2. فوائد من كتاب الفوائد المنثورة من الأقوال المأثورة
حكمــــــة
من أدب السؤال: ما إذا قال له الشيخ: أفهمت؟ فلا يقل: نعم، حتى يتضح له المقصود إيضاحاً جلياً، لئلا يكذب، ويفوته الفهم، ولا يستحي من قوله: لم أفهم؛ لأن في استثباته يحصل له مصالح عاجلة وآجلة فمن العاجلة حفظه المسألة وسلامته من كذب ونفاق ؛ بإظهاره فهم ما لم يكن فهمه، ومن الآجلة: ثبوت الصواب في قلبه دائماً، واعتياده هذه الطريقة المرضية، والأخلاق الرضية.
حكمــــــة
يا طالب العلم عليك العناية بـ " ضبط القواعد والضوابط " التي تمر عليك في مشوارك العلمي، لأن العلم كثير، وهو بحر لا ساحل له، ولكنك عندما تحرص على " الضوابط والقواعد " فإنك تجمع في ذهنك كثير من المسائل الفرعية، فاحرص على ضبط القواعد، واكتبها، واجمعها، واحفظها، وناقش طلاب العلم فيها، وتعود على ضرب الأمثلة لها تغنم خيراً كثيرا.
حكمــــــة
جاء عن ابن المسيب رحمه الله تعالى، أنه كان يقول: ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن مَن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، كما أنه من غلب عليه نقصانه ذهب فضله. وقال غيره: لا يسلم العالم من الخطأ، فمن أخطأ قليلاً وأصاب كثيراً فهو عالم، ومن أصاب قليلاً وأخطأ كثيراً فهو جاهل. وفي هذا يقول الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في السير (20/46): (ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن) اهـ.
حكمــــــة
عن أبي حيان التيمي رحمه الله تعالى قال: العلماء ثلاثة: عالم بالله وبأمر الله، وعالم بالله وليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله وليس بعالم بالله. فأما العالم بالله وبأمره، فذلك الخائف لله، العالم بسنته وحدوده وفرائضه. واما العالم بالله وليس العالم بأمر الله، فذلك الخائف لله، وليس بعالم بسنته ولا حدوده ولا فرائضه. وأما العالم بأمر الله وليس بعالم بالله، فذلك العالم بسنته وحدوده وفرائضه وليس بخائف له.
حكمــــــة
جاء رجل إلى القاسم بن محمد رحمه الله تعالى فسأله عن شيء ؛ فقال القاسم: لا أحسنه، فجعل الرجل يقول: إني رفعت إليك لا أعرف غيرك، فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي!!، والله ما أحسنه فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يا ابن أخي الزمها؛ فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم، فقال القاسم: والله لأن يُقطع لساني؛ أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به.
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " أعلى الهمم في طلب العلم: طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله نفس المراد وعلم حدود المنزل، وأخس همم طلاب العلم: قصر همته على تتبع شواذ المسائل وما لم ينزل ولا هو واقع،أو كانت همته معرفة الاختلاف وتتبع أقوال الناس وليس له همة إلى معرفة الصحيح من تلك الأقوال، وقلَّ أن ينتفع واحد من هؤلاء بعلمه، وأعلى الهمم في باب الإرادة، أن تكون الهمة متعلقة بمحبة الله، والوقوف مع مراده الديني الأمري، واسفلها أن تكون الهمة واقفة مع مراد صاحبها من الله، فهو إنما يعبده لمراده منه لا لمراد الله منه، فالأول يريد الله ويريد مراده، والثاني يريد من الله، وهو فارغ عن إرادته ".
حكمــــــة
يا طالب العلم أمسك لسانك واستمع لما قاله الشوكاني رحمه الله: (والمتحري لدينه في اشتغاله بعيوب نفسه ما يشغله عن نشر مثالب الأموات، وسب من لا يدري كيف حاله عند بارىء البريات، ولا ريب أن تمزيق عرض من قَدِم على ما قَدَّم، وجثا بين يدي من هو بما تكنه الضمائر أعلم ـ مع عدم ما يحمل على ذلك: من جرح، أو نحوه ـ أحموقة لا تقع لمتيقظ، ولا يصاب بمثلها متدين بمذهب، ونسأل الله السلامة بالحسنات، ويتضاعف عند وبيل عقابها الحسرات، اللهم اغفر لنا تفلتات اللسان والقلم في هذه الشعاب والهضاب، وجنبنا عن سلوك هذه المسالك التي هي في الحقيقة مهالك ذوي الألباب).النيل 4/123.
حكمــــــة
على طالب العلم إذا أراد أن يُبرء ذمته أمام الله عز وجل، وإذا أراد أن يُكتب له القبول في الدنيا والآخرة؛ عليه أن يكون متجرداً، هَمّه الوصول إلى الحق، غير متعصب لشخص، أو مذهب معين، وليكن همه الوصول إلى الحق، ومعرفة مراد الله سبحانه وتعالى، مهما قال به فلان من الناس، والتعصب يُعمي فلا يصل صاحبه إلى الحق، وعليه أن ينظر إلى الأدلة من منظارين: 1/ الثبوت. 2/ الدلالة.
حكمــــــة
قال ابن جماعة: (ينبغي للطالب أن يقدم النظر ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه، وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته واشتهرت صيانته، وكان أحسن تعليما وأجود تفهيما ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل … وليجتهد أن يكون الشيخ ممن لـه من العلوم الشرعية تمام الاطلاع، وله مع من يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ من بطون الأوراق ولم يعرف بصحبة المشايخ الحذاق، قال الشافعي: من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام) تذكرة السامع صـ85.
حكمــــــة
جاء في كشف الظنون: (الملكة العلمية): اعلم أن من كانت عنايته بالحفظ، أكثر من عنايته إلى تحصيل الملكة، لا يحصل على طائل من ملكة التصرف في العلم، ولذلك ترى من حصل الحفظ، لا يحسن شيئا من الفن، وتجد ملكته قاصرة في علمه، إن فاوض أو ناظر، ومن ظن انه المقصود ـ أي الحفظ ـ من الملكة العلمية، فقد أخطأ، وإنما المقصود: هو ملكة الاستخراج والاستنباط وسرعة الانتقال من الدوال أو المدلولات ومن اللازم إلى الملزوم وبالعكس، فان انضم إليها ملكة الاستحضار فنعم المطلوب، وهذا لا يتم بمجرد الحفظ بل الحفظ والاستحضار هو راجع إلى جودة القوة الحافظة وضعفها.
حكمــــــة
قال صديق خان في أبجد العلوم عن تكوين الملكة العلمية عند طالب العلم: وأيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية فهو الذي يقرب شأنها ويحصل مرامها، فتجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلمية ؛ سكوتاً لا ينطقون ولا يفاوضون وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم، ثم بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصَّل تجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو عَلَّم، وما أتاهم القصور إلا من قبل التعليم وانقطاع سنده، وإلا فحفظهم أبلغ من حفظ سواهم لشدة عنايتهم به وظنهم أنه المقصود من الملكة العلمية وليس كذلك.اهـ من ابجد العلوم.
حكمــــــة
اعلم يا طالب العلم أن ملكة الفقه لا تتأتَّى إلا بالإرتياض في معرفة أقوال العلماء باختلافها، وما أتوا به في كتبهم، فالحق لا يعرف إلا إذا عُرف الباطل، والفاسد لا يعلم إلا إذا عُلِمَ الصحيح، فبضدها تتميز الأشياء، فنبتة التعصب إنما تنشأ عند من ألِف قولاً واحداً فتربى حتى كهل عليه قال سعيد بن جبير: (من عَلِمَ اختلاف الناس فقد فقه) و قال قتادة: (قال سعيد بن المسيّب: ما رأينا أحداً أسأل عما يختلف فيه منك، قلت: إنما يسأل من يعقل عما يختلف فيه، فأما ما لا يختلف فيه فَلِمَ نسأل عنه؟).
حكمــــــة
تتكون ملكة الترجيح لدى الطالب بأسباب أهمها: 1 ـ الإكثار من حفظ الأدلة من نصوص الكتاب والسنة، خاصة ما يستدلون به في الأحكام. 2 ـ دراسة قواعد الترجيح نظـرياً من كتـب أصول الفقه. 3 ـ دراسة التطبيق العملـي لقواعد الترجيح، وذلك بقراءة ترجيحات العلمـاء في كتب الفقه المبسوطة، وشروح آيات الأحكام وأحاديث الأحكام. فمع هذه الدراسة تتكون على التدرج ملكة الترجيح لدى الطالب فتقوده إلى معرفة الراجح في الشرع وهو ما تشهد بصحته نصوص الكتاب والسنة. ولكن، وحتى تتكون هذه الملكة لدى الطالب فإنه ينبغي له أن يستعين ببعض الكتب التي ترشده إلى ذلك، ويأتي على رأس كتب الترجيح: كتابات ابن تيمية ثم كتابات ابن القيم ثم كتابات الشوكاني ثم كتابات ابن حزم رحمهم الله.
حكمــــــة
أقسام الناس بالنسبة للعلوم الشرعية: الأول: المقلد، وهو العامي الذي لا يملك النظر في النصوص ولا أقوال العلماء. الثاني: المتبع، وهو الذي عنده من العلوم ما يؤهله للنظر في أقوال أهل العلم، ولكن لا يستطيع النظر مباشرة في النصوص. الثالث: المجتهد، وهو الذي حصل من العلوم الشرعية والعربية ما يؤهله للاستنباط مباشرة من الكتاب والسنة.
حكمــــــة
من أخلاق طلاب العلم وصفاتهم: تعظيمهم لحرمات الله تعالى، وغيرتهم ؛ إذا انتهكت حرماته تعالى ؛ ونصرة دين الله وشرعه، وكثرة تعظيمهم لحرمات المسلمين ومحبة الخير لهم قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)(الحج: من الآية30)،(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(الحج: من الآية32)، وسد باب الغيبة في مجالسهم، ويحفظون ألسنتهم منها ؛ لئلا يصبح مجلسهم مجلس إثم.
حكمــــــة
قال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أراه قال في المسجد؛ فما كان منهم محدثا إلا ودَّ أن أخاه قد كفاه الحديث، ولا مفتي إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا، وفي رواية: يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول !!
حكمــــــة
من آداب الطالب: ألا يتحدث مع غيره والشيخ يتحدث معه أو مع جماعة المجلس، ومنها ألا يقطع عليه كلامه، أي كلامٍ كان، ولا يسابقه، ولا يساوقه، بل يصبر حتى يفرغ من كلامه ثم يتكلم، وأن لا يسبقه إلى شرح مسألة، أو جواب سؤال منه أو من غيره، ولا يساوقه فيه، ولا يظهر معرفته به، أو إدراكه له قبل الشيخ، فإن عرض الشيخ عليه ذلك ابتداءً، والتمسه منه؛ فلا بأس، وكذا ينبغي أن لا يُقَصر في الإصغاء والتفهم، أو يشغل ذهنه بفكر أو حديث ثمَّ يستعيد الشيخ ما قاله، لأن ذلك إساءة أدب، بل يكون مصغياً لكلامه، حاضر الذهن لما يسمعه من أول مرة.
حكمــــــة
حكى أبو بكر الرازي عن أبي حسن الكرخي رحمهما الله تعالى: (أن من مشى في السوق بسراويل وليس عليه غيره؛ لا تقبل شهادته لأنه تارك للمروءة، وكذلك لا تقبل شهادة من يأكل في السوق بين يدي الناس، وكذا من يمد رجليه عند الناس). ينظر: لسان الحكام 1 / 245. ياطالب العلم عليك بمصاحبة أهل الهمم العالية، وقديماً قالوا: قل لي مَن تصاحب، أقل لك مَن أنت، والصاحب ساحب.
حكمــــــة
من ثمرات قراءة الكتب تقييد الفوائد، حتى ذكر الكثير من أهل العلم أن قراءة الكتب قد لا يتحقق منها الفائدة المرجوه إلا بتقييد هذه الفوائد، وكثيراً ما يقرأ الإنسان شيئاً فيعجبه، ويظن أنه قد علق بذاكرته، فإذا هو في الغد قد ضاع منه العلم، وضاع معه مفتاحه، فانتهى إلى حيرة في استعادته واسترجاعه العلم صيد والكتابة قيد فإذا ضاع القيد؛ ذهب الصيد.
حكمــــــة
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: من حق المعلم عليك أن تسلم على الناس عامة وتخصه دونهم بتحية، وأن تجلس أمامه ولا تشيرنَّ عنده بيدك، ولا تغمزن بعينيك، ولا تقولن قال فلان خلاف ما تقول، ولا تغتابنَّ عنده أحدا، ولا تشاور جليسك في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه إذا قام، ولا تلح عليه إذا كسل ولا تعرض ـ أي تشبع ـ من طول صحبته.
حكمــــــة
بين الهوى والعجب (أما الهوى المتبع، فهو طلبك المنزلة في قلوب الخلق لتنال الجاه والحشمة، وفيه هلك أكثر الناس، وأما العجب فهو الداء العضال، وهو نظر العبد إلى نفسه، بعين العز والاستعظام، ونظره لغيره بعين الاحتقار، وثمرته أن يقول: أنا وأنا؛ كما قال ابـليس، ونتيجته في المجالس التقدم والترفع، وطلب التصدر وفي المحاورة الاستنكاف من أن يُردَّ كلامه، وذلك مهلك للنفس في الدنيا والآخرة ).
حكمــــــة
الناس في طلب العلم ثلاثة: رجل: طلبه ليتخذه زاداً إلى المعاد، لم يقصد إلا وجه اللّه، فهذا من الفائزين. ورجل: طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به الجاه والمال، ومع ذلك يعتقد خسة مقصده، وسوء فعله، فهذا من المخاطرين، فإن عاجله أجله قبل التوبة، خيف عليه سوء الخاتمة، وإن وفق لها فهو من الفائزين. ورجل: استحوذ عليه الشيطان، فاتخذ علمه ذريعة إلى التكاثر بالمال، والتفاخر بالجاه، والتعزز بكثرة الأتباع، وهو مع ذلك يُضمر أنه عند اللّه بمكان !! لاتسامه بسمة العلماء، فهذا من الهالكين، المغرورين، إذ الرجاء منقطع عن توبته، لظنه أنه من المحسنين. " نسأل الله العافية ".
حكمــــــة
تحقيق المسائل العلمية يتم بأمور: ـ جمع النصوص في المسألة، إن كانت شرعية فتؤخذ من الكتاب والسنة. ـ النظر في الحديث، صحةً وضعفاً. ـ التأكد من النسخ في الآية أو الحديث. ـ حصر أقوال أهل العلم في المسألة. ـ النظر في الأقوال والترجيح، وذلك بمسكة من أصول الفقه. ـ ذكر القول الراجح، وسبب ترجيحه، ولماذا أهملت الأقوال الأخرى.
حكمــــــة
إذا عرف الطالب القول الراجح في مختلف المسائل كان عابداً لله على بصيرة وصواب، وكان مفتياً غيره بالحق الموافق للكتاب والسنة، فإذا فرَّط في هذا؛ وأفتى؛ ضلَّ وأضلَّ، وهلك وأهلك. تنبيه:إن لفظ (الراجح) يرد في كلام الفقهاء على معنيين: أحدهما الراجح في المذهب، والثاني الراجح في الشرع. فأحيانا: يقصدون بلفظ الراجح أي القول الراجح في مذهب معين، وهو القول الذي عليه أكثر فقهاء المذهب، أو القول الذي نصّ عليه إمام المذهب، أو القول المتأخر لإمام المذهب أو قول أكثر أصحابه أو قول ألزم أصحابه به إذا تعددت أقوال الإمام. وأحيانا: يقصدون بلفظ الراجح أي الراجح في الشرع الذي تشهد له نصوص الكتاب والسنة وإن كان بخلاف الراجح في المذهب. يقول ابن تيمية رحمه الله في بيان هذين النوعين: (ومن كان خبيراً بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح في مذهبه في عامة المسائل، وإن كان له بصر بالأدلة الشرعية عرف الراجح في الشرع).
حكمــــــة
عند الاستدلال بالسنة يجب توفر شرطين وهما:- الشرط الأول: صحة الدليل ومعنى صحة الدليل هي سلامته من العلل التي تضعف الحديث. الشرط الثاني: صحة الاستدلال ومعنى صحة الاستدلال أن لا يحمل الدليل مالا يحتمل. ذُكر عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: خمس إذا سافر فيهنَّ رجل إلى اليمن كنَّ فيه عِوضاً من سَفره: لا يخافُ عبدٌ إلا ذنبه ولا يرجوا إلا ربه، ولا يستحي جاهل أن يسأل، وفي لفظ ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي مَن يعلم إذا سُئل عمَّا لا يعلم أن يقول الله أعلم، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له.
حكمــــــة
من موانع العلوم وعوائقها: اعلم انه على كل خير مانع، وعلى العلم موانع: منها الوثوق بالمستقبل، والوثوق بالذكاء، والانتقال من علم إلى علم قبل أن يحصل منه قدر يعتد به، أو من كتاب إلى كتاب قبل ختمه، ومنها طلب المال أو الجاه، أو الركون إلى اللذات البهيمية، ومنها ضيق الحال وعدم المعونة على الاشتغال، ومنها إقبال الدنيا وتقليد الأعمال، ومنها كثرة التأليف في العلوم، وكثرة الاختصارات؛ فإنها مخلة عائقة.
حكمــــــة
لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه. أجل العلوم ما قرَّبك من خالقك، وما أعانك على الوصول إلى رضاه، وهذه هي علوم الكتاب والسنة. قال الحافظ ابن رجب: (فالذي يتعيَّن على المسلم الاعتناءُ به والاهتمامُ: أن يبحثَ عمَّا جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العِلْمية. وإن كان من الأمور العَمَلية، بذلَ وُسْعَه في الاجتهاد في فِعْل ما يستطيعه من الأوامر، واجتناب ما يُنهى عنه، وتكون همته مصروفة بالكُلِّية إلى ذلك، لا إلى غيره، وهكذا كان حالُ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في طلبِ العلم النافع من الكتاب والسنة).
حكمــــــة
العلماء ثلاثة مراتب: أ- عالم عقله أكبر من علمه، عنده علم قليل، ولكن عنده حكمة وبصيرة في توجيه الناس وإرشادهم إلى ما يكون فيه خير كثير. ب- عالم علمه أكبر من عقله، عنده علم كثير ويحفظ ويقرأ، ولكنه لا يحسن وضع الأمور في نصابها. ج- عالم استوى عقله وعلمه، وهذه مرتبة الكمال، فلا بد من الأمرين للمتصدر. العلم: وهو الركيزة الأولى، والعقل: الذي يعرف به محاسن الأمور ومساوئها، وهذه الركيزة الثانية.
حكمــــــة
على طالب العلم أن يحسن خطابه مع الشيخ بقدر الامكان ولا يقول له " لـم " ولا " لا نسلم " ولا " من نقل هذا " ولا أين موضعه " وشبه ذلك،فإن أراد استفادته تلطف في الوصول إلى ذلك، ثم هو في مجلس آخر أولى على سبيل الإفادة، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض السلف: من قال لشيخه لِمَ؟ لم يفلح أبدا، وإذا ذكر الشيخ شيئا فلا يقل: هكذا قلتُ أو خطر لي أو سمعتُ أو هكذا قال فلان، إلا أن يعلم إيثار الشيخ ذلك، وهكذا لا يقول: قال فلان خلاف هذا، وروى فلان خلافه أو هذا غير صحيح ونحو ذلك، وإذا أصرَّ الشيخ على قول أو دليل ولم يظهر له، أو على خلاف صواب سهوا فلا يغير وجهه أو عينيه أو يشير إلى غيره كالمنكر لما قاله بل يأخذه ببشر ظاهر، وإن لم يكن الشيخ مصيباً لغفلة أو سهو أو قصور، فإن العصمة في البشر للأنبياء صلى الله عليهم وسلم.
حكمــــــة
يا طالب العلم: إن القائل أقل ملالة من المستمع فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء، فانظر ماذا تحشو به وعاءك، واعزف عن الدنيا وانبذها وراءك، فإنها ليست لك بدار، ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغة للعباد ليتزودوا منها للمعاد، ووطِّن نفسك على الصبر تلقى الحلم، وأشعر قلبك التقوى؛ تنل العلم، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم.
حكمــــــة
يا طالب العلم تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكوننَّ مكثارا بالمنطق مهذارا، فإن كثرة المنطق، تشين العلماء، وتبدي مساوي السخفاء، ولكن عليك بذي اقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فضل الحكماء، وزين العلماء، وإذا شتمك الجاهل فاسكت عنه سلما، وجانبه حزما، فإن ما بقي من جهله عليك، وشتمه إياك أعظم وأكثر.
حكمــــــة
كيف تبلغ الدرجات العلى؟: قال الخطيب البغدادي في كتابه اقتضاء العلم العمل: وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا، وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى، إلا بالتشمير في السعي، والرضى بالميسور، وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم، وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب؟! وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟! وهل المغرم بحبها إلا ككانزها وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها؛ كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها، وراعى واجباتها، فلينظر امرؤ لنفسه، وليغتنم وقته فإن الثواء قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والناقد بصير، والله تعالى بالمرصاد، وإليه المرجع والمعاد (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).