الزواجر عن اقتراف الكبائر - 2
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
سئل سعيد بن جبير رضي الله عنه عن الخشية فقال: هي أن تخشى الله تعالى حتى تحول خشيته بينك وبين معاصيه، فهذه هي خشيته. وأما الغرة بالله: فهي أن يتمادى الرجل في المعصية ويتمنى على الله المغفرة. ودخل بعضهم متنزها فخطر في سره أن يفعل فيه معصية، وقال من يراني؟ فسمع صوتا مزعجا { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }؟ وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: { ولا يغرنكم بالله الغرور } وهو أن يدوم على المعاصي ويتمنى المغفرة
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
روى الشيخ نصر المقدسي إمام الشافعية في زمنه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: { أوصاني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات هن أحب إلي من الدنيا وما فيها، قال لي: يا أبا ذر جدد السفينة فإن البحر عميق: يعني الدنيا، وخفف الحمل فإن السفر بعيد، واحمل الزاد فإن العقبة طويلة، وأخلص العمل فإن الناقد بصير }.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قال العلماء: ولسوء الخاتمة علامات تتقدم على الموت مثل البدعة ؛ ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: { أهل البدعة كلاب أهل النار في النار }. ومثل نفاق العمل، وهو الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله { آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم } ولذلك اشتد خوف السلف منه حتى قال بعضهم: لو أعلم أني بريء من النفاق كان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
يروى أن نبيا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام شكا إلى الله تعالى الجوع والعري، فأوحى الله تعالى إليه: عبدي أما رضيت أن عصمت قلبك عن أن تكفر بي حتى تسألني الدنيا، فأخذ التراب فوضعه على رأسه وقال: بلى قد رضيت يا رب فاعصمني من الكفر، فإذا كان هذا خوف العارفين من سوء الخاتمة مع رسوخ أقدامهم وقوة إيمانهم، فكيف لا يخاف ذلك الضعفاء؟.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: لما احتضر أبي جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه، فجعل يغرق ثم يفيق ويقول: ألا ابعد، فقلت: يا أبت ما هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت؟ فقال: يا بني أوما تعلم؟ قلت: لا، قال: إبليس قائم بحذائي يقول يا أحمد فتني، فأقول ألا ابعد حتى أموت.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
كيف يصح لعاقل أن يأمن سطوات الحق وانتقامه، وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن: أي بين إرادته تعالى السعادة لأقوام والشقاوة لآخرين، وسمي القلب قلبا لأنه أشد تقلبا من قدر أغلي على ما فيها بأعظم الوقود ؛ ومن ثم كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في سجوده { يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك }. وقد قال مقلب القلوب: { إن عذاب ربهم غير مأمون }
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قال تعالي: { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }. فانظر بعين بصيرتك ونور سريرتك إلى أنه تعالى قد حكم على كل إنسان إذ أل فيه للعموم والاستغراق بدليل الاستثناء بأنه خاسر إلا من جمع أربعة أمور فإنه الذي ينجو من الخسران المؤدي إلى الهلاك: الإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق بأن يتلبسوا بما دل عليه الكتاب والسنة من الأخلاق والآداب والأحكام والشروط في سائر أقوالهم وأفعالهم الباطنة والظاهرة فلا يوجد منها شيء إلا وقد أخلصوا فيه وابتغوا به وجه الله وحده، والتواصي بالصبر بأن يصبروا على الطاعات وما يلقونه من المكاره والبليات، وعن المعاصي وما لها من الشهوات واللذات، فمن تحقق بهذه الشروط الأربعة كما ذكرنا كان على رجاء عظيم من السلامة من الخسار والعار والشنار والبوار
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
لما توفي عثمان هذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم خده وبكى حتى سالت دموعه الكريمة على خد عثمان وبكى القوم، فقال صلى الله عليه وسلم: { اذهب عنها أي الدنيا أبا السائب لقد خرجت عنها ولم تتلبس منها بشيء } وسماه صلى الله عليه وسلم السلف الصالح "، وهو أول من قبر بالبقيع رضي الله عنه. فتأمل زجره صلى الله عليه وسلم عن الجزم بالشهادة على الله في عثمان هذا مع كونه شهد بدرا، وقوله: { وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، وقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم }، وكونه قبله وبكى، ووصفه له بأعظم الأوصاف وأفضلها، وهو أنه لم يتلبس من الدنيا بشيء، وبأنه السلف الصالح تعلم أنه ينبغي لك وإن عملت من الطاعات ما عملت أن تكون على حيز الخوف والخشية من الله تعالى وعذابه وأليم عقابه، فإنه لا يجب عليه لأحد من خلقه شيء. { قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا }.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
في صحيح البخاري عن أم العلاء امرأة من الأنصار { أنهم اقتسموا المهاجرين أول ما قدموا عليهم بالقرعة، قالت، فطار لنا: أي وقع في سهمنا عثمان بن مظعون من أفضل المهاجرين وأكابرهم ومتعبديهم وممن شهد بدرا، فاشتكى فمرضناه، حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله تعالى، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما عثمان فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير }: أي فالإنكار عليها إنما هو من حيث إنها أبرزت تلك الشهادة جازمة بها متيقنة لمقتضاها من غير مستند قطعي تعتمد عليه في ذلك، فكان اللائق بها أن تبرزها في حيز الرجاء لا الجزم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: { ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا }: أي على جهة الجزم والتيقن، بل على جهة الرجاء وحسن الظن بالله تعالى، قالت: وأحزنني ذلك فنمت فرأيت لعثمان عينا تجري، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ذاك عمله.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
غلب الخوف على الأنبياء والرسل والعلماء والأولياء، وغلب أمن المكر على الظلمة الأطغياء والفراعنة الأغبياء والجهلة والعوام والرعاع والطغام، حتى كأنهم حوسبوا وفرغ منهم فلم يخشوا سطوة العقاب ولا نار العذاب ولا بعد الحجاب. { نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون }.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
حق لمن لم يعلم ما جرى له به القلم في سابق علم الله تعالى من سعادة مؤبدة أو شقاوة مخلدة، وهو فيما بين هاتين الحالتين قد ركب المحرمات وخالف خالقه في المنهيات أن يكثر بكاءه وأسفه وحزنه ونحيبه ولهفه، وأن يهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يجأر إلى الله على ما سلف منه من سوابق مخالفاته وقبائح شهواته، عسى أن يوفقه إلى التوبة النصوح وأن يخرجه من ظلمات الجهل والعصيان إلى العلم والطاعة وما لهما من ثمرات المعرفة والفتوح.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
ذكر أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن عطاء. قال: { دخلت أنا وعبيد بن عمر على عائشة فقالت لعبيد بن عمر: قد آن لك أن تزورنا؟ فقال أقول يا أماه كما قال الأول: زر غبا تزدد حبا، فقالت دعونا من بطالتكم هذه، فقال ابن عمر: أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي. قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، قالت فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت: وكان جالسا فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، لم تبكي وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها. { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } الآية }.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
دخل بعض أصحاب فتح الموصلي عليه فرآه يبكي ودموعه خالطها صفرة، فقال: بكيت الدم؟ قال: نعم، قال: على ماذا؟ قال: على تخلفي عن واجب حق الله، ثم رآه في المنام بعد موته، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قال: فما صنع في دموعك؟ قال: قربني، فقال لي: يا فتح على ماذا بكيت؟ قلت يا رب على تخلفي عن واجب حقك، قال فالدم قلت خوفا أن لا تفتح لي، فقال يا فتح ما أردت بهذا كله، وعزتي لقد صعد حافظاك أربعين سنة بصحيفتك ما فيها خطيئة.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: قلت ليزيد بن مرثد: مالي أرى عينك لا تجف؟ قال: وما مسألتك عنه؟ فقلت له: عسى الله أن ينفعني به، قال: يا أخي إن الله قد توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو لم يتوعدني أن يسجنني إلا في حمام لكنت حريا أن لا تجف لي عين، قال: فقلت له: فهكذا أنت في خلواتك، قال: وما مسألتك عنه؟ قلت: عسى الله أن ينفعني بذلك، فقال: والله إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي: أي لإرادة وطئها، فيحول ذلك بيني وبين ما أريد، وإنه ليوضع الطعام بين يدي فيعرض لي فيحول بيني وبين أكله حتى تبكي امرأتي ويبكي صبياننا لا يدرون ما أبكانا، ولربما أضجر ذلك امرأتي فتقول: يا ويحها ما خصت به من طول الحزن معك في الحياة الدنيا ما تقر لي معك عين.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قال معاوية بن أبي سفيان لضرار: صف لي عليا، قال: ألا تعفيني؟ قال: بل صفه، قال: أو لا تعفيني؟ قال: لا أعفيك، قال: أما إذا أنه لا بد فإنه كان بعيد المدى: أي واسع العلوم والمعارف لا تدرك غايته فيهما، شديد القوى: أي في ذات الله ونصرة دينه، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه: أي تأسفا وحزنا إذ هذا فعل المتأسف الحزين، ويخاطب نفسه: أي بالمزعجات والمقلقلات، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما حضر، كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل ستوره وغارت نجومه، وقد تمثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم: أي اللديغ، ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه يقول: يا ربنا يا ربنا يتضرع إليه ثم يقول: يا دنيا يا دنيا إلي تعرضت أم بي تشوقت، هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق، فذرفت عيون معاوية على لحيته فما ملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، قال معاوية: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
في صحيح البخاري عن عائشة: " وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ". وفيه أيضا: { أنه صلى الله عليه وسلم لما مرض فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، قالت يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف: أي يغلب عليه الحزن إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء }.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
في صحيح البخاري عن عائشة: " وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ". وفيه أيضا: { أنه صلى الله عليه وسلم لما مرض فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، قالت يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف: أي يغلب عليه الحزن إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء }.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كان يحيى بن زكريا صلى الله على نبينا وعليهما وسلم يبكي حتى تقطع خداه وبدت أضراسه، فقالت له أمه: لو أذنت لي يا بني حتى أتخذ لك قطعتين من لبود تواري بهما أضراسك عن الناظرين، فأذن فألصقتهما بخديه فكان يبكي فكانتا تبتلان بالدموع فتجيء أمه فتعصرهما فتسيل دموعه على ذراعيها.