فوائد من كتاب العبادة المفقودة ( مراقبة الله تعالى ) لسعد بن سعيد الحجرى
يقول الله تعالى عن شرف العبودية في حق الملائكة : "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ" [الأنبياء: 26]، فلم يقل ملائكة، وإنما قال: "عِبَادٌ"، فوصفهم بالعبودية، ووصفهم بالكرم بعد العبودية، فاستحقوا أن يكونوا من أهل الكرم بالعبودية، فقال: "بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ".
يقول الله تعالى عن شرف العبودية في حق الأنبياء: " وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ " [ص: 45]، فلم يقل واذكر أنبياءنا أو اذكر رسلنا، وإنما قال: " وَاذْكُرْ عِبَادَنَا " .
يقول الله تعالى عن شرف العبودية في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم، فوصفه بالعبودية في أربعة مواطن شريفة : * الموطن الأول: عند الإسراء والمعراج، قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" [الإسراء: 1] عرج به إلى السماء السابعة، ثم أسري به إلى المسجد الأقصى، ثم أسري به إلى المسجد الحرام في ليلة واحدة، إنه شرف عظيم استحقه بالعبودية لأنه قال: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ".* الموطن الثاني: عندما نزل القرآن عليه، وهو أعظم الكتب التي نزلت، وهو الحفظ في الدنيا والآخرة، شرفه بهذا الكتاب لأنه كان عبدًا، قال تبارك وتعالى: "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا" [الفرقان: 1]. * الموطن الثالث: عند الوحي إليه، قال تعالى: "فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى" [النجم: 10].* الموطن الرابع: عند قيامه بالدعوة، قال تعالى: "وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا" [الجن: 19].
شرف الله أولياءه بالعبودية، قال تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا" [الفرقان: 63]، لم يقل خلق الرحمن، بل قال: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ" فوصفهم بأشرف صفة فقال سبحانه: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ".
شرف العبودية في قيام الليل : فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: «يا عائشة، أفلا أكون عبدًا شكورًا»(البخاري مسلم واللفظ له).
العبودية هي وظيفة الدنيا من أولها إلى آخرها وظيفة العبد في دنياه حتى الموت، ليس معه وظيفة غيرها، قال الله تعالى: " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " [الحجر: 99]، وقال تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " [الذاريات: 56-58].
العبودية هي حق الله على العباد فإن لله على خلقه حقًا، وقد جعل لعباده عليه حقًا تكرُّمًا وجودًًا وتفضلاً؛ فعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا أخرة الرحل فقال: «يا معاذ» قلت: لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ» قلت: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حق الله على عباده؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا» ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق العباد على الله أن لا يعذبهم» (البخاري ومسلم) .
العبودية هي رسالة الرسل إلى أممهم: فما من رسول أرسل إلى أمه إلا وأمرهم بعبادة الله، قال تعالى: " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " [النحل: 36].
العبودية هي الملك الأخروي الذي لا يزول ولا يحول ولا يفنى؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب، جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك إن شئت نبيًا عبدًا وإن شئت نبيًا ملكًا، قال فنظرت إلى جبريل، قال فأشار إلي أن ضع نفسك، قال فقلت نبيًا عبدًا» قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئًا، يقول: «آكل كما يأكل العبد, أجلس كما يجلس العبد»(رواه أبو يعلي وإسناده حسن)، فاختار العبودية على الملك لأنها الملك الدنيوي والملك ألأخروي الذي لا يفنى ولا يزول.
كيف نتحصن بالعبودية ؟ نكون عبيدًا لله ولا نكون عبيدًا للنفس، ولا للمال، ولا للأهل، ولا للولد، ولا للزوجة، ولا للعادة، ولا للعرف، وإنما نكون عبيدًا لله عز وجل، ونخلص العبودية لله ونحرص ونحفظ بهذه العبودية من العدو، قال تعالى: " إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ " [الحجر: 42]، ويقول: " قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ " [ص: 82، 83].
العبودية سبب من أسباب مغفرة الذنوب، وما أكثر الذنوب، من منا يستطيع أن يحصي ذنبه؟ لا أحد يستطيع أن يحصي ذنوبه. ذنوبنا كثيرة، ولو كان لأحدنا في كل يوم ذنب واحد وعمره ستون سنة، بكم ذنب يلقى ربه؟ بواحد وعشرين ألف ذنب، هذا إذا كان ذنب واحد في كل يوم، ومن لا يذنب في اليوم إلا ذنبًا واحدًا؟ الذنوب كثيرة، وأسباب مغفرة الذنب أن يكون الإنسان عبدًا لله عز وجل، قال تعالى: " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [الحجر: 49]، قال تعالى: " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [الزمر: 53].
الله الله يا أهل المنازل : في مراقبة الله في منازلكم؛ لتكون محاضن خير، ولا تكون محاضن شر. نراقبه في كل مكان؛ في المنزل وفي المسجد وفي السوق وفي الشارع والعمل؛ لأنه الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض، قال تعالى: " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " [المجادلة: 7]، وقال: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " [الأنعام: 59].
كيف تتحقق المراقبة : أن توقن أن الله تعالى يعلم ما في صدرك قبل أن يكون على لسانك : فالله يعلم ما في صدور الجميع، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، قال تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" [ق: 16]،
كيف تتحقق المراقبة : أن نوقن بأن الله يسمع كلامنا الذي نتكلم به ويحصيه، وعلينا أن نسأل أنفسنا: هل أسمعنا الله ما يرضى به أو يغضب له؟ وأنه قد وظف معنا من يحصي كلامنا. قال الله عز وجل: " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " [ق: 18]، ولا يتحقق لنا الإسلام الحق حتى يسلم الناس من ألسنتنا وأيدينا؛ فعن عقبة بن عامر قال قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك» (الترمذي وصححه الألباني).وإذا راقبنا الله في الكلام سلمت لنا الدنيا والآخرة، فإن العبد يتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى يكتب بها رضوانه إلى يوم يلقاه. وإن الأعضاء كلها تكفر اللسان وتقول: «اتق الله فينا فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» (الترمذي وصححه الألباني) .
كيف تتحقق المراقبة : أن توقن بأن الله يراك، ويرى عملك الذي أنت تعمل. قال الله تعالى: " الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [الشعراء: 218-220]، وقد أمر الله تعالى بالمراقبة فقال تعالى: " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " [الحجر: 99]، وأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في كل زمان وفي كل مكان وعلى كل حال. فعن أبي ذر رضى الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (الترمذي وصححه الألباني) .
قال رجل يا رسول الله : أوصني , قال: «أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك»(صححه الألباني في صحيح الجامع)، «والحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وأن تذكر الموت والبلى وأن تراقب العلي الأعلى».
الإنسان عند الموعظة مطالب بأربعة أمور : 1- السماع. 2- الوعي. 3- العمل. 4- دعوة الناس إلى الموعظة.
وصايا إبراهيم بن أدهم : قال إذا أردت أن تعصي الله, فلا تأكل من رزقه، قال: هل هناك رزق غير رزق الله عز وجل؟ قال: فكيف تأكل من رزق الله وتعصيه؟! رزق أنعم به الله عليك، فتحارب الله بهذا الرزق! أليس الناس يحاربون الله بنعمه؟ هل هذا كفران أم إحسان؟ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، خيره إلينا نازل، وشرُّنا إليه صاعد، يتحبب إلينا بالنعم، ونتبغض إليه بالمعاصي.
وصايا إبراهيم بن أدهم : قال إذا أردت أن تعصي الله فاعصه في غير أرضه، ابحث عن أرض ليست لله واعصه فيها، قال: كل الأرض لله، قال: فكيف تعصي الله في أرضه؟ أنعَمَ عليك بالأرض وذلَّلها ومهدها وجعل فيها النبات، ومع ذلك تعصيه في أرضه التي أنعم بها عليك.
وصايا إبراهيم بن أدهم : قال إذا أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لا يراك فيه، قال: وأنى أجد مكانًا أختفي فيه؟! كل شيء مكشوف أمام الله عز وجل، فقال: فكيف تعصي الله وهو يراك؟.
وصايا إبراهيم بن أدهم : قال إذا أردت أن تعصي الله وجاء ملك الموت يريد أن يقبض روحك فاطلبه أن يمهلك حتى تتوب. قال: إنه لا يوافقني ولا أدري متى يأتيني، ولربما جاءني على غرة. قال: فاستعد له، فأنت لا تدري متى يقبض الروح، أيقبضها على عمل صالح أم يقبضها على عمل سيء، استعد للموت.
وصايا إبراهيم بن أدهم : قال إذا أردت أن تعصي الله وجاءتك الزبانية يجرونك إلى النار فلا تذهب معهم، قال: إنهم لا يوافقونني؛ يقول الله تعالى: "خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ" [الحاقة: 30-32]، قال: فيجرونني على وجهي إلى النار. قال: فاستعد قبل أن تندم، فاستفاد الرجل من هذه المواعظ الخمس، واستقامت أموره وعاد إلى رشده وصوابه.
صفات أهل المراقبة لله : أنهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، محبوبون في الدنيا ومحفوظون في الآخرة، لا يحزنون على ما مضى من أعمارهم في الدنيا، ولا يخافون من مستقبل حياتهم في الآخرة، آمنون لا يخافون ولا يحزنون، قال تعالى: " أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [يونس: 62-64].
صفات أهل المراقبة لله : أنهم أهل البشرى؛ لهم البشرى في الحياة الدنيا ولهم البشرى عند الموت، ولهم البشرى في الآخرة. * أما بشراهم في الدنيا فثلاث بشارات: * البشارة الأولى: البشارة بعظيم الثواب على العمل الصالح. * والبشارة الثانية: البشارة برفع الدرجة لهم عند الله. * أما البشارة الثالثة: فهي البشارة لهم بمغفرة ذنوبهم. * أما البشارة عند الموت فهي بشارتهم بالجنة. * أما البشارة في الآخرة فهي البشارة بالنعيم الأبدي والخلود السرمدي في الجنة قال الله تعالى: " لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [يونس: 64].
صفات أهل المراقبة لله : رفعة درجاتهم عند الله تعالى لأنهم وصلوا إلى أعلى درجة في الإيمان، وأعلى درجة في الدين وهي الإحسان؛ لأن أعمالهم تصعد وليست أعمالاً تنزل، قال تعالى: " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَللهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ " [فاطر: 10]
صفات أهل المراقبة لله : أنهم الأحرار الذين تحرروا من عبودية النفس والمال والولد والدنيا، وجعلهم الله أحرارًا بالعمل الصالح في الدنيا والآخرة وفي القبر: * أحرار في الدنيا بالأعمال الصالحة، يعملون الأعمال الصالحة المتنوعة، لا يقيدون أنفسهم بعمل واحد لأن من الناس من هو محبوس على الذكر، ومن الناس من هو محبوب على الصلاة ما له نصيب في الصدقة ولا من الصيام ولا القيام ولا عمل البر الآخر، أما أهل المراقبة فهم أحرار في كل طاعة، لهم في كل طاعة سبق. * وفي القبر حريتهم في مسكنهم على مد البصر ليسوا محبوسين فيضيق عليهم القبر، وفي نورهم على مد البصر وفي نعيمهم يفتح لهم باب إلى الجنة. * وحريتهم في الآخرة، لهم الجنة وآخر من يدخل الجنة له مثل الدنيا عشر مرات وقد حررت المراقبة أهلها من الرق.
صفات أهل المراقبة لله : أنهم أهل الحسنى وأهل الجنة وأهل النظر إلى وجه الله الكريم، قال الله تعالى: " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " [يونس: 26]، أما الحسنى: فهي الجنة، أما الزيادة: فهي النظر إلى وجه الله الكريم، كما فسرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة- قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل»(مسلم)، وفي رواية أخرى زاد: «ثم تلا هذه الآية " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ "»(الترمذي وصححه الألباني).
صفات أهل المراقبة لله : أنهم أهل صلاح وإصلاح لغيرهم، أهل صلاح في نفوسهم وأهل إصلاح لغيرهم، أهل صلاح في نفوسهم لأن قلوبهم ملئت بمراقبة الله عز وجل، وسلمت من كل شائبة، وألسنتهم ملئت بمراقبة الله عز وجل، فسلمت واستقامت، واستنارت ونجت، وجوارحهم ملئت بمراقبة الله عز وجل فحبسوها على طاعة الله، وحبسوها عن معصية الله وراقبوا الله تعالى على كل حال .
من ثمـرات المراقبــة : إتقان العمل: العمل يحتاج إلى إتقان، الصلاة التي نصليها عندنا فيها خلل، ليست صلواتنا متقنة، من منا يضمن كمال صلاته مائة في المائة؟ وما دام أنها نقصت عن المائة ففيها خلل، ليس فيها الإتقان، أما أمور الدنيا فعندنا إتقان فيها، ونحتاج إلى إتقان في أمور الآخرة، لو راقبنا الله مراقبة جليلة لأتقنا العمل، ولأتينا به على الوجه الأكمل أو المطلوب، ولو أتقن العمل لصلح العمل، وصلح العامل «صاحب العمل» وصلحت الدنيا والآخرة وفتحت أبواب الخير وغلقت أبواب الشر، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» (حسنه الألباني في صحيح الجامع).
إتقان الصلاة : عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف»(رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط )، وسبب حشرهم مع هؤلاء الأربعة لأن فرعون أشغله الملك، وهامان أشغلته الوزارة، وقارون أشغله المال، وأبيّ بن خلف أشغلته التجارة، ويقول صلى الله عليه وسلم عن الذي أتقن الصدقة: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره، حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد» (حسنه الألباني في صحيح الجامع).
من ثمـرات المراقبــة : الإخلاص: لو راقبنا الله لأخلصنا له، وجعلنا الصلاة له، والنسك له، والحياة له، والموت له، والقول له، والعمل له، والتعامل له، والظاهر له، والباطن له. * بالإخلاص لله تبارك وتعالى يقبل الله العمل. * بالإخلاص يفوز العبد بالمطلوب. * بالإخلاص ينجو العبد من المرهوب. قال تعالى: " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " [الكهف: 110].
إتقان الصيام : عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»(البخاري ومسلم) . ويقول صلى الله عليه وسلم عن الذي لم يتقن صيامه: عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ربُ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب» (رواه أحمد ).
إتقان الحج : عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (متفق عليه) .
من ثمـرات المراقبــة : الخوف من الله عز وجل : يجب أن تمتلئ القلوب خوفًا من الله تبارك وتعالى، لأننا نلمس أن القلوب ممتلئة من خوف البرد فكم نلبس من الثياب عند شدة البرد, والقلوب ممتلئة من خوف الجوع لذا فالبيوت مليئة بالأطعمة، والقلوب مليئة من الخوف من العري فالثياب واللباس متوفرة، لكننا نريد أن تكون القلوب مليئة بالخوف من الله تبارك وتعالى، وإذا امتلأت القلوب بخوفه عملت بأمره، وتركت نهيه، وصدقت خبره، وطبقت حكمه، ووجل منه القلب، وذرفت العين، واقشعر الجسد، وكان الذنب عندنا آنذاك كجبل نخشى أن يقع على رؤوسنا، لا ينظر الخائف إلى صغر المعصية ولكن لينظرْ إلى عظمة من عصاه ولقد ضمن الله عز وجل للخائفين جنتين: قال الله عز وجل: " وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ " [الرحمن: 46] .وإذا امتلأت القلوب بالخوف من الله عمل العبد لأخراه، وقد تجلت هذه الثمرة في حياة الأولياء، كانوا يخافون ألا يقبل الله منهم عملهم، قال تعالى: " أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" [يونس: 62].
من ثمـرات المراقبــة : الحفظ في الدنيا : * أما الحفظ في الدنيا: فمن الانحراف والزيغ والضلال والفتن وقرناء السوء، والاغترار بالدنيا ومن كل مهلكة. * أما الحفظ في الآخرة؛ فمن عذاب الله عز وجل ولا أدل على هذا الحفظ من مراقبة يوسف لربه، فقد حفظه الله بهذه المراقبة، وجنبه الله الفتنة التي وردت في سورة يوسف عليه السلام، وقد تعرض يوسف عليه السلام لعدة فتن، ونحن عندنا نصف فتنة, وسقطنا سقوطًا عظيمًا من نصف فتنة، وبعضنا من ربع فتنة، ويوسف عليه السلام تعرض لعدة فتن، لكنه كان صاحب مراقبة لله، فحفظه الله من هذه الفتن العديدة ما كأنها مرت عليه فتنة، هكذا الذين يراقبون الله يحفظهم، والله, لو راقب العبد ربه لحفظه كما ذاك وعده.
من ثمـرات المراقبــة : الحفظ في الآخرة من العذاب : عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شمال ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»(البخاري ومسلم) .
يقول حاتم بن الأصم بنيت توكلي على أربعة أمور : 1- علمت أن الله ناظر إلي فأنا أراقبه. 2- وعلمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فأنا مطمئن به. 3- وعلمت أن عملي لن يعمله أحد غيري فأنا مشغول به. 4- وعلمت أن الموت يطلبني فأنا مستعد له.
من ثمـرات المراقبــة : إجابة الدعاء : لأننا بحاجة إلى الله وليس منا أحد يستغني عن الله لحظة واحدة، حاجتنا إلى الله دائمة، إذًا, فنحن نحتاج إلى إجابة الدعاء، وقضاء الحاجة، ونحتاج إلى المدد من الله، وأن إجابة الدعوات لا تكون إلا لمن راقب ربه مراقبةً صادقةً، ولا أدل على إجابة الدعاء من قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت أول المطر إلى الغار، دخلوا الغار وانحدرت صخرة بأمر الله, فسدت عليهم فم الغار، فأصبحوا داخل صخرة مصلتة، توسلوا إلى الله بمراقبتهم له.* الأول: راقب الله في والديه، فانفرج ثلثها. * الثاني: راقب الله في عرض بنت عمه، فانفرج ثلثها الثاني.* الثالث: راقب الله في الأمانة فحفظها ونماها، فانفرج ثلثها الثالث. وفرج الله عنهم كربهم بمراقبتهم له، راقبوه حال الرخاء فأجاب دعاءهم حال الشدة .
من ثمـرات المراقبــة : أداء عبادة الشكر: التي أمر بها إذ قال: " يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ " [سبأ: 13]، وقد ضمن الله تعالى للشاكر المزيد قال تعالى : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ " [سورة ابراهيم : 7] .
الموظفون الذين وظفهم الله علينا : الملائكة الكرام الكاتبين يسجلون عليك ويحصون عليك إحصاء دقيقًا .
الموظفون الذين وظفهم الله علينا : الجوارح، قال تعالى : " حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ" [فصلت: 20-24] العين تشهد بما رأت، والأذن بما سمعت واليد بما بطشت والرجل بما مشت واللسان بما تكلم، وخصماؤك جوارحك فاتق الله فيها، إنها تحصي عليك.
الموظفون الذين وظفهم الله علينا : الخلق جميعًا من ألأشجار والجبال والتراب، والجن والإنس والدواب وغيرها؛ فعن أنس رضى الله عنه قال: «قال مروا بجنازة فأثنَوْا عليها خيراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، وجبت، وجبت, ومروا بجنازة فأثنوا عليها شراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت، وجبت، وجبت, فقال: عمر فداك أبي وأمي مر بجنازة فأثنى عليها خيرا فقلت وجبت، وجبت، وجبت مر بجنازة فأثنى عليها شرا, فقلت وجبت، وجبت، وجبت فقال: من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض, أنتم شهداء الله في الأرض, أنتم شهداء الله في الأرض»(رواه أحمد قال الأرناؤوط إسناده صحيح على شرط الشيخين) قال أبو سعيد الخدري لعبد الرحمن بن صعصعة: «فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم »(البخاري).