باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( أن أم سلمة ذكرت لرسول الله كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور ، فقال : أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح ، بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله ) . رواه البخاري ( 427 ) ومسلم ( 528 ) ولهما عن عائشة قالت : ( لما نُزِلَ برسول الله طَفِقَ يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتمَّ بها كشفها ، فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذّر ما صنعوا ، ولولا ذلك أُبرز قبره ، غير أنه خُشِيَ أن يُتخذ مسجداً ) . رواه البخاري ( 435 ) ومسلم ( 531 )
----------------
( كنيسة ) هي معبد النصارى . ( بنوا على قبره ) أي قبر ذلك الرجل الصالح . ( مسجداً ) أي موضعاً للعبادة . ( وصوروا فيه تلك الصور ) الإشارة إلى ما ذكرت أم سلمة وأم حبيبة من التصاوير التي في الكنيسة . ( أولئك شرار الخلق عند الله ) مقتضى هذا تحريم ما ذكر . ( فهؤلاء جمعوا بين فتنتين . . . ) هذا من كلام شيخ الإسلام ، يعني أن الذي بنوا هذه الكنيسة جمعوا بين فتنتين ضل بها كثير من الخلق : الأولى / فتنة القبور ، لأنهم افتتنوا بقبور الصالحين وعظموها تعظيماً مبتدعاً ، فآل بهم إلى الشرك . والثانية / فتنة التماثيل ، أي الصور ، فإنهم لما فتتنوا بقبور الصالحين وعظموها ، وبنوا عليها المساجد ، وصوّروا فيها الصور لقصد تذكر أعمالهم ـ أي الصالحين ـ فآل الأمر إلى أن عُبِدَت الصور ومن هي صورته من دون الله . وهاتان الفتنتان هما سبب عبادة الصالحين . ( لما نزل ) أي نزل ملك الموت . ( طفق ) جعل . ( قميصه ) كساء له أعلام . ( لعن الله اليهود والنصارى ) لعنهم على هذا الفعل بعينه ، وهو اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد ، أي كنائس وبيَع يتعبدون ويسجدون فيها لله ، وإن لم يسموها مساجد ، فإن الاعتبار بالمعنى لا بالاسم ، ومثل ذلك القباب والمشاهد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين ، فإنها هي المساجد الملعون من بناها على قبورهم . ( ولولا ذلك لأبرز قبره ) أي لولا تحذير النبي ما صنعوا ، ولعن من فعل ذلك لدفن خارج بيته . ( غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ) وروي بفتح الخاء أو ضمها
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
عن جندب عن جندب بن عبد الله قال : ( سمعت النبي قبل أن يموت بخمس وهو يقول : إني أبرأ إلى الله أن يكون لي خليل ، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) . رواه مسلم ( 532 )
----------------
( إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ) أي امتنع من هذا وأنكره . والخليل : هو المحبوب غاية المحبة . قال القرطبي : ” وإنما كان ذلك لأن قلبه قد امتلأ من محبة الله وتعظيمه ومعرفته ، فلا يسع لمخالفة غيره “ . ( فإن الله قد اتخذني خليلاً ) هـذا تعليل لقوله : ( إني أبرأ ... ) فالنبي ليس في قلبه خلة لأحد إلا الله عز وجل ، وهذا دليل على أن الخلة أكمل من المحبة . ( ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ) فيه دليل على أن الصديق أفضل الصحابة . ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون ... فإني أنهاكم عن ذلك ) قال صاحب فتح المجيد : ” قلت : وكيف يسوغ مع هذا التغليظ من سيد المرسلين أن تعظم القبور ، ويبنى عليها ، ويصلى عندها وإليها ، وهذا أعظم مشاقة ومحادة لله تعالى ولرسوله لو كانوا يعقلون “ .
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعاً : ( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد ) . ورواه أبو حاتم في صحيحه
----------------
( من شرار الناس ) من للتبعيض ، شرار : جمع شرّاً . ( من تدركهم الساعة وهم أحياء ) أي إنما تقوم عليهم الساعة ، بحيث ينفخ في الصور وهم أحياء . فإن قلت : كيف الجمع مع حديث : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة ) ؟ الجواب : نقول : إن المراد بقوله : ( حتى تقوم الساعة ) أي قرب قيام الساعة . ( والذين يتخذون القبور مساجد ) فهم من شرار الخلق . قال شيخ الإسلام : ” هذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين ، أو الملوك وغيرهم ، تتعين إزالتها بهدم أو بغيره ، هذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين “ . قال ابن القيم : ” يجب هدم القباب التي بنيت على القباب والقبور ، لأنها أسست على معصية الرسول .