من أقوال السلف في الأسباب المعينة على تحصيل العلم
من فوائد الإخلاص والنية الصالحة
قال ابن الانماطي: حنبل بن عبدالله بن الفرج بن سعادة، سمعت منه جميع مسند أحمد ببغداد، ولما فرغت من سماعه، أخذت أرغبه في السفر إلى الشام.
فقلت: يحصل لك من الدنيا طرف صالح، وتقبل عليك وجوه الناس ورؤساؤهم، فقال: دعني، فوالله ما أسافر لأجلهم، ولا لم يحصل منهم، وإنما أسافر خدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أروى أحاديثه في بلد لا تروى فيه.
ولما علم الله هذه النية الصالحة أقبل بوجوه الناس إليه، وحرك الهمم للسماع عليه، فاجتمع عليه جماعة لا نعلمها اجتمعت في مجلس سماع قبل هذا بدمشق، بل لم يجتمع مثلها قط لأحد ممن روى المسند.
الدعاء وسؤال الله العلم النافع
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وإلى غير نافع، والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع، وسؤال العلم النافع. ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذُ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها)
وخرج النسائي من حديث جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وأعوذ بك من علم لا ينفع)
الدعاء وسؤال الله العلم النافع
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: لا شك أن الدعاء له مكانة عظيمة، فإن الله قد وعد عباده بإجابة دعائهم فقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم ۚ﴾ [غافر:60] فسؤال الله العلم، والعمل، والفسح في المدة، والحياة الطيبة، والابتعاد عن الأعراض السيئة، من أعظم الأسباب التي يحصل الإنسان بها العلم.
وباب الدعاء باب عظيم، وأثره على الناس عظيم، فمن استعان بالله وسأله أن ييسر له العلم، وأن يهيئ له طرقه، تيسرت له بإذن ربه عز وجل.
تعظيم النصوص الشرعية
قال العلامة العثيمين رحمه الله: وإنني بهذه المناسبة أودُّ أن أقول لكم: إنَّ قولي وقول غيري من أهل العلم إذا خالف النص، فلا عبرة به... لأنه لا قول لأحد بعد قول الرسول علية الصلاة والسلام.
ولقد قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فيما روي عنه: يُوشكُ أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
وإذا كان قول ابن عباس رضي الله عنهما فيمن عارض قول الرسول بقول أبي بكر وعمر، فما بالك بمن عارض قول الرسول بقول من دونهما بمراحل؟ مَن هو في الثرى وهو في الثريَّا، فلا يمكن أن يُعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد، فمتى رأيتمُ من كلامي أو كلام غيري من العلماء ما يخالف النصَّ، فاطرحوه وخُذُوا بالنصِّ، ولا تقولوا: قال فلان وقال فلان الذي يُعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم.
تعظيم النصوص الشرعية
ومن أمثلة تعظيم الشيخ للنصوص، قوله رحمه الله: أما قول شيخ الإسلام رحمه الله: إن المتمتع يكفيه سعي واحد: السعي الأول، فقول ضعيف غير سديد؛ لأن حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما صريح في هذا، والمعنى يقتضي ذلك لأن العمرة منفردة عن الحج تمامًا، وبينهما حل كامل، وما دام النص والقياس يدل على وجوب السعي في الحج فلا عبرة بقول أحد كائنًا من كان.
السير على منهج السلف الصالح
قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: كُن سلفياُ على الجادة، طريق السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، فمن بعدهم ممن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين، من التوحيد، والعبادات، ونحوها، بالتزام آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال والمراء، والخوض في علم الكلام،
السير على منهج السلف الصالح
قال الإمام الذهبي رحمه الله: مات الحافظ الأعين (240) فترحم عليه الإمام أحمد، وقال: إني لأغبطه، مات وما يعرف إلا الحديث، لم يكن صاحب كلام، قلت: هكذا كان أئمة السلف لا يرون الدخول في الكلام، ولا الجدال، بل يستفرغون وسعهم في الكتاب والسنة والتفقه فيهما، ويتبعون، ولا يتنطعون.
التدرج في الطلب, والبداءة بالأهم فالأهم
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: لا يأخذ الطالب نفسه بما لا يُطيقه، بل يقتصر على اليسير الذي يضبطه، ويُحكم حفظه ويتقنه.
قال الإمام الغزالي رحمه الله: من آداب المتعلم:
& أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة بل يراعي الترتيب ويبتدئ بالأهم.
& أن لا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله، فإن العلوم بعضها طريق إلى بعض، والموفق من راعى ذلك الترتيب والتدرج.
التدرج في الطلب, والبداءة بالأهم فالأهم
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ لا بد في طلب العلم من التدرج فيه على أصوله، وعلى منهجية واضحة، ولا بد أن نأخذ العلم على أنه ليس فيه شيء سهل، بل كلّه ثقيل من حيث فهمه، وتثبيته، واستمراره مع طالب العلم، فهو ثقيل لا بد له من مواصلة ومتابعة، فالعلم يُنسى إذا ترك، وإذا تواصل معه طالب العلم فإنه يبقى.
التدرج في الطلب, والبداءة بالأهم فالأهم
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: هذه المختصرات طريق المطولات، فلا يمكنُ أن تُفهم المطولات إلا بعد فهم المختصرات، والتدرج منها شيئاً فشيئاً، ولهذا قالوا في معنى قوله تعالى: ﴿لَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران:79]
إن الربانيين هم الذين يبدؤون بصغار مسائل العلم قبل كِباره، يُربُّون أنفسهم وطلابهم ابتداءً على من المسائل الصغيرة إلى المسائل الكبيرة، وهذا شيء طبيعي، لأن كل الأشياء تبدأ من أصولها وأساساتها ثم تكبر، وتعظم بعد ذلك.
فأما الذي يهجُمُ على العلم هُجوماً من أعلاه، فهذا يتعب ولا يحصُل على شيءٍ، بينما الذي يبدأ من الأصول ويتدرج هذا هو الذي _ بإذن الله _ يسير مع الطريق الصحيح والاتجاه السليم.
تدوين العلم وتقيد الفوائد
قال العلامة بكر أبو زيد رحمه الله: تقيد العلم بالكتابة أمان من الضياع، وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج، لا سيما في مسائل العلم التي تكون في غير مظانها.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: كم من فائدة تمُرُّ بالإنسان فيقول: هذه مسألة سهلة لا تحتاج إلى قيد، ثم بعد مدة وجيزةٍ يتذكرها ولا يجدها، لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها، أو التي يتجدد وقوعها...فكم من مسألة نادرة مهمة تمرُّ بالإنسان فلا يقيدها اعتماداً على أنه لن ينساها، فإذا به ينساها ويتمنى لو كتبها،
تدوين العلم وتقيد الفوائد
عمل الشيخ رحمه الله بما ذكره، فقال: فقد كنت أقيد بعض المسائل الهامة التي تمر بر حرصاً على حفظها، وعدم نسيانها، في دفتر وسميتها " فرائد الفوائد " وقد انتقيت منها ما رأيته أكثر فائدة وأعظم أهمية وسميت ذلك " المنتقى من فرائد الفوائد " أسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعل لطلبة العلم فيه أسوة، ومن سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
الصبر واحتمال المشقة في طلب العلم
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: إذا قرأت تاريخ العلماء رحمهم الله، تعجبت: كيف كانوا يصبرون هذا الصبر على طلب العلم؟! مع أنه ليس هناك كهرباء، ولا أدوات كتابية سهلة، فالأشياء في ذلك الوقت كانت صعبة، ومع ذلك كانوا يبقون كل الليل يُراجعون على قنديل يكادون لا يبصرون ما يقرؤون لكنهم جادُّون؛ لأنهم يعلمون أنهم في جدهم وطلبهم للعلم كالمجاهدين في سبيل الله عز وجل، وليس هذا عملًا ضائعًا؛ بل هو كالجهاد في سبيل الله.
الصبر واحتمال المشقة في طلب العلم
ليس العلم يأتي هكذا هدية للإنسان كأنه طبق طعام؛ بل هو بالتعلُّم، وأيضًا بالتعلُّم الجاد لا بالتعلُّم المتقطع، ولا بالتعلُّم المتماوت، ويُقال: " اجعل كلك للعلم يأتك بعضه، وإن جعلت بعضك للعلم فاتك العلم كله "، فلا بد من التفرُّغ التام للعلم والاجتهاد التام والمذاكرة والمناقشة؛ لأن المذاكرة تحفظ العلم، والمناقشة تفتح فهم الإنسان حتى يستطيع أن يعرف الأدلة، ويستنتج الأحكام منها، ويعرف كيف يتخلَّص من الأشياء المتشابهة والمتعارضة، وهذا أمر مُجرب.
الصبر واحتمال المشقة في طلب العلم
العلم يحتاج إلى تعب...الذي يريد أن يستريح، لا يقول: إنه طالب علم، فلا بد لطالب العلم أن يكون طالب علم على سبيل الحقيقة، وسيجد أثر ذلك فيما بعد، سيجد النتيجة والتحصيل، وهو قد يشق عليه في أول الأمر أن يحبس نفسه على العلم، لكن إذا اعتاد حبس نفسه على العلم صار ذلك سجية له وطبيعة له، حتى إنه إذا فقد ذلك الحبس انحبس، وجرِّب تَجِد، فأنا قد جربت وغيري قد جرب، فإذا حبست نفسك على العلم فإنك تفقد ذلك الحبس لو تأخرت عنه...فالله الله على الحرص على طلب العلم...الذي يريد العلم لا بُدَّ أن يُكبَّ عليه وأن يجتهد، وهو وأن أتعب جسمه الآن سيجد الراحة فيما بعد.
النهمة في طلب العلم وبذل كل ما يمكن لتحصيله والزيادة منه
قال الإمام الغزالي رحمه الله: أفضل الأشياء التزيد في العلم، فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافياً استبد برأيه، وصار تعظيمه لنفسه مانعاً له من الاستفادة، والمذاكرة تبين له خطأه، وربما كان معظماً في النفوس فلم يُتجاسر على الرد عليه، ولو أنه أظهر الاستفادة لأهديت إليه مساوئه فعاد عنها.
النهمة في طلب العلم وبذل كل ما يمكن لتحصيله والزيادة منه
قال العلامة عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله: الإنسان مهما فعل في طلب العلم فلا يعتبر كثيراً، فإن الشياطين حرصت على العلم، حتى أن الواحد منهم يركب الآخر، من أجل أن يسمعوا كلمة، يلقونها إلى أوليائهم من الإنس، هذا يدل على أن المسلم مهما بذل في تحصيل العلم، فلا يعدُّ كثيراً.
الرحلة لطلب العلم
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير سورة الكهف: في هذه القصة العجيبة الجليلة...فوائد
فمنها: فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور فإن موسى عليه السلام رحل مسافه طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.
الاستمرار في طلب العلم وعدم الانقطاع
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: أفضل الأشياء التزيد في العلم، فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافياً استبد برأيه، وصار تعظيمه لنفسه مانعاً له من الاستفادة، والمذاكرة تبين له خطأه، وربما كان معظماً في النفوس فلم يُتجاسر على الرد عليه، ولو أنه أظهر الاستفادة لأهديت إليه مساوئه فعاد عنها.