فوائد من كتاب الرقة والبكاء 2
فوائد من كتاب الرقة والبكاء 2
خرج عطاء بن يسار ، وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ، ومعهم أصحاب لهم ، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا ، فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم ، وبقي عطاء بن يسار قائما في المنزل يصلي . فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة ، فلما رآها ظن أن لها حاجة فأوجز في صلاته ثم قال : ألك حاجة ؟ قالت : نعم . قال : ما هي ؟ قالت : قم فأصب مني فإني قد ودقت ولا بعل لي . فقال : إليك عني لا تحرقيني ونفسك بالنار . ونظر إلى امرأة جميلة فجعلت تراوده عن نفسه ، وتأبى إلا ما تريد قال : فجعل عطاء يبكي ويقول : ويحك إليك عني إليك عني قال : واشتد بكاؤه . فلما نظرت المرأة إليه ، وما داخله من البكاء والجزع ، بكت المرأة لبكائه . فجعل يبكي ، والمرأة بين يديه تبكي . فبينما هو كذلك ، إذ جاء سليمان من حاجته . فلما نظر إلى عطاء يبكي ، والمرأة بين يديه تبكي ، جلس يبكي في ناحية البيت لبكائهما لا يدري ما أبكاهما وجعل أصحابهما يأتون رجلا رجلا ، كلما أتى رجل فرآهم يبكون ، جلس يبكي لبكائهم لا يسألونهم عن أمرهم ، حتى كثر البكاء وعلا الصوت . فلما رأت الأعرابية ذلك ، قامت فخرجت . قال : وقام القوم فدخلوا . فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالا له وهيبة . قال : وكان أسن منه . قال : ثم إنهما قدما مصرا لبعض حاجتهما ، فلبثا بها ما شاء الله . فبينا عطاء ذات ليلة نائم ، إذ استيقظ وهو يبكي فقال له سليمان : ما يبكيك أي أخي ؟ قال : فاشتد بكاؤه قال : ما يبكيك يا أخي ؟ قال : رؤيا رأيتها الليلة . قال : وما هي ؟ قال : لا تخبر بها أحدا ما دمت حيا . قال : وذاك . قال : « رأيت يوسف النبي صلى الله عليه وسلم ، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر . فلما رأيت حسنه بكيت فنظر إلي في الناس فقال : ما يبكيك أيها الرجل ؟ قلت : بأبي أنت وأمي ، ذكرتك وامرأة العزيز ، وما ابتليت به من أمرها ، وما لقيت من السجن ، وفرقة الشيخ يعقوب صلى الله عليه وسلم ، فبكيت من ذلك ، وجعلت أتعجب منه . فقال صلى الله عليه وسلم : فهلا تعجبت من صاحب المرأة بالأبواء ؟ فعرفت الذي أراد ، فبكيت ، واستيقظت باكيا » قال سليمان : أي أخي وما كان حال تلك المرأة ؟ قال : فقص عليه عطاء القصة فما أخبر سليمان بها أحدا حتى مات عطاء ؛ وحدث بها بعده امرأة من أهله . قال : وما شاع هذا الحديث بالمدينة إلا بعد موت سليمان بن يسار.