيخ الكبير، وذي العـيال الكثير، وابن الـسبيل، والمرأة الأرملة، والشيخ الفاني ـ ذكَّر أصنافاً من المعذَّبين في الأرض ـ كل هؤلاء سيسألني الله عنهم جميعاً. " قال: " لو تعثَّرت بغلةٌ في العراق لحاسبني الله عنها: " لمَ لمْ تُصْلِح لها الطريق يا عمر؟ "، عمر حاسب نفسه على بغلة تعثَّرت في العراق، لِمَ لمْ يصلح لها الطريق
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) } ينطلق الأسلوب الحكيم في هذا القرآن الكريم من التنبيه غير المباشر للمسلمين، فالمسلمون وقد جاءهم كتابٌ من عند الله معرَّضون لأمراضٍ كأمراض بني إسرائيل، فالمقصود من الحديث عن بني إسرائيل في القرآن الكريم هو المسلمون لأنهم أهل كتابٍ مثل بني إسرائيل، ولأن الأمراض المُهلكة التي حلَّت ببني إسرائيل يمكن أن تَحُلَّ بهم تماماً
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) } أي خصصتكم بأنبياء كثيرين ليعلِّموكم قتلوا أنبياءهم، إذاً هم مفضَّلون لتقصيرهم، مفضَّلون لانحرافهم، مفضلون لمعاصيهم، فقد يقول الأب لابنه: يا بني أخوتك درسوا بلا أساتذة خاصين، إنني فضَّلتك على كل أخوتك بعشرة مدرِّسين ولم تنجح !! بالضبط هذا هو المعنى
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } يوم القيامة يُحل مليار مشكلة، ويجيب عن كل سؤال يظهر أمامك، هناك معلومات يصعب على العقل أن يصدِّقها، مثلاً هل من المعقول أن يموت خمسمئة ألف طفل كل سنة من شعب واحد وهو العراق وبالمقابل هناك في بلاد الغرب تجرى عمليَّات زرع دَسَّام وزرع شريان وقلوب للكلاب وزرع مفاصل؟!! وهناك طبيب نفسي لمعالجة الكآبة عند الكلاب، وطبيب أسنان لزرع الأسنان لديهم، ومقبرة للكلاب، ويأكلون من اللحم ما يأكله الشعب الهنديُّ بأكمله ـ الذي يعد تسعمئة مليون ـ هذا ظلم شديد، هم يعيشون كذلك وملايين مملينة يموتون من الجوع. ذكرت لكم من قبل أنه أُطْلِقَ النار على عشرين مليون رأس من الغنم ودُفِنت تحت الأرض للحفاظ على أسعار اللحم في العالَم مرتفعةً، تتلف محاصيل الحمضيات في أمريكا للحفاظ على أسعارها المرتفعة، وعندما بدأ الزنوج يتسلَّلون إلى أماكن إتلافها ليأكلوها سمَّموا هذا المحصول في العام القادم لئلا يأكل منه أحد، حجم مشتقات الحليب التي تُتلَف كحجم أهرامات مصر من أجل الحفاظ على الأسعار مرتفعة، وترون وتسمعون المجاعات في الصومال، وفي بنجلاديش، وفي السودان، وفي جنوب السودان، هم كالوحوش، فلذلك تسوى الحقوق يوم القيامة ويؤخذ للمظلوم من الظالم
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } تُحَل بعض المشكلات في الدنيا بطريقةٍ أو بأخرى، أما في الآخرة عند قيّوم السماوات والأرض لا يمكن أن تُحَلَّ مشكلة إلا بشكلها الصحيح، هو يوم العدل، يوم الإنصاف، يوم الدينونة، يوم الجزاء، يوم الحساب الدقيق، يوم تنال فيه حقَّك الكامل
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) } أيها الأخوة، بشكلٍ مختصرٍ مُرَكَّز خلق الله الإنسان ليسعده في الدنيا والآخرة، فإذا انحرف عن منهج الله تقتضي رحمة الله أن يسوق له بعض الشدائد كي يعيده إليه، هذا كل ما في الأمر لذلك العِلاجات التي يسوقها الله عزَّ وجل لعباده مُنَوَّعةٌ وكثيرةٌ، وعلى درجات، وعلى مستويات، لعلَّ من أشدِّها أن يبتليهم الله عزَّ وجل بظالمٍ يُذَبِّح أبناءهم ويستحي نساءهم يؤكِّد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ (65) ﴾ (سورة الأنعام: من آية " 65 ") الصواعق، والصواريخ: ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ (سورة الأنعام: من آية " 65 ") الزلازل، والألغام: ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ (سورة الأنعام: من آية " 65 ")
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ (49) } آل فرعون أي من كان على منهج فرعون، من كان على شاكلة فرعون، ليس معنى آل فرعون أقرباءه، فآل النبي من سار على منهجه، فهل يُعَدُّ أبو لهب من آل النبي؟ لا، هل يعدُّ أبو جهل من آل النبي؟ لا، ولكن يُعَدُّ سلمان الفارسي من آل بيت النبي، ويعدُّ صُهَيْبُ الرومي من آل بيت النبي، ويعد بلال الحبشي من آل بيت النبي، كل من آمن بالنبي وسار على نهجه واتبع سنَّته القوليَّة والعمليَّة فهو من آله، وكل من شاكل إنساناً وسار على نهجه فهو من آله
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) } مُعجزات مُدهشة، صار البحر طريقاً، الله يتدخل أحياناً، وإذا تدخَّل الله تنتهي كل مشاكلنا، ولكن أنت اطلب منه موجبات رحمته، إذا فعلت موجبات رحمته أوجب ذلك أن يتدخَّل الله لصالحك، وتوجد بعض الشواهد في حياتنا، شيء لا يُحتمل صرفه الله عزَّ وجل من عنده
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) } أغرق الله فرعون، ولكنه نَجَّاه ببدنه إلى الشَاطئ، لأنه إذا أغرقه واستقرَّ في أعماق البحر لما صدَّق أحدٌ أنه غرق، لأنه عندهم الإله ولكنَّ الله أراد أن يجعله عبرةً: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ (92)﴾. (سورة يونس: من آية " 92 ") ما قال الله: لتكون آية أي لمن حولك، لكنه قال: ﴿ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً (92) ﴾.(سورة يونس: من آية " 92 "
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } وعد الله عزَّ وجل موسى مع النقباءِ وعلية القوم ليعطيهم المَنْهَج، ماذا فعل قومه في غيبته؟ اتخذوا من الذهب الذي أخذوه من بيوت فرعون عِجْلاً جسداً، وعبدوه من دون الله، ماذا نستنتج؟ هذا الذي رأى أن البحر أصبح طريقاً يبساً كيف يعبُدُ عجلاً من دون الله؟ نستنبط من هذا أن المُعجزات الحِسَّية وحدها لا تكفي ما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة، الكون بما هو عليه من دون خَرْقٍ للعادات يُعَدُّ معجزةً وأيَّةَ معجزة، أما هذا الذي يطلب خرقاً للعادات، هذا الذي يطلب كرامة !!! هناك طُلاب عِلْم كثيرون يبحثون عـن كرامة، عن منام، عن شيء فيه خرق للعادات !! هذا النظام المستقر، الشمس والقمر، والليل والنهار، المجرَّات، الجبال، السهول، البحار، النباتات، الأطيار، الأسماك، أنواع الخضراوات، المحاصيل، نظام النبات، هذا كلُّه لم يلفت نظرك، خَلق الإنسان ! تبحث عن معجزة ! تبحث عن خرقٍ للعادات
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) } إن أشدُّ أنواع الظُلْمِ أن تعبد غير الله، أشد أنواع الظلم أن تشرك بالله، أشد أنواع الظلم أن تعبد إلهاً صنعته بيدك، وهذا ما تجده في كثير من البلاد إلى الآن، تدخل إلى معبد في الهند تجد صنماً ارتفاعه ثلاثون متراً وأمامه أنواع منوَّعة من الفواكه، تسأل: لمن هذه الفواكه؟ يجيبونك: هو يأكلها في الليل، والحقيقة أن الكُهَّان يأكلونها في الليل، هذا تراه الآن في عصر النور والحضارة كما يدَّعون. حينما يؤمن الإنسان بالله يكون قد احترم نفسه، الإنسان حينما يكون عاقلاً يوحِّد، يكون قد عرف قيمته كإنسان، يكون قد كرَّم نفسه
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) } ماذا فعل هؤلاء؟ فعلوا أشدَّ أنواع الذنوب، أشركوا بالله، عبدوا عجلاً من دون الله، صنعوه بأيديهم وعبدوه من دون الله ومع ذلك باب التوبة مفتوحٌ على مِصراعيه، تصوَّر لو لم يكن هناك توبة ليئس الإنسان من أقل ذنب، لو ارتكب الإنسان ذنباً بسيطاً ولا توجد توبة لسمح لنفسه أن يرتكب ذنباً أكبر، وهكذا إلى أن يفعل كل الذنوب والآثام، وينتهي إلى النار، لكنَّ رحمة الله كبيرة
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) } أي أن الله أمر الذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوا من عبد العجل جزاء ارتكابهم أكبر ذنب في الدين، وهو أن تُشرك، لكن الله عزَّ وجل رَحِمَ أمَّة محمِّد صلى الله عليه وسلَّم فجعل توبة المؤمنين لا تقتضي هذا القتل، يكفي أن تقول: يا رب لقد تبت إليك، يقول لك: عبدي وأنا قد قبلت، هذه رحمةٌ كبيرة، ولكن بني إسرائيل كُلِّفوا أن يقتلوا أنفسهم، أن يقتل بعضهم بعضاً، أن يقتل الذين لم يعبدوا العجل الذين عبدوا العجل
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) } قال المفسِّرون: هؤلاء هم السبعون الذين اختارهم موسى معه في المناجاة، حينما رأوا بعض المعجزات طلبوا من موسى عليه السلام أن يروا الله جهرةً، والشيء الثابت هو أن الله سبحانه وتعالى هذه سُنَنَه لا تدركه الأبصار في الدنيا، في الدنيا لا يستطيع الإنسان أن يرى الله جهرةً، ما رآه لا رسولٌ، ولا نبي، ولا صدِّيقٌ، ولا ولي، لأن طاقة الإنسان لا تحتمل رؤية الله عزَّ وجل يروي بعض المفسِّرين: أنَّهم صعقوا، ولكن الله امتنَّ عليهم أنه أحياهم من جديد بعد أن صعقوا ليتابعوا مسيرتهم مع سيدنا موسى.
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) } يُروى أن رجلاً سيق إلى سيدنا عمر متلبّساً بسرقة فقال: " والله يا أمير المؤمنين إنها أول مرَّةٍ أفعلها في حياتي "، قال له: " كذبت إن الله لا يفضح من أول مرَّة "، فكانت المرَّة الثامنة، فالله عزَّ وجل يعطي مهلة، هناك خطأ، هناك معصية، هناك تقصير يعطي مهلة إلى أن يُصِر على ذنبه
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ (57) } من النِعَم التي امتنَّ الله بها على بني إسرائيل شمس الصحراء لا تُحتمل، كانت تسير معهم غيمة أينما ساروا، يقال أحياناً: " إذا أحبَّ الله قوماً أمطرهم ليلاً وأطلع عليهم الشمس نهاراً "، تأتي أحياناً نسمات لطيفة في الصيف تلغي مكيِّفات ثمنها ألف مليون يقول: كم متراً غرفتك؟ أنت تحسبها، أربعة بثلاثة باثنين ونصف، يقول لك: إذاً تحتاج لاثنين طن ليتم التكييف الجيد، ثمن الطن مئة ألف وهذه الغرفة لا يتم تكيفها بطن واحد، تأتي نسمات لطيفة من عند الله عزَّ وجل تلغي عمل المُكَيِّفات كلها، أحياناً نستورد أعلافاً بألوف الملايين، موسم مطير واحد يغني عن كل هذا الاستيراد، قد نستورد بألوف الملايين قمحاً لنأكله، موسم مطير واحد يُغني عن كل هذا الاستيراد، فالله إذا أعطى أدهش، وهو على كل شيء قدير
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) } يتابع الله جلَّ جلاله الحديث عن بني إسرائيل، وقد بيَّنت لكم من قبل أن كل الأمراض التي وقع فيها بنو إسرائيل قد تزل قدم المسلمين فيقعوا في مثلها، فلذلك من الأسلوب الحكيم أن تُعْرَض علينا أمراض الذين من قبلنا كي نتعظ بغيرنا فلا نقع فيما وقعوا فيه، كل امتنانٍ من الله على بني إسرائيل في عهد موسى هو امتنانٌ على ذريَّتهم في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم، لأن الكاف للخطاب
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) } يتابع الله جلَّ جلاله الحديث عن بني إسرائيل، وقد بيَّنت لكم من قبل أن كل الأمراض التي وقع فيها بنو إسرائيل قد تزل قدم المسلمين فيقعوا في مثلها، فلذلك من الأسلوب الحكيم أن تُعْرَض علينا أمراض الذين من قبلنا كي نتعظ بغيرنا فلا نقع فيما وقعوا فيه، كل امتنانٍ من الله على بني إسرائيل في عهد موسى هو امتنانٌ على ذريَّتهم في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم، لأن الكاف للخطاب