2. فوائد من كتاب الفوائد المنثورة من الأقوال المأثورة
حكمــــــة
جلس الإمام مالك رحمه الله ذات يوم بين طلابه، فسأل سائل عن مسألة، فأجابه عبد الرحمن بن القاسم العتقي، وهو من أصحاب مالك، فغضب مالك رحمه الله وقال: لا ينبغي لأحد أن يفتي حتى يشهد له من هو خير منه أنه أهل للفتوى، والله ما أفتيت الناس حتى شهد لي سبعون من أهل هذا المسجد -يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم- أني أهل للفتوى.
حكمــــــة
يا طالب العلم: إذا ناظرت أحدا أو اضطررت لمجادلته فعليك بإظهار روح المودة والأخوة قبل وأثناء وبعد الجدل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (..وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين)، ولا تنسى ضبط النفس وعدم الانفعال، فعن ابن عون رحمه الله أنه إذا أغضبه رجل، قال له: بارك الله فيك؛ وروي عن يوسف ابن الإمام ابن الجوزي من ضبط نفسه في أثناء المناظرة: أنه كان يناظر، ولا يحرك جارحة ! وورد عن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة: أنه كان لا يناظر أحدا إلا وهو يتبسم، حتى قال بعض الناس: هذا الشيخ يقتل خصمه بالتبسم، واحرص على عدم التشهير بخصمك عند غلبته في مجلس المناظرة، فبعض الناس إذا تمكن من غلبة أخيه في مناظرته له، جعل تلك المناظرة فاكهة مجالسه!!، فيتحدث بها مع كل جليس، وكيف أنه دحض حجج خصمه، وتمكن من تزييف قول صاحبه. وهذا التصرف مشين، وربما يجر إلى باب الرياء والسمعة، ويسبب في نفور أخيه عنه ونشوء الشحناء بينهما؛ قال ابن الجوزي: "... ومن ذلك: ترخّصهم في الغيبة بحجة الحكاية عن المناظرة، فيقول أحدهم: تكلمت مع فلان فما قال شيئا ! ويتكلم بما يوجب التشفي من عرض خصمه بتلك الحجة ".
حكمــــــة
ياطالب العلم: إذا حدثت القوم فلا تُقبل على واحد منهم، ولكن اجعل لكل واحد منهم نصيبا، ولا تكثر الالتفات، وإذا جلست فلا تتكبر على أحد، وَتَحَفظ من تشبيك أصابعك، ومن العبث بلحيتك، ومن اللعب بخاتمك، وتخليل أسنانك، وإدخال أصبعك في أنفك، وكثرة بصاقك، وكثرة التمطي والتثاؤب في وجوه الناس وفي الصلاة، وليكن مجلسك هادئا، وحديثك منظوما مرتبا، وأصغ إلى كلام مُجالسك، واسكت عن المضاحك، ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين، ولا تلح في الحاجات، ولا تشجع أحدا على الظلم، وإذا خاصمت فأنصف، وتحفظ من جهلك، وتجنب عجلتك وتفكر في حجتك، ولا تكثر الإشارة بيدك، ولا الالتفات إلى من وراءك، وهدأ غضبك ثم تكلم، وإياك وصديق العافية فإنه أعدى الأعداء.
حكمــــــة
ياطالب العلم: لا تجعل مالك أكرم من عرضك، والتزم ترك الغيبة، ومجانبة الكذب، وصيانة السر، وتهذيب الألفاظ، ولا تجالس العامة فإن فعلت فآداب ذلك: ترك الخوض في حديثهم، وقلة الإصغاء إلى أراجيفهم، والتغافل عما يجري من سوء ألفاظهم، وإياك أن تمازح لبيبا أو سفيها، فإن اللبيب يحقد عليك والسفيه يتجرأ عليك، ولأن المزاح يخرق الهيبة، ويذهب بماء الوجه، ويعقب الحقد، ويذهب بحلاوة الإيمان والود، ويشين فقه الفقيه، ويجرئ السفيه، ويميت القلب، ويباعد عن الرب تعالى، ويكسب الغفلة والذلة، ومن بلي في مجلس بمزاح أو لغط فليذكر الله عند قيامه، فقد ورد عن النبي أنه قال: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك).
حكمــــــة
خُذ وصية عالم لأحد طلابه، حيث قال له مربيا ومعلماً: (على قدر طاعتك لله يطيعك الناس، على قدر هيبتك لله يهابك الناس، على قدر حبِّك لله يحبك الناس، على قدر انشغالك بالله ينشغل الناس بك، اطلب الرفعة من الله لا من الناس، احرص على أن يذكرك الله في نفسه، وأن يرفع الله قدرك في السماء، وأن يسميك هو تقيا، وأما الناس فمن تراب وإلى تراب، نوّر قلبك بكثرة الصلاة فإنها نور، ورطّب لسانك بذكر الله فإنه سكينة، واعلم أن العلم ليس أن يقول الناس لك عالم، بل هو توفيق من الله؛ على قدر إخلاصك وابتغاءك الدار الآخرة في كل مقاصدك).