فصل
فصل
وأما أهل الذمّة فاختلف أصحابُنا فيهم، فقطعَ الأكثرون بأننه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام. وقال آخرون: ليس هو بحرام، بل هو مكروه، فإن سلَّمُوا هم على مسلم قال في الردّ: وعليكم، ولا يزيدُ على هذا.
وحكى أقضى القضاة الماورديّ وجهاً لبعض أصحابنا، أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام، لكنْ يقتصرُ المسلِّم على قوله: السلام عليك، ولا يذكرُه بلفظ الجمع.
وحكى الماوردي وجهاً أنه يقول في الردّ عليهم إذا ابتدأوا: وعليكم السلام، ولكن لا يقول ورحمة اللَّه، وهذان الوجهان شاذان ومردودان.
روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنَّ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " لاتَبْدأوا اليَهُودَ وَلا النَّصَارَى بالسَّلامِ، فإذَا لقيتُمْ أحَدَهُمْ في طَريقٍ فاضْطَرُوهُ إلى أضْيَقِهِ " .
وروينا في صحيح البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ " .
وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عمرَ رضي اللّه عنهما؛ أن رسول صلى اللّه عليه وسلم قال: " إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ اليَهُودُ فإنَّمَا يَقُولُ أحَدُهُم: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: وَعَلَيْكَ " وفي المسألة أحاديث كثيرة بنحو ما ذكرنا، واللّه أعلم.
قال أبو سعد المتولي: ولو سلَّم على رجل ظنَّه مسلماً فبان كافراً يستحَبّ أن يستردّ سلامَه فيقول له: رُدّ عليّ سلامي؛ والغرض من ذلك أن يوحشه ويظهرَ له أنه ليس بينهما ألفة. ورُوي أن ابن عمر رضي اللّه عنهما سلَّم على رجلٍ، فقيل إنه يهودي، فتبعه وقال له: ردّ عليّ سلامي
قلت: وقد روينا في موطأ مالك رحمه اللّه أن مالكاً سُئل عمّن سلَّم على اليهوديّ أو النصراني هل يستقيله ذلك؟ فقال: لا، فهذا مذهبُه. واختاره ابن العربي المالكي.
قال أبو سعد: لو أراد تحية ذميّ فعلَها بغير السلام بأن يقول: هداك اللّه، أو أنعم اللّه صباحك. قلت: هذا الذي قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه فيقول: صُبِّحْتَ بالخير أو بالسعادة أو بالعافية، أو صبَّحَك اللّه بالسرور أو بالسعادة والنعمة أو بالمسرّة أو ما أشبه ذلك. وأما إذا لم يحتج إليه فالاختيار أن لا يقول شيئاً، فإن ذلك بسطٌ له وإيناس وإظهار صورة ودّ، ونحن مأمورون بالإِغلاظ عليهم ومنهيّون عن ودّهم فلا نظهره، واللّه أعلم.