فوائد من كتاب صفة الصفوة 11
حكمــــــة
قال مالك بن دينار: يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع لامؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض، وقد ينزل الغيث من السماء إلى الأرض فيصيب الحش فيكون فيه الحبة فلا يمنعها نتن موضعها أن تهتز وتخضر وتحسن، فيا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ أين أصحاب سورة أين أصحاب سورتين؟ ماذا عملتم فيهما؟ قال: وسمعته يقول: يا هؤلاء، جهالكم كثير لولا ذلك للبست المسوح، يا هؤلاء لا تجعلوا بطونكم جربا للشيطان يوعي فيها إبليس ما شاء.
حكمــــــة
قال مالك بن دينار: ينطلق أحدكم فيتزوج ديباجة الحرم، يعني أجمل الناس، أو ينطلق إلى جارية قد سمنها أبوها كأنها زبدة، فيتزوجها فتأخذ بقلبه فيقول لها: أي شيء تريدين؟ فتقول: خمار خز، وأي شيء تريدين؟ فتقول كذا وكذا. قال مالك: فتمرط والله دين ذلك القارئ ويدع أن يتزوجها يتيمة ضعيفة فيكسوها فيؤجر ويدهنها فيؤجر.
حكمــــــة
قال مالك بن دينار: منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم. ولم أكره مذمتهم. قيل: ولم ذاك؟ قال: لأن حامدهم مفرط وذامهم مفرط. قال سلام بن أبي مطيع: دخلنا على مالك بن دينار ليلا وهو في بيت بغير سراج وفي يده رغيف يكدمه. فقلنا له: أبا يحيى ألا سراج؟ ألا شيء تضع عليه خبزك؟ فقال: دعوني فوالله إني لنادم على ما مضى.
حكمــــــة
قال مالك بن دينار: مثل قراء هذا الزمان كمثل رجل نصب فخا ونصب فيه برة فجاء عصفور فقال: ما غيبك في التراب؟ قال: التواضع. قال: لأي شيء انحنيت؟ قال: من طول العبادة. قال: فما هذه البرة المنصوبة فيك؟ قال: أعددتها للصائمين. فقال: نعم الجار أنت. فلما كان عند المغرب دنا العصفور ليأخذها فخنقه الفخ. فقال العصفور: إن كان العباد يخنقون خنقك فلا خير في العباد اليوم.
حكمــــــة
عن مالك بن دينار أنه كان يرى يوم التروية بالبصرة ويوم عرفة بعرفات. عن مالك بن دينار قال: قدمت من سفر لي فلما صرت بالجسر قام العشار فقال لا يخرجن من السفينة ولا يقوم أحد من مكانه. فأخذت ثوبي فوضعته على عنقي ثم وثبت فإذا أنا على الأرض. فقال لي: ما أخرجك؟ قلت: ليس معي شيء. قال: اذهب. فقلت في نفسي: هكذا أمر الآخرة.
حكمــــــة
قال مالك بن دينار: عجبا لمن يعلم أن الموت مصيره والقبر مورده كيف تقر بالدنيا عينه؟ وكيف يطيب فيها عيشه؟ قال: ثم يبكي مالك حتى يسقط مغشيا عليه. عن مالك قال: إن لكل شيء لقاحا وإن الحزن لقاح العمل الصالح، إنه لا يصبر أحد على هذا الأمر إلا بحزن، فوالله ما اجتمعا في قلب عبد قط: حزن بالآخرة وفرح بالدنيا، إن أحدهما ليطرد صاحبه.
حكمــــــة
قال أبو الحسن البصري: دخل مالك بن دينار على رجل محبوس قد أخذ بخراج خرج عليه وقيد. فقال: يا أبا يحيى أما ترى ما أنا فيه من هذه القيود؟ فرفع مالك رأسه فإذا سلة قال: لمن هذه السلة؟ قال: لي. قال: فمر بها فلتنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه فإذا دجاج وأخبصة فقال: هذه وضعت القيود في رجلك لا هم وقام عنه.
حكمــــــة
قال عبد العزيز بن سلمان العابد: انطلقت أنا وعبد الواحد بن زيد إلى مالك بن دينار فوجدناه قد قام من مجلسه فدخل منزله وأغلق عليه باب الحجرة فجلسنا ننتظره ليخرج أو لنسمع له حركة فنستأذن عليه. فجعل يترنم بشيء لم نفهمه. ثم بكى حتى جعلنا نأوي له من شدة بكائه. ثم جعل يشهق وتنفس حتى غشي عليه. قال: فقال لي عبد الواحد: انطلق ليس لنا مع هذا اليوم عمل، هذا رجل مشغول بنفسه.
حكمــــــة
قال الحارث بن سعيد: كنا عند مالك بن دينار وعندنا قارئ يقرأ: إذا زلزلت الأرض زلزالها الزلزلة آية 1 فجعل مالك ينتفض وأهل المجلس يبكون ويصرخون حتى انتهى إلى هذه الآية: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الزلزلة الآيتان 7 و8 قال: فجعل مالك، والله، يبكي ويشهق حتى غشي عليه. فحمل بين القوم صريعا.
حكمــــــة
مر تاجر بعشار فحبسوا عليه سفينته فجاء إلى مالك بن دينار فذكر ذلك له، قال: فقام مالك فمشى إلى العشار فلما رأوه قالوا: يا أبا يحيى ألا تبعث إلينا حاجتك؟ قال: حاجتي أن تخلوا سفينة هذا الرجل. قالوا: قد فعلنا. قال: وكان عندهم كوز يجعلون فيه ما يأخذون من الناس من الدراهم قالوا: ادع الله لنا يا أبا يحيى. قال: قولوا للكوز يدعو لكم، كيف أدعو لكم وألف يدعون عليكم؟ أترى يستجاب لواحد ولا يستجاب لألف؟
حكمــــــة
قال المغيرة بن حبيب ختن مالك بن دينار يقول: قلت لنفسي: يموت مالك بن دينار وأنا معه في الدار لا أدري ما عمله؟ قال: فصليت معه العشاء الآخر ثم جئت فلبست قطيفة في أطول ما يكون من الليل. قال: وجاءه مالك فدخل فقرب رغيفه فأكل ثم قام إلى الصلاة فاستفتح، ثم أخذ بلحيته فجعل يقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار. قال: فوالله ما زال كذلك حتى غلبتني عيني، ثم انتبهت فما زال كذلك حتى طلع الفجر.
حكمــــــة
قال جعفر: سمعت مالكا يقول: اتقوا السحارة، اتقوا السحارة، فإنها تسحر قلوب العلماء. قال: وسمعته يقول: لو أعلم أن قلبي يصلح على كناسة لذهبت حتى أجلس عليها. وسمعته يقول: وددت أن الله عز وجل أذن لي يوم القيامة إذا وقفت بين يديه أن أسجد سجدة فأعلم أنه قد رضي عني، ثم يقول لي: يا مالك كن ترابا. وسمعته يقول: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا.
حكمــــــة
قال مالك بن دينار: لما وقعت الفتنة أتيت الحسن ثلاثة أيام أسأله: يا أبا سعيد ما تأمرني، فلا يجيبني. قال: فقلت يا أبا سعيد أتيتك ثلاثة أيام أسألك وأنت معلمي فلا تجيبني، فوالله لقد هممت أن آخذ الأرض بقدمي وأشرب من أفواه الأنهار وآكل من بقل البرية حتى يحكم الله عز وجل بين عباده. قال: فأرسل الحسن عينيه باكيا ثم قال: يا مالك ومن يطيق ما تطيق، ولكنا والله ما نطيق هذا.
حكمــــــة
قال جعفر: وكنت عند مالك بن دينار فجاء هشام بن حسان، وكان يأتيه هشام ابن حسان وسعيد بن أبي عروبة وحوشب يطلبون قلوبهم، فجاء هشام فقال: أين أبو يحيى؟قلنا: عند البقال. قال: قوموا بنا إليه. قال: فحانت منه نظرة إلى هشام فقال: يا هشام إني أعطي هذا البقال كل شهر درهما ودانقين فآخذ منه كل شهر ستين رغيفا كل ليلة رغيفين فإذا أصبتهما سخنا فهو أدمهما، يا هشام إني قرأت في زبور داود: إلهي رأيت همومي وأنت من فوق العلى، فانظر ما همومك يا هشام.
حكمــــــة
عن مالك بن دينار قال: أخذ السبع صبيا لامرأة فتصدقت بلقمة. فألقاه، فنوديت: لقمة بلقمة. عن مالك بن دينار قال: إن الله جعل الدنيا دار مفر والآخرة دار مقر فخذوا لمقركم وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، ففي الدنيا حييتم ولغيرها خلقتم؛ إنما مثل الدنيا كالسم أكله من لا يعرفه واجتنبه من عرفه ومثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل يحذرها ذوو العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
حكمــــــة
عن الحارث بن نبهان قال: قدمت من مكة فأهديت إلى مالك بن دينار ركوة. قال: فكانت عنده فجئت يوما فجلست في مجلسه. فلما قضاه قال لي: يا حارث تعال خذ الركوة، فقد شغلت علي قلبي. فقلت: يا أبا يحيى إنما اشتريتها لك تتوضأ فيها وتشرب. فقال: يا حارث إني إذا دخلت المسجد جاءني الشيطان فقال لي: يا مالك إن الركوة قد سرقت فقد شغلت علي قلبي.
حكمــــــة
قال جعفر: قلنا لمالك بن دينار، ألا تدعو قارئا؟قال: إن الثكلى لا تحتاج إلى نائحة. فقلنا له ألا تستقي؟ فقال: أنتم تستبطئون المطر لكني أستبطئ الحجارة. قال جعفر: رأيت مالك بن دينار يتقنع بعباء، أو قال بكساء، ثم يقول: إله مالك، قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار فأي الدارين دار مالك وأي الرجلين مالك؟ ثم يبكي.
حكمــــــة
قال مالك بن دينار:لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعوانا لفرقتهم ينادون في منار الدنيا كلها يا أيها الناس النار النار. وقال: لو كان لأحد أن يتمنى لتمنيت أن يكون لي في الآخرة خص من قصب فأروى من الماء وأنجو من النار. وسمعته يقول للمغيرة بن حبيب، وكان ختنه: يا مغيرة كل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيرا فانبذ عنك صحبته.
حكمــــــة
قال مالك بن دينار: إن لله تعالى عقوبات فتعاهدوهن من أنفسكم في القلوب والأبدان وضنك في المعيشة ووهن في العبادة وسخطة في الرزق. خرج سليمان بن داود عليه السلام في موكبه فمر ببلبل على غصن شوك يصفر ويضرب بذنبه فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه يقول: قد أصبت اليوم نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء.
حكمــــــة
قال أبو عيسى: دخلنا على مالك بن دينار عند الموت فجعل يقول: لمثل هذا اليوم كان دؤوب أبي يحيى. لما حضر الموت مالكا قال: لولا أني أكره أن أصنع شيئا لم يصنعه أحد كان قبلي لأوصيت أهلي إذا أنا مت أن يقيدوني وأن يجمعوا يدي إلى عنقي فينطلقوا بي على تلك الحال حتى أدفن كما يصنع بالعبد الآبق. وقال غير أحمد بن محمد: فإذا سألني ربي قلت أي رب لم أرض لك نفسي طرفة عين قط.
حكمــــــة
خرج الاسود بن كلثوم غازيا قال: إن نفسي هذه تزعم في الرخاء أنها تحب لقاءك، فإن كانت صادقة فارزقها ذلك، وإن كانت كارهة فاحملها عليه وإن كرهت، وأطعم لحمي سباعا وطيرا. فانطلق في خيل فدخلوا حائط فنذر بهم العدو فجاءوا فأخذوا بثلمة الحائط، فنزل الأسود عن فرسه فضربها حتى عادت فخرج وأتى الماء فتوضأ ثم صلى. قال: يقول العجم: هكذا استسلام العرب إذا استسلموا ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
حكمــــــة
عبد الواحد بن زيد قال: كنت مع أيوب على جراء فعطشت عطشا شديدا حتى رأى ذلك في وجهي فقال: ما الذي أرى بك؟ قلت: العطش، قد خفت على نفسي: قال تستر علي؟قلت: نعم. فاستحلفني فحلفت له أن لا أخبر عنه ما دام حيا. قال: فغمز برجله على حراء فنبع الماء فشربت حتى رويت وحملت معي من الماء. قال: فما حدثت به أحدا حتى مات.
حكمــــــة
قال المعتمر مات صاحب لي كان يطلب الحديث فجزعت عليه فرآى أبي جزعي عليه فقال: يا معتمر كان صاحبك هذا على لا سنة؟ قلت: نعم. قال: فلا تجزع عليه ولا تحزن عليه. قال معتمر بن سليمان التيمي: سقط بيت لنا كان أبي يكون فيه فضرب فسطاطا فكان فيه حتى مات. فقيل له: لو بنيته. فقال: الأمر أعجل من ذاك، غدا الموت.
حكمــــــة
قال معمر، مؤذن التيمي،: صلى إلى جنبي سليمان التيمي العشاء الآخرة وسمعته يقرأ تبارك الذي بيده الملك الملك آية 1 قال: فلما أتى على هذه الآية: فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا الملك آية 27 جعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا. قال: فخرجت وتركته. قال: وعدت لأذان الفجر فإذا هو في مقامه. قال: فتسمعت فإذا هو لم يجزها وهو يقول: فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا.
حكمــــــة
قال معتمر عن أبيه: إن الرجل ليذنب الذنب فيصبح وعليه مذلته. قدح سليمان التيمي عينه قال: فنهاه الطبيب أن يمس ماء قال: فمس فرجه قال: وكان يرى الوضوء من مس الفرج. قال: فنزع القطنة عن عينه وتوضأ وأعاد القطنة على حالها. قال: فجاء الطبيب فنظر فلم ير شيئا ينكر. قال: انظر هل ترى شيئا؟ قال: ما أرى شيئا أنكره. قال: فإني قد توضأت. قال: فإن الله قد رزقك العافية.
حكمــــــة
عن رقبة أنه قال: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في النوم فقال: يا رقبة وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي فإنه صلى أربعين سنة على ظهر العتمة. قال: فجئت إلى سليمان فحدثته فقال: أنت رأيت هذا؟ قلت: نعم، قال: لأحدثنك بمائة حديث عن رسول الله بما جئتني به من البشارة. قال: فلما كان بعد مديدة مات فرأيته مات في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدناني وقربني وغلفني بيده وقال: هكذا أفعل بأبناء ثلاث وثمانين.
حكمــــــة
قال داود بن أبي هند أصابني يعني الطاعون فأغمي علي فكأن اثنين أتياني فغمز أحدهما عكدة لساني وغمز الآخر أخمص قدمي فقال: أي شيء تجد؟ فقال: تسبيحا وتكبيرا وشيئا من خطو إلى المسجد وشيئا من قراءة القرآن. قال: ولم أكن أخذت القرآن حينئذ، وكنت أذهب في الحاجة فأقول: لو ذكرت الله حتى آتي حاجتي فعوفيت فأقبلت على القرآن فتعلمته.
حكمــــــة
جاء رجل من أهل الشام إلى سوق الخزازين فقال مطرف: بأربعمائة. فقال يونس بن عبيد: عندنا بمائتين. فنادى مناد بالصلاة فانطلق يونس إلى بني قشير ليصلي بهم. فجاء وقد باع ابن أخيه المطرف من الشامي بأربعمائة. فقال يونس: ما هذه الدراهم؟قال: ذلك المطرف بعناه من هذا الرجل. قال يونس: يا عبد الله المطرف الذي عرضت عليك بمائتي درهم، فإن شئت فخذه وخذ مائتين، وإن شئت فدعه. قال: من أنت؟ قال: رجل من المسلمين. قال: بل أسألك بالله من أنت وما اسمك؟ قال: يونس بن عبيد. قال: فوالله إنا لنكون في نحر العدو فإذا اشتد الأمر علينا قلنا: اللهم رب يونس فرج عنا. أو شبيه هذا. فقال يونس: سبحان الله سبحان الله.
حكمــــــة
جاءت امرأة بمطرف خز إلى يونس بن عبيد فألقته إليه تعرضه عليه في السوق. فنظر إليه فقال لها: بكم؟ قالت: بستين درهما. قال: فألقاه إلى جار له: كيف تراه بعشرين ومائة؟ قال: أرى ذلك ثمنه أو نحوا من ثمنه. قال: فقال لها: اذهبي فاستأمري أهلك في بيعه بخمس وعشرين ومائة. قالت: قد أمروني أن أبيعه بستين. قال: ارجعي إليهم فاستأمريهم.
حكمــــــة
قال جعفر بن برقان: بلغني عن يونس بن عبيد فضل وصلاح فكتبت إليه: يا أخي بلغني عنك فضل وصلاح فأحببت أن أكتب إليك، فاكتب إلي بما أنت عليه. فكتب إلي: أتاني كتابك تسألني أن أكتب إليك بما أنا عليه، وأخبرك أني عرضت على نفسي أن تحب للناس ما تحب لها وأن تكره لهم ما تكره لها فإذا هي من ذلك بعيد ثم عرضت عليها مرة أخرى ترك ذكرهم إلا من خير فوجدت الصوم في اليوم الحار الشديد الحر بالهواجر بالبصرة أيسر عليها من ترك ذكرهم، هذا أمري يا أخي والسلام.
حكمــــــة
قال غسان: وحدثنا سعيد بن عامر عن يونس بن عبيد قال: إنك تكاد تعرف ورع الرجل في كلامه إذا تكلم. قال يونس لا تجد شيئا من البر واحدا يتبعه البر كله غير اللسان فإنك تجد الرجل يكثر الصيام ويفطر على الحرام، ويقوم الليل ويشهد بالزور، وذكر شيئا نحو هذا، ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق فيخالف ذلك علمه أبدا.
حكمــــــة
عن غسان بن المفضل قال: حدثني بعض أصحابنا من البصريين قال: جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما منه بذلك فقال له يونس: أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف؟ قال: لا. قال: فسمعك الذي تسمع به يسرك به مائة ألف؟ قال: لا. قال: فؤادك الذي تعقل به يسرك به مائة ألف؟ قال: لا. قال: فيداك يسرك بهما مائة ألف؟ قال: لا. فرجلاك؟ قال: فذكره نعم الله عز وجل عليه. فأقبل عليه يونس فقال: أرى لك مئتين ألوفا وأنت تشكو الحاجة.
حكمــــــة
كان يونس إذا طلب المتاع أرسل وكيله بالسوس أن أعلم من تشتري منه أن المتاع يطلب. وكلاما ذا معناه. غلا الحرير. وقال أحدهما: بالخز في موضع كان إذا غلا هناك غلا بالبصرة. وكان يونس بن عبيد خزازا علم بذلك فاشترى من رجل متاعا بثلاثين ألفا فلما كان بعد ذلك قال لصاحبه: هل كنت قد علمت أن المتاع قد غلا بأرض كذا وكذا؟ قال: لا ولو علمت لم أبع قال: هلم هلم إلى مالي وخذ مالك. ورد عليه الثلاثين ألفا.
حكمــــــة
قال بكار: ما رأيت ابن عون بمازح أحدا ولا يماري أحدا. وكان مشغولا بنفسه. وكان إذا صلى الغداة مكث مستقبلا القبلة في مجلسه يذكر الله عز وجل فإذا طلعت الشمس صلى ثم أقبل على أصحابه وما رأيته شاتما أحدا قط عبدا ولا أمة ولا دجاجة ولا شاة ولا رأيت أحدا أملك للسانه منه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما حتى مات
حكمــــــة
كان ابن عون إذا توضأ لا يعينه أحد وكان طيب الريح لين الكسوة وكان إذا خلا في منزله إنما هو صامت لا يزيد على الحمد لله ربنا وما رأيته دخل حماما قط وكان إن وصل إنسانا بشيء وصله سرا، وإن صنع شيئا صنعه سرا يكره أن يطلع عليه أحد وكان له سبع يقرؤه كل ليلة فإذا لم يقرأه بالليلة أتمه بالنهار وكان لا يحفي شاربه وكان يأخذه أخذا وسطا. عن سعيد بن عامر قال: لم تر بعينيك كوفيا ولا بصريا مثل ابن عون.
حكمــــــة
قال يحيى القطان: ما ساد ابن عون الناس أن كان أتركهم للدنيا ولكن ابن عون إنما ساد الناس بحفظ لسانه. معاذ بن معاذ قال: حدثني غير واحد من أصحاب يونس بن عبيد قال: إني لأعرف رجلا منذ عشرين سنة يتمنى أن يسلم له يوم من أيام ابن عون فلا يقدر عليه، وليس ذلك أن يسكت رجل يوما لا يتكلم، ولكن يتكلم فيسلم كنا يسلم ابن عون.
حكمــــــة
قال روح: ما رأيت رجلا أعبد من ابن عون. قال بكار بن محمد: كان ابن عون لا يغضب وإذا أغضبه الرجل قال: بارك الله فيك. قال ابن عون: لو أن رجلا انقطع إلى هؤلاء الملوك في الدنيا لانتفع فكيف بمن ينقطع إلى من له السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟ أبو مالك بشر بن الحسن قال: نازع ابن عون رجل فقال: لولا أن يكتب علي لقلت.
حكمــــــة
قال أبو بكر المروزي: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، وذكر ابن عون، فقال: كان لا يكري دوره من المسلمين. قلت: لأي علة؟ قال: لئلا يروعهم. قال: وكان لابن عون جمل يستقي الماء فإذا غلام ابن عون قد ضرب الجمل فذهب بعينه فجاء الغلام وقد أرعب وظن أنهم قد شكوه. فلما رآه قد أرعب قال: اذهب فأنت حر لوجه الله عز وجل.
حكمــــــة
كان عمران القصير يقول لجلسائه: ألا حر كريم يصبر أياما قلائل؟ قالت أمينة بنت عمران من أبيها، وكان قد عاهد الله أن لا ينام بليل أبدا إلا مستغلبا، قالت: قال إني حببت إلي طاعة الله تعالى طول الحياة ولولا الركوع والسجود وقراءة القرآن ما باليت أن لا أعيش في الدنيا فواقا. قالت: فلم يزل مجهودا على ذلك حتى مات رحمه الله. قالت: فرأيته في منامي قالت: فقلت: يا أبت كيف حالك منذ فارقتنا؟قال: خير حال بؤئنا المنال ومهدت لنا المضاجع ونحن ها هنا يغدى ويراح برزقنا من الجنة. قالت: فقلت: فما الذي بلغك هذا؟ قال: الصبر الصالح وكثرة التلاوة لكتاب الله تعالى.
حكمــــــة
كان كهمس يقول في جوف الليل: أتراك معذبي وأنت قرة عيني يا حبيب قلباه؟ أحمد بن الفتح قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: كان كهمس يصلي حتى يغشى عليه. قال إسحاق دخلنا على كهمس فقرب إلينا إحدى عشرة بسرة حمراء وقال: هذا الجهد من أخيكم والله المستعان. وكان مشغولا بخدمة أمه مع تعبده، فلما ماتت خرج إلى مكة فأقام إلى أن مات هناك.
حكمــــــة
كان حبيب أبو محمد مجاب الدعوة حضر مجلس الحسن فتأثر بموعظته فخرج عما كان يملك. كان الحسن يجلس في مجلسه الذي يذكر فيه في كل يوم، وكان حبيب أبو محمد يجلس في مجلسه الذي يأتيه فيه أهل الدنيا والتجار وهو غافل عما فيه الحسن لا يلتفت إلى شيء من مقالته. إلى أن التفت إليه يوما فذكره الحسن بالجنة وخوفه من النار فانصرف من عنده فلم يزل في تبديد ماله حتى لم يبق له شيء ثم جعل بعد يستقرض على الله.
حكمــــــة
قال يونس: وجاء رجل إلى أبي محمد فشكا إليه دينا عليه فقال: اذهب فاستقرض وأنا أضمن. فأتى رجلا فأقرضه خمس مائة درهم وضمنها أبو محمد. ثم جاء الرجل فقال: يا أبا محمد دراهمي، فقد أضر بي حبسها. فقال: نعم غدا. فتوضأ أبو محمد ودخل المسجد ودعا الله تعالى. وجاء الرجل فقال له: اذهب فإن وجدت في المسجد شيئا فخذه. فذهب فإذا في المسجد صروة فيها خمس مائة درهم فذهب فوجدها تزيد على خمس مائة فرجع إليه فقال: يا أبا محمد تلك الدراهم تزيد. فقال اذهب فهي لك، من وزنها وزنها راجحة.
حكمــــــة
عن جعفر بن سليمان قال: سمعت حبيبا يقول: أتانا سائل وقد عجنت عمرة وذهبت تجيء بنار تخبزه فقلت للسائل: خذ العجين فاحتمله. فجاءت عمرة فقالت: أين العجين؟ فقلت: ذهبوا به يخبزونه. قال: فلما أكثرت علي أخبرتها فقالت: سبحان الله لا بد لنا من شيء نأكله قال: فإذا رجل قد جاء بجفنة عظيمة مملوءة خبزا ولحما. فقالت عمرة: ما أسرع ما ردوه عليك قد خبزوه وجعلوا معه لحما.