من أقوال السلف في النعم
نعمة الطاعة والاستقامة أعظم النعم
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أعظم النعم الإقبال على الله والتعبد له والانقطاع إليه والتبتلُ إليه...ولا نعمة أعظم من هذه النعمة.
لو عرف أهل طاعة الله أنهم هم المُنعم عليهم في الحقيقة، وأن لله عليهم من الشكر أضعاف ما على غيرهم.....فهم أهل النعمة المطلقة
أعظم النعم الإيمان.
من أعظم النعم تثبيت الله عز وجل لعبده وربط جأشه عند المخاوف
قال العلامة السعدي رحمه الله: من أعظم نعم الله على عبده، وأعظم معونة للعبد على أموره، تثبيت الله إياه، وربط جأشه وقلبه عند المخاوف، وعند الأمور المذهلة، فإنه بذلك يتمكن من القول الصواب، والفعل الصواب، بخلاف من استمر قلقه وروعه وانزعاجه، فإنه يضيع فكره، ويذهل عقله، فلا ينتقع بنفسه في تلك الحال.
صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله على العبد
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: صحةُ الفهم وحسنُ القصد من أعظم نِعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أُعطي عبد عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام، فقيامه عليهما، وبهما باين العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدُهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومُهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسُنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم.
صحة الفَهم نور يقذِفه الله في قلب العبد، يُميِّز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، ويُمده حسن القصد، وتحرِّي الحق، وتَقوى الرب في السرِّ والعلانية، ويقطع مادته اتباعُ الهوى، وإيثار الدنيا، وطلبُ محمدة الخلق، وترك التقوى
حكمــــــة
قال الإمام الغزالي: اللسان من النعم العظيمة صغير جرمه، عظيم طاعته وجرمه، رحب الميدان، ليس له مرد ولا لمجاله منتهى وحدّ، له في الخير مجال، وله في الشر ذيل سحب، فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله...سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجل
حكمــــــة
قال العلامة ابن القيم:
قيل: الشكر قيد النعم الموجودة، وصيد النعم المفقودة.
الشكرُ حارس النعمة من كل ما يكون سبباً لزوالها.
عبودية النعم معرفتها والاعتراف بها أولاً، ثم العياذ به أن يقع في قلبه نسبتها وإضافتها إلى سواه وإن كان سبباً من الأسباب فهو مسببه ومقيمه، فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار ثم الثناء بها عليه ومحبته عليها وشكره بأن يستعملها في طاعته...ومن لطائف التعبد بالنعم أن يستكثر قليلها عليه، ويستقل كثير شكره عليها، ويعلم أنها وصلت إليه من سيده من غير ثمن بذله فيها، ولا وسيلة منه توسل بها إليه، ولا استحقاق منه لها، وأنها لله في الحقيقة لا للعبد، فلا تزيده النعم إلا انكساراً وذلاً وتواضعاً ومحبةً للمنعم.
حكمــــــة
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: أما موقف أهل الإيمان عند ورود نعم الله عليهم فتكون بأمور:
أولها: بالاعتراف بأن هذه النعم من عند الله.
وثانيها: بحديث اللسان بنسبتها إلى جل وعلا: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾
وثالثها: بعدم استعمال هذه النعم في معاصي الله.
ورابعها: باستعمال هذه النعم في طاعة رب العزة والجلال، وبذلك يحصل الشكر، قال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ:13]
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله:
-إذا أنعم عليك ثم سلبك النعمة فإنه لم يسلبها لبخل منه ولا استثار بها عليك، وإنما أنت السبب في سلبها عنك، فإن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.
-لا تزال الذنوب تزيل عنه نعمةً نعمةً حتى يُسلب النعم كلها، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ ﴾ [الرعد:11] وبالجملة فإن المعاصي نار النعم تأكلها، كما تأكل النارُ الحطب عياذاً بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته
- الذنوب...من عقوباتها: أنها تزيل النّعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة فتزيل الحاصل وتمنع الواصل فإن نعم الله ما حُفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته...فإذا أراد الله حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها.
ما سلبت النعم إلا بترك تقوى الله، والإساءة إلى الناس.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال:53] فما أُزيلت نعمُ الله بغير معصيته.
حكمــــــة
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: النعم نوعان: مستمرة ومتجددة:
فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات.
والمتجددة شُرِع لها سجود الشكر، شكرًا لله عليها، وخضوعًا له وذلًّا، في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها، فإن الله لا يحبُّ الفرحين ولا الأشرين، فكان دواء هذا الدواء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين، وكان في سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره.
- وفي سجود كعب حين سمع صوت المبشِّر دليل ظاهر أن تلك كانت عادة الصحابة وهي سجود الشكر عند النعم المتجددة والنقم المندفعة.
حكمــــــة
قال العلامة العثيمين رحمه الله: بعض الناس مثلاً يعتمد على السبب في جلب النعمة إليه وينسى المسبب، فعندما يعطيه إنسان حاجة من الحاجات تجد أنه يقومُ في قلبه من شكر هذا المعطى أكثر مما يقوم بشكر الله، تجده يثنى أيضاً على هذا أكثر مما يثنى على الله، فتجده يقوم بخدمة هذا أكثر مما يقوم بخدمة الله، مع أن هذا الذي وصلت النعمة على يده ما هو إلا طريق لوُصُولها إليك فقط، وإلا فالذي جعل في قلبه أن يوصل إليك هذه النعمة إليك: هو الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يسر هذا، فالحاصل: أن الناس الآن أكثرهم أو غالبهم يخلون في مقام الشكر إما بالقلب أو باللسان أو بالجوارح.
فشو الملاهي من أعظم أسباب زوال النعم
قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: قد علم كل ذي بصيرة وعلم بأحوال الناس أن فشو الغناء والملاهي في المجتمع من أعظم الأسباب لزوال النعم وحلول النقم وخراب الدولة وزوال الملك وكثرة الفوضى والتباس الأمور، فالجد الجد والبدار البدار قبل أن يحل بنا من أمر الله ما لا طاقة لنا به، وقبل أن تنزل بنا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منا خاصة، بل تعم الصالح والطالح ويهلك بها الحرث والنسل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حكمــــــة
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أما تمييزُه النعمة من الفتنة، ليفرِّق بين النعمة التي يُراد بها الإحسان واللطف، ويُعانُ بها على تحصيل سعادته الأبدية، وبين النعمة التي يراد بها الاستدراج، فكم من مستدرج بالنعم وهو لا يشعر، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرورٍ بقضاء الله حوائجه وستره عليه! وأكثرُ الخلق عندهم أن هذه الثلاثة علامةُ السعادة والنجاح. ﴿ ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ﴾ [النجم:30]