2. فوائد من كتاب أثر المرء في دنياه لمحمد موسى الشريف
حكمــــــة
لابدّ لصاحب الهدف العظيم أن يقرن هدفه دوماً بأمرين اثنين مهمين: الأول: الشعور بالتحدي بينه وبين نفسه لبلوغ هدفه، وأنه مهما واجهه من مصاعب ومشكلات فإنه سيتغلب عليها بحول الله وقوته ليصل إلى مراده، وهذا الشعور مهم جداً للقفز فوق العقبات والحواجز، وبدونه ربما يئس المرء وانقطع، أو كَلّ وضعف عن بلوغ مراده. الآخر: شيء من المخاطرة وقليل من المغامرة يمزجهما مع هدفه الذي يريد الوصول إليه، ولا بدّ له من هذا، أما إن قام يحسب ألف حساب لكل خطوة من خطواته، وكل حركة يريد إحداثها فإنه يضع العربة بنفسه أمام الحصان ولن يصل إلى شيء ملموس بسبب تخوفه وتوهمه، ولا أريد من كلامي هذا أن يصل المرء إلى درجة التهور لكن أريد أمراً وسطاً، بين بين.
حكمــــــة
كيفية ترك الآثار المحمودة الجليلة: الركن الرابع: العلم الواسع والثقافة المناسبة: وهذا أمر مهم لكن لا بد أن يُفهم فهماً جيداً، وذلك أن المقصود بالعلم الواسع إنما هو ما يحتاجه الشخص في المجال الذي يعمل فيه، فالذي يريد أن يترك أثراً علمياً طبيعياً ضخماً فلا بد له أن يكون صاحب علم واسع في مجال تخصصه، فالفيزيائي لن يُحدث التغيير المطلوب إذا نقص عمله في الفيزياء، وكذلك صاحب الرياضيات والعلوم المختلفة، والطامع في أن يترك أثراً نافعاً في أعمال الخير والبر لابد أن يكون على دراية تامة بطرقها وأساليبها، والطامح في إحداث أثر عظيم في الدعوة إلى الله تعالى وهداية الناس لا بد له من معرفة واسعة بها وتجربة طويلة لها، وهكذا...
حكمــــــة
الثقافة ضرورة لمريدي التغيير الواسع لا غنى لهم عنها، سواء أكانت ثقافة إسلامية أم ثقافة إنسانية عالمية، وذلك حتى يتمكن المرء من معرفة واقعه على ماهو عليه من غير استهانة ولا مبالغة، وهاته المعرفة ضرورة لمواجهة مكر الأعداء وكيدهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين، وهي ضرورة للداعية الراجي تقويمَ قومه وردهم إلى حظيرة الإسلام والاقتناع بشعائره وشريعته وتطبيقها في واقع الحياة.
حكمــــــة
كم من الأشخاص في زماننا ممن يسمون دعاةً لا يستطيع الواحد منهم أن يتحدث الحديث الجيد المقنع عن الإسلام وشعائره وشرائعه، ولا يستطيع مجادلة أهل الضلال والشبهات، ولا يقدر على فهم واقعه على ماهو عليه، ولا يُظن بي المبالغة فهذا واقع في دنيا الناس، ولم آتِ بشيء – في هذا الكتاب – يُعد من الخيال أو التخرصات أو المبالغات – إن شاء الله تعالى – فكل ما ذكرته واقع مفتقر إلى معالجة جادّة، ولئن سألت أولئك: لماذا هم هم كذلك؟ لأجابوا: لأننا لا نعلم ولا ندري فنحن لا نقرأ، إذا هم رضوا بعجزهم بل بعضهم يفخر به بقوله: أنا لا أحب القراءة ولا أستطيعها.
حكمــــــة
المرء إن تخلّف وضعف في باب الثقافة فلم يتزود ولم يُحْنِ ظهره ويسهر ليله فمَن يتصدّر ويتحدث عن الإسلام؟! أيتحدث عنه الكفار، أو أعداؤه ممن جهلوه، أو عامة الضعاف الذين ليسوا مؤهَّلين في الأصل لهذا؟! فكيف يطمع طامع في إحداث أثر كبير وتغيير نافع وهو محدود الثقافة لا يكاد يدري عن دنيا الناس الدراية التي تؤهله لضبط مسيرته، وفهم واقعه، ومعرفة موازين الناس، والمؤثرات التي تؤثر فيهم، والعوامل التي تُنهضهم أو تُقعدهم.
حكمــــــة
قطف اللادينيون والمحررون ثمار الأعمال العظيمة في العالم الإسلامي التي قامت لتخرج الاستخراب العالمي من أرضها، وقدّمت تضحيات هائلة، فجاء هؤلاء الرهط فقطفوا الثمار، وتولوا مقاليد الأعمال، وكانوا في كثير من البلاد الإسلامية أسوأ على أهلها من الاستخراب وأشد خطراً وأثراً، ولئن سألت عن السبب في هذا، وكيف استطاع هؤلاء أن يفعلوا هذا الفعل العجيب لكان الجواب هو نقص الوعي، وقلة الثقافة، وضعف العلم الذي كان متفشياً في الناس عامة وفيمن جاهدوا وأخرجوا الاستخراب من أرضهم خاصة، وهذه الآفات هي من الأمراض المؤثرة التي كانت قد أصابت أكثر العاملين لتحرير أوطانهم وخدعهم بها أصحاب اليسار واليمين، واستطاعوا أن يقصوهم بعد ذلك ويستلموا مقاليد الأمور.
حكمــــــة
أثر فَقْد أو ضعف الركن الأول: حُسن الصلة بالله:وهو الركن الأعظم، فمَن فقده فقد عمله كله والعياذ بالله، أو فقد منه بمقدار ما فقد من الصلة بمولاه، وهناك أمور قد يُتسامح فيها في هذا الباب كنقص في التطوعات، أو كتفريط في بعض السنن، أو إتيان شيء من المكروهات، أو إلمام بأمور من الصغائر، أو حدوث شيء من الغفلة وترك للأذكار، لكن الذي لا يتسامح فيه أبداً هو النية والقصد، فمَن كانت نيته مدخولة مغشوشة لم يبارك الله له في عمله، وأراه سوء نتائجه عوضاً عن الأثر المحمود الذي كانت تطمع به نفسه المريضة، وأقرب مثال على هذا الجهاد الأفغاني الذي كان ملءَ السمع والبصر، وكان محط آمال المسلمين، ونشيدهم الذي يُنشدون، وطلبهم الذي يَنشدون، ثم إن الله تعالى طرد عنهم الروس الملاحدة، وأورثهم الأرض،دُخلت نية بعض قادتهم، وفارقها الإخلاص، سلّط الله عليهم مَن سلبهم ملكهم.
حكمــــــة
كم سمعنا من أعمال عظيمة عُمِلَت ثم طواها النسيان، وأصبحت أثراً بعد عين، وماءً في غِرْبال، ومثال ذلك: الاتحاد السوڤييتي الهالك، فقد أنشأه رجال كان لهم الهدف العظيم والعلم الواسع، والصفات الشخصية الجيدة، لكن انظروا لما افقدوا الركن الأول وهو الصلة بالله تعالى كيف أهلك الله دولتهم وأذهب عملهم فصار كأمس الذاهب لا قيمة له، وطواه النسيان حتى أن الأجيال التي أتت بعد ذهاب دولتهم لم تعد تعرفهم ولا تذكرهم، والحمدلله رب العالمين.
حكمــــــة
أثر الكبائر في محق الآثار: ومن الأمور الدالة على ضعف الصلة بالله ومن ثم ضعف العمل وأثره هو خلط العمل بالمعاصي الكبائر، والاستهانة بهذا الأمر والإقدام عليه، وكم من الناس من سعى في الأرض سعياً حثيثاً، وضرب فها يميناً ويساراً سنوات طويلة وترك سعيه هذا وضربه ذلك في الأرض آثاراً ربما تكون ملء السمع والبصر، لكنها آثار ناقصة لم تكتمل، ولم يبارك الله تعالى فيها، فهي كالمولود الخِداج الناقص الذي يظل يعذب أهله طويلاً وربما في النهاية لا يمكث في الأرض، أو إن يعش عاش ناقصاً ضعيفاً لا يصلح للأعمال الجليلة العظيمة.
حكمــــــة
كان الإمام النووي هو إحدى الشخصيات القليلة على مدار التاريخ الإسلامي التي اجتمعت كلمة الناس في الثناء عليها، والرضا بحالها، من الموافقين لمذهبه، ومن المخالفين له فيه، ومن السالكين نهجه، ومن السالكين طرائق أخرى، لا أعلم أن أحداً من الناس طعن عليه طعناً مؤثراً باقياً، وهذا من أعجب العجب. والناظر لكتبه يعلم هذا؛ إذ ليس هو بالفقيه الشافعي الأول فهناك مَن هو أفقه منه لكن كتبه الفقهية ظلّت مراجع على مدار الزمان.
حكمــــــة
هناك عوائق عديدة تقف حوائل دون الوصول إلى أن يحقق المرء أثراً في دنياه، لكن الذكي البطل الموفّق هو الذي يتجاوز تلك العوائق، ويقفز الحواجز، ويدور حول العقبات حتى لا يستسلم وقد كان له سبيل يسلكها من العوائق تتلخص في الآتي: عقبة المجتمع: ذلك أن مجتمعاتنا العربية الإسلامية فيها عدة عيوب قد تصرف طالب العمل العظيم عن وجهته، وتذهب به بعيداً عن هدفه، وقد تحبطه وتؤيسه، وقد تؤذيه وتقعده، فمن تلك العقبات: الترف المُقْعِد في عدد من الدول العربية والإسلامية الذي يصيب المجتمع بالترهل والضعف والتراخي، فيصبح الباحث عن المعالي في هذا المجتمع كباحث عن إبرة فقدها وسط كومة من القش.
حكمــــــة
التواضع الكاذب: وأعني به ذلك الانكسار الدائم في شخصية المرء، فتجده يعتذر دائماً بأنه ضعيف لا يستطيع تحمُّل المسؤولية، أو هو أقل مما يؤمل منه، أو أن الآخرين خُدعوا به حيث ظنوا فيه خيراً، أوَلم يعلم أن قليله كثير عند الآخرين، وما يظنه من نفسه إنما هو بخلاف ما وهبه الله من قدرات مكنونة في نفسه ينتظرها ويرجو خيرها سائر المسلمين؟ والعجيب أن مثل هذا المنكفئ المنكسر يرى من هو أقل منه علماً وفقهاً يتصدر ويُسمع قوله وهو ما زال متردداً متعللاً متوانياً. والخطر في هذا الخلق الذميم أن صاحبه قد يعتاد استعظام الأمور حتى إن كانت يسيرة، فينتهي به الأمر إلى القعود والعجز الكلي، والعياذ بالله.
حكمــــــة
التحسس ورهف المشاعر: إن الشخصية اللطيفة الحس، المستقيمة في تصوراتها وعواطفها لهي الشخصية المطلوبة الجيدة حقاً، أما إن طغت عليها عواطفها، وأصبحت في غاية التحسس والرقة فإن في ذلك فسادَها وذهاب قوتها وتميزها، ولا يعود يستطاع التبسط في الحديث مع من شأنه كذلك، إذ هو يحمل الكلام على محاملَ كثيرة، ويؤوّل تأويلات لا يتحملها الكلام بل لم تخطر على بال المتكلم أصلاً، ويصير ذلك الشخص متأثراً بالأحداث حوله إلى الغاية التي تنفر أقرب الناس إليه من حاله وصفته. وهذا كله مدخل كبير إلى عجز ذلك المتحسس عجزاً كبيراً، لا يستطيع الخلطة مع الناس على وجه مرضي، ولا الناس يرغبون في لقائه والمكث معه وهو كذلك، فينتهي به الأمر إلى العزلة والانقطاع.
حكمــــــة
الكسل مؤدَّ إلى العجز ولا بد، حيث إنه يمنع المرء من الخروج من منزله وحيِّه لغرض الإصلاح والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يمنع المرء من الحركة إلى المساجد وطلب العلم، بل قد يمنعه من الحركة في بيته لتربية أولاده ومراقبتهم، ومَن كان حاله كذلك فهو العاجز عجزاً كلياً، نسأل الله السلامة والعافية.
حكمــــــة
ينبغي أن يعالَج الكسل لئلا يؤدي إلى الفتور (وهو داء يصيب العاملين يؤدي في أسوأ أحواله إلى الانقطاع بعد الاستمرار، وفي أحسن أحواله يظهر السكون والكسل والتراخي والتباطؤ بعد الحركة، وورود الفتور أمر عارض يجب ألا يُسلم له... فالداعية إن كانت له فترة فلتكن استراحة مقاتل يعود بعدها إلى العطاء والجهاد.
حكمــــــة
السآمة والملل: إن الله تبارك وتعالى وضع سنناً تسيِّر هذا الكون وتحكمه، وهي سنن حكيمة لها حد تنتهي إليه بعلم الله، تبارك وتعالى، فمن هذه السنن أن الفساد الناجم عن طول معاشرة الناس للمنكرات واستمرائهم لها لا يزول إلا بإصلاح تدريجي قد يطول فيستغرق أجيالاً، أو يقصر ليتحقق في الجيل نفسه لكن بعد سنوات طويلة، والناظر في التاريخ الإسلامي بل تاريخ النبوات والمصلحين منذ آدم – عليه الصلاة والسلام – يرى ذلك واضحاً جلياً لا يحتاج إلى برهان. والمتصدُّون لهذا الإصلاح لابد أن يوقنوا بذلك، ويوطِّنوا أنفسهم على بذلك الأوقات الغالية على مدى أزمان طويلة متتالية – قد تبلغ ثلاثين أو أربعين سنة أو أكثر – حتى يستقيم له طائفة معتبرة من الناس على منهج الله تبارك وتعالى.
حكمــــــة
إن جاء أناس تعجّلوا وظنوا أنهم قد يختصرون زمان الإصلاح إلى سنوات قليلة معدودة فهؤلاء لم يفقهوا تلك السُنّة ولم يفهموها حقّ الفهم، وعملهم هذا مبتدَع، حيث لا سباق لهم في ظنهم هذا، ولا يستطيعون الإتيان بدليل على ما ذهبوا إليه. ثم إن وضح لتلك الطائفة خطأ ما ذهبوا إليه وتعجّلوه ارتدّ أكثرهم على أعقباهم يائسين من الإصلاح، راغبين عنه، زاهدين فيه، قد علمتهم السآمة والملل، واعتراهم الكلال والضعف، فيصبحون عاجزين مثبطين، مُحبَطين مُحبِطين.
حكمــــــة
قد تكون السآمة – المؤدية للعجز – ناشئة عن نفس ملولة سَئِمة متقلبة، لا تستقر على أمر، ولا ترضى بالثبات على حال واحدة مُرْضية زماناً طويلاً، أو تكون ناشئة عن مزاجية في العمل فما رغب فيه عمله وما رغب عنه تركه، أو تكون ناشئة عن إحباط، فقد يعمل الشخص طلباً لمنصب أو تحقيقاً لغرض، فإن لم يدركه أصابته السآمة وترك العمل.
حكمــــــة
الانقباض وضيق العَطَن: نفوس المصلحين لا بد أن تكون رحبة، بعيدة عن العسر، قريبة من الناس، تُؤْثر الخلطة المفيدة، وتُشعر الناس جميعاً أنهم قريبون منها على الدوام، أما إن كان الثقات عسرين، منقبضين، ضيقي العَطَن، راغبين عن الناس، مؤثرين العزلة غير المفيدة ولا المنضبطة بضوابط الشرع المطهر فإنهم سيكونون عاجزين كل العجز عن إصلاح المجتمع والتأثير الإيجابي فيه، ولن يُحتاج إلى أحدهم إلا اضطراراً وبقدر، وعدا عن ذلك فإنهم سيكونون منعزلين ما لم تشتد حاجة الناس إليهم، كحاجة السابقين إلى الأعمش رحمه الله تعالى.
حكمــــــة
اليأس نقيض الحياة، وهو الموت المبكر، وذلك لأن اليائس قد أظلمت الدنيا في وجهه قبل ظلمة القبور، ومات الأمل في نفسه وذهنه وقلبه قبل موت أعضائه، فهو في الدنيا حساً لكنه معدود في عالم الأموات الذي يشمل أصنافاً كثيرة منها من خرجت روحه وفارق الدنيا، ومنها اليائس، ومنها الكافر، ومنها الضال عن منهج الله، إذ حياة أولئك أشبه بموتهم، والعياذ بالله تعالى.
حكمــــــة
من المؤثرات النفسية التي يواجهها الدعاة ويستشعرون بها، ويجدون الكثير ممن يُحسبون على الإسلام يتشدقون بها ويرفعون لواءها المؤثر التيئيسيّ الانعزاليّ الذي يُقعدهم عن مسؤولية الدعوة، ويثبطهم عن فرضية الجهاد، ويدفعهم إلى عزلة المجتمع والركون إلى الاسترخاء والانطوائية... وهذه الظاهرة من التيئيس والتثبيط إذا استفحلت في أمة وترسخت في نفسية الدعاة فإنها – في الحقيقة – القاصمة التي تقصم مسيرة العمل الإسلامي، والحالقة التي تحلق التفاؤل بالنصر، فلم يبقَ لإقامة العزة الإسلامية في النفوس رجاء، ولم يعد لاستعادة الأمجاد التاريخية أمل)
حكمــــــة
الغموض: هو هالة تحيط بالمرء فلا يعود يُعرف ماذا يريد، ولا ما هي أهدافه، ولا يستطيع المرء معرفة أو تحديد طريقة حياة ذلك الشخص أو كيف يفكر، وقد ينشأ هذا الغموض من ظرف نفسي خالط ذلك الثقة فغمض حاله وجُهل فصار يؤثر العزلة والانقباض مثلاً، أو قد ينشأ هذا الغموض من سبب خارجي عنه كهيئة أو خلقة أو لباسٍ غريب عن مجتمعه، أو كل ذلك جميعاً. والغموض الملازم للشخص مؤدِّ به إلى العجز ولا ريب، إذ سيتجنبه الناس فلا يخالطونه، ويخافونه ويحذرونه، ولا يوادّونه، فيجب على من ابتلي بهاته الصفة أن يسارع إلى التخلص منها قدر المستطاع حتى يعود مشاركاً للناس في حياتهم على الوجه الذي يكفل دعوتهم وإصلاحهم.
حكمــــــة
الخوف:وهو داء قتّال، إن أصيب به المرء ضعف ضعفاً عظيماً، وخارت قواه، ووهت عزيمته؛ إذ من شروط طالبي ترك الأثر في دنيا الناس أن يكونوا متوكلين على الله تبارك وتعالى في شؤونهم كلها، والخائف ليس متوكلاً، إذ هو يخاف من مجهول المستقبل على نفسه، أو ماله أو عياله، أو وظيفته، فيصبح في هاجس دائم وخوف مستمر قد يملك عليه أرجاء نفسه فينسحب من جنة الدنيا إلى صحرائها، ومن نعيم التوكل إلى جحيم القلق، فينتهي به الحال إلى عجز مطلق مستمر، وذل دائم – والعياذ بالله – لا يزول إلا بزواله ولا ينتهي إلا بنهايته.
حكمــــــة
إن الخوف يعظم حال الفتن والمصائب، لكنها (سنة الله القديمة في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة وليكونوا لها أهلاً: أن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم، وأن يلقوا في سبيلها العَنَت والألم والشدة والضر، وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة، حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم لم تزعزعهم شدة ولم ترهبهم استحقوا الجنة، لأن أرواحهم قد تحررت من الخوف، وتحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة أو على الدَعَة والرخاء، فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة، وأرفع ما تكون عن عالم الطين: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب *.
حكمــــــة
التردد: وهو من الأسباب الموصلة للعجز، وذلك لأن المتردد قلّما يعزم على أمر، وإذا عزم على إبرام أمر فإنه قلّما يمضيه، فيظلّ يراوح مكانه، وتأتيه الفرصة تلو الفرصة وهو عاجز عن اقتناصها، بل هو مشغول عن الجديدة بالتحسر على تردده في أمر القديمة، وهكذا يظل عمرَه عاجزاً عن الوصول إلى معالي الأمور.
حكمــــــة
العقبات الخارجية: وهي متمثلة في كيد الأعداء المتربصين، ومكرهم، وأعينهم المفتوحة على كل عمل نافع للمسلمين منتشل لهم من حفرة التخلف والضعف، والذل والهوان، فكم وأدوا من مشاريع نافعة وأعمال صالحة جليلة، وكم أسقطوا من مشاريع جهادية، ومؤسسات إسلامية، وجمعيات خيرية، وهيئات إغاثية وهم يقفون اليوم عقبة كبيرة أمام المسلمين حتى في جمع المال لتوزيعه على الأيتام والفقراء وأولاد الشهداء، والعوائل المنكوبة!!
حكمــــــة
قول الدكتور محمد البهي رحمه الله تعالى: (إن التبشير والاستشراق كلاهما دعامة الاستعمار (الاستخراب) في مصر والشرق الإسلامي، فكلاهما دعوة إلى توهين القيم الإسلامية، والغض من اللغة العربية، وتقطيع أواصر القربى بين الشعوب العربية وكذا بين الشعوب الإسلامية، والتنديد بحال الشعوب الإسلامية المعاصرة والازداراء بها في المجلات العالمية).
حكمــــــة
الغزو الفكري والحضاري: وهذا بحر واسع من الكيد يتناول المجالات السياسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية، واستخدم الأعداء لذلك شبكة واسعة من وسائل الإعلام سيط عليها يهود حاقدون أو صليبيون كائدون، واليهود يسيطرون على آلاف الجرائد والمجلات والقنوات الفضائية والإذاعات في العالم، ويسطرون اليوم على مئات الآلاف من مواقع الإنترنت.
حكمــــــة
يمكن في زماننا هذا تجاوز عدد من صفات الضعف والخصائص المقعدة، والأمراض الشخصية والنفسية عن طريق العلاج بالدورات الإدارية، ودورات تنمية النفس والشخصية، ودورات البرامج اللغوية العصبية – على ملاحظات ألحظها في تلك الدورات ينبغي مراعاتها، ملاحظات شرعية وملاحظات في آليات التدريب – وغيرها من الدورات التي كثرت في زماننا كثرة لافتة، وفيها الجيد والرديء، والغث والسمين، والمبالغ والمقبول، فعلى المرء أن يتخير منها المفيد النافع قدر إمكانة، والعاجز البأس هو الذي يظل يشاهد ضعفة، ويلاحظ تقصيره وعجزه، ثم هو لا يحرك ساكناً، ولا يحاول القفز فوق ضعفه والدوران حول عجزه.
حكمــــــة
تقلُّب الذين كفروا في البلاد مظهر من مظاهر النعمة والوجدان، ومن مظاهر المكانة والسلطات، وهو مظهر يحيك في القلوب منه شيء لا محالة، يحيك منه شيء في قلوب المؤمنين وهم يعانون الشظف والحرمان، ويعانون الأذى والجهد، ويعانون المطاردة أو الجهاد، وكلها مشقات وأهوال، بينما أصحاب الباطل ينعمون ويتمتعون، ويحيك منه شيء في قلوب الجماهير الغافلة وهي ترى الحق وأهله يعانون هذا العناء، والباطل وأهله في منجاة بل في مسلاة، ويحيك من شيء في قلوب الضالين المبطلين أنفسهم فيزيدهم ضلالاً بطراً ولجاجاً في الشر والفساد، ولكن متاع قليل ينتهي ويذهب، أما المأوى الدائم الخالد فهو جهنم وبئس المهاد).
حكمــــــة
عدم الالتفات إلى العقبات شبه الوهمية: والذي أعنيه من العقبات شبه الوهمية هي العقبات التي تنتج بسبب كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، والغيرة، وغير ذلك من الأمراض النفسية، وإنما قلت: هي شبه وهمية لأن له أثراً ولا شك لكن لا يرقى – في أحوال كثيرة – إلى أن يكون أثراً مُقعداً للشخص، وذكر الله تعالى يذهبه، وقراءة القرآن – خاصة سورة البقرة – يزيله إن شاء الله تعالى، والمحافظة على حُسن الصلة بالله يضعفه أيّما إضعاف، ولله الحمد.
حكمــــــة
توطين النفس على العمل مهما أحاط بها من مشكلات: وهذا أمر ليس باليسير ولا السهل، بل هو في غاية من الصعوبة، إذ يقلّ مِنْ الناس مَن إذا أحاطت به المشكلات لم يتأثر بها التأثُّر المقعد له عن تحصيل الكمالات وبلوغ المعالي، ولكن أيضاً قليل من الناس مَن يصل إلى المعالي وإلى العمل المؤثر النافع. فإذا أزعجتك زوجتك فاخرج من بيتك، أو اجعل بينك وبين نكدها وإلحاحها وإزعاجها – إذا لم يكن له وجه حق وإلا لزمك الاستماع لها- حجاباً، وعوّد نفسك على ذلك إن لم يمكن حل مشكلتها، وكذلك الزوجة مع زوجها المزعج المؤذي إن لم يوجد حل نافع معه، مع الفارق في الوسائل طبعاً.
حكمــــــة
توقع البلاء: وهذا أمر مهم في رد كل العقبات، إذ لا بد للمرء أن يفهم أنه إن تصدّى لعمل كبير ضخم فسيجد من المشكلات الكثيرة الضخمة الشيء الكثير، ولا بد له أن يفهم أيضاً أن هذا من جملة البلاء الذي لابد للصالحين والعاملين منه. سئل صلى الله عليه وسلم عن أشد الناس بلاءً فقال: (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً قالَ الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ. الترمذي.
حكمــــــة
ما هو حجم هذا البلاء النازل بأحدنا مقارنة بما كان يبتلى به الأنبياء والصالحون من قتل وتعذيب ونكال؟!. فعن خباب رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله؟ فقعد وهو مُحْمَرٌّ وجهُه فقال: (لقد كان من قبلكم ليُمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق بإثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه) صحيح الإمام البخاري.
حكمــــــة
قد يسأل سائل: كيف أعمل وأنا محاط بالمشكلات؟! فأقول له: وكيف تعمل في وظيفتك وأنت محاط بالمشكلات؟! هل يرضى منك أرباب العمل أن تعتذر عن عدم العمل بسبب المشكلات العائلية أو الشخصية؟! وهل إذا رضوا يوماً أو أسبوعاً أو شهراً فسيرضون بآخر؟! فإذا كنت قد وطّنت نفسك على العمل الوظيفي وقد أحاطت بك المشكلات فوطن نفسك أيضاً على العمل للوصول للأثر النافع وقد أحاطت بك المشكلات!! فعمل الدعوى أحرى وأولى أ يُمارَس مهما كان الإنسان محاطاً بالمشكلات والهموم، ومن ذا الذي خلا يوماً من الهموم؟ ومن ذا الذي خلص من المشكلات وأنواع الغموم؟