الزواجر عن اقتراف الكبائر - 4
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
أخفى من ذلك أن يختفي بحيث لا يريد الاطلاع عليه ولا يسره، ولكنه يحب أن يبدأ بالسلام والتعظيم وأن يقابل بمزيد الثناء والمبادرة إلى حوائجه وأن يسامح في معاملته، وأن يوسع له المكان إذا أقبل، ومتى قصر أحد في ذلك ثقل على قلبه لعظمة طاعته التي أخفاها عند نفسه فكأن نفسه تطلب أن يحترم في مقابلتها.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
للمرائي لأجله درجات أيضا، فأقبحها أن يقصد التمكن من معصية كمن يظهر الورع والزهد حتى يعرف به فيولى المناصب والوصايا، وتودع عنده الأموال، أو يفوض إليه تفرقة الصدقات وقصده بكل ذلك الخيانة فيه، وكمن يذكر أو يعظ أو يعلم أو يتعلم للظفر بامرأة أو غلام.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
الرياء ينقسم إلى درجات متفاوتة في القبح، فأقبحها الرياء في الإيمان وهو شأن المنافقين الذين أكثر الله من ذمهم في كتابه العزيز وتوعدهم بقوله - عز قائلا -: { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار }، وهؤلاء قلوا من بعد زمن الصحابة، نعم كثر من هو مثلهم في القبح كالمعتقدين للبدع المكفرة كإنكار الحشر أو علم الله تعالى بالجزئيات، واعتقاد الإباحة المطلقة مع إظهارهم خلاف ذلك فليس وراء قبيح أحوال هؤلاء شيء.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
الرياء مأخوذ من الرؤية والسمعة من السماع. وحد الرياء المذموم إرادة العامل بعبادته غير وجه الله تعالى كأن يقصد اطلاع الناس على عبادته وكماله حتى يحصل له منهم نحو مال أو جاه أو ثناء. إما بإظهار نحول وصفرة، ونحو تشعث شعر، وبذاذة هيئة، وخفض صوت، وغمض جفن إيهاما لشدة اجتهاده في العبادة وحزنه وقلة أكله وعدم مبالاته بأمر نفسه لاشتغاله عنها بالأهم، وتوالي صومه وسهره، وإعراضه عن الدنيا وأهلها، وما درى المخذول أنه حينئذ أقبح من أراذلهم كالمكاسين وقطاع السبيل.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قال بعض الحكماء: مثل من يعمل رياء وسمعة كمثل من ملأ كيسه حصى ثم دخل السوق ليشتري به، فإذا فتحه بين يدي البائع افتضح، وضرب به وجهه فلم يحصل له به منفعة سوى قول الناس: ما أملأ كيسه ولا يعطى به شيئا، فكذلك من عمل للرياء والسمعة لا منفعة له في عمله سوى مقالة الناس ولا ثواب له في الآخرة.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قال: يعطى العبد على نيته ما لا يعطى على عمله لأن النية لا رياء فيها. { وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه لمن قال: أقاتل بسيفي في سبيل الله أريد وجه الله ومحمدة الناس: لا شيء لك، لا شيء لك، لا شيء لك، إن الله تعالى يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك } الحديث.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
أما تحريمه بالإجماع: فهو واضح بعد أن علمت ما جاء فيه من تلك النصوص القطعية والأحاديث الصحيحة السنية، ومن ثم تطابقت كلمات الأئمة على ذمه وأطبقت الأمة على تحريمه وتعظيم إثمه، وقد قال عمر رضي الله عنه لمن رآه يطأطئ رقبته: يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب وإنما الخشوع في القلب.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
أما تحريمه في السنة فمنها ما رواه أحمد: { إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا انظروا هل تجدون عندهم جزاء }. والطبراني: { إن أدنى الرياء وأحب العبيد إلى الله الأتقياء الأسخياء الأخفياء } أي المبالغون في ستر عباداتهم وتنزيهها عن شوائب الأغراض الفانية والأخلاق الدنيئة { الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا - أي حضروا - لم يعرفوا أولئك أئمة الهدى ومصابيح الدجى }. والطبراني: { الشهوة الخفية والرياء شرك }. وابن ماجه: { إن أخوف ما أخاف على أمتي الإشراك بالله أما إني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية }.
الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ : الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ الرِّيَاءُ
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
شهد بتحريمه الكتاب والسنة وانعقد عليه إجماع الأمة. أما الكتاب: فمنه قوله عز قائلا: { الذين هم يراءون } وقال تعالى: { والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد } قال مجاهد: هم أهل الرياء، وقال تعالى: { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } أي لا يرائي بعمله ومن ثم نزلت فيمن يطلب الأجر والحمد بعباداته وأعماله، وقال تعالى: { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا }.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
لو قيل: السحرة لم يتعرضوا في إيمانهم للإيمان بموسى ومع ذلك قبل إيمانهم. قلت: ممنوع بل تعرضوا لذلك بقولهم: { آمنا برب العالمين رب موسى وهارون } على أن إيمانهم حينئذ إيمان بمعجزة موسى وهي العصا التي تلقفت ما صنعوا، والإيمان بالله مع الإيمان بمعجزة الرسول إيمان بالرسول فهم آمنوا بموسى صريحا بخلاف فرعون لم يؤمن به صريحا.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
الإجماع منعقد على أن الإيمان بالله مع عدم الإيمان برسول الله لا يصح، فلو سلمنا أن فرعون آمن بالله إيمانا صحيحا هو لم يؤمن بموسى صلى الله عليه وسلم، ولا تعرض له حينئذ أصلا فلم يكن إيمانه نافعا، ألا ترى أن الكافر لو قال ألوفا من المرات: أشهد أن لا إله إلا الله أو الذي آمن به المسلمون لا يكون مؤمنا حتى يقول: وأشهد أن محمدا رسول الله.
مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
من قال إذا ظهرت الربوبية زالت العبودية وعنى بذلك رفع الأحكام، أو أنه فني من صفاته الناسوتية إلى اللاهوتية أو أن صفاته تبدلت بصفات الحق، أو أنه يراد عيانا في الدنيا أو يكلمه شفاها، أو أنه يحل في صورة حسنة أو أنه أسقط عنه التكليف، أو قال لغيره: دع العبادات الظاهرة الشأن في عمل الأسرار، أو سماع الغناء من الدين أو أنه يؤثر في القلوب أكبر من القرآن.