فوائد من كتاب قصر الامل 2
عن أبى الدرداء قال : « الناس بين منذر ومضمر بخروج العاهات . . . عند القبر » . عن عون بن عبد الله ، أنه كان يقول : « اليوم المضمار ، وغدا السباق ، والسبقة الجنة ، والغاية النار » .
عن الحسن فى قول تعالى : "الشيطان سول لهم وأملى لهم" قال : « زين لهم الخطايا ، ومد لهم في الأمل » . قال ابن مسعود : « ترون بيوتكم هذه محشوة مثل الرمانة ، إذا أمسيت من أهلها بلاقع ؟ كذلك الآخرة تجئ فتذهب بالدنيا » .
عن شريك بن عبد الله في قوله عز وجل : فتنتم أنفسكم قال : « بالشهوات واللذات » ، وتربصتم قال : « بالتوبة » ، وارتبتم قال : « شككتم » حتى جاء أمر الله ، قال : « الموت » ، وغركم بالله الغرور ، قال : « الشيطان » حدثنا عبد الله ، حدثنا داود بن عمرو ، حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن بعض العلماء ، مثله .
دعا قوم رجلا إلى طعام في يوم قائظ شديد حره ، فقال : « إني صائم » ، فقالوا : أفي مثل هذا اليوم ؟ قال : « أفأغبن أيامي إذا ؟ » .
قال ميمون بن مهران : « ما مضى فكأن لم يكن ، وما هو آت فكأن قد كان ، فاجعل ما هو آت كشيء مما مضى فأنت تتذكره ، فإنه قد نعيت إليكم أنفسكم والموت .
قال الحسن : « تصبروا وتشددوا ، فإنما هي ليال قلائل ، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى الرجل منكم فيجيب ولا يلتفت ، فانتقلوا بصالح ما بحضرتكم » .
قال الحسن ، يقول : « ابن آدم ، جمعا جمعا ، سرطا سرطا ، جمعا في وعاء ، وشدا في وكاء وركوب الذلول ، ولبوس اللين » ، ثم قيل : مات فأفضى - والله - إلى الآخرة .
قال ابن مسعود « ما منكم أحد أصبح إلا وهو ضيف ، وماله عارية والضيف مرتحل لينطلق ، والعارية مؤداة » .
خطب ابن شبيب يوم الجمعة فقال : « إنها والله ما هي الدنيا ، ولكنها الآخرة ، إنما الدنيا كمنزل نزله صاحبه ، ثم رحل ، أو حل ثم ظعن فلا يكن لكم هما ولا حزنا ولا شجنا » ، فقال ميمون : كلمة . . ."اللهم لا تمقتني " .
قال أبو عبيدة الناجي : دخلنا على الحسن في مرضه الذي مات فيه فقال : « مرحبا بكم وأهلا وحياكم الله بالسلام ، وأحلنا وإياكم دار المقام ، هذه علانية حسنة إن صبرتم وصدقتم واتقيتم فلا يكن حظكم من هذا الخبر - رحمكم الله - أن تسمعوا بهذه الأذن ويخرج من هذه الأذن فإنه من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد رآه غاديا ورائحا ، لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة ، ولكن رفع له علم فشمر إليه ، الوحاء الوحاء ، النجاء النجاء ، علام تعرجون ؟ أتيتم ورب الكعبة كأنكم والأمر معا رحم الله عبدا جعل العيش عيشا واحدا ، فأكل كسرة ، ولبس خلقا ولزق بالأرض ، واجتهد في العبادة ، وبكى على الخطيئة ، وهرب من العقوبة ، وابتغى الرحمة ، حتى يأتيه أجله وهو على ذلك »
قال أبو عبد الرحمن الأنصاري : تسمع فإن الموت ينذر بالصوى وبادر بساعات البقا ساعة الموت وإن كنت لا تدري متى أنت ميت فإنك تدري أن لا بد من موت .
قال لقمان لابنه : « يا بني ، لا تؤخر التوبة ، فإن الموت يأتي بغتة » . كان النخعي يقول : « يا أيها الناس ، إن الدنيا جعلت قليلا ، وإنه لم يبق إلا قليل من قليل ».
قال ميمون بن مهران : « دخلت على عمر بن عبد العزيز يوما وعنده سابق البربري الشاعر وهو ينشد شعرا ، فانتهى بشعره إلى هذه الأبيات : وكم من صحيح بات للموت آمنا أتته المنايا بغتة بعدما هجع ولم يستطع إذ جاءه الموت بغتة فرارا ولا منه بقوته امتنع فأصبح تبكيه النساء مقنعا ولا يسمع الداعي وإن صوته رفع وقرب من لحد صار مقيله وفارق ما قد كان بالأمس قد جمع ولا يترك الموت الغني لماله ولا معدما في الحال ذا حاجة يدع قال : فلم يزل عمر رضي الله عنه يبكي ويضطرب ، حتى غشي عليه » .
قال يونس بن عبيد يروي هذه الأبيات : « هو الموت لا ذو الصبر ينجيه صبره ولا لجزوع كاره الموت مجزع أرى كل ذي نفس وإن طال عمرها وعاشت لها سم من الموت منقع وكل امرئ لاق من الموت سكرة له ساعة فيها يذل ويصرع فلله فانصح يا ابن آدم إنه متى ما تخادعه فنفسك تخدع وأقبل على الباقي من الخير وارجه ولا تك ما لا خير فيه تتبع فإنك من يعجبك لا تك مثله إذا أنت لم تصنع كما كان يصنع ».
كتب سالم بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز : « أما بعد ، فإن الله عز وجل وتقدس. . . سبحانه وتعالى عما يشركون خلق الدنيا لما أراد ، وجعل لها مدة قصيرة ، فكان ما بين أولها إلى آخرها ساعة من النهار ، ثم قضى عليها وعلى أهلها الفناء » فقال : كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون .
قال فضيل الرقاشي « يا هذا ، لا يشغلك كثرة الناس عن نفسك ، فإن الأمر يخلص إليك دونهم ولا تقل : أذهب هاهنا وهاهنا فتنقطع على النهار ، فإن الأمر محفوظ عليك ، ولم تر شيئا قط أحسن طلبا ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم ».
كتب إلي أبو خالد الأحمر ، فكان في كتابه : « إن الصديقين كانوا يستحيون من الله عز وجل أن يكونوا اليوم على منزلة أمس ».
خرج محمد بن النضر الحارثي إلى عبادان ومعه ابن المبارك ، وحفص ، وأبو أسامة فوضعوا الطعام ليتغدوا ، فقال لمحمد بن النضر : تغد ، فقال : « إني صائم » . قال ابن المبارك : فقلت له : يا أبا عبد الرحمن ، أليس قد جاء : ليس من البر الصيام في السفر ؟ ، قال : « بلى ، ولكنها المبادرة ».
عن نافع قال : كانوا في المدينة هو وأصحاب له ، فوضعوا سفرة فمر الراعي قال : إني صائم ، قال : فتعجب ابن عمر لصيامه ، فقال له : أفي مثل هذا اليوم الصائف الحار ؟ أتصوم وأنت في هذه الشعاب ؟ فقال : إني والله أبادر أيامي هذه الخالية ، فتعجب ابن عمر وقال له : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها ، ونذبحها فنعطيك من لحمها ما تفطر عليه ؟ قال الراعي : إنها ليست لي ، إنما هي لمولاي ، قال ابن عمر : فما عسيت مولاك قائلا إذا سألك عنها ، فقلت أكلها الذئب ؟ قال : فتولى الراعي وهو رافع أصبعته إلى السماء وهو يقول : فأين الله عز وجل ؟ قال : فجعل ابن عمر يردد قول الراعي ويقول : قال الراعي : فأين الله ؟ قال : فبعد أن قدم المدينة بعث إلى سيده ، فاشترى منه الغنم والراعي ، فأعتق الراعي ، ووهب له الغنم
نزل روح بن زنباع منزلا بين مكة والمدينة في حر شديد ، فانقض عليه راع من جبل ، فقال له : يا راعي ، هلم إلى الغداء ، فقال : إني صائم ، قال : « إنك لتصوم في هذا الحر الشديد ؟ » ، قال : أفأدع أيامي تذهب باطلا ؟ ، فقال روح : « لقد ضننت بأيامك يا راعي ، إذ جاد بها روح بن زنباع »
قال وكيع بن الجراح : « نزلت في الصوام : بما أسلفتم في الأيام الخالية ». قيل لأبي مسلم الخولاني : قد رققت وكبرت ، فلو رفقت بنفسك ، فقال : « إن الخيل إذا أرسلت للحلبة قيل : تأنوا بها أو ترفقوا بها ، فإذا رأيتم الحلبة فلا تستبقوا منها شيئا .
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمثل : لا يغرنك عشاء ساكن قد توافى بالمنيات السحر. قال عبد الله : وأنشدني إبراهيم بن سعيد الأصبهاني لمحمد بن أيوب الأصبهاني - وقد رآه : رأيتك في النقصان مذ أنت في المهد تقربك الساعات من ساعة اللحد ستضحك سن بعد عين تعصرت عليك وإن قالت بكيت من الوجد أتطمع أن شيخا لفقدك فاقد لعل سرور الفاقدين مع الفقد .
قال عمر بن علي بن هارون : قلت لأعرابي من أهل الشعر وكان فصيحا : « ألا تقول في الزهد ؟ » فقال : بلى . وأنشد : « صحح نفسك حتى ينجح العمل ما دام معترضا في شأوك المهل أرسلت في طول فاسد ديدنك من قل . . . أن لا يرسل الطول » .
عن عبد الله بن عكيم ، قال : خطبنا أبو بكر الصديق ، فقال : « اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه ، فإن استطعتم أن ينقضي وأنتم في عمل الله فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله ، فسارعوا في مهل أعماركم من قبل أن تقضى آجالكم ، فيردكم إلى أسوأ أعمالكم ».
قال رجل من العرب لابنه : « أي بني إنه من خاف الموت بادر الفوت ، ومن لم يكبح نفسه عن الشهوات أسرعت به التبعات ، والجنة والنار أمامك ».
دخل رجل على بعض الخلفاء وأنشد هذه الأبيات : « حياتك أنفاس تعد فكلما مضى نفس منها انتقصت له جزءا فتصبح في نقص وتمسي بمثله فما لك معقول تحس . . . يميتك ما يحسك في كل ساعة ويحدوك حاد لا يريد بك الهزءا » .
قال محمد ابن أبي الدنيا :أنشدنى رجل من أصحابنا : عمر ينقضي وذنب يزيد ورقيب محضر علي شهيد واقتراب من الحمام وتأ ميل لطول البقا عصر جديد أنا لاه وللمنية حتم حيث يممت منهل مورود كل يوم يموت مني جزء وحياتي تنفس معدود كم أخ قد رزئته فهو وإن أضحى قريب المحل مني بعيد خلسته يد المنون فما لي خلف منه في الورى موجود كان لي مؤنسا فغودر في نهار عقيم صفيحه منضود قل لنفسي بواعظات الجديدين إن . . . عن منزل سيبيد .
عن أبي الجوزاء فى قوله عز وجل :" وكان أمره فرطا " قال : « تسويف ». عن ابن عباس فى قوله عز وجل :"بل يريد الإنسان ليفجر أمامه " قال : « يقدم الذنب ، ويؤخر التوبة ».
عن شعبة عن أبي إسحاق قال : قيل لرجل من عبد القيس : أوص ، قال : « احذروا سوف ». عن أبي الجلد قال : قرأت في بعض الكتب « أن سوف جند من جنود إبليس » .
عن أنس قال : « التسويف جند من جنود إبليس عظيم ، طالما خدع به » . قال الحسن : « يا معشر الشباب إياكم والتسويف : سوف أفعل ، سوف أفعل ».
عن عكرمة فى قوله عز وجل :" ويقذفون بالغيب من مكان بعيد" قال : « إذا قيل لهم : توبوا قالوا : سوف » .
عن أسلم بن عبد الملك عن بعض العلماء فى قوله عز وجل: "وحيل بينهم وبين ما يشتهون "قال : « التوبة ».
قال بعض الحكماء : « رحم الله امرأ أنبهته المواعظ ، وأحكمته التجارب ، وأدبته الحكم ، ولم يغرره بسلامة يشفي به على هلكة ، وأرحل عنه التسويف بعلمه بما فيه مما قطع به الناس مسافة آجالهم ، فهجم عليهم من الموت وهم غافلون ».
كتب رجل من الحكماء إلى أخ له : أخي إياك وتأمير التسويف على نفسك وإمكانه من قلبك ، فإنه محل الكلال ، وموئل الملال ، وبه تقطع الآمال ، وبه تنقضي الآجال ، وأنت - أي أخي - إن فعلت ذلك أدلت من عزمك ، فاجتمع وهواك عليه فعلاه ، واسترجعا من يديك من السآمة ما قد ولى عنك ، ونفاه من جوارحك الحزن والمخافة ، وأوثقه الشوق والمحبة ، فعند مراجعته إياك لا تنتفع نفسك من يديك بنافعة ، ولا تجيبك إلى نفع جارحة . أي أخي فبادر ثم بادر ، فإنك مبادر بك وأسرع ، فإنك مسروع بك ، وكأن الأمر قد بغتك فاغتبطت بالتسرع ، وندمت على التفريط ولا قوة بنا وبك إلا بالله ».
عن أبي هريرة ، قال : « تعودوا الخير ، فإن الخير عادة ، وإياكم وعادة السواف من سوف ، أو من سوف ». كان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام ، قال لأهله قبل أن يأخذ مضجعه : « أستودعكم الله ، فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم فيها ، فكان هذا دأبهإذا أراد النوم ».
أنشد محمود بن الحسن قائلا : زينت بيتك يا هذا وشحنته ولعل غيرك صاحب البيت والمرء مرتهن بسوف وليتني وهلاكه من السوف والليت من كانت الأيام تسايره به فكأنه قد حل بالموت لله در فتى تدبر أمره فغدا وراح مبادر الفوت.
قال عبد الله بن المبارك : « بلغني أن أكثر ، تلاقع أهل النار : أف لسوف ، أف لسوف ». قال بعض الحكماء : « إياك والتسويف لما تهم به من فعل الخير ، فإن وقته إذا زال لم يعد إليك ».
قال الحسن : « يا ابن آدم إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغد ، فإن يك غدا لك فكسر في غد كما كسبت في اليوم ، وإن لا يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم ».
قال رجل من قريش من بني أمية : « دع عنك ما منت اللعل خطبك فمن نفسك الأجل قد شمل الشيب عارضيه فعمره الأنزر الأقل صاح بك الدهر غير صوت وأنت باللهو مستظل أما ترى حادي المنايا منك يوطأ له المحل كم فرق الدهر من جمع ومن كثير رأيت قلوا صيح في جمعهم بصوت خلوا له الدار واستقلوا من أحسن الظن بالليالي زلت به للهلاك . . . . ».
عن محمد بن الحارث قال : رأيت الحسن صلى على جنازة ، فكبر عليها أربعا ، ثم اطلع في القبر فقال : « يا لها من عظة يا لها من عظة - ومد صوته بها - لو وافقت قلبا حيا » ، ثم قال : « إن الموت فضح الدنيا ، فلم يدع لذي لب فرحا ، فرحم الله امرأ أخذ منها قوتا مبلغا ، وهضم الفضل ليوم فقره وحاجته ، فكأن ذلك اليوم قد أظلكم ».
عن الحسن ، قال : كانوا يقولون : « منع البر النوم ، ومن يخف يدلج ». أنشد رجل من الأنصار : اذكر الموت غدوة وعشيه وارع ساعاتك القصار الوحية هبك قد نلت كل ما تحمل الأر ض فهل بعد ذاك إلا المنية ؟.
أنشد أبو عبد الله أحمد بن أيوب : « اغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى أن يكون موتك بغتة كم صحيح رأيت من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلتة ».
عن عون بن معمر ، قال : كان معاذ بن جبل له مجلس يأتيه فيه ناس من أصحابه ، فيقول : « يا أيها الرجل - وكلكم رجل - اتقوا الله وسابقوا الناس إلى الله ، وبادروا أنفسكم إلى الله عز وجل - يعني الموت - ولتسعكم بيوتكم ، ولا يضركم ألا يعرفكم أحد ».
كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز : « أما بعد ، فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد مات » فأجابه عمر بن عبد العزيز : « أما بعد ، فكأنك بالدنيا لم تكن ، وبالآخرة لم تزل ».
أنشد أحمد بن هارون أبو عشانة : « يا بؤس من عرف الدنيا بآماله كم قد تلاعبت الدنيا بأمثاله ينشئ الملح على الدنيا منيته بطول إدباره فيها وإقباله وما تزال صروف الدهر تحثله حتى تقبضه من جوف سرباله ».
عن موسى بن ميمون قال : سمعت عطاء السليمي ، سأل الحسن : يا أبا سعيد ، أكانت الأنبياء ينشرحون إلى الدنيا والنساء مع علمهم بالله ؟ ، قال : « نعم ، إن لله ترائك في عباده » ، فقلت لعطاء : ألا سألته ما الترائك ؟ قال : هبته ، فلقيت مالك بن دينار ، فأخبرته ، وقلت له : سله ، فلقيه ، فسأله كما سأله عطاء ، فأخبره ، وسكت ، فقلت : سله ما الترائك ؟ قال : أهابه ، فلقيت أبا عبيدة الناجي ، فقلت له ، فقال : أكفيك ، وأقبل معي ، فلما صرنا عند الحسن ، قال : اعفني ، فذكر الحسن يوما حديثا ، « أن لله ترائك في خلقه : الأجل ، والأمل ، والنسيان ، ولولا ذلك لم ينشرح النبيون وأهل العلم بالله إلى الدنيا والنساء ».
عن إبراهيم التيمي ، قال : « إن الرجل إذا كان له مال ، فمنع حقه ، سلط على أن ينفقه في الماء والطين وإن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا فيما يجعله في البناء والطين ».
قال عمر : لي مع كل خائن أمينان : الماء والطين . عن سليمان بن عتبة قال : « كل نفقة تخلف إلا البنيان ».
عن ابن عمر ، قال : « بنيت بناء بيدي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنني من المطر ويظلني من الشمس ، ما أعانني عليه أحد » .
قال داود بن قيس : « رأيت الحجرات من جريد مغشى من خارج بمسوح الشعر ، وأظن عرض الحجرة من باب الحجرة إلى باب البيت نحوا من ست أو سبع أذرع ، وأحزر البيت الداخل خمس أذرع ، وأظن سمكه بين الثمان والسبع ونحو ذلك » ، قال : « ثم وقفت على باب عائشة ، فإذا هو مستقبل المغرب ».
عن حريث بن السائب ، قال : سمعت الحسن يقول : « كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان ، فأتناول سقفها بيدي ».
عن قيس بن أبي حازم ، قال : أتينا خباب بن الأرت وهو يبني حائطا فقال : « إن المسلم يؤجر في كل شيء إلا شيئا ينفقه في التراب ، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به .
عن قتادة ، قال : « كان يقال : من منع زكاة ماله سلط على الطين ». عن عبيد المكتب قال : سألت إبراهيم عن بناء لا بد منه ، قال : « لا أجر ولا وزر ».
عن عمار بن أبي عمار قال : « إذا رفع الرجل بناءه فوق سبع أذرع ، نودي : يا فاسق الفاسقين إلى أين ؟ ».
عن أبي المهاجر الرقي قال : « لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما في بيت شعر ، فقيل له : يا نبي الله ، ابن بيتا ، فيقول : أموت اليوم ، أموت غدا ».
عن إسماعيل بن صالح الهاشمي ، قال : قال بنو نوح لأبيهم وقد رأوه يبني خيمة : إنك قد استأنفت من الدنيا أنفا فابن لك ولولدك ، فقال : « إن الذي يتوقع من الموت ما يتوقع ، فالخيمة له كثير ».
عن وهيب بن الورد ، قال : ابتنى نوح عليه السلام بيتا من قصب فقيل له : لو بنيت غير هذا ؟ قال : « هذا كثير لمن يموت ».
عن أشعث بن إسحاق قال : قيل لعيسى عليه السلام : لو اتخذت بيتا ؟ قال : « يكفينا خلقان من كان قبلنا ». عن ميسرة ، قال : ما بنى عيسى بنيانا ، فقيل له : ألا تبني ؟ ، قال : « لا أترك بعدي شيئا من الدنيا أذكر به ».
عن بكر بن خنيس ، قال : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل : أن إعمار قومك أربعمائة سنة فاستقلوها ، وقالوا : « والله لا تأوينا سقوف البيوت » ، فخرجوا إلى الصحراء ، فضربوا الخيام وتعبدوا حتى ماتوا ، فيقال إنهم لم يتناسلوا .
بنى أبو الدرداء مسكنا قدر بسطة ، فمر به أبو ذر فقال : ما هذا ؟ « أتعمر دارا قد أذن الله في خرابها ؟ ، لأن أمر بك متمرغا في عذرة أحب إلي من أن أراك في هذا ».
وقف أبو هريرة على مروان وهو يبني بيتا له فقال : « السلام عليك أبا عبد القدوس ابنوا شديدا وأملوا بعيدا ، واحيوا قليلا ، وأخضموا فسيقضم ، والموعد الله » .
عن أبي الدرداء ، قال : « يا أهل دمشق استمعوا إلى قول أخ لكم ناصح » ، قال : فاجتمعوا إليه ، فقال : « ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون ، وتجمعون ما لا تأكلون ، وتأملون ما لا تدركون ؟ ، فإنه من كان قبلكم بنوا شديدا ، وأملوا بعيدا ، وجمعوا كثيرا ، فأصبح أملهم غرورا ، ومجمعهم بورا ، ومساكنهم قبورا ».
عن أوس بن يزيد اللخمي : أن أبا الدرداء ، خرج من دمشق ، فنظر إلى الغوطة قد شقت أنهارها ، وغرست شجرا ، وبنيت قصورا ، فرجع إليهم ، فقال : « يا أهل دمشق » ، فلما أقبلوا عليه ، قال : « ألا تستحيون ؟ - ثلاث مرات - تجمعون ما لا تأكلون ، وتأملون ما لا تدركون ، وتبنون ما لا تسكنون ألا إنه قد كان قبلكم قرون يجمعون فيوعون ، ويأملون فيطيلون ، ويبنون فيوثقون ، فأصبح جمعهم بورا ، وأصبح أملهم غرورا ، وأصبحت منازلهم قبورا ألا إن عادا ملأت ما بين عدن وعمان نعما وأموالا ، ألا فمن يشتري مني مال عاد بدرهمين ؟ ».
عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، قال : صلى علي رضي الله عنه على ناس من الحي ، قال : وأبيات الحي يومئذ خصاص سهلة قال : « إن هذه الأبيات قوم لا يعذبون على الكبر ».
عن سفيان ، قال : بلغ عمر بن الخطاب أن رجلا بنى بالآجر ، فقال : « ما كنت أحسب أن في هذه الأمة مثل فرعون » ، قال : يريد قوله " ابن لي صرحا " .
عن سعيد بن حنظلة : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة « ينهاهم أن يبنوا باللبن المطبوخ يعني الآجر ».
قال سفيان : « بلغني أن الدجال يسأل عن بناء الآجر هل ظهر بعد ». عن راشد بن سعد قال : بلغ عمر أن أبا الدرداء ابتنى كنيفا بحمص ، فكتب إليه : « أما بعد ، يا عويمر ما كان لك كفاية فيما بنت الروم عن تزيين الدنيا وقد أذن الله بخرابها ، فإذا أتاك كتابي هذا فانتقل من حمص إلى دمشق » . قال سفيان : « عاقبه بهذا ».
عن ابن شهاب : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقف بين الحرتين وهما داران لفلان ، فقال : « شوى أخوك حتى إذا أنضج رمد ».
نظر زبيد اليامي إلى رجل يبتني دارا له ورثها عن أبيه ، فقال : « إن كانت كافيتك ومغنيتك عن أن تجددها وقد أخلفت أباك » ، قال : فاستحيا الفتى ، وأمسك عن بنيانه .
عن شرع بن نباتة العكامي قال : سمعت زيد بن أبي الزرقاء ، يذكر عن رجل من الكبراء ، أنه نظر إلى رجل يبني بناء له ، فقال له : « يا هذا نزلت حيث رحل الناس ».
عن عبد الله بن مسلم بن زياد الهمداني قال : سمعت عمر بن ذر ، يقول : « ورث فتى من الحي دارا عن آبائه وأجداده ، فهدمها ، ثم ابتناها فشيدها ، فأتي في منامه فقيل له : إن كنت تطمع في الحياة فقد ترى أرباب دارك ساكنوا الأموات أنى تحس من الأكارم ذكرهم خلت الديار وبادت الأصوات فأصبح - والله - الفتى متعظا ، فأمسك عن كثير مما كان يصنع ، وأقبل على نفسه ».
عن سليمان بن أيوب ، قال : سمعت عباد بن عباد المهلبي ، يذكر : أن رجلا من ملوك أهل البصرة تنسك ، ثم مال إلى الدنيا والسلطان ، فبنى دارا وشيدها ، وأمر بها ففرشت له ، واتخد مائدة ، ووضع طعاما ، ودعا الناس ، فجعلوا يدخلون عليه ، فيأكلون ويشربون ، وينظرون إلى بنيانه ، فيتعجبون من ذلك ثم يدعون له ويتفرقون ، قال : فمكث بذلك أياما ، حتى فرغ الناس ، ثم حبس نفرا من خاصة إخوانه ، فقال : قد ترون سروري بداري هذه ، وقد حدثتني نفسي أن أتخذ لكل واحد من ولدي مثلها ، فأقيموا عندي أياما أستمتع بحديثكم ، وأشاوركم فيما أريد من هذا البناء لولدي ، فأقاموا عنده أياما يلهون ويلعبون ، ويشاورهم كيف يبني لولده وكيف يريد أن يصنع ، قال : فبينا هم ذات ليلة في لهوهم ، إذ سمعوا قائلا يقول من أقصى الدار : يا أيها الباني الناسي منيته لا تأمنن فإن الموت مكتوب على الخلائق إن سروا وإن فرحوا فالموت حتف لدى الآمال منصوب لا تبنين ديارا لست تسكنها وراجع لنفسك فيما يغفر الحوب قال : ففزع لذلك ، وفزع أصحابه فزعا شديدا ، وراعهم ما سمعوا من ذلك ، فقال لأصحابه : هل سمعتم ما سمعت ؟ قالوا : نعم ، قال : فهل تجدون ما أجد ؟ قالوا : وما تجد ؟ قال : أجد - والله - مسكة على فؤادي ، وما أراها إلا علة الموت ، قالوا : كلا . . . البقاء والعافية قال : فبكى ، ثم أقبل عليهم ، فقال : « أنتم أخلائي وإخواني ، فماذا لي عندكم ؟ » ، قالوا : مرنا بما أحببت من أمرك ، قال : فأمر بالشراب فأهريق ، ثم أمر بالملاهي فأخرجت ، ثم قال : « اللهم إني أشهدك ومن حضر من عبادك ، أني تائب إليك من جميع ذنوبي ، ونادم على ما فرطت أيام مهلتي ، فإياك أسأل إن أفلتني أن تتم علي نعمتك بالإنابة إلى طاعتك ، وإن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلا منك علي » ، قال : واشتد به الأمر ، فلم يزل يقول : الموت ، الموت والله ، الموت والله ، حتى خرجت نفسه فكان الفقهاء يرون أنه قبض على توبة رحمه الله.
عن وهيب بن الورد ، قال : نظر ابن مطيع ذات يوم إلى داره ، فأعجبه حسنها ، فبكى ، وقال : « والله لولا الموت لكنت بك مسرورا ، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا » ، قال : ثم بكى بكاء شديدا ، حتى ارتفع صوته.
عن ابن أبي الهذيل ، قال : بنى عبد الله بن مسعود بيتا في داره ، فدعا عمار بن ياسر قال : كيف ترى ؟ ، قال : « بنيت شديدا ، وأملت بعيدا ، وتموت قريبا ».
عن كعب بن علقمة ، قال : أرسل عبد الله بن سعد بن أبي سرح إليه - يعني إلى عرفة بن الحارث وكان عبد الله بنى بناء - يسأله عن بنائه ، فقيل له : لا تفعل فإنه لا يكظم على حزنه ، فقال : ما تقول في بنائي هذا ؟ قال : « ما أقول ؟ إن كنت بنيته من مالك فقد أسرفت ، والله لا يحب المسرفين ، وإن كنت بنيته من مال الله فقد خنت الله ، والله لا يحب الخائنين » . قال : يقول ابن سعد : إنا لله وإنا إليه راجعون .
عن مالك بن أنس ، قال : دخل رجل إلى عبد الملك بن مروان ، فجعل ينظر إلى بيت له مزخرف ، فكأنه أعجبه ، فقال له عبد الملك : « أعجبك ما ترى ؟ » ، قال مالك : ووافق ذلك منه لمة لينة ، فقال: « لا يعجبك كثيرا ، فإن ابن هند كان أميرا أربعين سنة ، ثم هذا قبره قد نبتت عليه شيحة ».
قال الحسن : « تبني ، وتزخرف ، وتدعو الناس : انظروا ؟ فقد نظرنا يا أفسق الفاسقين . أما أهل الدنيا فغروك وأما أهل الآخرة فمقتوك ».
قال القعقاع بن عمرو : صعد الأحنف بن قيس فوق بيته ، فأشرف على جاره ، فقال : « سوءة سوءة دخلت على جاري بغير إذن ؟ لا صعدت فوق هذا البيت أبدا ».
عن عبد الله الرومي ، قال : دخلت على أم طلق ، فرأيت سقف بيتها قصيرا ، فقلت لها : يا أم طلق ، ما لي أرى سقف بيتك قصيرا ؟ ، قالت : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلينا : « لا تطيلوا بناءكم ، فإنه من شر أيامكم ».
عن قتادة ، قال : « كل بناء رياء فهو على صاحبه لا له ، إلا من بنى المساجد رياء ، فهو لا له ولا عليه ». قال مسروق : « كل شيء يؤجر فيه المؤمن إلا ما كان في التراب ».
قال عبد العزيز : حدثني مالك بن أنس أنه بلغه : أن عيسى ابن مريم ، مر على قرية قد خربت بيوتها ، وتقطعت أنهارها ، فقال عيسى : « يا خرب أين أهلك ؟ » ، فلم يجبه أحد ، حتى قال ثلاثا فأجيب قيل له : بادوا ، وتضمنتهم الأرض ، وصارت أعمالهم قلائد في أعناقهم إلى يوم القيامة . فالجد الجد يا عيسى.
قال جعفر بن النضر السلمي : حدثتني أمي : أن عمران بن الحصين « كان يكره الغرف ، وأنه لم يتخذ إلا غرفة لخزانته » فقال جعفر : « كراهية أن يشرف على الناس ».
عن إبراهيم : في قوله عز وجل :" يا هامان ابن لي صرحا " قال : « بناه بالآجر ». عن الحسن : أن عمر مر بمزبلة ، فاحتبس عندها ، فكأن أصحابه تأذوا بها ، فقال : « هذه دنياكم التي تبكون عليها وتحرصون عليها ».
قال إبراهيم : « كانوا يكرهون أن يبنوا بالآجر ، ويجعلوه في قبر ». عن طاوس ، قال : لما قدم معاذ اليمن قالوا له : لو أمرت بصخر وشجر فنقل ، فبنيت منه مسجدا ؟ قال : « إني أكره أن أنقله على ظهري يوم القيامة ».
أنشد أحمد بن موسى الثقفي : « يا بانيا داره يشيدها يرفع طبقاتها ويعقدها ابن فإن الخراب موعدها يا ليت شعري لمن تجددها نفسك إن تعطها محبتها تطلب منك الذي تعودها فاثنها على ذاك ينفعها فإن ريب المنون يرصدها إن سرها يومها وليلتها وأعجباها يسوءها غدها ».
أنشد أحمد بن موسى : جهول ليس تنهاه النواهي ولا تلقاه إلا وهو ساهي يسر بيومه لعبا ولهوا ولا يدري وفي غده الدواهي مررت بقصره فرأيت أمرا عجيبا فيه مزدجر وناهي بدا فوق السرير فقلت : من ذا ؟ فقالوا : ذلك الملك المباهي رأيت الباب أسود والجواري ينحن وهن يكسرن الملاهي تبين أي دار أنت فيها ولا تسكن إليها وادر ما هي.
عن أبي الربيع عن أبي هريرة ، قال : « إن هذه الكناسة - وكناسة بين يديه - مهلكة دنياكم وآخرتكم » .
عن علي بن زيد قال : كان بشير بن كعب مما يقول : « انطلقوا حتى أريكم الدنيا » ، فيجيء بهم إلى السوق وهي يومئذ مزبلة ، فيقول : « انظروا إلى دجاجهم ، وبطهم ، وثمارهم ».
قال حمزة بن عبد الله بن مسعود : بلغني أن مسروقا ، أخذ بيد ابن أخ له ، فارتقى به على كناسة بالكوفة فقال : « ألا أريك الدنيا ؟ هذه الدنيا ، أكلوها فأفنوها ، لبسوها فأبلوها ركبوها فأنضوها سفكوا فيها دماءهم ، واستحلوا فيها محارمهم ، وقطعوا فيها أرحامهم ».
عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال : كان مسروق يركب بغلته كل جمعة ، ويحملني خلفه ، فيأتي بي كناسة بالحيرة قديمة ، فيحمل عليها بغلته ، ويقول : « الدنيا تحتنا ».
عن ابن مسعود قال : « نفقة الرجل على نفسه وأهله وصديقه وبهيمته له منها أجر ، إلا نفقته في بناء ، إلا أن يكون مسجدا » ، فقيل له : فإن كان بناء كفافا ؟ قال : « فذلك لا له ولا عليه » . فقيل له : فإن كان فوق الكفاف ؟ قال : « عليه وزره ولا أجر له فيه ».
كتب عامل لعمر بن عبد العزيز : سلام عليك ، أما بعد : فإن الطاعون قد نزل بنا ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي أن آتي قرية خربة إلى جنبي فعل . فكتب إليه عمر : « سلام عليك ، أما بعد : فإذا أتيت الخربة فسلها عن أهلها ، والسلام ».
قال الحسن ونحن في جنازة يقول : « رحم الله سابق البربري حين يقول : وللموت تغذو الوالدات سخالها كما لخراب الدهر تبنى المساكن ».
عن سلمة بن خالد ، أن ملكا من الملوك ابتنى قصرا وقال : انظروا من عاب منه شيئا فأصلحوه ، وأعطوه درهمين . وكان فيمن أتاهم رجل ، فقال : « في هذا القصر عيبان اثنان » . قالوا : وما هما ؟ قال : « ما كنت أخبر بهما إلا الملك » ، قال : فأدخل عليه . فقال : ما هذان العيبان ؟ قال : « يموت الملك ، ويخرب القصر » ، قال : صدقت . ثم أقبل على نفسه.
قال حذيفة لسلمان : « ألا نبني لك مسكنا يا أبا عبد الله ؟ » ، قال : لم ؟ لتجعلني ملكا ؟ أو تجعل لي بيتا مثل دارك التي بالمدائن ؟ ، قال : « لا ، ولكن نبني لك بيتا من قصب وسقفه بالبردي ، إذا قمت كاد أن يصيب رأسك ، وإذا نمت كاد أن يمس طرفيك » قال : كأنك كنت في نفسي.
قال محمد بن حرب المكي : قدم علينا أبو عبد الرحمن العمري الزاهد ، فاجتمعنا إليه ، وأتاه وجوه أهل مكة ، فرفع رأسه ، فلما نظر إلى القصور المحدقة بالكعبة نادى بأعلى صوته : « يا أصحاب القصور المشيدة ، اذكروا ظلمة القبور الموحشة . يا أهل التنعم والتلذذ ، اذكروا الدود والصديد وبلى الأجسام في التراب » . قال : ثم غلبته عيناه فقام.
قال رستم أبو يزيد : كنت جالسا عند الحسن ، فأتاه رجل ، فقال : يا أبا سعيد ، إني قد بنيت دارا فلو جئت معي فنظرت إليها ودعوت لي بالبركة . قال : فقام الحسن وقمنا معه . فلما نظر إلى الدار ، قال : « غرك أهل الأرض ، ومقتك أهل السماء ، وأخربت دارك ، وبنيت دار غيرك » قال : ثم رجع ورجعنا معه ، فلما انتهينا إلى منزله ، إذا جانب حائطه مائل ، فقال له بعض القوم : يا أبا سعيد لو بنيت هذا قبل أن يخر ؟ فقال : « هيهات هيهات الأمر أعجل من ذلك ».
عن محمد بن ذكوان ، قال : ازدحمنا على درجة الحسن وكانت رثة فانتهوا إلى ابنه ، فقال : « مه يا بني » . قال : فدخلنا عليه ، فملأنا سطحه ، فقال : « أحسنوا ملامكم إنها المأزور » . ثم قال : « لولا أنه قد حان إلى الآخرة انتقال ، ومن الدنيا ارتحال ، لجددنا لكم البناء ، شوقا إلى حديثكم ، وحرصا على لقيكم . وما على البناء شفقنا ولكن عليكم ، فاربعوا على أنفسكم ».
عن عباد بن راشد ، قال : خرجنا مع الحسن ، فنظر إلى بعض بناء المهالبة ، فقال : « يا سبحان الله رفعوا الطين ، ووضعوا الدين ، ركبوا البراذين واتخذوا البساتين ، وتشبهوا بالدهاقين فذرهم فسوف يعلمون ».
عن مالك بن ضيغم الراسبي قال : أخذ بشر بن منصور بيد ضيغم ليريه منزلا له أحدثه ، فقال له ضيغم « يا بشر بيتك الذي تغسل فيه أين هو من الدار ؟ » قال : فبكى بشر .
عن عبد الرحمن بن الحكم ، قال : كانت عجوز من قريش بمكة تأوي في سرب ، ليس لها بيت غيره ، فقيل لها : أترضين بهذا السرب ؟ قالت : « أوليس هذا لمن يموت كثيرا ».
أنشد الحسين بن عبد الرحمن : « بنوا مقاصير في الدنيا مشيدة فمن لهم بخلود في المقاصير ». عن محمد بن أبي رجاء القرشي قال : مررت بدار تبنى فقلت : « ترى لمن يبني الدار يبغي نزولها فما يبلغ البنيان أو يسكن القبر ».
عن خلف بن تميم قال : حدثني محمد بن طلحة القرشي: أنه عاد مريضا بالمصيصة ، فسمعته يقول : يا درب الدار ذا المال الذي جمع الدنيا بحرص ما فعل ؟ قال : فأجبت : كان في دار سواها داره عللته بالمنى ثم انتقل قال : وزادني غير أحمد بن إبراهيم : لم يمتع بالذي كان حوى من حطام المال إذ حل الأجل إنما الدنيا كفيء زائل طلعت شمس عليه فاضمحل.
عن إسماعيل بن عبد الله بن ميمون العجلي قال : قال رجل ونظر إلى بناء لبعض الملوك فقال : « يموت الذي يبني ويبقى بناؤه أليس ترابا . . . في ذاك غيبة فيا غافلا عن نفسه أين من بنى مدائن امحت بعده اليوم قفرة رمت بهم الأيام في عرضة البلى كأن لم يكونوا زينة الأرض مرة وما زال هذا الموت يغشى ديارهم يكر عليهم كرة ثم كرة فأجلاهم منها جميعا فأصبحت مساكنهم في الأرض لحدا وحفرة ».
عن عبد الله قال :قال رجل من قريش أموي : رب قوم رأيتهم ليس في عيشهم كدر في رياض سماؤها تمطر السؤل بالدرر ليس يخشون حاذرا قد نأى عنهم الحذر أوطنوا منزل الغرور وساعدهم القدر في مقاصير تخدت وقباب على السرر وبساتين في المقاصير يضحكن بالزهر وجوار كأنهن المصابيح والصور بينما القوم يجتنون جنى اللهو والثمر صاحت الحادثات فيهم بصوت له غير فتولوا من القصور إلى مظلم الحفر.
عن جعفر بن عون قال : سمعت مسعر بن كدام ، يقول : ومشيد دارا ليسكن داره سكن القبور وداره لم يسكن.
عن مسكين أبو زيد الصوفي قال : « كان رجل أيام الفتنة يخرج إلى المقابر والجبابين ، فربما ظل نهاره ، وربما بات ليله ، فهو في ذكر وبكاء . قال : فبينما أنا ذات ليلة في بعض خرابات الفلاة الذي تدعونه الخلد ، وذلك بعدما مضى ليل طويل إذ سمعت هاتفا يقول : قف بالقصور على دجلة حزينا فقل أين أربابها أين الملوك ولاة العهود رقاة المنابر خطابها تجيبك آثارهم عنهم : إليك ، فقد مات أصحابها قال : فأرعدت ، وسقطت مغشيا علي ».
قال بعض الحكماء : « كيف تقر لي عين وتسكن لي جارحة إلى أمان أوثقه ، وليس يقع طرفي إلا على منزل قد خلا ممن كان يسكنه ، وحال منتقلة إلى غير من كانت له ؟ قال : فأنا منتظر مثل حال من خلا ، ومتوقع لنصيبي من البلى ».
قال مالك بن دينار قال : كان عيسى ابن مريم عليه السلام إذا مر بدار قد مات أهلها ، وقف عليها فنادى : « ويح لأربابك الذين يتوارثونك كيف لم يعتبروا فعلك بإخوانهم الماضين ».
قال مالك بن دينار قال : أتى عيسى على خربة ، فقال لها : يا خربة الخربين ، ما فعل أهلك ؟ فأوحى الله إليها أن أجيبي عبدي . قالت : « يا روح الله ، بادوا ، فجد ، فإن أمر الله كله جد ».
عن مجاهد ، قال : مررنا بخربة ، فأجابني ابن عمر : يا مجاهد ، قل : يا خربة ما فعل أهلك ؟ فأجابني ابن عمر قال : « هلكوا ، وبقيت أعمالهم ».
عن ابن أبي نعم : أنه مر على قرية خربة فقال : يا ترى من أخربك ؟ فأجابه منها صوت : « أخربني مخرب القرون الأولى من قبلي ».
عن جعفر بن زيد العبدي قال : كان أبو الدرداء إذا وقف على أبواب المدائن يقول : « يا مدينة أين فرسانك ؟ يا مدينة أين عمارك ؟ يا مدينة أين كنوزك ؟ » قال : فما نزال حتى يبكي ويبكي.
عن أبي مسلم الخولاني أنه وقف على خربة فقال : « يا خربة يا خربة أين أهلك ؟ ذهبوا وبقيت أعمالهم ، وانقطعت الشهوة وبقيت الخطيئة ، ابن آدم ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة ».
عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : مر أبو الدرداء بقرية خربة فقال : « يا خربة أين أهلك ؟ ثم يرد على نفسه : ذهبوا وبقيت أعمالهم ». قيل لطاوس : إن منزلك قد استرم ؟ « قال : قد أمسينا .
قال صالح المري : دخلت دار المرزباني ، فاستخرجت منها ثلاث آيات : "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ". " فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا ". "ولقد تركناها آية فهل من مدكر" فخرج علي أسود من ناحية الدار فقال : « يا صالح هذه سخطة مخلوق فكيف سخطة الخالق ؟ ».
عن الصلت بن حكيم قال : سمعت محبوبا الزاهد ، يقول : مررت بدار من دور الكوفة هنا ، فسمعت جارية تنادي من داخلها : ألا يا دار لا يدخلك حزن ولا يودي بشأنك الزمان قال : فغبرت عنهم ما شاء الله ، ثم مررت بالدار ، فإذا الباب مسود ، وقد علته وحشة وكآبة فقلت : ما شأنهم ؟ قالوا : مات سيدهم ، مات رب الدار ، فوقفت على الباب فقرعته فقلت : إني سمعت من هاهنا صوت جارية وهي تقول كذا وكذا ، قال : فبكت امرأة من الدار وقالت : يا عبد الله « إن الله يغير ولا يغير ، والموت غاية كل مخلوق » قال : فرجعت والله من عندهم باكيا.
قال ابن وهب : حدثني مالك يعني ابن أنس : أن عامر بن عبد قيس ، كان يمر بالخربة فينادي مرارا : « يا خراب أين أهلك ؟ أين أهلك ؟ » ثم يقول : « بادوا وعامر بالأثر ».
عن محمد بن أبي بكر قال : تشاح رجلان في أرض بينهما ، فقالت الأرض : على رسلكما فوالله لقد ملكني قبلكما مائة أعور سوى الأصحاء .
عن أبي بكر بن عياش قال : لما دخل الناس مع علي المدائن ، تمثل رجل من أصحابه : « جرت الرياح على مكان ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد وإذا النعيم وكل ما يلهى به يوما يصير إلى بلى ونفاد فقال علي : » لا تقل هكذا ، ولكن قل كما قال الله :" كم تركوا من جنات وعيون . وزروع ومقام كريم . ونعمة كانوا فيها فاكهين . كذلك وأورثناها قوما آخرين ". إن هؤلاء القوم كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إن هؤلاء القوم استحلوا الحرم فحلت بهم النقم فلا تستحلوا الحرم فتحل بكم النقم .