فوائد من سير السلف الجزء الثانى
حكمــــــة
قال مطرف: دخلنا على أبي حازم الأعرج لما حضره الموت فقلنا: يا أبا حازم كيف تجدك؟ قال: أجدني راجيا لله حسن الظن به. ثم قال: إنه والله ما يستوي من غدا أو راح يعمر عقد الآخرة لنفسه، فيقدمها أمامه قبل أن ينزل به الموت حتى يقدم عليها، ومن غدا أو راح في عقد الدنيا يعمرها لغيره ويرجع إلى الآخرة لا حظ له فيها ولا نصيب. وقال: لئن نجونا من شر ما أصابنا من الدنيا ما يضرنا ما زوي عنا منها.
حكمــــــة
قال أبو حازم: كان سليمان بن يسار من أحسن الناس، فدخلت عليه امرأة بالأبواء كأنها فلقة قمر، فسألته نفسه فامتنع، فدنت منه فخرج هاربا من منزله وتركها فيه، قال سليمان: فرأيت بعد ذلك يوسف عليه السلام فيما يرى النائم وكنت بمكة وطفت وسعيت وأتيت الحجر، فنعست فإذا رجل وسيم شرحب جميل، له شارة حسنة ورائحة طيبة، فقلت: من أنت رحمك الله؟ فقال أنا يوسف بن يعقوب. قلت: الصديق؟ قال: نعم. قلت: إن شأنك وشأن امرأة العزيز عجب. قال: شأنك وشأن صاحبة الأبواء أعجب، أنا يوسف الذي هممت، وأنت سليمان الذي لم تهم.
حكمــــــة
عن عبد الرحمن بن حسن بن أسلم، أن صفوان بن سليم دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى مسكينا يقول: من قمصني قميصا قمصه الله قميصا في الجنة، فنزع صفوان قميصه فأعطاه المسكين، فرأى رجل من أهل الخير، كان صالحا، ثلاث ليال إذا رأيت صفوان أخبره أن الله تعالى قمصه قميصا من الجنة ليلة كذا وكذا، فخرج الرجل حتى أتى المدينة، فأتى علي بن حسين، فقال له: أرسل إلى صفوان، فبعث إليه فلما جاء صفوان أخبره الرجل بما رأى، قال علي بن حسين لصفوان، أقسمت عليك لتخبرني ما كان من تلك الليلة، فبكى صفوان فأخبره بأمر القميص.
حكمــــــة
روى جعفر بن زيد، قال: خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم، فنزل الناس عند العتمة فقلت: لأرمقن عمله فانظر ما يذكر الناس من عبادته، فصلى العتمة ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس، حتى إذا قلت: هدأت العيون، وثب فدخل غيضة قريبة منا فدخلت في أثره فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح الصلاة، وجاء أسد حتى دنا منه قال: فصعدت في شجرة، ولم يلتفت صلة إليه فلما سجد قلت: الآن يفترسه الأسد، فلم يكن شيئا، ثم سلم فقال: أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر، فولى وإن له لزئيرا أقول: تصدع منه الجبال، فما زال كذلك يصلي حتى كان عند الصبح جلس، فحمد الله بمحامد لم أسمع مثلها ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك
حكمــــــة
قال الحسن بن عمرو حدثنا مولى لعمرو بن عتبة، قال: طلبنا عمرا يوما حارا في ساعة حارة، فوجدناه في جبل وهو ساجد وغمامة تظله، وكنا نخرج إلى العدو فلا نتحارس لكثرة صلاته. ورأيته ليلة يصلي فسمعنا زئير الأسد فهربنا وهو قائم يصلي لم ينصرف، فقلنا له: ما خفت من الأسد؟ فقال: إني لأستحيي أن أخاف شيئا سوى الله.
حكمــــــة
عن أبي سليم الهذلي، قال: خطب عمر بن عبد العزيز فقال: أما بعد فإن الله عز وجل لم يخلقكم عبثا، ولم يجعل شيئا من أمركم سدى، وإن لكم ميعادا ينزل الله فيه للحكم والقضاء بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، فاشتروا قليلا بكثير، وفانيا بباق، وخوفا بأمان. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، ويستخلفها بعدكم الباقون، كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين. في كل يوم وليلة تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عز وجل قد قضى نحبه وانقضى أجله، حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع، ثم تدعوه غير ممهد ولا موسد قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب مرتهن بعمله، فقير إلى ما قدم، وغني عما ترك، فاتقوا الله قبل نزول الموت، وايم الله إني لأقول لكم هذه المقالة، وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب ما أعلم عندي، وما يبلغني عن أحد منكم حاجة إلا أحببت أن أسد من حاجته ما قدرت عليه، وما يبلغني أن أحدا منكم لا يسعه ما عندي إلا وجدت أن يمكنني تغييره حتى يستوي عيشنا وعيشه، وايم الله لو أردت غير ذلك من الغضارة والعيش لكان اللسان به ذلولا عالما بأسبابه، ولكن سبق من الله كتاب ناطق، وسنة عادلة دل فيها على طاعته، ونهى فيها عن معصيته، ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وشق وبكى الناس فكانت آخر خطبة خطبها.
حكمــــــة
حدثنا رياح بن عبيدة، قال " كان عمر بن عبد العزيز يعجبه أن يتأدم بالعسل فطلب من أهله يوما عسلا، فلم يكن عندهم، فأتوه بعد ذلك بعسل، فأكل منه فأعجبه فقال لأهله: من أين لكم هذا؟ قالت امرأته بعثت مولاي بدينارين على بغل البريد فاشتراه لي. فقال: أقسمت عليك لما أتيتني به فأتته ب... عكة فيها عسل فباعها بثمن يزيد، ورد عليها رأس مالها، وألقى بقيته في بيت مال المسلمين، وقال: أنضيت دواب المسلمين في شهوة عمر ".
حكمــــــة
عن سهل بن صدقة، مولى عمر بن عبد العزيز، قال " حدثني بعض خاصة عمر بن عبد العزيز أنه حين أفضيت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عاليا فسئل عن البكاء؟ فقيل: إن عمر بن عبد العزيز خير جواريه فقال: إنه قد نزل بي أمر قد شغلني عنكن، فمن أحب أن أعتقه أعتقته، ومن أراد أن أمسكه أمسكته، لم يكن مني إليها شيء فبكين إياسا منه ".
حكمــــــة
قالت فاطمة بنت عبد الملك: كنت أسمع عمر رحمه الله في مرضه الذي مات فيه يقول: اللهم أخف عليهم موتي ولو ساعة من نهار. قالت: فقلت له يوما يا أمير المؤمنين ألا أخرج عنك أن تغفي شيئا فإنك لم تنم، قالت: فخرجت عنه إلى بيت غير البيت الذي هو فيه، قالت: فجعلت أسمعه يقول: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} [القصص: 83]. يرددها مرارا، ثم أطرق فلبث طويلا لا يسمع له حس، فقلت لوصيف له كان يخدمه: ويحك انظر فلما دخل صاح، قالت: فدخلت عليه فوجدته ميتا قد أقبل بوجهه إلى القبلة، ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينه، رحمة الله ورضوانه عليه.
حكمــــــة
قال عون: كان أخوان في بني إسرائيل، فقال أحدهما لصاحبه: ما أخوف عمل عملته عندك؟ فقال: ما عملت عملا أخوف عندي من أني مررت بين قراحي سنبل فأخذت من أحدهما سنبلة، ثم ندمت فأردت أن ألقيها في القراح الذي أخذتها منه، فلم أدر أي القراحين هو، فطرحتها في أحدهما، فأخاف أن أكون قد طرحتها في القراح الذي لم آخذها منه، فما أخوف عمل عملته أنت عندك؟ قال: إن أخوف عمل عملته عندي، إذا قمت في الصلاة أخاف أن أكون أحمل على إحدى رجلي فوق ما أحمل على الأخرى، وأبوهما يسمع كلامهما، فقال: اللهم إن كانا صادقين فاقبضهما إليك قبل أن يفتتنا فماتا، قال: فما ندري أي هؤلاء أفضل.
حكمــــــة
قال علقمة بن مرثد: كان لا يجالس أحدا قط يتكلم في شيء من أمر الدنيا إلا تحول عنه. وقال له قائل حين كبر ورق لو قصرت عن بعض ما تصنع، فقال: رأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة ألستم تقولون لفارسها: ودعها وارفق بها حتى إذا رأيت الغاية فلا تستبق منها شيئا؟ قالوا: بلى، قال: فإني أبصرت الغاية، وإن لكل ساع غايته، وغاية كل ساع الموت فسابق ومسبوق.
حكمــــــة
قال هشام بن زياد: كان العلاء بن زياد يحيي كل ليلة جمعة، فوجد ليلة فترة، فقال لامرأته: يا أسماء إني أجد فترة فإذا مضى كذا وكذا فأيقظيني، لوقت وقته ثم رقد فأتاه آت في منامه فأخذ بناصيته وقال: يا ابن زياد قم فاذكر الله يذكرك، فقام فزعا فلم تزل تلك الشعرات التي أخذ بها من العلاء قائمة حتى مات.
حكمــــــة
قال محمد بن علي: أوصاني أبي، فقال لا تصحبن خمسة ولا ترافقهم في الطريق لا تصحبن فاسقا فإنه بايعك بأكلة فما دونها، قلت: يا أبة وما دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها. ولا تصحبن البخيل فإنه يقطعك في ماله أحوج ما كنت إليه، ولا تصحبن كذابا فإنه بمنزلة السراب، يبعد عنك القريب ويقرب منك البعيد، ولا تصحبن أحمقا فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، ولا تصحبن قاطع رحم فإنه وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاث مواضع.