باب الاستغفار
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد (19)].
----------------
قال ابن كثير: وقوله عز وجل: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد (19)]، هنا إخبار بأنه لا إله إلا الله، ولا يتأتى كونه آمرا بعلم ذلك، ولهذا عطف عليه قوله عز وجل: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين... والمؤمنات} [محمد (19)]. وفي الصحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي، وجدي، وخطئي، وعمدي وكل ذلك عندي». وقال البغوي: {واستغفر لذنبك}، أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له لتستن به أمته، وذكر حديث الأغر المزني، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مئة مرة».
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما} [النساء (106)].
----------------
قال ابن كثير: وقد روى ابن مردويه من طريق العوفي، عن ابن عباس: « أن نفرا من الأنصار غزوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته، فسرقت درع لأحدهم، فأظن بها رجلا من الأنصار، فأتى صاحب الدرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي. فلما رأى السارق ذلك عمد إليها، فألقاها في بيت رجل بريء، وقال لنفر من عشيرته: إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده. فانطلقوا إلى نبي الله ليلا، فقالوا: يا نبي الله، إن صاحبنا بريء، وإن صاحب الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علما، فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس، وجادل عنه، فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبرأه وعذره على رؤوس الناس، فأنزل الله: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخآئنين خصيما * واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما * ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما} [النساء (105، 107)]. وقال البغوي: وقال مقاتل: إن زيد بن السمين أودع درعا عند طعمة فجحدها طعمة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. فقال: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق}، بالأمر والنهي والفصل. {لتحكم بين الناس بما أراك الله}، بما علمك الله، وأوحى إليك. {ولا تكن للخآئنين}، طعمة. {خصيما}، معينا مدافعا عنه. {واستغفر الله}، مما همت به من معاقبة اليهودي. وقال مقاتل: {واستغفر الله}، من جدالك عن طعمة. {إن الله كان غفورا رحيما}.
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال (33)].
----------------
عن ابن عباس قال: (كان المشركون يطوفون بالبيت، ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد، قد». ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. ويقولون: غفرانك غفرانك، فأنزل الله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال (33)]. قال ابن عباس: كان فيهم أمانان: النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاستغفار، فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبقى الاستغفار.
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران (135)].
----------------
أخرج أحمد والأربعة، وصححه ابن حبان من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حدثني أبو بكر الصديق - وصدق أبو بكر -: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من رجل يذنب ذنبا، ثم يقوم فيتطهر، فيحسن الطهور، ثم يستغفر الله عز وجل إلا غفر له»، ثم تلا {والذين إذا فعلوا فاحشة} [آل عمران (135)]. والآيات في الباب كثيرة معلومة.
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
عن الأغر المزني - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة». رواه مسلم.
----------------
قال في (فتح الباري): قال عياض: المراد بالغين فترات عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه. فإذا فتر عنه لأمر ما، عد ذلك ذنبا، فاستغفر منه، وقيل: هو شيء يعزي القلب من حديث النفس.
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا، لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم». رواه مسلم.
----------------
فيه: أن الله تعالى يحب التوبة والإنابة، ولهذا ابتلي آدم بالذنب، ليتوب وينيب وينكسر. قال الله تعالى: {وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} [طه (121، 122)].
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مئة مرة: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم». رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث صحيح».
----------------
فيه: زيادة في الخضوع لله. وفيه: إيماء إلى أن من أدب الدعاء أن يختم الداعي دعاءه بما يناسبه من أسماء الله تعالى.
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين/ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب». رواه أبو داود.ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
----------------
وفيه: أن نفع الاستغفار يعود بحوز مطلوب الدنيا والآخرة.
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفرت ذنوبه، وإن كان قد فر من الزحف». رواه أبو داود والترمذي والحاكم، وقال: «حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم».
----------------
في هذا الحديث: أن من استغفر الله وتاب إليه، غفرت ذنوبه كلها، صغائرها وكبائرها.
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ومن قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل، وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة». رواه البخاري.
----------------
«أبوء» بباء مضمومة ثم واو وهمزة ممدودة ومعناه: أقر وأعترف. قال الطيبي: لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها، استعير له اسم السيد، وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج، ويرجع إليه في الأمور. قوله: «وأنا على عهدك ووعدك». قال الخطابي: يريد أنا على ما عاهدتك عليه، وواعدتك من الإيمان، وإخلاص الطاعة لك ما استطعت. انتهى. يريد بذلك قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}... [الأعراف (172)]. قال الحافظ: وفي قوله: «ما استطعت» إعلام لأمته أن أحدا لا يقدر على الإتيان بجميع ما يجب عليه لله ولا الوفاء بكمال طاعة الله، والشكر على النعم، فرفق الله بعباده ولم يكلفهم من ذلك إلا وسعهم. قال ابن أبي جمرة: جمع - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث من بديع المعاني، وحسن الألفاظ ما يحق أن يسمى به سيد الاستغفار. ففيه: الإقرار لله وحده بالألوهية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذ عليه، والرجاء بما وعد به، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه، وإضافة النعماء إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه ورغبته في المغفرة، وإعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا الله.
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام» قيل للأوزاعي - وهو أحد رواته -: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله. رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: مشروعية الاستغفار بعد الصلاة ثلاث مرات: وفيه: إشارة إلى أن العبد لا يقوم بحق عبادة مولاه، لما يعرض له من الوسواس والخواطر، فشرع له الاستغفار تداركا لذلك.
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول قبل موته: «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله، وأتوب إليه» متفق عليه.
----------------
تقدم في باب الازدياد من الخير أواخر العمر، وذلك امتثالا لقوله تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [النصر (3)].
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
«عنان السماء» بفتح العين: قيل هو السحاب، وقيل: هو ما عن لك منها، أي ظهر. «وقراب الأرض» بضم القاف، وروي بكسرها، والضم أشهر. وهو ما يقارب ملأها. هذا من الأحاديث القدسية. وفيه: فضل الدعاء والرجاء. قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر (60)]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء مخ العبادة». والرجاء يتضمن حسن الظن بالله، والله تعالى يقول «أنا عند ظن عبدي بي». وفيه: الحث على الاستغفار. قال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وأسواقكم، ومجالسكم، وأينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة. وقال قتادة: إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم: فالذنوب، وأما دواؤكم: فالاستغفار. وقال إبليس لعنه الله: أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله، والاستغفار. قال بعض العارفين:؟؟... أستغفر الله مما يعلم الله... إن الشقي لمن لا يرحم الله ما أحلم الله عمن لا يراقبه... كل مسيء ولكن يحلم الله فاستغفر الله مما كان من زلل... طوبى لمن كف عما يكره الله طوبى لمن حسنت منه سريرته... طوبى لمن ينتهي عما نهى الله
باب الاستغفار
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن من الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار» قالت امرأة منهن: ما لنا أكثر أهل النار؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن» قالت: ما نقصان العقل والدين؟ قال: «شهادة امرأتين بشهادة رجل، وتمكث الأيام لا تصلي». رواه مسلم.
----------------
قوله: «وتكفرن العشير»، أي: تنسين معروف الزوج وجميله. وفي الحديث الآخر: «لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا يسيرا، قالت: ما رأيت منك خير قط». قوله: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن». اللب: العقل الخالص وذلك لعظم كيدهن، وقوة حيلهن. قال تعالى: {إن كيدكن عظيم}. وفي الحديث: استحباب وعظ النساء، وتعلميهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن وحثهن على الصدقة والاستغفار. وفيه: أن الصدقة والاستغفار من دوافع العذاب. وفيه: بذل النصيحة والإخلاص للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج، واستدل به على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين. والله أعلم.