فوائـد من كتـاب القناعة والعفاف
عن نافع : أن المختار بن أبي عبيد كان يرسل إلى عبد الله بن عمر بالمال فيقبله ويقول : لا أسأل أحدا شيئا ولا أرد ما رزقني الله تعالى .
عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه : أنه أوصى بنيه قال : عليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم وإياكم ومسألة الناس فإنه آخر كسب الرجل .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( ما فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر فاستعفوا )
جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السلام فسألهما فقالا له : إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : لحاجة مجحفة أو لحمالة مثقلة أو دين فادح وأعطياه ثم أتى ابن عمر فأعطاه ولم يسأله عن شيء فقال : أتيت ابني علي وهما أصغر منك سنا فسألاني وقالا لي وأنت لم تسألني عن شيء ؟ فقال جدهما رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إنما كانا يغران العلم غرا )
عن المنهال بن خليفة قال : قال موسى عليه الصلاة و السلام : يا رب إن نزلت بي حاجة فإلى من ؟ قال : إلى النجباء من خلقي .
عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه قال لصاحب له : إذا كانت لك إلي حاجة فلا تكلمني فيها ولكن اكتبها في رقعة ثم ارفعها إلي فإني أكره أن أرى في وجهك ذل المسألة .
قال سعيد بن العاص لابنه : يا بني أقبح الله المعروف إذا لم يكن ابتداء عن غير مسألة فأما إذا أتاك ترى دمه في وجهه ومخاطرا لا يدري أتعطيه أم تمنعه فو الله لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته
قال أسماء بن الحكم : ما بذل إلي رجل قط وجهه فرأيت من الدنيا وإن عظم لوجدته عوضا لبذل وجهه إلي .
كان سلم بن قانع يقول في دعائه : اللهم ارزقنا رزقا حلالا من غير كد ولا كبر ولا من من أحد ولا عار في الدنيا ولا منقصة في الأخرة .
عن عطاء قال : جاءني طاووس اليماني بكلام محبر من القول قال : يا عطاء لا تنزلن حاجتك بمن أغلق دونك أبوابه وجعل عليهاحجابه ولكن أنزلها بمن بابه لك مفتوح إلى يوم القيامة أمرك أن تدعوه وضمن لك أن يستجيب لك .
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ما من امرئ إلا وله أثر هو واطؤه ورزق هو آكله وأجل هو بالغه وحتف هو قاتله حتى لو أن رجلا هرب من رزقه لاتبعه حتى يدركه كما أن الموت مدرك من هرب منه .
قال علي رضي الله عنه : إن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطرات المطر لكل نفس بما كتب الله لها من زيادة أو نقصان في نفس أو أهل أو مال فمن رأى نقصا في أهله أو نفسه أو ماله ورأى لغيره غفيرة فلا تكونن ذلك له فتنة فإن المسلم ما لم يغش دناءة تظهر فيخشع لها إذا ذكرت ويغرى بها لئام الناس كان كالفالح الياسر والذي ينتظر أول فوزة من قداحة توجب له المغنم وتدفع عنه المغرم وكدلك المرء المسلم البريء من الخيانة إحدى الحسنين إذا ما دعى الله فما عند الله خير له وإما أن يرزقه الله تعالى فإذا هو ذو أهل ومال ومعه حسبه ودينه الحرث حرثان فحرث الدنيا : المال والبنون وحرث الأخرة الباقيات الصالحات وقد يجمعها الله تعالى لأقوام قال سفيان : ومن ذا يتكلم بهذا الكلام إلا علي ! !
عن عبد الملك بن مروان قال : كنت جالسا عند معاوية فأتي بطعامه فأخذ لقمة فرفعها إلى فيه ثم حدث نفسه ثم أخذها فرفعها إلى فيه ثم حدث نفسه فوضعها فتناولها وأكلها فطلبها فلم يجدها فخطب الناس فيها فقال : أيها الناس اتقوا الله فإنه ما لامرئ منكم إلا ما كتب الله له ووالله إن أحدكم ليرفع اللقمة إلى فيه مرة ومرتين ثم تقضى لغيره .
عن عمر بن عبد العزيز أنه قال : يا أيها الناس اتقوا الله واجملوا في الطلب فلو كان رزق أحدكم في قلة جبل أو في حضيض أرض لأكل رزقه فاتقوا الله واجملوا في الطلب .
عن ابن سيرين : عن أبيه قال : أردت أن أخرج في وجه فبينا أنا في الطريق إذ قال رجل : هذا أبوك خلفك حتى لحقني فقال : يا بني اتق الله حيثما كنت واعلم أن لك رزقا لن تعدوه فاطلبه من حله فإنك إن طلبته من حله رزقك الله طيبا واستعملك صالحا وأستودعك الله والسلام عليك .
قال الحسن البصري : الحريص الجاهل والقانع الزاهد كل مستوفا أكله مستوفا رزقه فعلام التهافت في النار .
قال ابن السماك للفضل بن يحيى وقد رد رجلا عن حاجة له : إن هذا لم يصد وجهه عن مسألتك وأكرم وجهك عن ردك أن تقضي حاجته .
سأل ابن أخ لمحمد بن سوقة محمدا فجعل محمد يبكي فقال له ابن أخيه : يا عم لو علمت أن مسألتي تبلغ هذا منك ما سألتك قال : يا ابن أخي لم أبك من مسألتك إياي إنما بكيت من تركي ابتدائك قبل أن تسألني .
قيل مكتوب في الكتب : يا عبدي إن كنت لا بد طالب حاجة من عبادي فاطلبها من معادن أهل الخير فترجع مغبوطا مسرورا ولا تطلبها من معادن أهل الشر فترجع غضبان محسورا .
قال أبو الجلد : كان لنا جار وكان أثر الفاقة والسكينة عليه فقلت له : لو عالجت شيئا لو طلبت شيئا ؟ قال : يا أبا الجلد وأنت تقول هذا من عرف ربه فلم يستغن فلا أغناه الله .
قال لقمان لابنه : يا بني إذا افتقرت فافزع إلى ربك وحده فادعه وتضرع إليه وسله من فضله وخزائنه فإنه لا يهلكه غيره ولا تسل الناس فتهون عليهم ولا يردوا إليك شيئا .
كتب بعض بني أمية إلى أبي حازم يعزم عليه أن يرفع إليه حوائجه فكتب إليه : أما بعد فقد جاءني كتابك تعزم علي ألا رفعت حوائجي إليك وهيهات رفعت حوائجي لمن لا تنصر الحوائج دونه فما أعطاني منها قبلت وما أمسك عني منها رضيت .
قال ابن سماك : كتب إلي أخ لي : أما بعد فلا تكن لأحد غير الله عبدا ما وجدت من العبودية بدا .
قال عبد الله بن عبيد بن عمير : لا ينبغي لعبد أخذ بالتقوى ورزق بالورع أن يذل لصاحب الدنيا .
قال : أبو حازم : كيف أخاف الفقر ولمولاي ما في السموات وما في الأرض وما فيهما وما تحت الثرى .
قال أبو حازم المديني : وجدت الدنيا شيئين : فشيء منها هو لي فلن أعجله قبل آجله ولو طلبته بقوة أهل السموات والأرض وشيء منها : هو لغيري فذلك ما لم أنله فيما مضى ولا أرجوه فيما بقي فيمنع الذي لي من غيري كما يمنع الذي لغيري مني ففي أي هذين أفني عمري ووجدت ما أعطيته في الدنيا شيئين فشيء يأتي أجله قبل أجلي فأغلب عليه وشيء يأتي أجلي قبل أجله فأموت وأخلفه لمن بعدي ففي أي هذين أعصي ربي .
قال وهب بن منبه : بلغنا أن الله تعالى يقول : ( كفى بي لعبدي بالا إذا كان عبدي في طاعتي أعطيته قبل أن يسألني وأجبته قبل أن يدعوني وأنا أعلم بما يرفق به منه ) وقال العمري : لقد انقطعتم إلى غير الله فما صنعتم فإن انقطعتم إليه خشيتم الصنيعة .
قال إسماعيل بن زياد : قدم علينا عبد العزيز بن أبي سلمان في بعض قدماته فأتيناه نسلم عليه فقال لنا صفوا للمنعم قلوبكم يكفيكم المؤن عند همكم ثم قال : أرأيت لو خدمت مخلوقا فأطلت خدمته ألم يكن يرعى لخدمتك حرمة فكيف بمن ينعم عليك وأنت تسيء إلى نفسك تتقلب في نعمه وتتعرض لغضبه هيهات همتك همة البطالين ليس لهذا خلقتم ولا بهذا أمرتم الكيس الكيس رحمكم الله تعالى .
قال عبد الله بن إدريس : لو أن رجلا انقطع إلى رجل لعرف ذلك له فكيف بمن له السموات والأرضون .
قال الحسن : يا بن آدم خف مما خوفك الله تعالى يكفيك ما خوفك الناس وإن من ضعف يقينك أن يكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله تعالى .
كان عبد العزيز بن أبي رواد خلف المقام جالسا وذلك بنصف الليل فسمع داعيا دعى بأربع كلمات فعجب منهن وحفظهن فالتفت فلم ير أحدا فإذا هو يقول : فرغني لما خلقتني له ولا تشغلني بما تكلفت لي به ولا تحرمني وأنا أسألك ولا تعذبني وأنا أستغفرك .
كان بكر بن عبد الله يقول في دعائه : اللهم ارزقنا من فضلك رزقا يزيدنا لك به شكرا وإليك فاقة وفقرا وبك عمن سواك غنى وتعففا .
قال سالم بن أبي الجعد : طلبت الدنيا من مظانها حلالا فجعلت لا أصيب منها إلا قوتا أما أنا فلا أعيل فيها وأما هو فلا يجاوزني فلما رأيت ذلك قلت : أي نفس جعل رزقك كفافا فاربعي فربعت ولم تكد .
قال الحسن بن حسين : إني لأصبح وما عندي دينار ولا درهم ولا رغيف وكأنما حذيت لي الدنيا بحذافيرها .
شكى رجل إلى الحسن البصري حاجة وضرا فقال الحسن : والله لقد أعطاك الله دنيا لو لم تشبع من خبز الشعير لكان قد أحسن إليك .
كتب سليمان بن حسين المهلبي إلى الخليل بن أحمد وقد ولي الأهواز يدعوه فأبى أن يأتيه فكتب إليه : أبلغ سليمان أني عنه في سعة وفي غنى غير أني لست بلقائك شحا بنفسي إني لا أرى أحدا يموت هزلا ولا يبقى على حال الرزق هو قدر لا الضعف ينقصه ولا يزيدك فيه حول .
قيل لأبي أسيد الفزاري من أين تعيش ؟ فكبر الله وحمده وقال يرزق الله القرد والخنزير ولا يرزق أبا أسيد : ( إن المقادير لا تنالها الأوهام لطفا ولا تراها العيون ) ( سيجري عليك ما قدر الله ويأتيك رزقك المضمون )
قال أبو عبد الرحمن العمري : كنت جنينا في بطن أمي وكان يؤتى برزقي حتى يوضع في فمي حتى إذا كبرت وعرفت ربي ساء ظني فأي عبد أشر مني .
قال العمري : حضرنا أبي عند الموت فنظر إلينا وقال : ما أنت لي - أبتغي لكم الدنيا وما أحسن بكم كما أحسنتم الظن بمن لم يضمن فأحسنوا الظن بما قد ضمن .
لما احتضر بشر بن منصور قيل له : أوص بدينك ؟ قال : أنا أرجو ربي لذنبي لا أرجوه لديني ! ! قال : فلما مات قضى عنه دينه بعض إخوانه .
كتب عمر بن عبد العزيز إلى أخ من إخوانه في الله فكان في كتابه : لا تطلبن شيئا من عرض الدنيا بقول ولابفعل أخاف أن تضر بآخرتك وتزري بدينك ويمقت عليك .
كتب رجل من الحكماء إلى أخ له كان حريصا على الدنيا : أما بعد فإنك أصبحت تخدم الدنيا وهي تزجر عن نفسها بالإعراض والأمراض والآفات ولعلك كأنك لم تر حريصا محروما ولا زاهدا مرزوقا ولا ميتا عن كثير ولا متبلغا من اليسير حتى إذا خرجوا منها لم يألم فقير بفقره ولم ينتفع غني بغناه مهجورين تحت تراب الأرض منسيين فيها بعد النعمة فما تصنع بدار هذه صفتها وبلي إن استقصرت ليلها ونهارها واغتنمت مرور ساعتها فنعم الدار هي لك وإن امرءا حثه الليل والنهار واستقبل كل شيء منه بالفناء لحري أن يقيل نومه وأن يتوقع يومه والسلام .
قيل لبعض الحكماء : اكتسب فلان مالا قال : فهل اكتسب أياما يأكله فيها ؟ قيل : ومن يقدر على ذلك قال : فما أراه اكتسب شيئا .
كان الحسن يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نمثل معافاتك قالوا : وكيف ذلك يا أبا سعيد ؟ قال : الرجل يكون في بلده في خفض ودعة فتدعوه نفسه إلى أن يطلب الرزق من غيره .
قال بكر بن عبد الله المزني : يكفيك من الدنيا ما قنعت به ولو كف تمر وشربة ماء وظل خباء وكل ما انفتح عليك من الدنيا شيء ازدادت نفسك به تعبا .
عن عمرو بن شعيب عن أبيه : عن جده أنه قال : خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا ومن لم تكونا فيه لم يكتب لا شاكرا ولا صابرا من نظر إلى من فوقه في دينه فاقتدى به ونظر إلى من هو دونه في دنياه فحمد الله تعالى على ما فضله عليه كتب شاكرا صابرا ومن نظر إلى من هو دونه في دينه فاقتدى به ونظر إلى من هو فوقه في دنياه فأسف على ما فضله الله عليه لم يكتب شاكرا ولا صابرا .
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : من وعظ أخاه بنصيحة له في دينه ونظر له في صلاح دنياه فقد أحسن صلته وأدى واجب حقه فاتقوا الله فإنها نصيحة لكم في دينكم فاقبلوها وموعظة منجية من العواقب فالزموها فالرزق مقسوم ولن يعدو المرء ما قسم له فأجملوا في الطلب فإن في القنوع سعة بلغة وكفا عن كلفة لا يحل الموت في أعناقكم وجهته أيامكم وما ترون ذاهب وما مضى كأن لم يكن وكل ما هو آت قريب وما رأيتم حالات المنيب وهو يشرف وبعد فراغه وقد ذاق الموت وعائلهم تعجيل إخراج أهله إياه من داره إلى قبره وسرعة انصرافهم إلى مسكنه وجهه مفقود وذكره منسي وبابه عن قليل مهجور كأن لم يخالط إخوان الحفاظ ولم يعمر الديار فاتقوا يوما لا تخفى فيه مثقال حبة في الموازن .
كان من دعاء داود عليه السلام : يا رازق الغراب النعاب في عشه وذلك أن الغراب إذا فقس عن فراخه فقس عنها بيضاء وإذا رآها كذلك نفر عنها فتفتح أفواهها فيرسل الله عليها ذبابا فيدخل في أفواهها فيكون ذلك غذاؤها حتى تسود فإذا اسودت انقطع الذباب عنها وعاد الغراب إليها فغذاها .
قال ابن عباس : كان عابدا يعبد في غار فكان غراب يأتيه كل يوم برغيف يجد فيه طعم كل شيء حتى مات ذلك العابد
أقام إلياس عليه السلام مختفيا من قومه في كهف جبل عشرين ليلة أو قال : أربعين يأتيه الغربان برزقه .
قال عون بن عبد الله : إن من أعظم الخير أن ترى ما أوتيت من الإسلام عظيما عندما زوى عنك من الدنيا .
قال أبو الدرداء : أما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه علمه وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادة في مال ظل فرحا مسرورا والليل والنهار دائبان في هدم عمره لا يحزنه ضل ضلالة ما ينفع مال يزيد وعمر ينقص .
قال محمد بن سوقة : إن لم يعذبنا الله إلا على هاتين الخصلتين كنا قد استوجبنا أن يعذبنا : نفرح بالشيء اليسير من الدنيا ما علم الله منا مثل ذلك الفرح في حسنة عملناها ونحزن على الشيء اليسير من الدنيا يفوتنا ما علم الله منا مثل ذلك الحزن في سيئة ارتكبناها .
قال عمر بن عبد العزيز للخارجي : يا خارجي ما شيء قلته كأنك عنيتنا به أو لم تعننا أجمعت مالا ثم أنت موكل حتى الممات بحب ما لم تجمع .
قال عون بن عبد الله : الدنيا ممر والآخرة مرجع والقبر برزخ بينهما فمن طلب الآخرة لم يفته رزقه ومن طلب الدنيا لم يعجز الملك عند انقضاء أيامه وكان يبكي ويقول : كلنا قد أيقن بالموت وهو مقصر عن نفسه كأنه لا يخاف عليها الموت .
قرأ رجل عند عون بن عبد الله الآية " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " فقال عون : والله إنه ليرزقنا من حيث لا نحتسب ووالله إنه ليجعل لنا المخرج وما بلغنا كل التقوى وإنا نرجو إن شاء الله أن يفعل بنا في الثالثة كما فعل بنا في الاثنين : " ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا "
قال أبو حازم : ما من أحد إلا وهو محبوس عنه ومحبوس عليه فالمحبوس عنه بعض ما في يده رزقا لغيره والمحبوس عليه بعض ما في يده رزقا له .
قال أبو حازم : لئن والله نجونا من شر ما أعطينا لا يضرنا ما زوي عنا وإن كنا قد تورطنا في شر ما بسط علينا ما نطلب ما بقي إلا حمقا .
قال وهب بن منبه لعطاء الخراساني : ويحك يا عطاء ألم أخبر أنك تحمل علمك إلى أبواب الملوك وأبناء الدنيا ويحك يا عطاء تأتي من يغلق عنك بابه ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه ويظهر لك غناه ويقول : { ادعوني أستجب لكم } يا عطاء أترضى بالدون من الدنيا مع الحكمة ولا ترضى بالدون من الحكمة مع الدنيا ويحك يا عطاء إن كان يغنيك ما يكفيك وإن أدنى ما في الدنيا يكفيك وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيء يكفيك ويحك يا عطاء إنما بطنك بحر من البحور وواد من الأودية ولا يملأه شيء إلا التراب .
قال أيوب السختياني : لا يعبد الرجل حتى يكون فيه خصلتان : العفة عما في أيدي الناس والتجاوز عما يكون منهم .
قرأ عون بن عبد الله هذه الآية { وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } قال : إني لأرجو أن يعيدكم إليها بعد أن أبعدكم منها .
قال عيسى ابن مريم عليه السلام : ما سكنت الدنيا قلب عبد إلا أليط قلبه منهابثلاث شغل لا ينفك عناه وفقر لا يدرك غناه وأمل لا يدرك منتهاه الدنيا طالبة ومطلوبة فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذه بعنقه .
قال عنبسة بن سعيد : دخلت على عمر بن عبد العزيز أودعه فلما انصرفت ناداني يا عنبسة فأقبلت عليه فقال : أكثر من ذكر الموت فإنك لا تكون في واسع من الأرض إلا ضيقه عليك ولا في ضيق من الأمر إلا وسعه عليك .
قرأ الضحاك بن مزاحم هذه الآية { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } قال : عزاهم فقال : { لكي لا تأسوا على ما فاتكم } أي : لا تأسوا على شيء من أمر الدنيا فأنا لم أقدره لكم { ولا تفرحوا بما آتاكم } لا تفرحوا بشيء من أمر الدنيا أعطيناكموه فإنه لم يدم لكم .
قال أبو حازم : نعمة الله علي فيما زوى عني من الدنيا أفضل من نعمته علي فيما أعطاني منها . وقال : إذا وقينا شر ما أعطينا لم نبالي بما فاتنا .
قال : عيسى ابن مريم عليه السلام : اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم وإياكم وفضول الدنيا فإن فضول الدنيا عند الله رجس هذه الطير في السماء تغدو وتروح ليس معها من أرزاقها شيء لا تحرث ولا تحصد الله يرزقها فإن أبيتم وقلتم إن بطوننا أعظم من بطون الطير فهذه الوحوش من البقر والحمير تغدو وتروح ليس معها من شيء لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها .
قال رجل من العباد لرجل يوما : حسبك من التوسل إليه أن يعلم من قبلك حسن توكلك عليه فكم من عبد من عباده قد فوض أمره إليه فكفاه منه ما أهمه ثم قرأ : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب }
قرأ رجل هذه الآية { وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا } فأقبل على سليمان الخواص فقال : يا أبا قدامة ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله في أمره ثم قال : والله يا أبا قدامة لو عامل عبد الله بحسن التوكل عليه وصدق النية له بطاعته لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم وكيف يكون هذا يحتاج ومؤمله وملجأه إلى الغني الحميد .
قال بكر بن عبد الله المزني : من مثلك يا بن آدم خلي بينك وبين الطهور متى شئت تطهرت ثم ناجيت ربك وليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان .
قال ميمون بن مهران : إذا أتى رجل باب سلطان فاحتجب عنه فليأت بيوت الرحمن فإنها مفتحة فليصل ركعتين وليسل حاجته .
لقي عبد الله ين سلام كعب الأحبار عند عمر فقال : يا كعب من أرباب العلم ؟ فقال الذين يعملون به قال : فما يذهب العلم من قلوب العلماء بعد إذ عقلوه وحفظوه ؟ قال : يذهبه الطمع وشره النفس وتطلب الحاجات إلى الناس قال : صدقت .
كان عمر يقول على المنبر : أيها الناس إن الطمع فقر وإن اليأس غنى وإن الإنسان إذا يئس من الشيء استغنى عنه .
قال هزال القريعي : مفتاح الحرص الطمع ومفتاح الاستغناء الغنى عن الناس الأياس مما في أيديهم .
قال وهب بن منبه : الكفر أربعة أركان فركن منه الغضب وركن منه الشهوة وركن منه الخوف وركن منه الطمع .
كتب بعض الحكماء إلى أخ له : أما بعد فلتجعل القنوع ذخرا يبلغ به إلى أن تفتح لك باب تحسن الدخول فيه فإن الثقة من القانع لا تخذلك وعون الله مع ذي الأناءة وما أقرب الطمع من الملهوف .