فوائد من كتاب طريق الهجرتين لابن القيم ..
A
حكمــــــة
الثالث: أنهم أخبروا أنهم سمعوا القرآن وعقلوه وفهموه وأنه يهدي إلى الحق، وهذا القول منهم يدل على أنهم عالمون بموسى وبالكتاب المنزل عليه، وأن القرآن مصدق له وأنه هاد إلى صراط مستقيم.
وهذا يدل على تمكينهم من العلم الذي تقوم به الحجة، وهم قادرون على امتثال ما فيه والتكليف إنما يستلزم العقل والقدرة.
وهذا يدل على تمكينهم من العلم الذي تقوم به الحجة، وهم قادرون على امتثال ما فيه والتكليف إنما يستلزم العقل والقدرة.
حكمــــــة
وقفة تأمل مع قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين " [البقرة: 278].
فصدر الآية بالأمر بتقواه المضادة للربا وأمر بترك ما بقي من الربا بعد نزول الآية وعفا لهم عما قبضوه به قبل التحريم، ولولا ذلك لردوا ما قبضوه به قبل التحريم، وعلّق هذا الامتثال على وجود الإيمان منهم والمعلق على شرط منتف عند انتفائه.
ثم أكد عليهم التحريم بأغلظ شيء وأشده، وهى محاربة المرابي لله ورسوله فقال تعالى: " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " [البقرة: 279].
ففي ضمن هذا الوعيد أن المرابي محارب لله ورسوله، قد آذنه الله بحربه، ولم يجيء هذا الوعيد في كبيرة سوى الربا وقطع الطريق والسعي في الأرض بالفساد، لأن كل واحد منهما مفسد في الأرض، قاطع الطريق على الناس، هذا بقهره لهم وتسليطه عليهم، وهذا بامتناعه من تفريج كرباتهم إلا بتحميلهم كربات أشد منها.
فصدر الآية بالأمر بتقواه المضادة للربا وأمر بترك ما بقي من الربا بعد نزول الآية وعفا لهم عما قبضوه به قبل التحريم، ولولا ذلك لردوا ما قبضوه به قبل التحريم، وعلّق هذا الامتثال على وجود الإيمان منهم والمعلق على شرط منتف عند انتفائه.
ثم أكد عليهم التحريم بأغلظ شيء وأشده، وهى محاربة المرابي لله ورسوله فقال تعالى: " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " [البقرة: 279].
ففي ضمن هذا الوعيد أن المرابي محارب لله ورسوله، قد آذنه الله بحربه، ولم يجيء هذا الوعيد في كبيرة سوى الربا وقطع الطريق والسعي في الأرض بالفساد، لأن كل واحد منهما مفسد في الأرض، قاطع الطريق على الناس، هذا بقهره لهم وتسليطه عليهم، وهذا بامتناعه من تفريج كرباتهم إلا بتحميلهم كربات أشد منها.
حكمــــــة
وقفة تأمل مع قوله تعالى عن الصدقات " وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم " [البقرة: 271].
فأخبر أن إعطاءها للفقير في خفية خير للمنفق من إظهارها وإعلانها.
وتأمل تقييده تعالى الإخفاء بإيتاء الفقراء خاصة، ولم يقل: وإن تحفوها فهو خير لكم.
فإن من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيش وبناء قنطرة وإجراء نهر أو غير ذلك، وأما إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد الستر عليه وعدم تخجيله بين الناس وإقامته مقام الفضيحة، وأن يرى الناس أن يده هي اليد السفلى وأنه فقير لا شيء له فيزهدون في معاملته ومعاوضته
فأخبر أن إعطاءها للفقير في خفية خير للمنفق من إظهارها وإعلانها.
وتأمل تقييده تعالى الإخفاء بإيتاء الفقراء خاصة، ولم يقل: وإن تحفوها فهو خير لكم.
فإن من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيش وبناء قنطرة وإجراء نهر أو غير ذلك، وأما إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد الستر عليه وعدم تخجيله بين الناس وإقامته مقام الفضيحة، وأن يرى الناس أن يده هي اليد السفلى وأنه فقير لا شيء له فيزهدون في معاملته ومعاوضته
فضل العلم..
وقد ذكرنا مائتي دليل على فضل العلم وأهله في كتاب مفرد، فيالها من مرتبة ما أعلاها، ومنقبة ما أجلها وأسناها، أن يكون المرء في حياته مشغولاً ببعض أشغاله، أو في قبره قد صار أشلاءً متمزقاً وأوصالاً متفرقة، وصُحف حسناته متزايدة يملى فيها الحسنات كل وقت، وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب.
تلك والله المكارم والغنائم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وعليه يحسد الحاسدون، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وحقيق بمرتبة هذا شأنها أن تنفق نفائس الأنفاس عليها
تلك والله المكارم والغنائم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وعليه يحسد الحاسدون، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وحقيق بمرتبة هذا شأنها أن تنفق نفائس الأنفاس عليها
كلام جميل عن العلماء..
العلماء هم ورثة الرسل وخلفاؤهم في أممهم، وهم القائمون بما بعثوا به علما وعملا ودعوة للخلق إلى الله، ولهذا أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة والنبوة وهى مرتبة الصديقية.
قرنهم الله في كتابه بالأنبياء فقال تعالى: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " [النساء:69].
فجعل درجة الصديقية معطوفة على درجة النبوة وهؤلاء هم الربانيون، وهم الراسخون في العلم، وهم الوسائط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته، فهم خلفاؤه وأولياؤه وحزبه وخاصته وحملة دينه وهم المضمون لهم أنهم لا يزالون على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
قرنهم الله في كتابه بالأنبياء فقال تعالى: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " [النساء:69].
فجعل درجة الصديقية معطوفة على درجة النبوة وهؤلاء هم الربانيون، وهم الراسخون في العلم، وهم الوسائط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته، فهم خلفاؤه وأولياؤه وحزبه وخاصته وحملة دينه وهم المضمون لهم أنهم لا يزالون على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
حكمــــــة
قاعدة في الأسماء والصفات.
فعليك بمراعاة ما أطلقه سبحانه على نفسه من الأسماء والصفات والوقوف معها، وعدم إطلاق ما لم يطلقه على نفسه ما لم يكن مطابقاً لمعنى أسمائه وصفاته.
فالعليم الخبير أكمل من الفقيه والعارف، والكريم الجواد أكمل من السخي، والخالق الباريء المصور أكمل من الصانع الفاعل، ولهذا لم تجيء هذه في أسمائه الحسنى، والرحيم والرؤوف أكمل من الشفيق والمشفق.
فعليك بمراعاة ما أطلقه سبحانه على نفسه من الأسماء والصفات والوقوف معها، وعدم إطلاق ما لم يطلقه على نفسه ما لم يكن مطابقاً لمعنى أسمائه وصفاته.
فالعليم الخبير أكمل من الفقيه والعارف، والكريم الجواد أكمل من السخي، والخالق الباريء المصور أكمل من الصانع الفاعل، ولهذا لم تجيء هذه في أسمائه الحسنى، والرحيم والرؤوف أكمل من الشفيق والمشفق.
حكمــــــة
تفكر في إحسان الله وفي جماله سبحانه وتعالى.
فإذا انضم داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأشدها نقصا وأبعدها من كل خير.
فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها قلوب عباده.
فمن المعلوم أنه لا أحد أعظم إحساناً منه سبحانه وتعالى ولا شيء أكمل منه ولا أجمل، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعه سبحانه وتعالى.
وإذا كان الكمال محبوباً لذاته ونفسه وجب أن يكون الله هو المحبوب لذاته وصفاته، إذ لا شيء أكمل منه، وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته تستدعى محبه خاصة فإن أسمائه كلها حسنى وهي مشتقة من صفاته، وأفعاله دالة عليها فهو المحبوب المحمود لذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه.
فإذا انضم داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأشدها نقصا وأبعدها من كل خير.
فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها قلوب عباده.
فمن المعلوم أنه لا أحد أعظم إحساناً منه سبحانه وتعالى ولا شيء أكمل منه ولا أجمل، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعه سبحانه وتعالى.
وإذا كان الكمال محبوباً لذاته ونفسه وجب أن يكون الله هو المحبوب لذاته وصفاته، إذ لا شيء أكمل منه، وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته تستدعى محبه خاصة فإن أسمائه كلها حسنى وهي مشتقة من صفاته، وأفعاله دالة عليها فهو المحبوب المحمود لذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه.
حكمــــــة
فانظر إلى هذه العناية وهذا الإحسان وهذا التحنن والعطف والتحبب إلى العباد واللطف التام بهم، ومع هذا كله بعد أن أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وتعرف إليهم بأسمائه وصفاته وآلائه، ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا يسأل عنهم ويستعرض حوائجهم بنفسه ويدعوهم إلى سؤاله، فيدعو مسيئهم إلى التوبة ومريضهم إلى أن يسأله أن يشفيه وفقيرهم إلى أن يسأله وهكذا كل ليلة.
حكمــــــة
من عطاء الله وكرمه.
ولو لم يكن من تحبب الله إلى عباده وإحسانه إليهم وبره بهم إلا أنه سبحانه خلق لهم ما في السموات والأرض وما في الدنيا والآخرة، ثم أهلهم وكرمهم، وأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وشرع لهم شرائعه، وأذن لهم في مناجاته كل وقت أرادوا وكتب لهم بكل حسنة يعملونها عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
وكتب لهم بالسيئة واحدة، فإن تابوا منها محاها وأثبت مكانها حسنة، وإذا بلغت ذنوب أحدهم عنان السماء ثم استغفره غفر له، ولو لقيه بقراب الأرض خطايا ثم لقيه بالتوحيد لا يشرك به شيئا لأتاه بقرابها مغفرة.
وشرع لهم التوبة الهادمة للذنوب فوفقهم لفعلها ثم قبلها منهم.
ولو لم يكن من تحبب الله إلى عباده وإحسانه إليهم وبره بهم إلا أنه سبحانه خلق لهم ما في السموات والأرض وما في الدنيا والآخرة، ثم أهلهم وكرمهم، وأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وشرع لهم شرائعه، وأذن لهم في مناجاته كل وقت أرادوا وكتب لهم بكل حسنة يعملونها عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
وكتب لهم بالسيئة واحدة، فإن تابوا منها محاها وأثبت مكانها حسنة، وإذا بلغت ذنوب أحدهم عنان السماء ثم استغفره غفر له، ولو لقيه بقراب الأرض خطايا ثم لقيه بالتوحيد لا يشرك به شيئا لأتاه بقرابها مغفرة.
وشرع لهم التوبة الهادمة للذنوب فوفقهم لفعلها ثم قبلها منهم.
حكمــــــة
مما يقوي محبة الله في القلب.
المحبة التي تنشأ من الإحسان، ومطالعة الآلاء والنعم.
فإن القلوب جُبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليه، ولا أحد أعظم إحساناً من الله سبحانه، فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة، وهو يتقلب في إحسانه في جميع أحواله.
ويكفي أن تعرف نعمة النفس التي لا تكاد تخطر ببال العبد، وله عليه في كل يوم وليلة فيه أربعة وعشرون ألف نعمة، فإنه يتنفس في اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس، وكل نفس نعمة منه سبحانه.
فإذا كان أدنى نعمة عليه في كل يوم أربعة وعشرين ألف نعمة فما الظن بما فوق ذلك وأعظم منه: " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " [إبراهيم: 34] [النحل: 18]، هذا إلى ما يُصرف عنه من المضرات وأنواع الأذى التي تقصده، ولعلها توازن النعم في الكثرة، والعبد لا شعور به بأكثرها أصلا
المحبة التي تنشأ من الإحسان، ومطالعة الآلاء والنعم.
فإن القلوب جُبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليه، ولا أحد أعظم إحساناً من الله سبحانه، فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة، وهو يتقلب في إحسانه في جميع أحواله.
ويكفي أن تعرف نعمة النفس التي لا تكاد تخطر ببال العبد، وله عليه في كل يوم وليلة فيه أربعة وعشرون ألف نعمة، فإنه يتنفس في اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس، وكل نفس نعمة منه سبحانه.
فإذا كان أدنى نعمة عليه في كل يوم أربعة وعشرين ألف نعمة فما الظن بما فوق ذلك وأعظم منه: " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " [إبراهيم: 34] [النحل: 18]، هذا إلى ما يُصرف عنه من المضرات وأنواع الأذى التي تقصده، ولعلها توازن النعم في الكثرة، والعبد لا شعور به بأكثرها أصلا
كلام عن الصلاة..
قال بعض السلف: ليس بمستكمل الإيمان من لم يزل في هم وغم حتى تحضر الصلاة فيزول همه وغمه، أو كما قال.
فالصلاة قرة عيون المحبين وسرور أرواحهم، ولذة قلوبهم، وبهجة نفوسهم.
وبالجملة فمن كانت قرة عينه في الصلاة فلا شيء أحب إليه ولا أنعم عنده منها، ويود أن لو قطع عمره بها غير مشتغل بغيرها، وإنما يسلي نفسه إذا فارقها بأنه سيعود إليها عن قرب فهو دائماً يثوب إليها ولا يقضي منها وطراً
فالصلاة قرة عيون المحبين وسرور أرواحهم، ولذة قلوبهم، وبهجة نفوسهم.
وبالجملة فمن كانت قرة عينه في الصلاة فلا شيء أحب إليه ولا أنعم عنده منها، ويود أن لو قطع عمره بها غير مشتغل بغيرها، وإنما يسلي نفسه إذا فارقها بأنه سيعود إليها عن قرب فهو دائماً يثوب إليها ولا يقضي منها وطراً
حكمــــــة
استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من ثمانية أشياء كل شيئين منها قرينان، فالهمَّ والحُزن قرينان، وهما الألم الوارد على القلب، فإن كان على ما مضى فهو الحزن، وإن كان على ما يستقبل فهو الهم.
فالألم الوارد إن كان مصدره فوت الماضى أثر الحزن، وإن كان مصدره خوف الآتي أثر الهم.
والعجز والكسل قرينان، فإنَّ تخلُف مصلحة العبد وبعدها عنه إن كان من عدم القدرة فهو عجز، وإن كان من عدم الإرادة فهو كسل.
والجُبن والبُخل قرينان، فإن الإحسان يُفرح القلب ويشرح الصدر ويجلب النعم ويدفع النقم، وتركه يوجب الضيم والضيق ويمنع وصول النعم إليه، فالجبن ترك الإحسان بالبدن، والبخل ترك الإحسان بالمال.
وضلع الدين وغلبة الرجال قرينان، فإن القهر والغلبة الحاصلة للعبد إما منه وإما من غيره، وإن شئت قلت: إما بحق وإما بباطل من غيره.
فالألم الوارد إن كان مصدره فوت الماضى أثر الحزن، وإن كان مصدره خوف الآتي أثر الهم.
والعجز والكسل قرينان، فإنَّ تخلُف مصلحة العبد وبعدها عنه إن كان من عدم القدرة فهو عجز، وإن كان من عدم الإرادة فهو كسل.
والجُبن والبُخل قرينان، فإن الإحسان يُفرح القلب ويشرح الصدر ويجلب النعم ويدفع النقم، وتركه يوجب الضيم والضيق ويمنع وصول النعم إليه، فالجبن ترك الإحسان بالبدن، والبخل ترك الإحسان بالمال.
وضلع الدين وغلبة الرجال قرينان، فإن القهر والغلبة الحاصلة للعبد إما منه وإما من غيره، وإن شئت قلت: إما بحق وإما بباطل من غيره.
حكمــــــة
التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبين حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟
فإن ثبت اصطفاه واجتباه وألبسه ملابس الفضل وجعل أولياءه وحزبه خدما له وعونا له، وإن انقلب على وجه ونكص على عقبيه طرد وصفع قفاه وأقصى وتضاعفت عليه المصيبة.
فإن ثبت اصطفاه واجتباه وألبسه ملابس الفضل وجعل أولياءه وحزبه خدما له وعونا له، وإن انقلب على وجه ونكص على عقبيه طرد وصفع قفاه وأقصى وتضاعفت عليه المصيبة.
حكمــــــة
الثامن: أن يعلم أن في عقبى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لم تحصل بدونه، فإذا طالعت نفسه كراهة هذا الدواء ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره، قال الله تعالى: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون " [البقرة: 216]
حكمــــــة
وههنا مسألة تكلم فيها الناس، وهى أي الصبرين أفضل صبر العبد عن المعصية، أم صبره على الطاعة ؟
وفصل النزاع في ذلك أن هذا يختلف باختلاف الطاعة والمعصية.
فالصبر على الطاعة العظيمة الكبيرة أفضل من الصبر عن المعصية الصغيرة الدنية، والصبر عن المعصية الكبيرة أفضل من الصبر على الطاعة الصغيرة، وصبر العبد على الجهاد مثلا أفضل وأعظم من صبره عن كثير من الصغائر، وصبره عن كبائر الإثم والفواحش أعظم من صبره على صلاة الضحى.
وفصل النزاع في ذلك أن هذا يختلف باختلاف الطاعة والمعصية.
فالصبر على الطاعة العظيمة الكبيرة أفضل من الصبر عن المعصية الصغيرة الدنية، والصبر عن المعصية الكبيرة أفضل من الصبر على الطاعة الصغيرة، وصبر العبد على الجهاد مثلا أفضل وأعظم من صبره عن كثير من الصغائر، وصبره عن كبائر الإثم والفواحش أعظم من صبره على صلاة الضحى.
حكمــــــة
السبب العاشر: وهو الجامع لهذه الأسباب كلها ثبات شجرة الإيمان في القلب، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر.
ومن ظن أنه يقوى على ترك المخالفات والمعاصي بدون الإيمان الراسخ الثابت فقد غلط، فإذا قوي سراج الإيمان في القلب، وأضاءت جهاته كلها به، وأشرق نوره في أرجائه.
ومن ظن أنه يقوى على ترك المخالفات والمعاصي بدون الإيمان الراسخ الثابت فقد غلط، فإذا قوي سراج الإيمان في القلب، وأضاءت جهاته كلها به، وأشرق نوره في أرجائه.
ومما يعين على ترك المعاصي..
السبب الثامن: قصر الأمل، وعلمه بسرعة انتقاله، وأنه كمسافر دخل قرية وهو مزمع على الخروج منها، أو كراكب استراح في ظل شجرة ثم سار وتركها.
فهو لعلمه بقلة مقامه وسرعة انتقاله حريص على ترك ما يثقله حمله ويضره ولا ينفعه، حريص على الانتقال بخير ما بحضرته، فليس للعبد أنفع من قصر الأمل ولا أضر من التسويف وطول الأمل.
فهو لعلمه بقلة مقامه وسرعة انتقاله حريص على ترك ما يثقله حمله ويضره ولا ينفعه، حريص على الانتقال بخير ما بحضرته، فليس للعبد أنفع من قصر الأمل ولا أضر من التسويف وطول الأمل.
حكمــــــة
وبالجملة فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علماً، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علماً، فخير الدنيا والآخرة بحذافيره في طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره في معصيته.
وفي بعض الآثار يقول الله سبحانه وتعالى: من ذا الذي أطاعني فشقي بطاعتي ؟ ومن ذا الذي عصاني فسعد بمعصيتي؟
وفي بعض الآثار يقول الله سبحانه وتعالى: من ذا الذي أطاعني فشقي بطاعتي ؟ ومن ذا الذي عصاني فسعد بمعصيتي؟
حكمــــــة
السبب السابع: قوة العلم بسوء عاقبة المعصية، وقبح أثرها والضرر الناشيء، ومن تلك العقوبات: سواد الوجه، وظلمة القلب، وضيقه وغمه، وحزنه وألمه، وانحصاره، وشدة قلقه واضطرابه، وتمزق شمله، وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعريه من زينته، والحيرة فى أمره وتخلي وليه وناصره عنه، وتولي عدوه المبين له.
ومنها: زوال أمنه وتبدله به مخافة، فأخوف الناس أشدهم إساءة، ومنها زوال الأنس والاستبدال به وحشة، وكلما ازداد إساءة ازداد وحشة، ومنها زوال الرضى واستبداله بالسخط، ومنها زوال الطمأنينة بالله والسكون إليه والإيواء
ومنها: زوال أمنه وتبدله به مخافة، فأخوف الناس أشدهم إساءة، ومنها زوال الأنس والاستبدال به وحشة، وكلما ازداد إساءة ازداد وحشة، ومنها زوال الرضى واستبداله بالسخط، ومنها زوال الطمأنينة بالله والسكون إليه والإيواء
حكمــــــة
السبب الخامس: محبة الله سبحانه وهي أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعاصيه.
فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها.
وفرق بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفه من سوطه وعقوبته، وبين من يحمله على ذلك حبه لسيده.
فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها.
وفرق بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفه من سوطه وعقوبته، وبين من يحمله على ذلك حبه لسيده.
حكمــــــة
السبب الثالث: مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك، فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد، فما أذنب عبد ذنباً إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب، فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها، وإن أصرَّ لم ترجع إليه، ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمة حتى تسلب النعم كلها، قال الله تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " [الرعد: 11].
وقال بعض السلف: أذنبتُ ذنباً فحرمت قيام الليل سنة، وقال آخر: أذنبتُ ذنباً فحرمت فهم القرآن.
وفى مثل هذا قيل:
إذا كنتَ في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وبالجملة فإن المعاصي نار النعم تأكلها كما تأكل النار الحطب، عياذا بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته.
وقال بعض السلف: أذنبتُ ذنباً فحرمت قيام الليل سنة، وقال آخر: أذنبتُ ذنباً فحرمت فهم القرآن.
وفى مثل هذا قيل:
إذا كنتَ في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وبالجملة فإن المعاصي نار النعم تأكلها كما تأكل النار الحطب، عياذا بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته.
حكمــــــة
إذا أذنب الرجل الصالح ثم تاب فهل يعود لمنزلته قبل وقوعه في الذنب أم لا ؟
قال ابن تيمية: الصواب أن من التائبين من يعود إلى مثل حاله، ومنهم من يعود إلى أكمل منها، ومنهم من يعود إلى أنقص مما كان.
فإن كان بعد التوبة خيراً مما كان قبل الخطيئة وأشد حذراً وأعظم تشميراً وأعظم ذُلاً وخشية وإنابة عاد إلى أرفع مما كان.
وإن كان قبل الخطيئة أكمل في هذه الأمور ولم يعد بعد التوبة إليها عاد إلى أنقص مما كان عليه.
وإن كان بعد التوبة مثل ما كان قبل الخطيئة رجع إلى مثل منزلته، هذا معنى كلامه رضي الله عنه
قال ابن تيمية: الصواب أن من التائبين من يعود إلى مثل حاله، ومنهم من يعود إلى أكمل منها، ومنهم من يعود إلى أنقص مما كان.
فإن كان بعد التوبة خيراً مما كان قبل الخطيئة وأشد حذراً وأعظم تشميراً وأعظم ذُلاً وخشية وإنابة عاد إلى أرفع مما كان.
وإن كان قبل الخطيئة أكمل في هذه الأمور ولم يعد بعد التوبة إليها عاد إلى أنقص مما كان عليه.
وإن كان بعد التوبة مثل ما كان قبل الخطيئة رجع إلى مثل منزلته، هذا معنى كلامه رضي الله عنه
الفرق بين الصبر على الأقدار وبين الصبر عن المعاصي..
لهذا كان بين ابتلاء يوسف الصديق بما فعل به إخوته من الأذى والإلقاء في الجُب وبيعه بيع العبيد والتفريق بينه وبين أبيه.
وابتلائه بمراودة المرأة له وهو شاب عزب غريب بمنزلة العبد لها وهى الداعية له إلى ذلك، فرق عظيم لا يعرفه إلا من عرف مراتب البلاء.
فإن الشباب داع إلى الشهوة، والشاب قد يستحي من أهله ومعارفه من قضاء وطره، فإذا صار في دار الغربة زال ذلك الاستحياء والاحتشام، وإذا كان عزباً كان أشد لشهوته، وإذا كانت المرأة هي الطالبة كان أشد وإذا كانت جميلة كان أعظم.
فإن كانت ذات منصب كان أقوى في الشهوة، فإن كان ذلك في دارها وتحت حكمها بحيث لا يخاف الفضيحة ولا الشهرة كان أبلغ.
فإن استوثقت بتغليق الأبواب والاحتفاظ من الداخل كان أقوى أيضاً للطلب، فإن كان الرجل مملوكها وهي كالحاكمة عليه الآمرة الناهية له كان أبلغ في الداعي، فإذا كانت المرأة شديدة العشق والمحبة للرجل قد امتلأ قلبها من حبه، فهذا الابتلاء الذي صبر معه مثل الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم صلوات الله عليهم أجمعين.
ولا ريب أن هذا الابتلاء أعظم من الابتلاء الأول
وابتلائه بمراودة المرأة له وهو شاب عزب غريب بمنزلة العبد لها وهى الداعية له إلى ذلك، فرق عظيم لا يعرفه إلا من عرف مراتب البلاء.
فإن الشباب داع إلى الشهوة، والشاب قد يستحي من أهله ومعارفه من قضاء وطره، فإذا صار في دار الغربة زال ذلك الاستحياء والاحتشام، وإذا كان عزباً كان أشد لشهوته، وإذا كانت المرأة هي الطالبة كان أشد وإذا كانت جميلة كان أعظم.
فإن كانت ذات منصب كان أقوى في الشهوة، فإن كان ذلك في دارها وتحت حكمها بحيث لا يخاف الفضيحة ولا الشهرة كان أبلغ.
فإن استوثقت بتغليق الأبواب والاحتفاظ من الداخل كان أقوى أيضاً للطلب، فإن كان الرجل مملوكها وهي كالحاكمة عليه الآمرة الناهية له كان أبلغ في الداعي، فإذا كانت المرأة شديدة العشق والمحبة للرجل قد امتلأ قلبها من حبه، فهذا الابتلاء الذي صبر معه مثل الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم صلوات الله عليهم أجمعين.
ولا ريب أن هذا الابتلاء أعظم من الابتلاء الأول
فوائد معرفة حال السابقين المقربين..
منها: أن لا يزال المتخلف المسكين مُزرياً على نفسه ذاماً لها.
ومنها: أنه لا يزال منكسر القلب بين يدي ربه تعالى ذليلاً له حقيراً يشهد منازل السابقين وهو في زمرة المنقطعين، ويشهد بضائع التجار وهو في رفقة المحرومين.
ومنها: أنه عساه أن تنهض همته يوماً إلى التشبث والتعلّق بساقة القوم ولو من بعيد.
ومنها: أنه لعله أن يصدق في الرغبة واللجأ إلى من بيده الخير كله أن يلحقه بالقوم ويهيئه لأعمالهم فيصادف ساعة إجابة لا يسأل الله عز وجل فيها شيئا إلا أعطاه.
وبالجملة ففوائد العلم بهذا الشأن لا تنحصر فلا ينبغي أن تصغي إلى من يثبطك عنه وتقول إنه لا ينفع، بل احذره واستعن بالله ولا تعجز ولكن لا تغتر.
وفرق بين العلم والحال، وإياك أن تظن أنك بمجرد علم هذا الشأن قد صرت من أهله، هيهات، ما أظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى وهو فقير، وبين الغنى بالفعل، وبين العالم بأسباب الصحة وحدودها وهو سقيم وبين الصحيح بالفعل.
ومنها: أنه لا يزال منكسر القلب بين يدي ربه تعالى ذليلاً له حقيراً يشهد منازل السابقين وهو في زمرة المنقطعين، ويشهد بضائع التجار وهو في رفقة المحرومين.
ومنها: أنه عساه أن تنهض همته يوماً إلى التشبث والتعلّق بساقة القوم ولو من بعيد.
ومنها: أنه لعله أن يصدق في الرغبة واللجأ إلى من بيده الخير كله أن يلحقه بالقوم ويهيئه لأعمالهم فيصادف ساعة إجابة لا يسأل الله عز وجل فيها شيئا إلا أعطاه.
وبالجملة ففوائد العلم بهذا الشأن لا تنحصر فلا ينبغي أن تصغي إلى من يثبطك عنه وتقول إنه لا ينفع، بل احذره واستعن بالله ولا تعجز ولكن لا تغتر.
وفرق بين العلم والحال، وإياك أن تظن أنك بمجرد علم هذا الشأن قد صرت من أهله، هيهات، ما أظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى وهو فقير، وبين الغنى بالفعل، وبين العالم بأسباب الصحة وحدودها وهو سقيم وبين الصحيح بالفعل.
حكمــــــة
قاعدة.
السائر إلى الله تعالى والدار الآخرة، بل كل سائر إلى مقصد، لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين:
1- قوة علمية.
2- قوة عملية، فبالقوة العلمية يبصر منازل الطريق، ومواضع السلوك فيقصدها سائراً فيها، ويجتنب أسباب الهلاك ومواضع العطب وطرق المهالك المنحرفة عن الطريق الموصل.
وبالقوة العملية يسير حقيقة، بل السير هو حقيقة القوة العملية، فإن السير هو عمل المسافر.
السائر إلى الله تعالى والدار الآخرة، بل كل سائر إلى مقصد، لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين:
1- قوة علمية.
2- قوة عملية، فبالقوة العلمية يبصر منازل الطريق، ومواضع السلوك فيقصدها سائراً فيها، ويجتنب أسباب الهلاك ومواضع العطب وطرق المهالك المنحرفة عن الطريق الموصل.
وبالقوة العملية يسير حقيقة، بل السير هو حقيقة القوة العملية، فإن السير هو عمل المسافر.
حكمــــــة
فمن أعرض عن الله بالكلية أعرض الله عنه بالكلية، ومن أعرض الله عنه لزمه الشقاء والبؤس والبخس في أحواله وأعماله وقارنه سوء الحال وفساده في دينه ومآله.
فإنَّ الرب تعالى إذا أعرض عن جهة دارت بها النحوس وأظلمت أرجاؤها وانكسفت أنوارها وظهرت عليها وحشة الإعراض وصارت مأوى للشياطين وهدفا للشرور ومصبا للبلاء.
فإنَّ الرب تعالى إذا أعرض عن جهة دارت بها النحوس وأظلمت أرجاؤها وانكسفت أنوارها وظهرت عليها وحشة الإعراض وصارت مأوى للشياطين وهدفا للشرور ومصبا للبلاء.
حكمــــــة
فأيّ قلب يذوق حلاوة معرفة الله ومحبته ثم يركن إلى غيره ويسكن إلى ما سواه ؟
هذا ما لا يكون أبدا، ومن ذاق شيئا من ذلك وعرف طريقاً موصلة إلى الله ثم تركها وأقبل على إرادته وراحاته وشهواته ولذاته وقع في آثار المعاطب وأودع قلبه سجون المضايق وعذب في حياته عذابا لم يعذبه أحد من العالمين، فحياته عجز وغم وحزن، وموته كدر وحسرة، ومعاده أسف وندامة.
هذا ما لا يكون أبدا، ومن ذاق شيئا من ذلك وعرف طريقاً موصلة إلى الله ثم تركها وأقبل على إرادته وراحاته وشهواته ولذاته وقع في آثار المعاطب وأودع قلبه سجون المضايق وعذب في حياته عذابا لم يعذبه أحد من العالمين، فحياته عجز وغم وحزن، وموته كدر وحسرة، ومعاده أسف وندامة.
حكمــــــة
والمقصود أن صدق التأهب للقاء الله هو مفتاح جميع الأعمال الصالحة والأحوال الإيمانية ومقامات السالكين إلى الله ومنازل السائرين إليه، من اليقظة والتوبة والإنابة والمحبة والرجاء والخشية والتفويض والتسليم وسائر أعمال القلوب والجوارح، فمفتاح ذلك كله صدق التأهب والاستعداد للقاء الله، والمفتاح بيد الفتاح العليم لا إله غيره ولا رب سواه.
حكمــــــة
الثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلا، بل هي ضدها من كل وجه، وما اجتمعا في قلب إلا وغلب أحدهما صاحبه وأخرجه واستوطن مكانه فما الظن بقلب غلبت خواطر النفس والشيطان فيه خواطر الإيمان والمعرفة والمحبة فأخرجتها واستوطنت مكانها، لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك وأحس بمصابه.
قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة فى الأحوال والأقوال والأعمال، وهى شيئان:
أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها، والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء، لأنها هي بذر الشيطان، والنفس في أرض القلب، فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال.
ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم، فيجد العبد نفسه عاجزاً أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة، وهو المفرط إذا لم يدفعها وهي خاطر ضعيف، كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس، فلما تمكنت منه عجز عن إطفائها.
ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم، فيجد العبد نفسه عاجزاً أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة، وهو المفرط إذا لم يدفعها وهي خاطر ضعيف، كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس، فلما تمكنت منه عجز عن إطفائها.
حكمــــــة
الثالث والعشرون: أن ينسيه رؤية طاعته ويشغله برؤية ذنبه فلا يزال نصب عينيه.
فإن الله إذا أراد بعبد خيراً سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه والإخبار بها من لسانه، وشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة، فإن ما تُقبل من الأعمال رُفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذِكره.
وقال بعض السلف: إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا: كيف؟
قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه، إذا ذكرها ندم واستقال وتضرع إلى الله وبادر إلى محوها وانكسر وذلَّ لربه وزال عنه عجبه وكبره، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يراها ويمنَّ بها ويعتد بها ويتكبر بها حتى يدخل النار.
فإن الله إذا أراد بعبد خيراً سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه والإخبار بها من لسانه، وشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة، فإن ما تُقبل من الأعمال رُفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذِكره.
وقال بعض السلف: إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا: كيف؟
قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه، إذا ذكرها ندم واستقال وتضرع إلى الله وبادر إلى محوها وانكسر وذلَّ لربه وزال عنه عجبه وكبره، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يراها ويمنَّ بها ويعتد بها ويتكبر بها حتى يدخل النار.
حكمــــــة
الثاني والعشرون: امتحان العبد واختباره هل يصلح لعبوديته وولايته أم لا، فإنه إذا وقع الذنب، سلب حلاوة الطاعة والقرب، ووقع في الوحشة.
فإن كان ممن يصلح اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة فحنَّت وأنَّت وتضرعت واستعانت بربها ليردها إلى ما عودها من بره ولطفه، وإن ركنت عنها واستمر إعراضها ولم تحن إلى تعهدها الأول ومألفها ولم تحس بضرورتها وفاقتها الشديدة إلى مراجعة قربها من ربها علم أنها لا تصلح لله، وقد جاء هذا بعينه في أثر إلهي لا أحفظه.
فإن كان ممن يصلح اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة فحنَّت وأنَّت وتضرعت واستعانت بربها ليردها إلى ما عودها من بره ولطفه، وإن ركنت عنها واستمر إعراضها ولم تحن إلى تعهدها الأول ومألفها ولم تحس بضرورتها وفاقتها الشديدة إلى مراجعة قربها من ربها علم أنها لا تصلح لله، وقد جاء هذا بعينه في أثر إلهي لا أحفظه.
حكمــــــة
الواحد والعشرون: أن يذيقه ألم الحجاب والبعد بارتكاب الذنب ليكمل له نعمته أو فرحه وسروره إذا أقبل بقلبه إليه وجمعه عليه وأقامه في طاعته، فيكون التذاذه في ذلك- بعد أن صدر منه ما صدر- بمنزلة التذاذ الظمآن بالماء العذب الزلال، والشديد الخوف بالأمن، والمحب الطويل الهجر بوصل محبوبه.
وإنّ لطفَ الرب وبره وإحسانه ليبلغ بعبده أكثر من هذا، فيا بؤس من أعرض عن معرفة ربه ومحبته.
وإنّ لطفَ الرب وبره وإحسانه ليبلغ بعبده أكثر من هذا، فيا بؤس من أعرض عن معرفة ربه ومحبته.
حكمــــــة
التاسع عشر: أنه إذا شهد إساءته وظلمه، واستكثر القليل من نعمة الله لعلمه بأن الواصل إليه منها كثير على مسيء مثله، فاستقل الكثير من عمله لعلمه بأن الذي يصلح له أن يغسل به نجاسته وذنوبه أضعاف أضعاف ما يفعله، فهو دائماً مستقل لعلمه كائنا ما كان، ولو لم يكن في فوائد الذنب وحكمه إلا هذا وحده لكان كافيا.
من الحكم في الوقوع في الذنب:
ظهور مشهد الحكمة، وهو أن يشهد حكمة الله في تخليته بينه وبين الذنب وإقداره عليه وتهيئتة أسبابه له، وأنه لو شاء لعصمه وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة لا يعلم مجموعها إلا الله:
أحدها: أنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم، فلمحبته للتوبة وفرحه بها قضى على عبده بالذنب، ثم إذا كان ممن سبقت له العناية قضى له بالتوبة.
أحدها: أنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم، فلمحبته للتوبة وفرحه بها قضى على عبده بالذنب، ثم إذا كان ممن سبقت له العناية قضى له بالتوبة.
" قاعدة في الابتلاء "
إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن فإن ردّه ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه وجمعه عليه وطرحه ببابه فهو علامة سعادته وإرادة الخير به.
والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت، فتقلع عنه حين تقلع وقد عُوِّض منها أجلّ عِوض وأفضله.
وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شارداً عنه، وإقباله عليه بعد أن كان نائباً عنه وانطراحه على بابه بعد أن كان معرضاً، وللوقوف على أبواب غيره متعرضاً، وكانت البلية في حق هذا عين النعمة.
وإن لم يرده ذلك البلاء إليه بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق وأنساه ذكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه فهو علامة شقاوته وإرادة الشر به.
والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت، فتقلع عنه حين تقلع وقد عُوِّض منها أجلّ عِوض وأفضله.
وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شارداً عنه، وإقباله عليه بعد أن كان نائباً عنه وانطراحه على بابه بعد أن كان معرضاً، وللوقوف على أبواب غيره متعرضاً، وكانت البلية في حق هذا عين النعمة.
وإن لم يرده ذلك البلاء إليه بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق وأنساه ذكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه فهو علامة شقاوته وإرادة الشر به.
الصراع بين الحق والباطل..
فتأمل كيف اقتضى الحق وجود الباطل، وكيف تم ظهور الحق بوجود الباطل، وكيف كان كفر أعداء الرسل بهم وتكذيبهم لهم ودفعهم ما جاؤوا به وهو من تمام صدق الرسل وثبوت رسالات الله وقيام حججه على العباد.
ولنضرب لذلك مثالاً يتبين به، وهو مَلِك له عبد قد توحّد في العالم بالشجاعة والبسالة، والناس بين مصدق ومكذب، فمن قائل: هو كذلك ومن قائل: هو بخلاف ما يظن به، فإنه لم يقابل الشجعان ولا واجه الأقران، ولو بارز الأقران وقابل الشجاعة لظهر أمره وانكشف حاله.
فسمع به شجعان العالم وأبطالهم فقصدوه من كل صوب وأتوه من كل قطر، فأراد الملك أن يظهر لرعيته ما هو عليه من الشجاعة فمكن أولئك الشجعان من منازلته ومقاومته وقال: دونكم وإياه وشأنكم به.
فهل تسليط الملك لأولئك على عبده ومملوكه إلا لإعلاء شأنه وإظهار شجاعته في العالم وتخويف أعدائه به، وقضاء الملك أوطاره به، كما يترتب على هذا إظهار شجاعة عبده وقوته وحصول مقصوده بذلك.
فكذلك يترتب عليه ظهور كذب من ادعى مقاومته وظهور عجزهم وفضيحتهم وخزيهم
ولنضرب لذلك مثالاً يتبين به، وهو مَلِك له عبد قد توحّد في العالم بالشجاعة والبسالة، والناس بين مصدق ومكذب، فمن قائل: هو كذلك ومن قائل: هو بخلاف ما يظن به، فإنه لم يقابل الشجعان ولا واجه الأقران، ولو بارز الأقران وقابل الشجاعة لظهر أمره وانكشف حاله.
فسمع به شجعان العالم وأبطالهم فقصدوه من كل صوب وأتوه من كل قطر، فأراد الملك أن يظهر لرعيته ما هو عليه من الشجاعة فمكن أولئك الشجعان من منازلته ومقاومته وقال: دونكم وإياه وشأنكم به.
فهل تسليط الملك لأولئك على عبده ومملوكه إلا لإعلاء شأنه وإظهار شجاعته في العالم وتخويف أعدائه به، وقضاء الملك أوطاره به، كما يترتب على هذا إظهار شجاعة عبده وقوته وحصول مقصوده بذلك.
فكذلك يترتب عليه ظهور كذب من ادعى مقاومته وظهور عجزهم وفضيحتهم وخزيهم
حكمــــــة
ولمحبته لأسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها، فأمرهم بالعدل والإحسان والبر والعفو والجود والصبر والمغفرة والرحمة والصدق والعلم والشكر والحلم والأناة والتثبت.
ولمّاكان سبحانه يحب أسماءه وصفاته كان أحب الخلق إليه من اتصف بالصفات التى يحبها، وأبغضهم إليه من اتصف بالصفات التى يكرهها، فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت لأن اتصافه بها ظلم، إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه، لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحده.
ولمّاكان سبحانه يحب أسماءه وصفاته كان أحب الخلق إليه من اتصف بالصفات التى يحبها، وأبغضهم إليه من اتصف بالصفات التى يكرهها، فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت لأن اتصافه بها ظلم، إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه، لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحده.
حكمــــــة
قال تعالى: " يسأله من فى السموات والأرض كل يوم هو في شأن " [الرحمن: 29] .
يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويكشف غماً وينصر مظلوماً ويأخذ ظالماً ويفك عانياً ويغنى فقيراً ويجبر كسيراً ويشفي مريضاً ويقيل عثرة ويستر عورة ويعز ذليلاً ويُذل عزيزاً ويُعطي سائلاً ويذهب بدولة ويأتي بأخرى ويداول الأيام بين الناس ويرفع أقواماً ويضع آخرين.
يسوق المقادير التي قدرها قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام إلى مواقيتها فلا يتقدم شيء منها عن وقته ولا يتأخر، بل كل منها قد أحصاه كما أحصاه كتابه وجرى به قلمه.
يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويكشف غماً وينصر مظلوماً ويأخذ ظالماً ويفك عانياً ويغنى فقيراً ويجبر كسيراً ويشفي مريضاً ويقيل عثرة ويستر عورة ويعز ذليلاً ويُذل عزيزاً ويُعطي سائلاً ويذهب بدولة ويأتي بأخرى ويداول الأيام بين الناس ويرفع أقواماً ويضع آخرين.
يسوق المقادير التي قدرها قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام إلى مواقيتها فلا يتقدم شيء منها عن وقته ولا يتأخر، بل كل منها قد أحصاه كما أحصاه كتابه وجرى به قلمه.
حكمــــــة
خلق الله الملائكة عقولاً لا شهوات لها ولا طبيعة تتقاضى منها خلاف ما يراد من مادة نورية لا تقتضى شيئاً من الآثار والطبائع المذمومة.
وخلق الحيوانات ذوات شهوات لا عقول لها.
وخلق الثقلين الجن والإنس وركب فيهم العقول والشهوات والطبائع المختلفة لآثار مختلفة بحسب موادها وصورها وتركيبها.
وهؤلاء هم أهل الامتحان والابتلاء، وهم المعرضون للثواب والعقاب ولو شاء سبحانه لجعل خلقه على طبيعة واحدة وخلْقٍ واحد ولم يفاوت بينهم، لكن ما فعله سبحانه هو محض الحكمة وموجب الربوبية ومقتضى الإلهية.
وخلق الحيوانات ذوات شهوات لا عقول لها.
وخلق الثقلين الجن والإنس وركب فيهم العقول والشهوات والطبائع المختلفة لآثار مختلفة بحسب موادها وصورها وتركيبها.
وهؤلاء هم أهل الامتحان والابتلاء، وهم المعرضون للثواب والعقاب ولو شاء سبحانه لجعل خلقه على طبيعة واحدة وخلْقٍ واحد ولم يفاوت بينهم، لكن ما فعله سبحانه هو محض الحكمة وموجب الربوبية ومقتضى الإلهية.
حكمــــــة
قال تعالى: " وخُلِق الإنسان ضعيفاً " [النساء: 28].
قال طاووس ومقاتل وغيرهما: لا يصبر عن النساء، وقال الحسن: هو خلقه من ماء مهين، وقال الزجاج: ضعف عزمه عن قهر الهوى.
والصواب أن ضعفه يعم هذا كله، وضعفه أعظم من هذا وأكثر، فإنه ضعيف البنية، ضعيف القوة، ضعيف الإرادة، ضعيف العلم ضعيف الصبر، والآفات إليه مع هذا الضعف أسرع من السيل في صيب الحدود.
فبالإضطرار لا بد له من حافظ معين يقويه ويعينه وينصره ويساعده، فإن تخلى عنه هذا المساعد المعين فالهلاك أقرب إليه من نفسه.
قال طاووس ومقاتل وغيرهما: لا يصبر عن النساء، وقال الحسن: هو خلقه من ماء مهين، وقال الزجاج: ضعف عزمه عن قهر الهوى.
والصواب أن ضعفه يعم هذا كله، وضعفه أعظم من هذا وأكثر، فإنه ضعيف البنية، ضعيف القوة، ضعيف الإرادة، ضعيف العلم ضعيف الصبر، والآفات إليه مع هذا الضعف أسرع من السيل في صيب الحدود.
فبالإضطرار لا بد له من حافظ معين يقويه ويعينه وينصره ويساعده، فإن تخلى عنه هذا المساعد المعين فالهلاك أقرب إليه من نفسه.
حكمــــــة
الاصطفاء الرباني.
فالرب سبحانه إذا علم مِن محلٍ أهلية لفضله ومحبته ومعرفته وتوحيده حبّبَ إليك ذلك ووضعه فيه وكتبه في قلبه ووفقه له وأعانه عليه ويسَّر له طرقه وأغلق دونه الأبواب التي تحول بينه وبين ذلك.
ثم تولَّاه بلطفه وتدبيره وتيسيره وتربيته أعظم من تربية الوالد الشفيق الرحيم المحسن لولده الذي هو أحب شيء إليه، فلا يزال يعامله بلطفه ويختصه بفضله ويؤثره برحمته ويمده بمعونته ويؤيده بتوفيقه ويريه مواقع إحسانه إليه وبره به، فيزداد العبد به معرفة وله محبته وإليه إنابة وعليه توكلا، ولا يتولى معه غيره ولا يعبد معه سواه.
فالرب سبحانه إذا علم مِن محلٍ أهلية لفضله ومحبته ومعرفته وتوحيده حبّبَ إليك ذلك ووضعه فيه وكتبه في قلبه ووفقه له وأعانه عليه ويسَّر له طرقه وأغلق دونه الأبواب التي تحول بينه وبين ذلك.
ثم تولَّاه بلطفه وتدبيره وتيسيره وتربيته أعظم من تربية الوالد الشفيق الرحيم المحسن لولده الذي هو أحب شيء إليه، فلا يزال يعامله بلطفه ويختصه بفضله ويؤثره برحمته ويمده بمعونته ويؤيده بتوفيقه ويريه مواقع إحسانه إليه وبره به، فيزداد العبد به معرفة وله محبته وإليه إنابة وعليه توكلا، ولا يتولى معه غيره ولا يعبد معه سواه.
حكمــــــة
اختيار الله للأنبياء وللدعاة.
فالله عز وجل أعلم حيث يجعل رسالاته أصلاً وميراثاً فهو أعلم بمن يصلح لتحمل رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة والنصيحة وتعظيم المرسل والقيام بحقه والصبر على أوامره والشكر لنعمه والتقرب إليه، ومن لا يصلح لذلك.
وكذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأمم لوراثة رسله والقيام بخلافتهم وحمل ما بلغوه عن ربهم.
فالله عز وجل أعلم حيث يجعل رسالاته أصلاً وميراثاً فهو أعلم بمن يصلح لتحمل رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة والنصيحة وتعظيم المرسل والقيام بحقه والصبر على أوامره والشكر لنعمه والتقرب إليه، ومن لا يصلح لذلك.
وكذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأمم لوراثة رسله والقيام بخلافتهم وحمل ما بلغوه عن ربهم.
حكمــــــة
أصل الشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة، بل كان جاهلا بها لم يشكرها.
ومن عرفها ولم يعرف المُنعم بها لم يشكرها أيضا.
ومن عرف النعمة والمُنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها.
ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرض به وعنه لم يشكرها أيضا.
ومن عرفها وعرف المنعم بها وأقربها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضى به وعنه واستعملها فى محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها.
فلا بد في الشكر من علم القلب، وعمل يتبع العلم وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له.
ومن عرفها ولم يعرف المُنعم بها لم يشكرها أيضا.
ومن عرف النعمة والمُنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها.
ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرض به وعنه لم يشكرها أيضا.
ومن عرفها وعرف المنعم بها وأقربها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضى به وعنه واستعملها فى محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها.
فلا بد في الشكر من علم القلب، وعمل يتبع العلم وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له.
حكمــــــة
حكمة الله في كل شيء.
ولهذا كان الحكيم من أسمائه الحسنى والحكمة من صفاته العلى، والشريعة الصادرة عن أمره مبناها على الحكمة، والرسول المبعوث بها مبعوث بالكتاب والحكمة.
والحكمة هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تتضمن العلم بالحق والعمل به والخبر عنه والأمر به، فكل هذا يسمى حكمة وفى الأثر " الحكمة ضالة المؤمن "، وفي الحديث: " إنّ مِن الشعر حكمة "
ولهذا كان الحكيم من أسمائه الحسنى والحكمة من صفاته العلى، والشريعة الصادرة عن أمره مبناها على الحكمة، والرسول المبعوث بها مبعوث بالكتاب والحكمة.
والحكمة هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تتضمن العلم بالحق والعمل به والخبر عنه والأمر به، فكل هذا يسمى حكمة وفى الأثر " الحكمة ضالة المؤمن "، وفي الحديث: " إنّ مِن الشعر حكمة "
حكمــــــة
استشعار أن قلبك بيد الله.
القلب مربوب مقهور تحت سلطان الله لا يتحرك إلا بإذنه ومشيئته، قال أعلم الخلق بربه صلوات وسلامه عليه: " ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه ".
ثم قال: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ".
وكان أكثر يمينه: " لا ومقلب القلوب ".
وقال بعض السلف: مثل القلب مثل الريشة في أرض فلاة تقلبها الرياح ظهرا لبطن، فما حيلة قلب هو بيد مقلبه ومصرفه
القلب مربوب مقهور تحت سلطان الله لا يتحرك إلا بإذنه ومشيئته، قال أعلم الخلق بربه صلوات وسلامه عليه: " ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه ".
ثم قال: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ".
وكان أكثر يمينه: " لا ومقلب القلوب ".
وقال بعض السلف: مثل القلب مثل الريشة في أرض فلاة تقلبها الرياح ظهرا لبطن، فما حيلة قلب هو بيد مقلبه ومصرفه
حكمــــــة
قاعدة في المحبة.
وهذا أمر معلوم بالاعتبار والاستقراء أن كل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثر من منفعته وعذابه أعظم من نعيمه.
ويزيد ذلك إيضاحاً أن اعتماده على المخلوق وتوكله عليه يوجب له الضرر من جهته، فإنه يخذل من تلك الجهة.
وهذا أيضاً معلوم بالاعتبار والاستقراء فإنه ما علّق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة، ولا استنصر بغيره إلا خُذِل.
وهذا أمر معلوم بالاعتبار والاستقراء أن كل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثر من منفعته وعذابه أعظم من نعيمه.
ويزيد ذلك إيضاحاً أن اعتماده على المخلوق وتوكله عليه يوجب له الضرر من جهته، فإنه يخذل من تلك الجهة.
وهذا أيضاً معلوم بالاعتبار والاستقراء فإنه ما علّق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة، ولا استنصر بغيره إلا خُذِل.
حكمــــــة
والله سبحانه لم يجعل لرجل من قلبين فى جوفه، فبقدر ما يدخل القلب من همٍّ وإرادة وحب يخرج منه همٌّ وإرادة وحُبٌ يقابله، فهو إناء واحد والأشربة متعددة، فأي شراب ملأه لم يبق فيه موضع لغيره، وإنما يمتليء الإناء بأعلى الأشربة إذا صادفه خالياً، فأما إذا صادفه ممتلئا من غيره لم يساكنه حتى يخرج ما فيه ثم يسكن موضعه، كما قال بعضهم:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا.
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا.
العبد المؤمن له في كل وقت هجرتان:
1- هجرة إلى الله بالطلب والمحبة والعبودية والتوكل والإِنابة والتسليم والتفويض والخوف والرجاءِ والإِقبال عليه وصدق اللجإِ والافتقار في كل نَفَس إِليه.
2- وهجرة إِلى رسوله فى حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة، بحيث تكون موافقة لشرعه الذى هو تفصيل محابّ الله ومرضاته، ولا يقبل الله من أَحد ديناً سواه، وكل عمل سواه فعيش النفس وحظها لا زاد المعاد.
ولما كانت السعادة دائرة- نفياً وإِثباتاً- مع ما جاءَ به كان جديراً بمن نصح نفسه أَن يجعل لحظات عمره وقفاً على معرفته وإِرادته مقصورة على محابه، وهذا أَعلى همة شمَّر إليها السابقون وتنافس فيها المتنافسون.
2- وهجرة إِلى رسوله فى حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة، بحيث تكون موافقة لشرعه الذى هو تفصيل محابّ الله ومرضاته، ولا يقبل الله من أَحد ديناً سواه، وكل عمل سواه فعيش النفس وحظها لا زاد المعاد.
ولما كانت السعادة دائرة- نفياً وإِثباتاً- مع ما جاءَ به كان جديراً بمن نصح نفسه أَن يجعل لحظات عمره وقفاً على معرفته وإِرادته مقصورة على محابه، وهذا أَعلى همة شمَّر إليها السابقون وتنافس فيها المتنافسون.

