باب الحلم والأناة والرفق
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}... [الأعراف (199)].
----------------
قال مجاهد: {خذ العفو}، يعني: من أخلاق الناس من غير تجسس. وقوله تعالى: {وأمر بالعرف}، أي المعروف، وكل ما يعرفه الشرع، {وأعرض عن الجاهلين} إذا تسفه عليك الجاهل فلا تقابله بالسفه. قال الشعبي: لما أنزل الله عز وجل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال: «ما هذا يا جبريل؟» قال: «إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك».
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} [فصلت (34، 35)].
----------------
قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم. وقال قتادة: الحظ العظيم: الجنة.
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة». رواه مسلم.
----------------
الحلم والأناة من صفات العقلاء. وسبب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك للأشج. ما جاء في حديث الوفد، أنهم لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأقام الأشج عند رحالهم فجمعها، وعقل ناقته، ولبس أحسن ثيابه ثم أقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقربه وأجلسه إلى جانبه. ثم قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تبايعوني على أنفسكم، وقومكم». فقال القوم: نعم. فقال الأشج: يا رسول الله، إنك لم تزاول الرجل على شيء أشد عليه من دينه. نبايعك على أنفسنا، ونرسل من يدعوهم. فمن أتبعنا كان منا، ومن أبى قاتلناه. قال: «صدقت، إن فيك خصلتين يحبهما الله. الحلم، والأناة»، قال: يا رسول الله، أكانا في أم حدثا، قال: «بل قديم». قال: الحمد الله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله.
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه». رواه مسلم.
----------------
الرفق: لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف، وهو الشدة والمشقة، فصاحب الرفق يدرك حاجته أو بعضها، وصاحب العنف لا يدركها، وإن أدركها فبمشقة، وحري أن لا تتم.
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين». رواه البخاري.
----------------
«السجل» بفتح السين المهملة وإسكان الجيم: وهي الدلو الممتلئة ماء، وكذلك الذنوب. في هذا الحديث: الرفق في إنكار المنكر، وتعليم الجاهل. وفي رواية ابن ماجة: فقال الأعرابي بعد أن فقه: بأبي وأمي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يؤنب ولم يسب، فقال: «إن هذا المسجد لا يبال فيه، وإنما بني لذكر الله، والصلاة فيه». وفي الحديث أيضا: نجاسة بول الآدمي، ووجوب تنزيه المسجد، وأنه يكتفي في ذلك بصب الماء عليها من غير تحجير.
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا». متفق عليه.
----------------
اليسر: ضد العسر. قال الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج (78)]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» والتعسير يوجب التنفير.
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من يحرم الرفق، يحرم الخير كله». رواه مسلم.
----------------
فيه الحث على الرفق في جميع الأمور، قال الله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران (159)].
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني. قال: «لا تغضب»، فردد مرارا، قال: «لا تغضب». رواه البخاري.
----------------
الغضب: جماع الشر، وباب من مداخل الشيطان الثلاثة وهي: الغفلة، والشهوة، والغضب. قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: قد أفلح من عصم من الهوى، والغضب، والطمع.
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
عن أبي يعلى شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته». رواه مسلم.
----------------
معنى إحسان القتلة: أن لا يقصد التعذيب للمقتول وإحسان الذبحة أن يرفق بالبهيمة عند الذبح. قال الإمام أحمد: ما أبهمت عليه البهائم فلم تبهم أنها تعرف ربها، وتعرف أنها تموت.
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه. وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالى. متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: استحباب الأخذ بالأيسر في أمور الدين والدنيا إذا لم يكن فيه معصية. وفيه: استحباب ترك الانتقام للنفس كما في الحديث: «وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا». وفيه: ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الحلم والصبر والقيام بالحق، والصلابة في الدين. وهذا هو الخلق الحسن قال الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم (4)].
باب الحلم والأناة والرفق
تطريز رياض الصالحين
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار؟ أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب، هين، لين، سهل». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
في هذا الحديث: استحباب ملاطفة الناس، وتسهيل الجانب لهم وقضاء حوائجهم. وفي الحديث الآخر: «إنكم لا تسعون الناس بأرزاقكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق».