باب تحريم الكبر والإعجاب
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحا} [الإسراء (37)].
----------------
أي: بطرا، وكبرا، وخيلاء، كمشي الجبارين {إنك لن تخرق الأرض}، أي: لن تقطعها بكبرك حتى تبلغ آخرها، {ولن تبلغ الجبال طولا}، أي: لا تقدر أن تطاول الجبال وتساويها بكبرك. وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يمشي في من كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة». ورأى البختري العابد رجلا من آل علي يمشي وهو يخطر في مشيته. فقال له: يا هذا، إن الذي أكرمك به لم تكن هذه مشيته. قال: فتركها الرجل بعده.
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور} [لقمان (18)].
----------------
ومعنى «تصعر خدك للناس»: أي تميله وتعرض به عن الناس تكبرا عليهم. و «المرح»: التبختر. قال ابن عباس: يقول لا تتكبر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وقال قتادة: ولا تحقرن الفقراء، ليكن الفقير والغني عندك سواء. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رب ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره. لو قال: (اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه الله الجنة ولم يعطه من الدنيا شيئا». وقال عبد الله بن المبارك: ألا رب ذي طمرين في منزل غدا...؟؟... زرابيه مبثوثة ونمارقه...؟؟؟؟ قد اطردت أنواره حول قصره...؟؟... وأشرق والتفت عليه حدائقه...؟؟
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} [القصص (76)]... إلى قوله تعالى:... {فخسفنا به وبداره الأرض} [القصص (81)].
----------------
كان قارون ابن عم موسى، آمن به ثم لحقه الزهو والإعجاب فبغى على موسى وقومه. وكانت مفاتح خزائنه تثقل الجماعة الكثيرة. والفرح المنهي عنه هو انهماك النفس، والأثر، والإعجاب. وقوله: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة} [القصص (77)]. بأن تصرفه في مرضاة الله {ولا تنس نصيبك من الدنيا}. من مأكل، وملبس، ومشرب وغيرها من المباحات. وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت. وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس». {وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض}. بالمعاصي إن الله لا يحب المفسدين. قال: أي: لما وعظه قومه أخذته العزة بالإثم. {إنما أوتيته على علم عندي} [القصص (78)]، أي: علم بالتجارة، ووجوه تثمير المال وعلم الله أني أهل له ففضلني به عليكم. قال الله تعالى: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} [القصص (78)]. أي: سؤال استعلام، فإنه تعالى مطلع عليهم وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ. وقوله تعالى: {فخسفنا به وبداره الأرض} [القصص (81)]... إلى آخر القصة. ففيها شؤم البغي، وسوء مصرع الكبر والإعجاب ومحبة الدنيا.
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر!» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة؟ قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس». رواه مسلم.
----------------
«بطر الحق»: دفعه ورده على قائله، و «غمط الناس»: احتقارهم. في هذا الحديث: تحريم الكبر، والوعيد الشديد على مرتكبه. وإن الجمال إذا لم يكن على وجه الفخر والخيلاء والمباهاة بل على سبيل إظهار نعمة الله لا يدخل في الكبر.
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - أن رجلا أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله، فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع! قال: «لا استطعت» ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه. رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: جواز الدعاء على من قصد الخروج عن أحكام الشريعة عمدا.
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون. وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها». رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن غالب أهل النار الجبارون والمتكبرون، وأن غالب أهل الجنة الضعفاء، ويشهد لذلك قوله تعالى: {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون} [الأعراف (48، 49)].
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا». متفق عليه.
----------------
البطر: الفرح مع قلة القيام بحق النعمة، وصرفها إلى غير وجهها، والبطر والخيلاء، والزهو، والكبر، والتبختر كلها بمعنى واحد، وهي حرام، وأما الطرب فهو خفة مع فرح. والحديث دليل على أن الإسبال حرام إذا كان على وجه الخيلاء والبطر، وإلا فيكره.
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر». رواه مسلم.
----------------
«العائل»: الفقير. سبب تخصيص، هؤلاء بهذا الوعيد، وإن كان لا يعذر أحد بذنب، لأن الشيخ قد ضعفت دواعي الشهوة فيه، والملك لا يخشى من أحد من رعيته، والفقير قد عدم المال، وهو الداعي فصارت هذه الخصال الثلاث عزيزة في هؤلاء الثلاثة، فكان عذابهم أشد من عذاب غيرهم.
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله تعالى: العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن ينازعني عذبته». رواه مسلم.
----------------
العز والكبرياء صفتان مختصتان بالله عز وجل لا يشاركه فيهما غيره، كما لا يشارك الرجل في إزاره وردائه، فمن ادعى العز والكبرياء فقد نازع الله في ملكه ومن نازع الله عذبه.
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه، يختال في مشيته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة». متفق عليه.
----------------
«مرجل رأسه»: أي ممشطه، «يتجلجل» بالجيمين: أي يغوص وينزل. قال قتادة: يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة. قيل: إنما فعل به ذلك تدريجا ليدوم عليه العذاب فيكون أبلغ في نكايته وإهانته.
باب تحريم الكبر والإعجاب
تطريز رياض الصالحين
عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
«يذهب بنفسه» أي: يرتفع ويتكبر. قال العاقولي: الباء في (يذهب بنفسه) للتعدية، أي: يرفع نفسه ويعتقدها عظيمة مرتفعة المقدار على الناس، ويجوز أن تكون للمصاحبة أي يوافقها على ما تريد من الاستعلاء. قلت: ويشهد لهذا قوله تعالى: {فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى} [النازعات (37: 39)].