2. فوائد من كتاب بهجة المجالس
قال مصعب بن عبد الله الزُّبيري: قال لي رجل من أهل الأدب فارسيّ النسب: إن ثلاثة ضروب من الرجال لم يستوحشوا في غربة، ولم يقصروا عن مكرمة: الشجاع حيث كان، فبالناس حاجة إلى شجاعته وبأسه، والعالم فبالناس حاجة إلىعلمه، والحلواللسان فإنه ينال ما يريد بحلاوة لسانه ولين كلامه، فإن لم تعط رباطة الجأش، وجرأة الصدر، فلا يفوتنك العلم وقراءة الكتب، فإن بها أدباً وعلماً قد قيَّدته لك العلماء قبلك، تزداد بها في أدبك وعلمك .
قال عبد الملك بن مروان لبنيه: يا بنيّ لوعداكم ما أنتم فيه ما كنتم تعوّلون عليه? فقال الوليد:أما أنا ففارس حرب، وقال سليمان: أما أنا فكاتب سلطان، وقال ليزيد: فأنت? فقال: يا أمير المؤمنين!? ما تركاغاية لمختار. فقال عبد الملك: فأين أنتم يا بنيّ من التجارة التي هي أصلكم ونسبتكم? فقالوا: تلك صناعة لا يفارقها ذل الرغبة والرهبة، ولا ينجوصاحبها من الدخول في جملة الدّهماء والرعية، قال: فعليكم إذاً بطلب الأدب، فإن كنتم ملوكاً سدتم، و إن كنتم أوساطاً رأستم، وإن أعوزتكم المعيشة عشتم.
كان عليُّ بن أبي طالب يقول: إنّ هذه القلوب تملّ كما تملُّ الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة. قال عبد الله بن مسعود: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخوَّلنا بالموعظة مخافة السّآمة علينا.
قال عليٌّ رضي الله عنه: نبّه بالتفكّر قلبك، وجاف عن النوم جنبك، واتق الله ربّك. قال أبو الدّرداء: إني لأستجمُّ قلبي بشيءٍ من اللّهو، ليكون أقوى لي على الحقّ.
قال عبد الله بن مسعود: أريحوا القلوب، فإن القلب إذا أكره عمى. وقال أيضاً: إنّ للقلوب شهوةً وإقبالا، وفترة وإدباراً، فخذوها عند شهواتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها.
كان يقال: الملالة تفسخ المودّة، وتولّد البغضة، وتنغّص اللّذة. قال أرسطو طاليس: ينبغي للرّجل أن يعطي نفسه لذّتها في النهار ليكون ذلك عوناً لها على سائر يومه.
في صحف إبراهيم عليه السّلام: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعةٌ يناجي فيها ربّه، وساعةٌ يحاسب فيها نفسه، وساعةٌ يخلّي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحلّ ويجمل، فإنّ هذه الساعة عونٌ له على سائر السّاعات.
قال عمر بن عبد العزيز: تحدثوا بكتاب الله تعالى، وتجالسوا عليه، وإذا مللتم فحديثٌ من أحاديث الرّجال حسنٌ جميل. قال بعض الحكماء من السَّلف:القلوب تحتاج إلى قوتها من الحكمة كما تحتاج الأبدان إلى قوتها من الغذاء.
دخل عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز على أبيه، وهو في نوم الضّحى، فقال: يا أبت إنّك لنائم، وإنّ أصحاب الحوائج لراكدون ببابك فقال: يا بنيَّ إن نفسي مطيّتي، وإن حملت عليها فوق الجهد قطعتها.
قال الحسن البصريُّ : حادثوا هذه القلوب، فإنّها سريعة الدُّثور، وأفزعواهذه النفوس فإنها طلعة، وإن لم تفعلوا هوت بكم إلى شرّ غاية.
قال زيادٌ لجلسائه: من أغبط الناس عيشاً? قالوا: الأمير وجلساؤه.فقال :ما صنعتم شيئاً، إنّ لأعواد المنابر هيبة،و إنّ لفرع لجام البريد لفزعة، ولكن أغبط النّاس عندي: رجل له دارٌ لا يجري عليه كراؤها، وله زوجة صالحة، قد رضيته ورضيها فهما راضيان بعيشهما، لا يعرفنا ولا نعرفه، فإنّه إن عرفنا وعرفناه أتعبنا ليله ونهاره، وأفسدنا دينه ودنياه.
قال عمر: لما فتح الله على رسوله بني النضير وغيرهما، كان يتخذ منها لنفسه وعياله قوت سنة، ثم يجعل الباقي في الكراع والسّلاح في سبيل الله.
قال محمد بن سيرين: نهيتم عن الأمانيّ، ودللتم على ما هو خير منها لكم، سلوا الله من فضله. قال سليمان: إذا أحرزت النفس قوتها اطمأنت.
قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله -: لذّة العيش ظفرك بمن تحبّ بعد امتناع، ولذة لا توجب عليك إثماً، وحقٌ وافق هوىً. قيل لأبي حازم: ما اللّذة? قال: الموافقة، ولا أنيس كالصاحب المواتي.
قيل لأمّ البنين: ما أحسن شيءٍ رأيت؟ قالت: نعم الله مقبلةً عليّ. سأل قتيبة رجلاً: ما السّرور? قال: الولد الصالح والمال الواسع.
قال بعض الحكماء: كثرة الالتفات سخف، ومجالسة الحمقى تورث النّوك، وكثرة المنى تخلق العقل، وتفسد الدين، وتنفي القناعة.
قال عمرو بن بحر: كأنه ذهب إلى أن المال إذا ملك وجبت فيه حقوق، وخاف مالكه عليه الزوال، واحتاج إلى الحفظ، وكل من عظمت عليه نعمة الله عظمت مؤونة الناس عليه.
قال يزيد على المنبر: ثلاث يخلقن العقل، وفيها دليلٌ على الضعف: سرعة الجواب، وطول المنى، والاستغراق في الضحك. قال الأحنف بن قيس: كثرة الأماني من غرور الشيطان.
قال الحجاج بن يوسف لخريم -وهو خريم بن خليفة بن سنان بن أبي حارثة المرّي- ما العيش؟ قال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش. قال: زدني قال: والشّباب، فإني رأيت الشّيخ لا ينتفع بعيش. قال: زدني. قال: والصّحة، فإني رأيت السّقيم لا ينتفع بعيشٍ. قال زدني. قال: لا أجد مزيداً.
قال المستورد: الذَّهب والورق حجران، إن تركتهما لم يزيدا، وإن أخذت منهما نفدا، والحيوان كالبقل إن أصابته الشمس ذوى، ولكن المال الأرض والماء .
لما بلغ عمر بن الخطاب أن من نزل بالكوفة من الصحابة اتخذوا الضياع وعمروا الأرضين، كتب إليهم: لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمها في وجهها. ولمابلغه أن عتبة بن غزوان وأصحابه بنوا باللَّبن كتب إليهم: وقد كنت أكره لكم ذلك، فإذا فعلتم فعرّضوا الحيطان، وأرفعوا السُّمك، وقاربوا بين الخشب
باع رجل رجلاً أرضاً، فقال البائع: أما والله لقد أخذتها شديدة المؤونة قليلة المعونة -يعني الأرض-. فقال المبتاع: والله لقد أخذتها بطيئة الاجتماع سريعة التفرق -يعني الدراهم.
أوصى سهل بن حينف، أحد بني عبد الرحمن بن عوف، وكانت أمُّه أنصارية فقال له: إنك احبّ إخوتك إليّ، وإني موصيك بوصية: اعلم أنه لا عيلة على مصلح، ولا مال مع الخرق، واعلم أن خير المال العقل، وخير المال ما أطعمك ولم تطعمه وإن قلّ، واعلم أن الرقيق ليسوا بمال، ولكنهم جمال، واعلم أن الماشية إنما هي مال أهلها، وإن كنت متخذاً من المال شيئاً فمزرعة إن زرعتها انتفعت بها، وإلا لم ترزءك شيئاً. قال: فحفظت نصيحته، فكانت لي أنفع مما ورثت.
قال الّليث بن سعد: لماا فتتحت إفريقية عجب الناس من كثرة ما أصابوا فيها من الأموال، فسألوا بعض من كان معهم من الأسرى، فبدر إلى شجرة زيتون كانت بين يديه، فأخذ منها عوداً وأراهم إياه، وقال: من هذا جمعنا هذه الأموال نصيب الزيتون فيأتينا أهل البحر والبر، والصحراء والرمل، يبتاعون منا الزيتون، فمن ثمَّ كثرت أموالنا.
أجمع العلماء أنّ أشرف الكسب: الغنائم، وما أوجف الله عليه بالخيل والرِّكاب، إذا سلم من الغلول. وقد سمّى الله الجهاد تجارة منجية من عذابٍ أليم.
كان عبد الله بن مسعود يقول: عجباً للتاجر كيف يسلم إن باع مدح، وإن اشترى ذمّ. قال سعيد بن المسيّب: إذا أبغض الله عبداً جعل رزقه في الصِّياح.يعني -والله أعلم -من لا صناعة له إلاّ النداء لغير صلاة محترساً بالليل وبراحاً بالنهار.
قال ابن عباس: من اشترى ما لا يحتاج إليه يوشك أن يبيع ما يحتاج إليه. قال جعفر بن محمَّد: إني لأملق فأتاجر الله بالصدقة فأربح.
قيل لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله العباد على كثرتهم? قال:كما قسَّم بينهم أرزاقهم.
كان يقال: بكّروا في طلب الرزق، فإن النَّجاح في التبكير. قالوا: الرزق رزقان رزق لا يأتيك إلا بالتسبّب ورزق يأتيك به الله من حيث لا تحتسب. وقلت أنا الرزق رزقان.فرزق تطلبه، ورزق يأتيك عفواً .
قال أبو هريرة:إذا سأل أحدكم الله الرزق فلينظر كيف يسأل، فإن الله يرزق الحلال والحرام، ولكن ليقل الّلهم ارزقني ما ينفعني ولا يضرني.
قال بعض الحكماء: الحلال يقطر قطراً والحرام يسيل سيلا. قال أكثم بن صيفي: من فاته الرزق فبالعاقبة ظفر.
قال الأحنف : آفة الحرص الحرمان، ولا ينال الحريص إلاّحظّه. كان الحسن البصريّ يقول: ما بعد أملٌ إلاّ ملَّ عمل.
كان يقال: من أطال الأمل أمات العمل. قال بعض الحكماء : الإنسان لا ينفكُّ من الأمل، فإن فاته الأمل قوي على المنى.
من كلام الحكماء: الرزق مقسوم، والحريص محرومٌ، والحسود مغمومٌ، والبخيل مذموم. قال: والأمل يقع بسبب، وباب المنى مفتوح لمن أراد الدخول فيه.
قال زياد بن أبي سفيان: اثنان يتعجلان النَّصب ولا يظفران بالبغية: الحريص في حرصه، ومعلِّم البليد ينبو عنه فهمه. قال مسلم بن قتيبة: في إفراط الحرص مذلّة قبل إدراك الطلبة.
قال داود الطائي: يا ابن آدم ارتحلك الحرص فأنساك أجلك، ونصب لك أملك ورب حريص محروم، وواجد مذموم. كانوا يقولون: أول دناءة الحرص ، تأميل البخل.
قال عمر بن الخطاب : ما شيء أذهب لعقول الرجال من الطمع. وفي حديث آخر أن عمراً وابن الزبير قالا لكعب: ما يذهب العلم من صدور الرجال بعد أن علموه ؟ قال: الطمع، وطلب الحاجات إلى الناس.
قال عمرو بن عبيد: في المؤمن ثلاث خلال: يسمع الكلمة التي تؤذيه فيضرب عنها صفحاً كأن لم يسمعها، ويحبُّ للناس ما يحبُّ لنفسه، ويقطع أسباب الطمع من الخلق.
قال ابن المبارك رضي الله عنه: ما الذلُّ إلاّ في الطمع. قال غيره:ويح من غرّه الطمع، وتمادى به الولع.
قال أبو الدَّرداء: إنّ أحدكم يقول: اللهم ارزقني،و قد علم أنَّ الله لا يخلق له ديناراً ولا درهماً،وإنما يرزق بعضكم من بعض، فإذا أعطي أحدكم شيئاً فليقبله، فإن كان غنياً فليضعه في أهل الحاجة من إخوانه، وإن كان إليه فقيراً فليستعن به على حاجته ولا يردّ على الله رزقه الذي رزقه.
قال عبد الله بن عمر: ما يمنع أحدكم إذا أتاه الله برزق لم يسأله أن يقبله، فإن كان غنياً عاد به على أخيه، وإن كان محتاجاً كان رزقاً قسمه الله له.
أشخص المنصور سواراً القاضي من البصرة إلى بغداد في شيء أراد أن يشافهه فيه، فمر بواسط، وفيها يحيى بن سعيد الأنصاري يتولى القضاء،فدلَّ عليه، فقال له:ألك حاجة إلى أمير المؤمنين ؟ قال: نعم يعفيني من القضاء. فقال سوار للمنصور إذ قدم عليه، وكلمه فيما أراد: يا أمير المؤمنين! الأنصار تعلم ما يجب في حقهم. قال:هيه. قال: يحيى بن سعيد تعفيه من القضاء. قال :قد أعفيته.فلما انحدر سوار مرّ بواسط، فقال ليحيى بن سعيد: قد أعفاك أمير المؤمنين. فقال: لا جزاك الله خيراً عن صبية من الأنصار كانوا يقتاتون هذه الست مائة درهم في كلّ شهر. كأنه أراد أن يعرّض ولا يحقّق.
قال مطرِّف بن الشِّخير: إذا كانت لأحدكم إليّ حاجة فليرفعها في رقعة ولا يواجهني بها، فإني أكره أن أرى في وجه أحدكم ذل المسألة.
قال قيس بن عاصم: إياكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل. قال أوس بن حارثة: خير الغنى القناعة، وشرُّ الفقر الضَّراعة.
دخل أعرابيٌّ على داود بن مزيد المهلَّبي، فقال: إني لم أصن وجهي عن مسألتك، فصن وجهك عن ردِّي، وضعني من كرمك بحيث وضعتك من أملي فيك، قال:قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، وهي أكثر من قدرك. قال:والله لئن جاوزت قدري فما بلغت قدرك.
قالوا: أسعد الناس: من كان القضاء له مساعداً، وكان لذلك أهلا، وأشقى الناس: من كان مشغولاً بلا دين ولا دنيا، ولم يثق بأحد لسوء ظنه، ولا وثق به أحدٌ لسوء فعله.
كتب كسرى إلى بزرجمهر وهو في الحبس: جنت لك ثمرة العلم أن صرت به أهلا للقتل.فكتب إليه بزرجمهر: أما ما كان معي الجد فقد كنت أنتفع بثمرة العلم، والآن إذ ولّى عني الجدّ، فقد أنتفع بثمرة الصبر.
قال قيس بن عاصم لبنيه حين حضرته الوفاة: يا بني عليكم بالمال واصطناعه، فإنه منبهةٌ للكريم، ويستغنى به عن اللئيم. قال الحسن البصري: لكل أمة وثن يعبدونه، وصنم هذه الأمة الدينار والدرهم.
قال الحسن:إذا أردت أن تعلم من أين أصاب الرجل ماله، فانظر فيم أنفقه ، فإن الخبيث ينفق في السرف. قال أبو ذرّ أموال الناس تشبه الناس، وعن أبي ذر أيضا: إنما مالك لك، أو للوارث أو للجائحة، فلا تكن أعجز الثلاثة.
قال أكثم بن صيفي: من ضعف عن كسبه اتكل على زاد غيره. قال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يكسب المال ليكفَّ به وجهه، ويؤدِّي به أمانته، ويصل به رحمه.
قالوا للمسيح: يا روح الله أخبرنا عن المال، فقال المال لا يخلو صاحبه من ثلاث خلال: إما أن يكسبه من غير حله، وإما أن يمنعه حقه، وإما أن يشغله إصلاحه عن عبادة ربه .
قال جعفر من محمد رحمهما الله: من نقله الله من ذل المعصية إلى عز الطاعة أغناه بلا مال، وآنسه بلا أنيس، وأعزّه بلا عشيرة.
قال عبد الله بن الأهتم: من ولد في الفقر أبطره الغنى. كان يقال: خصلتان مذمومتان: الاستطالة مع السّخاء والبطر مع الغناء.
قالوا: بقدر ما يعطى الغنىُّ من الإيسار، يعطى من الإجلال، وبقدر ما ينزل بالفقير من فقر يذهب بهاؤه وتتضع منزلته، حتى يتهمه من كان يأمنه، ويسيء به الظن من كان يثق به. ومحاسن الغني مساوىء الفقير، إذا كان جواداً قالوا:مبذر، وإن كان لسناً قالوا: مهذار، وإن كان شجاعاً، قالوا: أهوج، وإن كان حليماً صموتاً، قالوا: عيّ بليد، وكل شيء هو للغنىّ مدح هو للفقير ذم.
قال بعض الحكماء في ذم الغنى: طالب الغنى طويل العناء، دائم النَّصب، كثير التعب، قليل منه حظُّه، خسيس منه نصيبه، شديد من الأيام حذره، ثم هو بين سلطان يرعاه، ويفغر عليه فاه، وبين حقوق تجب عليه، يضعف عن منعها، وبين أكفاء وأعداء ينالونه ويحسدونه ويبغون عليه، وأولاد يمُّلونه ويودون موته، ونوائب تعتريه وتحزنه.
قيل لبعض الحكماء : مابالنا نجد من يطلب المال من العلماء أكثر ممن يطلب العلم من ذوي الأموال ؟ قال: لمعرفة العلماء بمنافع المال، وجهل ذوي الأموال بمنافع العلم.
قال عمر بن الخطاب: إياكم والدَّين، فإنّ أوله همٌّ وآخره حرب. قال جعفر بن محمد: المستدين تاجر الله في الأرض.
قال عمر بن عبد العزيز: الدَّين وقرٌ طالما حمله الكرام. قال عمرو بن العاص: من كثر صديقه كثر دينه.
قيل لمحمد بن المنكدر:أتحجُّ وعليك الدين ؟ قال: الحج أقضى للدين. يريد الدعاء فيه والله أعلم. كان يقال: الدَّين رقّ، فلينظر أحدكم أين يضع رقّه.
كان يقال: الأذلة أربعة: النَّمَّام، والكذّاب ، والفقير، والمديان. كان يقال: حرّيّة المسلم كرامته، وذلُّه دينه، وعذابه سوء خلقه.
كان يقال: ثلاثٌ من حقائق الإيمان:الاقتصاد في الإنفاق، والإنصاف من نفسك، والابتداء بالسلام. كتب بعض الصالحين إلى بعض إخوانه: كل مارده العقل، وناله الفضل فجميلٌ حسن.
قال عبد الله بن عباس الهدي الصّالح، والسَّمت الحسن، والاقتصاد،جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة.
قال عمر بن الخطاب: لا يقل مع الإصلاح شيء،ولا يبقى مع الفساد شيء. سئل بعض العلماء عن السكينة، فقال: هي السكون عما الحركة فيه، والعجلة لا يحمدها الله ولا يرضاها.
قال أعرابي للحسن: ياأباسعيد علمني ديناً وسوطاً لا ذاهباً فروطاً، ولا ساقطاً سقوطاً , قال له الحسن:أحسنت، خير الأمور أوسطها.
قال خالد بن صفوان: في السفر ثلاثة معان:الأول الغرم، الثاني القدرة، والثالث الرحيل. كان يقال: فقد الأحبة غربة.
قال شريك:كان يقال: إن أنجى النَّاس من البلايا والفتن، من انتقل من بلدٍ إلى بلد. قيل لبعضهم :أيُّ سفرٍ أطول? فقال: من كان في طلب صاحبٍ يرضاه، أودرهم حلالٍ يكسبه.
كان عبد الله بن عمر إذا ودع رجلا يقول:استودع الله دينك، وأمانتك، وخواتم عملك. قال الشعبي: السُّنة إذا قدم رجل من سفر، أن يأتيه إخوانه فيسلّموا عليه، إذا خرج إلى سفر أن يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعائهم.
ودع شعبة بن الحجّاج رجلا خارجاً إلى الحج فقال له :أما إنَّك إن لم تعدَّ الحلم ذلاً، ولا السّفه شرفاً، سلم حجُّك.
قالت أعرابية لابن لها، وقد ودعته وهو يريد سفراً: امض مصاحباً مكلوءاً، لا أشمت الله بك عدواً، ولا أرى محبيك فيك سوءاً.
قال خارجة بن زيد النحوي: دخلت على محمد بن سيرين بيته زائراً له،فوجدته جالساً بالأرض،فألقى إليّ وسادة،فقلت له:إني قد رضيت لنفسي مارضيت لنفسك.فقال: إني لا أرضى لك في بيتي ما أرضى لنفسي، واجلس حيث تؤمر، فلعل الرجل في بيته يكره أن تستقبله.
قال بعض الأكاسرة لحاجبه: لا تحجب عني أحداً إذا أخذت مجلسي،فإن الوالي لا يحجب إلا عن ثلاث:عيٌ يكره أن يطلع عليه، أو بخل فيكره أن يدخل عليه من يسأله، أو ريبة.
قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:قبلة الوالد عبادة، وقبلة الولد رحمة، وقبلة المرأة شهوة وقبلة الرجل أخاه دين.
كان عبد الملك بن مروان إذا ولَّى رجلاً البريد، سأل عن صدقه وعفته وأمانته، وقال: إن كذبه يشكك في صدقه، وشرّه يحمله على كتمان الحق، وعجلته تهجم به على ما يندمه ويؤثمه
قال عمرو بن العاص: ثلاثةٌ دالّة على صاحبها: الرسول على المرسل، والهدية على المهدي، والكتاب على الكاتب.
قال رجل لأبي ذر:فلان يقرئك السلام.فقال :هدية حسنة، وحمل خفيف. قال عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه:نعم الشيء الهدية أمام الحاجة.
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: كانت الهدية فيما مضى هدية، أما اليوم فهي رشوة. وقال كعب الأحبار: قرأت في ما أنزل الله على بعض أنبيائه: الهدية تفقأ عين الحكيم.
كان داود عليه السلام يقول: الّلهم إني أعوذ بك من جار سوءٍ، عينه ترعاني، وقلبه لا ينساني. مكتوب في التوراة: إنّ أحسد النّاس لعالمٍ وأنعاه عليه قرابته وجيرانه.
قال عكرمة: أزهد النّاس في عالم جيرانه. قال رجل لسعيد بن العاص: والله إنّي لأحبُّك. فقال له:ولم لا تحبنّي ولست بجار لي ولا ابن عم.
قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه:من حق الجار أن تبسط له معروفك وتكف عنه أذاك. قال علّي للعباس رضي الله عنهما:مابقي من كرم أخلاقك?قال: الإفضال على الإخوان وترك أذى الجيران.
كان يقال:ليس من حسن الجوار ترك الأذى، ولكنه الصبر على الأذى. قال نافع: كان ابن عمر إذا نزل على قوم لا يأكل لهم شيئاً فوق ثلاث، ويقول بعد الثلاث: أمسكوا عنا صدقتكم، ويقول لي: أنفق من عندك.
قال عيسى عليه السلام: استكثروا من شيء لاتمسّه النار. قالوا: وما هو يا روح الله ؟ قال: المعروف. قال عبد الله بن عباس: ما رأيت رجلاً أوليته معروفاً إلا أضاء مابيني وبينه،ولا رأيت رجلاً فرط إليه مني شيء إلا أظلم ما بيني وبينه.
قال زيد بن علي بن حسين: ما شيء أفضل من المعروف ولا ثوابه ولا كلُّ من رغب فيه يقدر عليه ولا كلّ من قدر عليه يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والإذن تمت السعادة للطالب والمطلوب منه.
قال ابن عباس: المعروف أيمن زرع، وأفضل كنز، ولا يتم إلا بثلاث خصال: بتعجيله وتصغيره وستره. فإذا عجّل هني، وإذا صغّر فقد عظم،وإذا ستر فقد تمِّم.
قال القاسم بن معن، قال رجل لعون بن عبد الله بن عتبة:ما السخاء ؟ قال:التأني للمعروف ؟ قال فما البخل ؟ قال:الاستقضاء على الملهوف.
كان يقال:في كل شيء سرفٌ إلاّفي المعروف. قال ابن عباس لا يزهِّدنك في المعروف كفرٌ من كفر،فإنه يشكرك عليه من لم يصنعه.
كان يقال:من أسلف المعروف كان ربحه الحمد. قال عمرو بن العاص:في كل شيءٍ سرفٌ إلا في ابتناء المكارم أو اصطناع معروف، أو إظهار مروءة.
كان يقال:كما يتوخَّى للوديعة أهل الأمانة والثقة، كذلك ينبغي أن يتوخَّى بالمعروف أهل الوفاء والشكر.
كان يقال:إعطاء الفاجر يقوّيه على فجوره،ومسألة اللئيم إهانة للعرض،وتعليم الجاهل زيادة في الجهل، والصّنيعة عند الكفور إضاعة النعمة، فإذا هممت بشيء من هذا، فارتد الموضع قبل الإقدام على الفعل.
مكتوب في التوراة :افعل إلى امرئ السُّوء خيراً يجزك شراً. كان يقال:صاحب المعروف لا يقع،فإذا وقع أصاب متكئاً.
كان الحجاج بن يوسف يقول:خير المعروف ما أنعشت به الكرام. كان يقال:من لم يرب معروفه فكأنه لم يصطنعه.
كتب أرسطو طاليس إلى الإسكندر: املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها،وطلبك ذلك منها بالإحسان أدوم بقاء لإحسانك منه باعتسافك، وأعلم أنك إنما تملك الأبدان فتخطَّها إلى القلوب بالمعروف،واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجهد ألاّ تقول تسلم من أن تفعل .
كان يقال:أحي معروفك بإماتته. كان يقال: اتق أن يسدّ عنك طريق المعروف بالكفر أو بالمنّ، فإن المنّ يفسد الصنيعة والكفر يمحوها، والشكر يمحوها والشكر يجلب النعمة.
قال معاوية ليزيد:يابني اتخذ المعروف منالا عند ذوي الأحساب تشتمل به مودتهم، وتعظم في أعينهم، وتكف به عاديهم، وإياك والمنع، فإنه ضد المعروف.
كان يقال: حصاد من يزرع المعروف في الدنيا،اغتباط في الآخرة. ذم أعرابي رجلا،فقال: كان سمين المال، مهزول المعروف.
قال بزرجمهر: خير أيام المرء ما أغاث فيه المضطر،واحتسب فيه الأجر،وارتهن فيه الشكر، واسترقّ فيه الحرّ.
جمع كسرى مرازبته وعيون أصحابه، فقال لهم:على أي شيء أنتم أشد ندامة? قالوا:على وضع المعروف في غير أهله،وطلب الشكر ممن لا يشكره.
قال المهلب: عجبت لمن يشتري المماليك بماله، ولا يشتري الأحرار بمعروفه. قال: ليس للأحرار ثمن إلا الإكرام فأكرم حرّاً تملكه.
مكتوب في التوراة : اشكر لمن أنعم عليك، وأنعم على من شكرك،فإنه لا زوال للنعم إذا شكرت ولا مقام لها إذا كفرت والشكر زيادة في النعم، وأمان من الغير .
قال حذيفة بن اليمان: ماعظمت نعمة الله على أحد إلاّ ازداد حقّ الله عليه عظما. قال عروة بن الزَّبير:من لم يعرف سوء ما يبلى لم يعرف خير مايولى.
قال جعفر بن محمد: ماأنعم الله على عبد نعمة فعرفها بقلبه وشكرها بلسانه فما يبرح حتى يزداد. قال ابن عباس: لوقال لي فرعون خيراً لرددت عليه مثله.
قال سليمان التيميّ: إن الله عز وجل أنعم على عباده بقدر طاقته،وكلفهم من الشكر بقدر طاقتهم. قالوا:كلّ شكر وإن قلّ،ثمن لكل نوال وإن جلّ.
قال رجل من قريش لأشعب الطمع: ياأشعب! أحسنت إليك فلم تشكر! فقال:إن معروفك خرج من غير محتسب إلى غير شاكر. قالوا: لا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه.
قال جعفر بن محمد: مامن شيء أسرُّ إليَّ من يد أتبعها أخرى، لأنَّ مع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل.
قال محمد بن واسع لقتيبة بن مسلم: إنِّي أتيتك في حاجة رفعتها إلى الله قبلك، فإن أذن الله فيها قضيتها وحمدناك، وإن لم يأذن الله فيها لم تقضها وعذرناك.
قال خالد بن صفوان: لاتطلبوا الحوائج عند غير أهلها،ولا تطلبوها في غير حينها، ولا تطلبوا مالا تستحقون منها،فإن من طلب مالا يستحق استوجب الحرمان.
قال جعفر بن محمد: حاجة الرجل إلى أخيه فتنة لهما،إن أعطاه شكر من لم يعطه،وإن منعه ذم من لم يمنعه.
كان يقال: إذا طلب العاقل إلى كريم حاجة انقضت، لأن العاقل لا يطلب إلا ما يمكن،والكريم إذا سئل ما يمكن لم يمنع. كان يقال:إذا أحببت أن تطاع، فلا تسل مالا يستطاع.
قال رجل للأحنف:أتيتك في حاجة لا تزرؤك ولا تنكؤك. قال: إذاً لا تقضى،أمثلي يؤتي فيما لا يرزأ ولا ينكأ. قال رجل للعباس بن محمد،أو لعبد الله بن عباس: أتيتك في حاجة صغيرة، قال: فاطلب لها رجلاً صغيراً.
قيل لآخر:أتيتك في حاجة.قال: اذكرها،فإن الحرّ يقوم بصغير الحاجات وكبيرها. كان يقال:لا تستعن على حاجة بمن هي طعمته، ولا تستعن بكذاب، فإنه يقرب البعيد ويباعد القريب،ولا تستعن على رجل بمن له إليه حاجة.
قال أبو فزارة الغاضريّ: أصل العبادة ألا تسأل سوى الله حاجة،فلكل أحد في الله عوض من كل أحد،وليس لأحد من الله عوض بأحد.
سأل رجل مطرّف بن عبد الله بن الشِّخّير حاجة،فقال :من كانت له إلي حاجة فليكتبها في رقعة،فإني أرغب بوجوهكم عن مكروه السؤال.