الزواجر عن اقتراف الكبائر - 2
الزواجر عن اقتراف الكبائر - 2
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قال معاوية بن أبي سفيان لضرار: صف لي عليا، قال: ألا تعفيني؟ قال: بل صفه، قال: أو لا تعفيني؟ قال: لا أعفيك، قال: أما إذا أنه لا بد فإنه كان بعيد المدى: أي واسع العلوم والمعارف لا تدرك غايته فيهما، شديد القوى: أي في ذات الله ونصرة دينه، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه: أي تأسفا وحزنا إذ هذا فعل المتأسف الحزين، ويخاطب نفسه: أي بالمزعجات والمقلقلات، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما حضر، كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل ستوره وغارت نجومه، وقد تمثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم: أي اللديغ، ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه يقول: يا ربنا يا ربنا يتضرع إليه ثم يقول: يا دنيا يا دنيا إلي تعرضت أم بي تشوقت، هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق، فذرفت عيون معاوية على لحيته فما ملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، قال معاوية: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها.